بوادي الغضا للمالكية أرْبُعُ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
بوادي الغضا للمالكية أرْبُعُ | سقتها الحيا منّا جفونٌ وأدمعُ |
ومرتبع قد كان للريمِ ملعباً | على أنّه للضيغم الوردِ مصرع |
يقطّع فيها مهجة الصب شوقها | وما الشوق إلاّ مهجة تتقطع |
حَبَسْتُ بها صَحْباً كأن قلوبهم | من الشوق في تلك المنازل تخلعُ |
على مثل معوّج الحنيّة ضمَّر | نبوع بها البيد القفار ونذرع |
تحنّ إلي أعلام سلعٍ ولعلع | لقد فتكت بالحب سلع ولعلع |
كأنْ فصدتْ من أخدعيها وما جرى | لها بدمٍ قان هنالك أخدع |
وما هي إلاّ عبرة دموية | يجود بها في ذلك الربع مدمع |
فحيّت رسوم الدار وهي دوارس | جفون بما تسقى بها الدار تترع |
كانَّ مطيَّ الركب في الشعب أصبحتْ | لها عند ذاك الشعب قلب مضيّع |
نريك بها من شدّة الوجد ما بنا | فكلٌّ له منّا فؤاد مُروَّع |
ولما نزلنا ليلة الخيف بالنقا | وفاضت على أطلال رامة أدمع |
بحيث الهوى يستنزف العين ماءها | ويستهتر الصبر الذي لا يرقّع |
ذكرنا بها أيام لهو كأنها | عقيلة مال المرة بل هي أنفع |
وبتنا وأسياف من الشهب في الدجى | تُسَلّ وزنجيّ الظلام يجدع |
تحرّك ذات الطوق وجدي وطالما | تبيت على فينانة البان تسجع |
تردد والأشجان ملءُ حديثها | قديم الهوى من أهله وترجع |
وما ساءها بالبين ركبٌ مقوّضٌ | ولا راعها يوماً خليطٌ مودع |
فهل أنت مثلي قد أضرّ بك الهوى | وهل لك قلب لا أبالك موجع |
لئن نشرت طيّ الغرام الذي لها | فقط طُويَتْ مني على الوجد أضلع |
بنفسي من الجانين بالطرف جانباً | له شافع من حسنه ومشفع |
يجرّعني ما لم أذقه من النوى | ألا من حمّيا الوجد ما أتجرع |
بذلت له من أدمع كنت صنتها | ذخائرها وهو الحبيب الممتع |
ويا ربما أدميت طرفي بوامضٍ | من البرق في الظلماء يخفى ويلمع |
وقلت لسعد حين أنكر لوعتي | عداك الهوى إني بظمياء مولع |
تولّت لنا أيام جمع وأقلعت | فلم يبق في اللذات يا سعد مطمع |
وأصبح بالحيّ العراقي ناعباً | غرابٌ بصرف البين للبين أبقع |
وغابت بدور الظاعنين عشية ً | بأنضاء أسفارٍ تخبّ وتوضع |
أراني مقيماً بالعراق على ظما | ولا منهل للظامئين ومرتع |
وكيف برود الماء والماء آجن | يبلُّ به هذا الغليل وينقع |
لعلّ وما تجدي لعلَّ وربَّما | غمائم غمّ أطبقت تتقشع |
يعود زمان مرَّ حلوُ مذاقه | وشمل أحبّائي كما كان يجمع |
فقد كنت لا أُعطي الحوادث مقودي | وإني لريب الدهر لا أتوجع |
كأنّي صفاة ٌ زادها الدهر قسوة ً | من الصم لا تبلى ولا تتصدع |
فسالمت حرب النائبات فلم تزل | تقود زمامي حيث شاءت فأتبع |
وكنت إذا طاشت سهام قسيّها | وقتني الردى من صنع داوود أدرع |
فمن جوده إني ربيتُ بجوده | وزير له الإحسان والجود أجمع |
وَرَدَّ شموسَ الفضلَ بعد غروبها | كما ردها من قبل ذلك يوشع |
وقام له في كل منبر مدحة | خطيب من الأقلام بالفضل مصقع |
ومستودع علم النبيين صدره | ولله سرُّ في معاليه مودع |
كأنّ ضياء الشمس فوق جبينه | على وجهه النور الإلهي يسطع |
وزير ومرُّ الحادثات يزيده | ثباتاً وحلماً فهو إذ ذاك أروع |
إذا ضعضع الخطب الجبال فإنّه | هو الجبل الطود الذي لا يضعضع |
عرانينه قد تشمخر إلأى العلى | أشمُّ إلأى الأعلام في المجد أفرع |
أمدّ على قطر العراقين ظلَّه | إذا عصفت في الملك نكباء زعزع |
ويقدمُ حيث الأسد تحجم رهبة | ويسطو وأطراف المنيّة شرع |
يمد يداً طولى إلى ما يرومه | فتقصر أبواعٌ طوالٌ وأذرع |
إذا ذَكَرَ الجبّارُ شدّة َ بأسِه | يلين لما يلقاه منه ويخضع |
لقد سار من لا زال ينهل قطره | سحاب عن الزوراء بالجود مقلع |
فما سال يوماً بعد جدواه أبطحٌ | بسيب ولن تسقى من الغيث أجرع |
ولا مرّ فيها غير طيب ثنائه | أريج شذى ً من طيِّب المسك أضوع |
ولا عمرت في غير أنواع مدحه | بيوت على أيدي الفضائل ترفع |
أبا حسن هل أوبة ٌ بعد غيبة ٍ | فللبدر في الدنيا مغيب ومطلع |
لئن خَلِيَتْ منك البلاد التي خلت | فلم يخل من ذكرى جميلك موضع |
ففي كل أرض من أياديك ديمة | وروض إذا ما أجدى الناس ممرع |
يفيض الندى من راحتيك وإنها | حياضٌ، بنو الآمال منهن تكرع |
وإني على خصب الزمان وجدبه | إليك وإن شطَّ المزار لأهرع |
ولو أنني وقفتُ للخير أصبحت | نياقي بأرض الروم تخدي وتسرع |
إلى مالكٍ ما عن مكارمه غنى ً | وغير ندى كفيه لا أتوقع |
فألثم أقدام الوزير التي لها | إلى غابة الغابات ممشى ً ومهيع |
وأثني عليه بالّذي هو أهله | وأُنْشِدُه ما قلت فيه ويسمع |