من أين لى معدٍ على الأيّامِ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
من أين لى معدٍ على الأيّامِ | ومعالجٌ فيهنّ طولَ سقامى ؟ |
أو ضامنٌ لى أن أعمرّ ساعة ً | والموتُ من خلفى ومن قدّامى |
مالي بما تَقضي اللّيالي طاقة ٌ | يا صاحِ فى نقضٍ ولا إبرامِ |
عصف الرّدى بأقاربى وأصاحبى | والتفَّ بالآباءِ والأعمام |
واجتثَّ إخوانى معاً وقبائلى | واجتذّ نبعى تارة ً وثمامى |
وأباتنى صفرَ الأناملِ من أخٍ | آوى إليهِ أوْ أبلُّ أوامى |
وأَرى منَ الأقوام لمّا أنْ مُحُوا | بيدِ الرَّدى ما حلَّ في أقوامي |
كم ضلّ عنّى ما أحاول واهتدى | داري الذي لم يجرِ في أوْهامي |
وأتى النّجاحُ فتًى وما أنْ سامهُ | ومضتْ بخيبتِها يدُ المُستامِ |
هل نحنُ في الأيّامِ إِلاّ معشرٌ | صمٌّ بلا فهمٍ ولا إفهامِ |
وكأنّنا فيها نحزُّ جلودنا | حَزَّ المُدى لحماً على أوْضامِ |
نُهوى وِصالَ مَلولَة ٍ قطَّاعة ٍ | ونريد مثوى غيرِ ذاتِ مقامِ |
وأريدُ لي فيها دواماً كاذباً | ما تمَّ في أحدٍ وأينَ دوامي؟ |
والمرءُ في هذي الحياة مُحكِّماً | يمناهُ بين تصاممٍ وتعامِ |
فى أسرِ تقتيرٍ مكانَ تكرّمٍ | أو قهرِ إقدامٍ مكانَ تحامِ |
وتقوده ذلاًّ وصغراً مذقة ٌ | من خائلٍ أو ودقة ٌ لجهامِ |
ولنا النُّهى وكأنَّنا في غفلة ٍ | فى هذه الدّنيا من الأنعامِ |
نبكى على الدّنيا ومنها دهرنا | فالجفنُ منها أو عليها هامِ |
ورضاعها - لادرّ درُّ رضاعها | فهو البليّة ُ فى جوار فطامِ |
وكأنّما العمرُ الطّويلُ إذا انقضى | طيفٌ رأَتْه مُقلة ٌ بمنامِ |
ويغرُّني فأظنُّ أنّي خالدٌ | ما طال أو ما امتدَّ من أعوامي |
وإذا وُعظتُ بمن أُصِبتُ من الورَى | فحمامُ كلِّ العالمين حمامى |
كم ذا فرجتُ شدائداً ودفعتُها | بالرّمحِ آونة ً وبالصّمصامِ |
ورقيتُ في الآدابِ كلَّ ثنيَّة ٍ | وعلَوْتُ في الأطلاب كلَّ سَنامِ |
حتّى إذا أمَّ الحِمامُ زيارتي | لم يُنجِ إِسراجي ولا إِلْجامي |
لا بدّ للسّارى دجًى من وقفة ٍ | والنّاطقين بنا من الإرمامِ |
والصّاعدين على الورى فوق الرّبى | من أن يحطّوا عن ذرا الأعلامِ |
ومُصيبة ٍ غطَّتْ عليَّ بصيرتي | ورمَتْ ضياءَ جوانحي بظلامِ |
وغفلتُ عنها والرَّزايا زُوَّرٌ | ساحاتِ أيقاظٍ وربعَ نيامِ |
وتسلَّمتْ وَسَنَ الكَرى من مُقْلَتي | وتناولتْ خَفْضي منَ الأيّامِ |
وتقطَّعتْ عِصَمي وكانَ حلولُها السْـ | ـسّببَ القوى َّ إلى انحلالِ نظامى |
ولقد هفا قلبى بها ولعثرة ٌ | بالقلبِ تُنسي عَثْرة َ الأقدامِ |
قلْ للوزير وقد حسا من حرّها | لمّا أتَتْهُ غيرَ كأسِ مُدامِ: |
حوشيتَ من حزنٍ عقيبَ مسرّة ٍ | فينا ومن نقصٍ بُعَيَد تمامِ |
وإذا خطاك الدّهرُ لم يجتزْ بما | لا نَرتضيهِ فما عليهِ مَلامي |
وإذا التوتْ عن ساحتيك صروفهُ | عَفواً فقد فُزْنا بكلِّ مَرامِ |
وإذا بقيتَ مُسَلماً فَلَهيِّنٌ | مَن باتَ حَشْوَ جنادلٍ وسِلامَ |
وإذا صححْتَ منَ الكُلومِ فدعْ بنا | من شئتَ مجروحاً بكلّ كلامِ |
وإذا السَّراة ُ تَخصَّصَتْ وتمنَّعَتْ | فدعِ الشَّوى تُرمَى بأيِّ سِهامِ |
فاصبرْ لها وإِنِ ارتَمَت فطالما | يَزدادُ في اللأْواءِ صبرُ كِرامِ |
وإِذا جزعْتَ فكيفَ يصبرُ معشرٌ | ما فيك ليس بهمْ من الأحلامِ ؟ |
ولربّما أثمَ الحزينُ ولم تزلْ | فينا عرى َّ الكفِّ من آثامِ |
أنت الذي لمَّا نزلنا شِعْبَه | لُذْنا بهَضْبَيْ يَذْبُلٍ وشَمامِ |
وإِذا تقاسَمتِ الرِّجالُ وكانَ في | قسمٍ فذلك أوفرُ الأقسامِ |
وإذا احْتَبى فعلى السَّكينة ِ والنُّهى | وإذا اختطَى فإلى المحلِّ السّامي |
ومكارمٌ مشكورة ٌ حين افتدتْ | فينا طويلَ لزامها بلمامِ |
وليسلَ عنه إنّ آخذه الّذى | أَخَذَ الشُّبولَ ردى ً منَ الضِّرغامِ |
صَبراً صبرتُ، وفي يديك زِمامي | أنّى حللتَ من البلادِ خيامى |
وإذا حللتَ أسًى حللتُ وإن تردْ | |
وبحسبِ ما ترجو قعودِيَ وادعاً | وبحسبِ ما تَخشى يكونُ قيامي |
وضربتُ منك بحدّ عضبٍ قاطعٍ | لمّا ضربتُ من الورى بكهامِ |
لا تنكرنْ ميلى إذا ما ملتُ بى | صعبٍ يلمُّ وأنتَ فيه دعامى |
فجميعُ أعضاءِ الرّجالِ تصرّفاً | طولَ الزّمانِ توابعٌ للهامِ |
كلُّ الوصائلِ يقتطعن على الفتى | إلاّ وصالَ محبّة ٍ وغرامِ |
يا آلَ عبّاسٍ ومَن لولاهُمُ | كنّا بلا سرجٍ على الإظلامِ |
إنْ يمضِ منكمْ شيخكمْ فلفحلكمْ | باقٍ لكمْ ولنا على الأعوامِ |
وليلهَ عن ماضٍ ثاوٍ ثوى | وليسلَ عن نهرٍ ببحرٍ طامِ |
وإذا ذَوى غصنٌ فلا جزعٌ وقدْ | أبقى لنا الأصلَ الأشمَّ السّامى |
لم يمضِ عنّا مَن مضَى وظلامُهُ | لِتَهجُّدٍ ونهارُهُ لصيامِ |
صلّى الإلهُ على الَّذي قَنَصَ الرَّدى | وعلى ثراهُ تحيَّتي وسَلامي |
ولتبكِ فيه غدوة ً وعشيّة ً | فى كلِّ يومٍ عينُ كلِّ غمامِ |
فلقد مضى صفرَ الحقيبة ِ من قذًى | عريانَ من دنسٍ وثوبِ حرامِ |
أرضَى بطاعتِهِ الصَّباحَ ولم يكنْ | يوماً عليه ملامة ٌ لظلامِ |
فلقلَّ فيه رعاية ً لحقوقهِ | ما سيَّرتْ أو سطَّرَتْ أقْلامي |