يا عطشي؟! |
"القصيدة التي افتتح بها مهرجان المربد الثاني عشر ببغداد عام 1996" |
... |
أقفرَتْ السُّوحْ |
الخوفُ كتابٌ مفتوحْ |
لا ظلٌّ يأتي |
لا ظلَّ يروحْ |
وتلبَّسَ وجهُ الذَّابحِ وجهَ المذبوحْ |
من أيِّ جراحِ الأرضِ ستشربُ يا عطَشي؟!ّ |
.. |
كيف تأتي القصيده؟ |
ومن أين تملكُ أنتَ الظَّما |
المحاصرُ حَدَّ العَمى |
أن تجيءَ برؤيا جديده؟! |
.. |
كان جرحُكَ فيما مضى زاخراً بالدِّماءْ |
كنتَ تكتبُ والكبرياءْ |
فيضُ دَمْ |
يتفجَّرُ ملءَ القلَمْ |
ياه.. |
كم بائساً, موجِعاً يصبح الشِّعرُ إذ يغتدي |
محضَ صوتٍ وفَمْ! |
تستفزُّ الألَمْ |
تستفزُّ القيَمْ |
ثمَّ إذ تتوقَّفُ ما بين سطرٍ وسطرٍ |
تحسُّ الخواءْ |
وتحسُّ النَّدمْ |
وتحسُّ بأنّك ندّابةٌ توقظُ الهًّمْ |
لا تستثيرُ الهمَمْ! |
.. |
كيف تأتي القصيده؟ |
.. |
كان لي وطنٌ |
منذُ خمسين عاماً أُغنّي لهُ |
راجفاً تحت رايتِهِ في المطَرْ |
حدَّ قلبي انفطَرْ: |
"عشْ هكذا في علوٍّ.." وأشعرُ دمعي انهمَرْ |
فأغالطُهُ بالمطرْ! |
.. |
مَن يُعلِّمُ أولادَنا اليوم أن يُنشدوا لمواطنهم؟؟ |
أن يقولوا لها, رغمَ كلِّ الأسى |
جرحُنا ما رَسا |
في شواطىءِ غيرِكِ مهما قسا |
وجعُ الأرذلينْ؟.. |
من يعلّمهم مثلَ هذا الحنينْ؟ |
فينادونها بالهوى |
والجوى |
لا ينادونها بالأنين؟! |
من يعلّم أولادنا |
أن يكونوا لأوطانهم عاشقينْ؟! |
أسطُري لا تَبينْ |
ورؤايَ شتاتٌ موزَّعةٌ |
بين شكّي بها واليقينْ |
فكيف تجيءُ القصيده؟ |
.. |
ألكِي نكتبُ الشِّعرَ يا وطني |
نتعمَّدُ إيقاظَ أوجاعِنا من مَكامِنِها؟ |
كلَّما جرحُ آمِنِها |
فَزَّ, |
صار لشعرٍ ذريعَهْ؟ |
أفَما عادَ للشِّعر في أرضنا |
غيرُ صوتِ الفجيعه؟! |
أم نظلُّ نكابرُ يا وطني |
بالذِّما |
والدِّما |
والقلوب الصَّديعه |
فاطمين على الشِّعرِ أطفالَنا |
في الليالي المُريعه؟ |
أفليسَ لنا فرحٌ كي نبيعه؟! |
.. |
لسبعِ سنينٍ نغالبُ أوجاعَنا |
ونروّعُ بالصَّبر مَن راعَنا |
ونهدّدُهُ بالقصائدْ |
ونهدّدُهُ بالأغاني |
ثمّ نأوي إلى دورِنا |
لندثِّرَ أطفالنا بالأماني! |
وأي.. |
وحياتِكَ يا وطني |
نستميتُ إلى حدِّ نُجفِلُ من هَولِ جرأتِنا |
فيُثبّتُنا أنَّ غيظَكَ أجرا |
ويُثبِّتُنا أنَّ جرحَكَ أضرى |
ويُثبّتنا أنّنا بالذي فعلوا بك يا وطنَ الحبِّ |
أدرى |
.. |
يا ترابَ الحسينْ |
نحن عوَّدَنا كلُّ تأريخنا |
أن يكون بأعناقِنا الموتُ دَينْ |
ما جرى الماءُ في الرافدَينْ! |
.. |
ولأولادِنا فوْقَ هذا |
مروءتُنا |
ونبوءتُنا |
أنّ آخرَ شمسٍ ستُشرقُ من أرضِ بابلْ |
بعدَها يُرفَعُ الملكوتْ |
فإذا استُشهِدوا |
فكما يَعتلي النَّسرُ قمَّتَهُ ليموتْ |
لا كما تفطسُ العنكبوتْ! |
ولهذا استتَبُّوا |
أنَّهم بدءُ كلِّ البدايات |
ونهايةُ كلِّ النهايات |
ومن بعَدِهم |
سوف تُقفرُ كلُّ البيوتْ! |
.. |
ولذا سأقولُ, وللمرَّةِ الألف, |
والسَّنةِ السابعه |
بَعدَنا تقَعُ الواقعه |
ما لها عن منازلكم دافَعه |
وستُقلَعُ حتّى محاجرُها |
هذه الأمَّةُ الضائعه! |
.. |
سأقول بأنّا صَبَرنا إلى حَدِّ ضجَّ الصَّبرُ |
واجتازَ صحراءه الشاسعه! |
وأقولُ بَنَينا |
أقولُ وَفَينا |
وأجَلْ.. قد فَعَلنا |
ولكنّني أتلَفَّتُ حولي |
فأُبصرُ ملءَ المدى ألفَ عينٍ على خدِّها |
دامعه! |
أيُّها العَرَبُ اللايَعونْ |
بأنَّ المَنونْ |
تترصَّدُهم واحداً واحداً |
في ديارهم الخانعه! |
.. |
وسأبقى أسائلُ: |
من أين تأتي القصيده؟ |
من فجيعتنا في فلسطين؟ |
أم من تَشَتُّتِنا في البلاد البعيده؟ |
ولَعَمرُكَ ما ضقتَ يا وطني |
بل نفوسُ الرِّجالِ وأخلاقُهُم ضِقْنَ |
حتّى غدَونا نُفِّشُ عن أيِّما سببٍ |
لِنَفرَّ إلى أيِّ أرضٍ جديده |
يا بلادي التي أصبحتْ |
وهي بين بَنيها |
وحيده..! |
.. |
هل أوصَلْنا صرخَتَنا يا وطني؟؟ |
هل أتقَنّا أن نُعلنَ من أجلِكَ |
نصفَ الغضبِ الأعلَنّاهُ صغاراً |
من أجل جميعِ شعوبِ الأرض المقهوره؟؟ |
أتغَيَّرت الصُّوره؟ |
أم نحن تغَيَّرنا يا وطني؟ |
.. |
كنّا نهتفُ ملءَ حناجِرِنا لفيتنام.. لكوريّا.. كوبا |
لشعوب الهند الصينيَّةِ |
للسُّودِ المظلومين |
حل أحسَنّا أن نصرخَ نفسَ الصَّرخةِ |
من أجل فلسطين؟! |
هل نادَينا الشعبَ الليبيَّ كما نادَينا شعب الصِّين؟؟ |
ولا, |
لن أقول العراقْ |
لأنَّ جريمتَهُ لا تطاقْ..! |
لأنَّ يدَ العالمِ الآن مغلولةٌ |
صرخةَ الحقِّ مشلولةٌ |
ولذا, |
فالعراقُ مُدانٌ على دمِهِ الآن بالأتِّفاقْ! |
.. |
حسَناً |
ستُقايضُ أمريكا دمَنا بالنّفطِ |
ولن تنجحْ |
وتُقايض عزَّتَنا وكرامتَنا بالخبزِ |
ولن نَسمحْ |
وسنرفضُ يا عنوانَ كرامتِنا |
أن تُوطأ, أو تُجرَحْ |
يا علَماً لن نُسْلمَهُ للرّيحِ |
ولو كلُّ عراقيٍّ يُذبَحْ! |
.. |
وسأفهمُ أن يظلمَنا الأغرابْ |
وسأفهمُ أن توصَدَ في أوجُهنا الأبوابْ |
أن نؤكلَ |
ما دامت للعالمِ أنيابْ |
وشريعةُ غاب |
حتّى هذا سأحاولُ أن أفهمَهُ |
لكنْ لن أفهمَ أن يُصبحَ أوَّلَ من يأكُلنا |
إخَوتُنا الأعراب..! |