عنوان الفتوى : متى أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم بجهاد المنافقين؟
قال ابن تيمية في الصارم المسلول في كلامه عن أسباب عدم قتل النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين: (وإنما لم يقم الحد عليهم؛ لكون جهاد المنافقين لم يكن قد أمر به إذ ذاك، بل كان مأمورا بأن يدع أذاهم).
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد كان الأمر بجهاد المنافقين بعد نزول سورة براءة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الصارم المسلول: قد قدمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يسمع من الكفار والمنافقين في أول الإسلام أذى كثيرا، وكان يصبر عليه؛ امتثالا لقوله تعالى: {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُم} لأن إقامة الحدود عليهم، كان يفضي إلى فتنة عظيمة، ومفسدة أعظم من مفسدة الصبر على كلماتهم. فلما فتح الله مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وأنزل الله براءة، قال فيها: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} وقال تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} إلى قوله: {أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً}. فلما رأى من بقي من المنافقين، ما صار الأمر إليه من عز الإسلام، وقيام الرسول بجهاد الكفار والمنافقين أضمروا النفاق، فلم يكن يسمع من أحد من المنافقين بعد غزوة تبوك كلمة سوء، وماتوا بغيظهم، حتى بقي منهم أناس بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، يعرفهم صاحب السر حذيفة، فلم يكن يصلي عليهم هو، ولا يصلي عليهم من عرفهم بسبب آخر مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فهذا يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتمل من الكفار والمنافقين قبل براءة، ما لم يكن يحتمل منهم بعد ذلك، كما قد كان يحتمل من أذى الكفار وهو بمكة، ما لم يكن يحتمل بدار الهجرة والنصرة. انتهى.
وسورة براءة، نزلت بعد فتح مكة؛ أي: بعد شهر رمضان من السنة الثامنة من الهجرة.
فقد قال السيوطي -رحمه الله- في الدر المنثور: أخرج أَبُو الشَّيْخ، عَن ابْن عَبَّاس -رَضِي الله عَنْهُمَا- قَالَ: نزلت بَرَاءَة بعد فتح مَكَّة. انتهى.
والله أعلم.