عصر الشبيبة
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
القصيدة التي ألقاها الشاعر في حفلة | |
التكريمية التي أقامها له صديقه السيد مالك الدرماني في فندق | |
روزقلت بكالفورنيا. | |
- - - | |
يا ليتما رجع الزمان الأول | زمن الشباب الضاحك المتهلل |
عهد ترحلت البشاشة إذ مضى | وأتى الأسى فأقام لا يترّحل |
ولّى الصبا وتبددت أحلامه | أودى به وبها قضاء حوّل |
حصدت أنامله المنى فتساقطت | صرعى ، كما حصد السنابل منجل |
فالروح قيثار وهت وتقطعت | أوتاره، والقلب قفر ممحل |
والشيب يضحك برقه في لّمتي | هذي الضواحك ، يا فؤادي، أنصل |
أشتاق عصرك، يا شبيبة ، مثلما | يشتاق للماء النمير الأبل |
إذ كانت الدنيا بعيني هيكلا | فيه إلاهات الجمال ترتل |
من كلّ حسناء كأنّ حديثها | السلوى أو الوحي الطهور المزل |
وأنا وصحي لا نفكر في غد | فكأنّ ليس غد ولا مستقبل |
نلهو ونلعب لا نبالي ضمّنا | كوخ حقير أم حوانا منزل |
نتوهّم الدنيا لفرط غرورنا | كملت بنا وبغيرنا لا تكمل |
ونخال أن البدر يطلع في الدجى | كيما يسامرنا فلا نتململ |
ونظنّ أنّ الروض ينشر عطره | من أجلنا ، ولنا يغنّي البلبل |
فكأنّما الأزهار سرب كواعب | وكأنما هو شاعر يتغزّل |
في كلّ منظور نراه ملاحة | وسعادة في كلّ ما نتخيّل |
لا شيء يزعج في الحياة نفوسنا | لا طارىء ، لا عارض، لا مشكل |
فكأننا في عالم غير الذي | تتزاحم الأيدي به والأرجل |
وكأننا رهط الكواكب في الفضا | مهما جرى في الأرض لا تتزلزل |
ألناس في طلب المعاش وهمّنا | كأس مشعشة وطرف أكحل |
كم عنّفونا في الهوى واسترسلوا | لو انهم عزفوا الهوى لم يعذلوا |
ولو انهم ذاقوا كما ذّقنا الرؤى | شبعت نفوسهم وإن لم يأكلوا |
زعموا تبذّلنا ولم يتبذلوا ، | إنّ الحقيقة كلّنا متبذّل |
حرموا لذاذات الهيام وفاتنا | درك الحطام ، فأينا هو أجهل؟ |
إني تأملت الأنام فراعني | كيف الحياة بهم تجدّ وتهزل |
لا يضبطون مع الصّروف قيادهم | إلا كما ضبط المياه المنخل |
بينا الفتى ملء النواظر والنّهى | فإذا به رقم خفي مهمل |
يا صاحبي، والعمر ظل زائل ، | إنّ كنت تأمل فيه أو لا تأمل |
ألذكر أثمن ما اقتنيت وتقتني | ولحبّ أنفس ما بذلت وتبذل |
قيل اغتنى زيد فليتك مثله | أنا مثله، إن لم أقل ، أنا أفضل |
ألشمس لي وله ، ولألاء الضحى | والنّيرات، ومثلما المنسوّل |
أما النّضار فإنه ، يا صاحبي | عرض يزول وسلعة تنقّل |
ما دمت في صحبي ودام وفاؤهم | فأنا الغنّي الحقّ لا المتموّل |
أنا لست أعدل بالمناجم واحدا | وأبيع من عقلوا بما لا يعقل |