عنوان الفتوى : محدثات الأمور بين البدعة وعدمها
ما معنى محدثات الأمور في قوله صلى الله عليه وسلم: وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة؟ وهل محدثات الأمور في الدين فقط؟ أم في غيره أيضا؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمحدثات التي جاء التحذير منها في الحديث الذي أشرت هي كل محدثة في الدين تخالف أصوله من كتاب، أو سنة, أو إجماع, أما المحدثات في الأمور الدنيوية التي ينتفع بها الناس في أمور معاشهم, فإنها لا تدخل في ضابط البدعة المحدثة, جاء في فتح الباري لابن حجر: وجاء عن الشافعي أيضا ما أخرجه البيهقي في مناقبه قال: المحدثات ضربان، ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا، فهذه بدعة الضلال، وما أحدث من الخير لا يخالف شيئا من ذلك، فهذه محدثة غير مذمومة. انتهى.
وفي شرح بلوغ المرام للشيخ عطية محمد سالم: ولكن ينبغي أن يعلم أن هذه الأمور المستحدثات التي هي شر كائنة في مقابل الهدي، أي: الأمر الديني الذي يترتب عليه ثوابٌ أو عقاب، فيقول هنا: شر الأمور محدثاتها ـ فلا يدخل تحت هذا الشر من المستحدثات ما كان من شئون الدنيا، وما كان لأهلها، فقد استحدثت صور عديدة في الحياة في المآكل والملابس والمشارب والمراكب: وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ {النحل:8} وجاءت أدوات ومستحدثات وصور أحدثها الإنسان استجابة لتطور الحياة، فلا يقال: تلك المستحدثات شرٌ، لأنها داخلة في عموم: شر الأمور محدثاتها! إذ ينبغي أن يراعى أنه جاء اللام في الأمور في مقابل قوله: وخير الهدي هدي محمد ـ أي: في الدين، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم ما يوضح ذلك غاية الإيضاح، وذلك في قضية تأبير النخل لما رآهم يؤبرون النخل بقلع الذكر، وقال: لمَ تفعلون؟ قالوا: لأن يلقح, قال: إن أراد الله لكم شيئاً جاء، فتركوا التلقيح في ذلك العام، فجاء النخل كله بثمرٍ شيص ـ أي: ليس ملقحاً ـ فلما قالوا له: يا رسول الله! تركنا وكان كذا، قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم ـ فأمور الدنيا لا تدخل في باب البدع. انتهى.
وفي شرح بلوغ المرام للشيخ عبد الكريم الخضير: أما المحدثات في أمور العادات والدنيا: فالمسلم يأخذ بما ينفعه منها، ويترك ما يضره، على ألا يكون فيما يأخذه من النافع ألا يكون من باب التشبه بالأعداء. انتهى.
والله أعلم.