حسبي رضاك من الدهر الذي عتبا
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
حسبي رضاك من الدهر الذي عتبا | وجود كفيك للحظ الذي انقلبا |
يا مالكا أصبحت كفي وما ملكت | ومهجتي وحياتي بعض ما وهبا |
ما أقلع الغيث إلا ريثما خفقت | مجادح الجود من يمناك فانسكبا |
ولا نأى السعد إلا وهو تجذبه | شوافع المجد عن علياك فاقتربا |
أنت ارتجعت المنى غرا محجلة | نحوي وقد أعجزتني دهمها هربا |
لئن دهتني شمالا حرجفا عصفت | بماء وجهي لقد أنشأتها سحبا |
لئن تنوسي تحريم المحرم لي | سعيا لعجلان ما أمنت لي رجبا |
أنستني بسنا الإصباح منبلجا | في حين أوحشني البدر الذي غربا |
وصبحتني غواد منك مغدقة | عن بارق لي في جنح الظلام خبا |
لئن توهمه الأعداء لي نكبا | أنحت علي لقد عوضتها رتبا |
لئن فجعت بها بيضاء من ورق | تبأى علي لقد أخلفتها ذهبا |
فمن يباري جواد الشكر فيك وقد | ناولتني يدك العلياء يوم كبا |
وكنت ملجأه في النائبات وقد | سال الزمان عليه أسهما وظبى |
وذب عدلك دون الحق منتقما | ورد نصرك ظلم العلم محتسبا |
حتى تلافيت في ضنك المقام له | حظا غدا بين أيدي الظلم منتهبا |
أبى لك الله إلا أن تفوز بها | خيرا ثوابا وخيرا عنده عقبا |
أياديا إن أكن مخصوص نصرتها | فقد عممت بهن العلم والأدبا |
وأنعما أكسبتني عز مفخرها | وغادرت كاشحي رهنا بما كسبا |
فإن يقع جهد شكري دونهن فقد | أوجبن من حسن ظني فوق ما وجبا |
من بعد ما أضرم الواشون جاحمة | كانت ضلوعي وأحشائي لها حطبا |
ودسسوا لي في مثنى حبائلهم | شنعاء بت بها حران مكتئبا |
حتى هززت فلا زند القريض كبا | فيما لدي ولا سيف البديه نبا |
وأشرقت شاهدات الحق تنشر لي | نورا غدت فيه أقوال الوشاة هبا |
هيهات أعجز أهل الأرض أن يجدوا | للدر غير عباب البحر منتسباب |
وحاش للورد أن يعزى إلى رمض | وأن يكون له غير الربيع أبا |
لمن سنا الشمس إن أضحت مشكلة | فيه لمن نفحات المسك إن كذبا |
وكيف يصدقني منك الرجاء ولا | أجزي ثناءك إلا المين والكذبا |
ودون ما أنا من نعماك محتمل | ما أنطق الصخر أو ما أنبط القلبا |
حاشى لقدرك أن أزجي الثناء له | دعوى وأهدي إليه الدر مغتصبا |
لكنها همم أنشأتها نعما | تشاكها بنفيس القدر فاصطحبا |
ولست أول من أعيت بدائعه | فاستدعت القول ممن ظن أو حسبا |
إن امرأ القيس في بعض لمتهم | وفي يديه لواء الشعر إن ركبا |
والشعر قد أسر الأعشى وقيده | خبرا وقد قيل والأعشى إذا شربا |
وكيف أظما وبحري زاخر فطنا | إلى خيال من الضحضاح قد نضبا |
فإن نأى الشك عني أوفها أنذا | مهيأ لجلي الخبر مرتقبا |
عبد لنعماك في كفيه نجم هدى | سار بمدحك يجلو الشك والريبا |
إن شئت أملى بديع الشعر أو كتبا | أو شئت خاطب بالمنثور أو خطبا |
كروضة الحزن أهدى الوشي منظرها | والماء والزهر والأنوار والعشبا |
أو سابق الخيل أعطى الحضر متئدا | والشد والكر والتقريب والخببا |
سبكته عامري السنخ منقطعا | إليك من سائر الآمال منقضبا |
فحق للعلم أن يزهى به فرحا | وحق للشعر أن يشدو به طربا |
فأحجم الدهر عن فتى أدب | قد حالف العز والأملاك والعربا |
وبلغته المنى من حمير أملا | وأعلقته العلا من عامر سببا |
فأضحت المنية الغراء لي وطنا | وأضحت الدعوة العلياء لي نسبا |
وذللت لي أرض أينعت ثمرا | وظللتني سماء ملئت شهبا |
وقد وجدت عياذ الله أمنني | في ذمة الملك المنصور ما حزبا |
من شر تشغيب حسادي إذا حسدوا | وشر غاسق أيامي إذا وقبا |
وقل عني أحزاب العدى ملك | معود أن يفل الجحفل اللجباأ |
ويترك الملك الجبار مختلعا | عنه رداء العلا والعز مستلبا |
مجدلا بجنوب الأرض منعفرا | ومشعرا بنجيع الجوف مختضبا |
وقائد الخيل عم الجو عثيرها | ومادت الأرض من أهوالها رعبا |
وصفوة الله من أنصار دعوته | ومن تنقى لنصر الدين وانتخبا |
موف على الرتب القصوى مدى فمدى | ووارث الملك قحطانا أبا فأبا |
حيث اعتزى فخر إسماعيل في سلفي | هود وحيث تلاقت خندف وسبا |
من كل قرم غدا بالمجد مشتملا | ومستقلا بتاج الملك معتصبا |
ألقت إلى يده الدنيا أزمتها | فأحرز الأرض ملكا والعلا حسبا |
مستحقر لعباب البحر إن وهبا | ومستكن بركن الحلم إن غضبا |
كأنه والمنى تسعى إلى يده | صب تنسم من نحو الحبيب صبا |
فليشكر الله يا منصور منك يدا | كشفت عني بها الأحزان والكربا |
وطالما لاذت الدنيا بحقوك من | خطب ألم فسكنت المعقل الأشباء |
وكيف يخلف منك الظن ما رغبا | أو يعوز المجد في كفيك ما طلبا |
وقد غدوت الآمال الورى أمدا | وقد غدوت لأفلاك العلا قطبا |
وأنت بحر الندى لم يأل أن عذبا | وأنت حزب الهدى لم يعد أن غلبا |