وداع وشكوى
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أزفّ الرّحيل وحان أن نتفرّقا | فإلى اللّقا يا صاحبّي إلى اللّقا |
إن تبكيا فلقد بكيت من الأسى | حتى لكدت بأدمعي أن أغرقا |
وتسعّرت عند الوداع أضالعي | نارا خشيت بحرّها أن أحرقا |
ما زلت أخشى البين قبل وقوعه | حتى غدوت وليس لي أن أفرقا |
يوم النوى ، للّه ما أقسى النّوى | لولا النّوى ما أبغضت نفسي البقا |
رحنا حيارى صامتين كأنّما | للهول نحذر عنده أن ننطقا |
أكبادنا خفّاقة وعيوننا | لا تستطيع ، من البكا، أن ترمقا |
نتجاذب النظرات وهي ضعيفة | ونغالب الأنفاس كيلا تزهقا |
لو لم نعلّل باللقاء نفوسنا | كادت مع العبرات أن تتدّفقا |
يا صاحبي تصبّرا فلربّما | عدنا وعاد الشّمل أبهى رونقا |
إن كانت الأيّام لم ترفق بنا | فمن النّهى بنفوسنا أن نرفقا |
أنّ الذي قدر القطيعة والنّوى | في وسعه أن يجمع المتفرّقا!.. |
ولقد ركبت البحر يزأر هائجا | كالليث فارق شبله بل أحنفا |
والنفس جازعة ولست ألومها | فالبحر أعظم ما يخاف ويتّقى |
فلقد شهدت به حكيما عاقلا | ولقد رأيت به جهولا أخرقا |
مستوفز ما شاء أن يلهو بنا | مترّفق ما شاء أن يتفرّقا |
تتنازع الأمواج فيه بعضها | بعضا على جهل تنازعنا البقا |
بينا يراها الطّرف سورا قائما | فاذا بها حالت فصارت خندقا |
والفلك جارية تشقّ عبابه | شقّا، كما تفري رداء أخلقا |
تعلو فنحسبها تؤمّ بنا النّسما | ونظنّ. أنّا راكبون محلّقا |
حتّى إذا هبطت بنا في لجّة | أيقنت أنّ الموت فينا أحدقا |
والأفق قد غطّى الضباب أديمه | فكأنّما غشي المداد المهرفا |
لا الشّمس تسطع في الصّباح ، ولا نرى | إمّا استطال اللّيل؛ بدرا مشرقا |
عشرون يوما أو تزيد قضيتها | كيف التفتّ رأيت ماء مغدقا |
(نيويورك) يا بنت البخار، بنا اقصدي | فلعلّنا بالغرب ننسى المشرقا |
وطن أردناه على حبّ العلى | فأبى سوى أن يستكين إلىالشّقا |
كالعبد يخشى ، بعدما أفنى الصبى | يلهو به ساداته ، أن يعتقا |
أو كلّما جاء الزمان بمصلح | في أهله قالوا. طغى وتزندقا؟ |
فكأنما لم يكنه ما قد جنوا | وكأنما لم يكفهم أن أخفقا |
هذا جزاء ذوي النّهى في أمّة | أخذ الجمود على بينها موثقا |
وطن يضيق الحرّ ذرعا عنده | وتراه بالأحرار ذرعا أضيقا |
ما إن رأيت به أديبا موسرا | فيما رأيت، ولا جهولا مملقا |
مشت الجهالة فيه تسحب ذيلها | تيها، وراح العلم يمشي مطرقا |
أمسى وأمسى أهله في حالة | لو أنها تعرو الجماد لأشفقا |
شعب كما شاء التخاذل والهوى | متفرّق ويكاد أن يتمزّقا |
لا يرتضي دين الآله موفّقا | بين القلوب ويرتضيه مفرقا |
كلّف بأصحاب التعبّد والتّقى | والشرّ ما بين التعبّد والتّقى |
مستضعف، إن لم يصب متملقا | يوما تملّق أن يرى متملقا |
لم يعتقد بالّلم وهو حقائق | لكنّه اعتقد التمائم والرّقى! |
ولربما كره الجمود وإنما | صعب على الانسان أن يتخلّقا!.. |
وحكومة ما إن تزحزح أحمقا | عن رأسها حتّى تولّي أحنقا |
راحت تناصبنا العداء كأنما | جئنا فريّا أو ركبنا موبقا |
وأبت سوى إرهقنا فكأنما | كلّ العدالة عندها أن ترهقا |
بينا الأحباب يعبثون بها كما | عبث الصّبا سحرا بأغصان النّقا |
(بغداد) في خطر ( ومصر) رهينة | وغدا تنال يد المطامع (جلّقا) |
ضعفت قوائمها ولما ترعوي | عن غيّها حتى تزول وتمحقا |
قيل اعشقوها قلت: لم يبق لنا | معها قلوب كي نحبّ ونعشقا |
إن لم تكن ذات البنين شفيقة | هيهات تلقى من بينها مشفقا |
أصبحت حيث النّفس لا تخشى أذى | أبدا وحيث الفكر يغدو مطلقا |
نفسي اخلدي ودعي الحنين فإنما | جهل بعيد اليوم أن نتشوّقا |
هذي هي ((الدّنيا الجديدة)) فانظري | فيها ضياء العلم كيف تألّقا |
إني ضمنت لك الحياة شهيّة | في أهلها والعيش أزهر مونقا |