عنوان الفتوى : قصة أهل سمرقند حين استولى عليها قتيبة بن مسلم
أريد أن أسألكم عن قصتين في التاريخ الإسلامي: الأولى: قصة فتح سمرقند وتقول: إن قتيبة بن مسلم فتح سمرقند من غير أن يخير أهلها بين الإسلام والجزية، فلما علم أهل سمرقند أن المسلمين لا يفتحون البلاد إلا بعد التخيير اشتكوا لخليفة المسلمين، وكان عمر بن عبد العزيز، فعين عمر قاضيا يحل هذه المسألة، فقضى القاضي لأهل سمرقند، وطلب أن يخرج كل جندي مسلم من المدينة قبل غروب الشمس، فلبى الجند أمر القاضي، ولما رأى ذلك أهل سمرقند لحقوا المسلمين ودخلوا في دين الله.والقصة الأخرى هي في العصر الأموي كذلك، وتقول إن الخليفة الوليد بن يزيد كان يسبح في بركة من الخمر. فما صحة هذا الكلام؟ وإذا كان غير صحيح فهل كان الوليد بن يزيد يشرب الخمر أصلاً؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما القصة الأولى: فقد ذكرها على نحو ما سترى جمع من أهل العلم منوهين بها ومستدلين بها على عدل المسلمين وسمو أخلاقهم, فقد قال البلاذري في فتوح البلدان: وقال أَبُو عُبَيْدة وغيره لما استخلف عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ وفد عَلَيْهِ قوم من أهل سمرقند فرفعوا إليه أن قتيبة دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين عَلَى غدر، فكتب عُمَر إِلَى عامله يأمره أن ينصب لهم قاضيا ينظر فيما ذكروا، فإن قضى بإخراج المسلمين أخرجوا، فنصب لهم جميع بْن حاضر الباجي فحكم بإخراج المسلمين عَلَى أن ينابذوهم عَلَى سواء، فكره أهل مدينة سمرقند الحرب، وأقروا المسلمين، فأقاموا بَيْنَ أظهرهم. اهـ.
وجاء في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي للشيخ عبد الشافي محمد عبد اللطيف: ووفاء المسلمين بالمعاهدات ـ نصّا وروحا ـ أصبح من الحقائق التاريخية التي لا يجادل فيه باحث منصف لدرجة أنه لما خالف أحد القادة الفاتحين هذه القاعدة وشذ عليها، سجل التاريخ الإسلامي تلك الحالة الوحيدة، وأزال خليفة المسلمين تلك المخالفة، والحالة هي حالة قتيبة بن مسلم، عندما دخل سمرقند على شروط معينة، ولكنه لما دخلها لم يف بالشروط، فلما جاء الخليفة عمر بن عبد العزيز ـ99- 101 هـ ـ رفع إليه أهل سمرقند شكواهم، وقالوا: إن قتيبة دخل مدينتهم على وعد بالخروج منها، ولكنه لم يف بوعده، أي: غدر بهم، فكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على بلاد ما وراء النهر أن ينصب لهم قاضيا ينظر في شكواهم، فإن قضى بإخراج المسلمين من المدينة أخرجوا منها، فأقام لهم الوالي القاضي حاضر بن جميع، الذي نظر في القضية، ورأى أن الحق مع أهل سمرقند ـ المغلوبين ـ فحكم بإخراج المسلمين من المدينة على أن ينابذوهم على سواء، ولكن أهل سمرقند ـ وقد أذهلهم هذا السلوك الإسلامي الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ البشري ـ كرهوا الحرب وأقروا المسلمين على الإقامة في مدينتهم. اهـ.
وقال الدكتور علي الصلابي في كتابه: عمر بن عبد العزيز معالم التجديد والإصلاح الراشدي على منهاج النبوة: لما وصل خبر تولية عمر بن عبد العزيز الخلافة إلى سكان ما وراء النهر، اجتمع أهل سمرقند وقالوا لسليمان بن أبي السرّي: إن قتيبة غدر بنا، وظلمنا وأخذ بلادنا، وقد أظهر الله العدل والإنصاف، فائذن لنا فليفد منا وفد إلى أمير المؤمنين، يشكو ظلامتنا، فإن كان لنا حق أعطيناه، فإن بنا إلى ذلك حاجة، فإذن لهم سليمان، فوجهوا منهم قوماً فقدموا على عمر، فكتب لهم عمر إلى سليمان بن السري: إن أهل سمرقند، قد شكوا إليَّ ظلماً أصابهم،، وتحاملاً من قتيبة عليهم أخرجهم من أرضهم فإذا أتاك كتابي، فأجلس لهم القاضي فلينظر في أمرهم، فإن قضى لهم فأخرجهم إلى معسكرهم كما كانوا وكنتم قبل أن ظهر عليهم قتيبة، فأجلس سليمان جُمَيْعَ بن حاضر القاضي فقضى أن يخرج عرب سمرقند إلى معسكرهم وينابذوهم على سواء، فيكون صلحاً جديداً أو ظفراً عنوة، فقال أهل الصُّغد: بل نرضى بما كان ولا نجدِّد حرباً، وتراضوا بذلك. اهـ.
وأما عن القصة الثانية: فيمكن أن تراسلنا بشأنها في رسالة أخرى، التزامًا منا بنظام الموقع، من أن على السائل الاكتفاء بكتابة سؤال واحد فقط، وأن السؤال المتضمن عدة أسئلة، يجاب السائل عن الأول منها فحسب.
والله أعلم.