الفيلسوف المجنح
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
يا أيّها الشّادي المغرّد في الضحى | أهواك إن تنشد وإن لم تنشد |
الفنّ فيك سجيّة لا صنعة | والحبّ عندك كالطبيعة سرمدي |
فإذا سكتّ فأنت لحن طائر | وإذا نطقت فأنت غير مقلّد |
للّه درّك شاعرا لا ينتهي | من جيّد إلا صبا لِلأجوَدِ |
مرح الأزهار في غنائك والشّذى | وطلاقة الغدران والفجر الندي |
وكأنّ زورك فيه ألف كمنجة | وكأنّ صدرك فيه ألف مردّد |
كم زهرة في السفح خادرة المنى | سكنت على يأس سكون الجلمد |
غنّيتها ، فاستيقظت وترنّحت | وتألّقت كالكوكب المتوقّد |
وجرى الهوى فيها وشاع بشاشة | من لم يحب فإنه لم يولد |
وكأنّني بك حين تهتف قائل | للزهر : إنّ الحسن غير مخلّد |
فاستنفدي في الحبّ أيام الصّبا | واسترشديه فهو أصدق مرشد |
واستشهدي فيه، فمن سخر القضا | أن لا تذوقيه وأن تستشهدي! |
يا فيلسوفا قد تلاقى عنده | طرب الخلّي وحرفة المتوجّد |
رفع الربيع لك الأرائك في الربى | وكسا حواشيها برود زبرجد |
أنت المليك له الضياء مقاصر | وتعيش عيش الناسك المتزهد |
مستوفزا فوق الثرى، مُتَنَقِّلاً | في الدّوح من غصن لغصن أملد |
متزودا من كلّ حسن لمحة | شأن المحبّ الثائر المتمرّد |
وإذا ظفرت بنفحة وبقطرة | فلقد ظفرت بِرَوضَةٍ وبموردِ |
تشدو وتبهت حائرا مترددا | حتى كأنك حين تعطي تجتدي |
فكأنما لك موطن ضيّعته | خلف الكواكب في الزمان الأبعد |
وطن جميل كنت فيه سيّدا | فمضى ودام عليك همّ السيّد |
طورت عنه إلى الحضيض فلم تزل | متلفتا كالخائف المتشرد |
يبدو لعينك في العتيق خَيالُهُ | وتراه في ورق الغصون الميّدِ |
صور معدّدة لغير حقيقة | كالآل لاح لمعطش في فدفد |
فتهمّ أن تدنو إليه وتنئني | حتى كأنك خائف أن تهتدي |
وكأنه حلم يصحّ مع الكرى | فإن اِنتَهَيتَ من الكرى يتبدّد |
كم ذا تفتّش في السفوح وفي الذّرى | عنقاء أقرب منه للمتصيّد |
يا أيها الشادي المغرّد في الضحى | أهواك إن تنشد وإن لم تنشد |
طوباك إنك لا تفكّر في غدٍ | بدء الكآبة أن تفكّر في غد |
إن كنت قد ضيّعت إلفك إنني | أبكي على إِلفي الَّذي لَم يوجَدِ |