عنوان الفتوى : هل يشرع الاستغفار ثلاثا قبل أي عمل؟
هل يشرع الاستغفار ثلاثا قبل عمل أي شيء مهم مثل السفر أو عقد النكاح أو غيرهما؟ وما هي صيغة الاستغفار الموجودة بالضبط في السنة عند الشروع في القيام بعمل مهم؟ وإذا كانت المواظبة على ذلك بدعة لماذا عند عقد النكاح يطلب المأذون من الحضور قراءة الفاتحة والاستغفار وحدث ذلك مع أكثر من مأذون؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالاستغفار مشروع في كل وقت، وقبل أو بعد أي عمل، ولكن دون تحديد ذلك بصفة أو زمان أو مكان أو عمل لم يتم النص على تحديده في السنة الصحيحة، فلو استغفرت قبل السفر مع عدم جعل ذلك من أذكار السفر التي تستحب كلما سافرت وتستحب لكل مسافر، ودون تحديد عدد معين، فلا بأس بذلك، وكذلك عند عقد النكاح أو غيره من الأعمال المهمة؛ إذ الاستغفار من التوسل إلى الله بالأعمال المشروعة والمستحبة كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 116072 . وما أحيل عليه فيها.
وللاستغفار صيغ كثيرة وردت في السنة ، منها: أن تقول: أستغفر الله، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 678 فراجعها .
ومنها سيد الاستغفار وهو ما رواه البخاري في صحيحه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
ومما صح في فضل وصيغة الاستغفار ما رواه ابن مسعود أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ. رواه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني.
وكذلك من صيغ الاستغفار الواردة في السنة قول: غفرانك. وهذا يقال عقب الخروج من الخلاء – الحمام- فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: غُفْرَانَكَ. رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني.
ومن صيغ الاستغفار كذلك قول: ما ورد في دعاء الدخول والخروج من المسجد، فعَنْ فَاطِمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ وَقَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ وَقَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ . رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
ومن صيغ الاستغفار ما يقال بين السجدتين وهو قول: رب اغفر لي ، رب اغفر لي.
ومن صيغ الاستغفار: ما ورد عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. رواه البخاري ومسلم.
وأما عن المواظبة على ما ذكر في السؤال من تحديد الاستغفار بعدد معين ثلاثا مثلا، والتزامه عند فعل معين كالسفر واعتقاد سنية ذلك فهو من البدع الإضافية، إذ المسنون عند السفر هو دعاء السفر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الاستغفار ثلاثا فلم يجعله من سنن السفر، وكذلك قراءة الفاتحة عند خطبة فتاة أو عند عقد النكاح مع طلب الاستغفار من الناس هو من البدع الإضافية التي لا تشرع كما بينا في الفتوى رقم: 75680. فراجعها.
وإنما الوارد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم بين يدي الخِطبة -بكسر الخاء -وهي طلب المرأة للنكاح- يقدم بين يديها خُطبة الحاجة كما سبق وبينا في الفتويين: 12860، 46942 فراجعهما.
وعمل الناس لا تثبت به سنة أو مشروعية عمل معين، وإنما الأعمال المشروعة تثبت بالكتاب والسنة الصحيحة.
والله أعلم.