أرشيف المقالات

صلاة الضحى والاستخارة

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
صلاة الضحى والاستخارة
 
الحمد لله الذي أرسل رسله مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وختمهم بالنبي الأمي العربي المكي الهادي لأوضح السبل، أرسله إلى جميع خلقه من الإنس والجن من لدن بعثته إلى قيام الساعة؛ أما بعد:
فإن الكثير من المسلمين يريدون معرفة صفة صلاة الضحى والاستخارة، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
صلاة الضحى:
وقت صلاة الضحى:
يبدأ وقت صلاة الضحى من بعد شروق الشمس بربع ساعة تقريبًا إلى ما قبل صلاة الظهر بربع ساعة تقريبًا.
 
ويستحب تأخير صلاة الضحى إلى أن يشتد الحر؛ [مسلم، حديث 748].
 
فضل صلاة الضحى:
روى مسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: ((أوصاني خليلي، صلى الله عليه وسلم بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد))؛ [مسلم، حديث 721].
 
• روى مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((يصبح على كل سُلَامَى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى))؛ [مسلم، حديث 720].
 
قوله: (سلامى): أي: عظام الجسم ومفاصله.
 
• روى أبو داود عن بريدة بن حصيب الأسلمي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلًا، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه بصدقة، قالوا: ومن يطيق ذلك يا نبي الله؟ قال: النخاعة في المسجد تدفنها، والشيء تنحيه عن الطريق، فإن لم تجد فركعتا الضحى تجزئك))؛ [حديث صحيح، صحيح أبي داود، للألباني، حديث 4365].
 
قوله: (النخاعة): أي: النخامة التي تخرج من أسفل حلق الإنسان.
 
عدد ركعات صلاة الضحى:
أقل عدد لصلاة الضحى ركعتان، ولا حد لأكثرها.
 
فيستطيع المسلم أن يصلي ما شاء.
 
• روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا ويزيد ما شاء الله))؛ [مسلم، حديث 719].
 
• قال الإمام محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله:
"الصحيح: أنه لا حد لأكثرها؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا ويزيد ما شاء الله)) ولم تقيد، ولو صلى من ارتفاع الشمس قِيد رمح إلى قبيل الزوال أربعين ركعة مثلًا، لكان هذا كله داخلًا في صلاة الضحى.
ويجاب عن حديث أم هانئ رضي الله عنها؛ الذي ذكرت فيه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها ثماني ركعات في وقت الضحى)) بجوابين:
الجواب الأول:
أن كثيرًا من أهل العلم قال: إن هذه الصلاة ليست صلاة ضحى، وإنما هي صلاة فتح، واستحب للقائد إذا فتح بلدًا أن يصلي فيه ثماني ركعات شكرًا لله عز وجل على فتح البلد؛ لأن من نعمة الله عليه أن فتح عليه البلد، وهذه النعمة تقتضي الخشوع والذل لله والقيام بطاعته.
 
الوجه الثاني:
أن الاقتصار على الثماني لا يستلزم ألَّا يزيد عليها؛ لأن هذه قضية عين، أرأيت لو لم يصلِّ إلا ركعتين، فهل نقول: لا تزيد على ركعتين؟
 
الجواب:
لا؛ لأن قضية العين، وما وقع مصادفة، فإنه لا يعد تشريعًا"؛.[الشرح الممتع على زاد المستقنع، لابن عثيمين، ج 3، ص 60، 59].
 
صلاة الاستخارة:
روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمري وآجله - فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني، قال: ويسمي حاجته))؛ [البخاري، حديث: 6382].
قوله: (في الأمور): أي: التي نريد الإقدام عليها.
قوله: (إذا همَّ): أي: قصد.
قوله: (أحدكم بالأمر): أي: من نكاح أو سفر أو غير ذلك، مما يريد فعله أو تركه.
قوله: (اللهم إني أستخيرك): أي: يا ألله أطلب أصلح الأمرين.
قوله: (بعلمك): أي: أطلب منك أن تشرح صدري لخير الأمرين؛ بسبب علمك بكيفيات الأمور كلها.
قوله: (وأستقدرك بقدرتك): أي: أطلب منك يا ألله أن تجعلني قادرًا عليه إن كان فيه خير لي.
قوله: (فإنك تقدر): بالقدرة الكاملة على كل شيء ممكن تعلقت به إرادتك.
قوله: (ولا أقدر): على شيء إلا بقدرتك وحولك وقوتك.
قوله: (وتعلم): بالعلم المحيط بجميع الأشياء خيرها وشرها.
قوله: (فاقدره): أي: اجعله مقدورًا لي أو هيئه ونجزه لي.
قوله: (ثم بارك لي فيه): أي: أكثر الخير والبركة فيما أقدرتني عليه ويسرته لي.
قوله: (فاصرفه عني): أي: بالبعد بيني وبينه، وبعدم إعطاء القدرة لي عليه والتعسير فيه.
قوله: (واقدر لي الخير): أي: يسره لي واجعله مقدورًا لفعلي.
قوله: (حيث كان): أي: الخير من زمان أو مكان.
قوله: (ثم أرضني به): أي: اجعلني راضيًا بخيرك المقدور لي.
قوله: (ويسمي حاجته): أي: عند قوله هذا الأمر؛ [مرقاة المفاتيح، علي الهروي، ج3، ص985].
 
الحكمة في تقديم الصلاة على دعاء الاستخارة:
قال الإمام أبو محمد بن أبي جمرة رحمه الله:
الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة، فيحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجح من الصلاة، لما فيها من تعظيم الله، والثناء عليه، والافتقار إليه، مآلًا وحالًا؛ [فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، ج11، ص 186].
 
ثمرات الاستخارة:
نستطيع أن نوجز ثمرات الاستخارة في الأمور التالية:
(1) الاستخارة دليل على تعلق قلب المسلم بالله تعالى في جميع أحواله.
(2) الاستخارة دليل على الرضا بما قدره الله تعالى على المسلم.
(3) الاستخارة من أسباب سعادة المسلم في الدنيا والآخرة.
(4) الاستخارة تزيد ثواب المرء وتقربه من ربه؛ وذلك لما يصاحبها من الصلاة والدعاء.
(5) الاستخارة دليل على ثقة الإنسان في ربه، ووسيلة للتقرب إليه سبحانه.
(6) المسلم لا يشعر بالندم بعد الاستخارة والأخذ بالأسباب المشروعة.
(7) الاستخارة فيها تعظيم لله تعالى وثناء عليه.
(8) الاستخارة امتثال لسنة نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، وتحصيل لبركتها؛ [موسوعة نضرة النعيم، ج2، ص200].
 
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلاب العلم الكرام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

شارك الخبر

المرئيات-١