عنوان الفتوى : تراعى أحوال الناس في نهيهم عن البدع
وفّقكم الله. كنت أصافح النّاس بعد الصّلاة، وأقول لهم: تقبّل الله عملكم، بما وجدتّ عليه النّاس من حولي. ثمّ لمّا علمت أنّها بدعةٌ، لم أعد أبادر إليها وإنّما صرت أصافح من يصافحني فقط. ثمّ لمّا علمت شديد الوعيد من أمر البدعة، صرت إذا انتهيت من الصّلاة أُخفض رأسي وأغمض عينيّ؛ لأوهم من حولي أنّي منشغل بالذّكر بعد الصلاة، ولا أجيبه إلى هذه البدعة حتى يسأم مني فيتركني ويغادر. ثمّ إنّي قرأت أثراً عن ابن عمر -رضي الله عنهما- في أسلوبه مع الذي عطس ثم قال الحمد لله، والسّلام على رسول الله. فحاولت الاقتداء بابن عمر في ذلك، ولكنّ زمان ابن عمر ليس زماننا، وابن عمر ليس أنا، وعلمي ليس شيئاً أمام علمه (جلّ ما لديّ من علمٍ إنّما أخذته من قراءة الفتاوى والمقالات في موقعكم، والمواقع الأخرى الموثوقة) في بلدي ليس كلّ النّاس يقبل النّصح في موضوع كهذا، فهم درجاتٌ في ذلك منهم المتزمتّون بالبدعة حتّى إذا أنكر عليهم أحدٌ حاولوا المكر به والوشاية به عند الطغاة، ومنهم الجاهل المغيّب الذي قد يقبل إن نوقش بأسلوب حسنٍ، وبين هؤلاء درجاتٌ كثيرةٌ أغلبهم ممّن لا ينفع النّصح فيه، علماً أن المهتمّين بالعلم الشّرعي في هذا البلد كثيرٌ منهم لا ينكرون البدع، ومنهم من يشارك فيها، ومنهم من يدعو إليها، وإن أنكروا بدعةً لا ينفع إنكارهم لشدّة وهنهم في ذلك، حتى إنّ العامّي قد يسمع تلميح الشّيخ عن أنّ هذه بدعةٌ فيعود لفعلها دونما أيّ انتباه لما قاله الشّيخ. هذا موقفٌ واحدٌ -في بدعةٍ هي أخفّ من غيرها بكثير- وقيسوا عليه الكثير من المواقف الأخرى التي أُضطّر فيها إمّا للمشاركة في البدعة، أو لإظهار إنكاري لها. فأيُّ تصرفاتي المذكورة أعلاه هو الأصحُّ في زماننا هذا الذي تيقّنت -ولا زلت أزداد يقيناً- من أنّه هو الزّمان المذكور في الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص، حينما شبّه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم النّاس بالأصابع المتشابكة، وكيف سأطبّق "خذ ما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصّة نفسك، ودع عنك أمر العامّة" في مواقف كهذه دون أن أترك الصّلاة في المسجد مع عامّة المسلمين. الدّاعي لبقائي في بلدي هذا وصيّة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام بلزوم الشّام وقت الفتن، وكنت سأعيش في بلد من بلاد الشام أأمن فيه على ديني، لولا أنّ إكمال ما بقي لي من دراستي للطبّ يستلزم بقائي في هذه المناطق. يخطر ببالي أن أهاجر إلى بلدٍ (غالباً بلاد كفّار؛ لأن بلاد المسلمين لن تستقبلني غالباً) أتمكّن فيه من التّفرغ لإتمام دراستي، ثمّ أعود إلى بلدٍ من بلاد الشّام أأمن فيه على ديني ونفسي من الطّغاة وأذنابهم فهل تنصحوني بذلك، أم أبقى في هذا البلد وأصبر؟ أتمنّى أن أكون أوصلت الفكرة كاملةً، وأعتذر على الإطالة. وجزاكم الله عنّي كلّ خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالمواظبة على المصافحة بعد السلام مع الدعاء بقول: "تقبل الله" يعتبر بدعة في الدين، كما بيناه في الفتوى رقم: 10514.
ولا شك أن مراعاة أحوال الناس وزمانهم عند نصحهم وتعليمهم، أمر مهم، ويمكنك أن تبين لمن يصافحك هذا الأمر برفق ولطف، والناس يقبلون النصيحة التي تقدم في قالبها الشرعي، ومن لم يقبل، فقد أدى الناصح ما عليه، ومن خاف ضررا لم يلزمه النصح، وليصافح من سلم عليه، ولا يشاركه في التلفظ بتلك البدعة.
وأما الإقامة في بلدك مع فشو المنكرات، أو الهجرة إلى بلاد الكفر، فاسأل عن هذا من أهل العلم من يعيش في بلدك، فهم أدرى بالمفاسد والمقارنة بينها.
والله تعالى أعلم.