عنوان الفتوى : القول الراجح في تحديد مسمى البدعة

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنا هذا مَا لَيْسَ مِنْهُ فـَهُوَ رَدّ. رواه البخاري ومسلم. و مما لا شك فيه أن البدع هي كل ما يتعلق بالعبادات لا ما يتعلق بالعادات لذلك يرى البعض أن مكبّرات الصّوت في المساجد و المكيّفات و غيرها هي من الأجهزة الحديثة أي من العادات وليست من البدع. يقول الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين في ذلك: .والمكبر من الأجهزة التي سخرها الله تعالى ويسرها، وفي استخدامه مصلحة عظيمة... وبهذا يتبين أن الذين جعلوه من باب البدعة قد اجتهدوا فأخطئوا. سؤالي هنا: هل لمثل هذه الأجهزة الحديثة أن تصنف ضمن البدع إذا ما كانت فيها فتنة. على سبيل المثال: وجود شاشة في مسجد النساء تنقل مباشرة صورة الإمام الخطيب و بعضا من جالسي الصف الأول... وضع الجهاز لكي تنشغل النساء به فلا تنظرن إلى صفوف الرجال من الأعلى... فهل من المعقول إصلاح خطأ بخطأ ؟ إن في هذا الأمر لفتنة كبرى إذ تنشغل النّساء عن الخطبة بالنّظر للرجال!! حتى إنّهنّ يرفعن رؤوسهنّ إلى الشاشة أثناء الصّلاة ممّا يفقدهنّ التركيز و الخشوع. أنا شبه متأكدة أن هذا الأمر بدعة منكرة، يجب تركها، لأنها مست بالعبادة، لكني أحتاج لهذه الفتوى لأرسلها خصيصا للإمام حتى يقتنع، و يسعى إلى وقف هذه المهزلة اللهمّ ارض عنّا و لا تجعلنا من المغضوب عليهم ولا الضّالين؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما كون البدعة تدخل في العبادات ولا تدخل في العادات فهذا هو الراجح من قولي العلماء، فإن للعلماء في تحديد مسمى البدعة اصطلاحا مذهبين:

1 - مذهب من يتوسع في معناها فيحملها على ما أحدث بعد عهد النبوة، سواء كان راجعا إلى العبادات أم العادات أم المعاملات ، وسواء أكان حسنا أم قبيحا، وعلى هذا سار الإمام الشافعي رحمه الله كما نقل ذلك عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري حيث قال : قال الشافعي : البدعة بدعتان : محمودة ومذمومة ، فما وافق السنة فهو محمود ، وما خالفها فهو مذموم . . وجاء عن الشافعي رحمه الله قوله : المحدثات ضربان : ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه بدعة الضلال . وما أحدث من الخير لا يخالف شيئا من ذلك فهذه محدثة غير مذمومة.

2 – والمذهب الثاني من يفسر البدعة بالطريقة المخترعة على أنها من الدين وليست من الدين في شيء فهي مذمومة في كل حال ولا يدخل في حقيقتها واجب أو مندوب أو مباح، وعلى هذا سار الإمام الشاطبي حيث قال : البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه . وينظر فيما سبق/ مجلة البحوث الإسلامية- مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 14/158-160 وينصح بمراجعة كامل البحث فهو مفيد.

والراجح من هذين المذهبين في تعريف البدعة هو من يقصرها على الأمور المخترعة في الدين، فهذا هو ما دلت عليه النصوص الشرعية الكثيرة التي أطلقت ذم البدعة ولم تحسن منها شيئا، وقد سبق الكلام على هذا في الفتويين: 17613، 2741.

وبناء على هذا الترجيح يظهر أن البدعة هي ما كانت في الدين ، أما ما كان في أمور الدنيا فليس ببدعة كإحداث الصنائع والبلدان التي لم تعهد من قبل، وكذا ما اخترع بعد عهد النبوة مما هو متعلق بالدين كعلم النحو وأصول الفقه وسائر العلوم الخادمة للشريعة، فإنها وإن لم توجد في الزمان الأول فأصولها موجودة في الشرع فهذه ليست من البدعة في شيء ؛ لأن لها في الشريعة أصولا تدخل تحتها، وكذلك ما ذكرت في سؤالك من المخترعات الحديثة؛ كمكبرات الصّوت في المساجد و المكيّفات و غيرها هي من الأجهزة الحديثة فكل هذا خارج عن دائرة البدعة المذمومة شرعا إلا إذا قصد أحد التعبد بهذه الأشياء بذاتها وهذا ما لا يظن أن أحدا يفعله.

والآلة التي سألت عنها بقولك:" وجود شاشة في مسجد النساء..." إلخ ليست اختراع طريقة في الدين، بل هي اختراع عادي لأمر مفيد للإنسان في أمور عاداته، وليست من التعبد في شيء شأنها في ذلك شأن المخترعات الكثيرة التي ينتفع بها الناس في شؤونهم العادية.

وإنما النظر فيها من جهة أخرى وفي أمرين:

الأول: هل نقل صور ذوات الأرواح بهذه الشاشة يعد من التصوير المحرم الذي وردت الأدلة بذمه وتحريمه؟

فإن كانت تندرج تحت هذا النوع فهي ممنوعة لا لكونها بدعة بل لأنها محرمة شرعًا، وليست كل معصية بدعة والعكس هو الصحيح، فهذا أولًا.

والنظر الثاني في هذه الآلة: من جهة شغلها النساء المصليات وإلهائهن عن الخشوع في العبادة، وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على كساء له أعلام لأنه شغله فتركه ونفر منه وبين علة ذلك فقال: إِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي. وفي رواية: كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي. رواه البخاري ومسلم.

فإذا كان وجود الشاشة مما يشغل المصليات عن صلاتهن فلا توضع هذه الشاشة.

هذان الأمران هما ما ينبغي أن يكونا سبب الكلام على حكم هذه الشاشة، وليس لأنها بدعة منكرة، كما ذكرت في سؤالك.

هذا، ونؤكد أننا لا نحبذ استعمال مثل هذه الشاشات في المساجد، وقد سبق أن ذكرنا رؤيتنا الشرعية لمثل هذه المسألة بعينها في فتاوى سابقة، و كذلك ما يتعلق بشروط صحة الإتمام بما يغني عن إعادة الكلام في هذا الموضع، وهذه أرقامها: 18782، 23109،15440 .

ونحب أن ننبه السائلة وفقها الله على أن هذه المسألة من فقه النوازل والمستجدات المبنية على أمور مما تختلف فيها اجتهادات العلماء، وليست من الأمور المقطوع فيها برأي، بل هي من الخلاف الذي يؤجر فيه المصيب – إن كان من أهل العلم- أجرين: أجر الاجتهاد، وأجر الإصابة، ويؤجر فيه المخطئ أجرًا لاجتهاده، مع الحرص في هذا كله على تحري الدليل من الكتاب والسنة، وعلى الاجتماع وترك التباغض والشحناء، وقد ذكرنا ما يتعلق بأنواع الاختلاف المحمود والمذموم والخلاف السائغ والحكمة من الخلاف، في فتاوى سابقة يحسن مراجعتها، وهذه أرقامها: 8675، 16387 ، 26350، 26480، 27222، 40173.

 

والله أعلم.