هو البرق ممّا راعها وشجاها
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
هو البرق ممّا راعها وشجاها | فهيج منها داءَها وأساها |
ومما جوى ً تطوي عليه ضلوعها | بكت بدمٍ قان فطال بكاها |
حكت بلسان الحال حتى وددتني | أقبّل من تلك المطيّة فاها |
جوى ً مثل ما بى أو يزيد بزعمها | وهيهات مني مجدها وعناها |
فقلت لها لا فاتك الورد صافياً | ولا حبست عنك السماء حياها |
وروّضت من أكناف نجد رياضها | وحقّ لنفس الحرّ عنك رضاها |
سقاها من النجب الكرائم ناقة ً | وأكرم منها أمَّها وأباها |
تعاف النمير العذب يمزج بالقذى | وتختار في ريّ الهوان صداها |
تجافت عن الدار التي تنبت الأذى | وها قد نأت عن مثلها لسواها |
لقد سرَّها أن لا تساء فأرقلت | إلى حيث مثوى الأكرمين حماها |
فجاوزت البيداء غير مروعة | كأن المنايا قصدها ومناها |
تباعد ما بين الخطا فكأنَّما | تبوعُ الفلا أخفاقها بخطاها |
تهيم بأعلام المحصّب من منى ً | وآفة نفس المستهام هواها |
عليها من الفتيان من لا تروعه | مكابدة الأهوال حين يراها |
رماه إباء الضيم في كل مهمة | يروع العفونى أن يجسَّ ثراها |
من الصيد لا يستصعب الحتف إنْ دنا | ولا بات يشكو للخطوب أذاها |
ويأنف أنْ يلقي القياد لنكبة | يرى فرج الله القريب وراها |
إذا همَّ لا تنبو مضارب عزمه | ولا فل أحداث الزمان شباها |
تَصَفَّحَ يرتاد المنازل في اللوى | ويطلب فيها مرتعاً ومياها |
ولم ينأ عن دار القلى باختياره | ولكن جفتهُ أهلها فجفاها |
قليل ائتلاف الجفن من سنة الكرى | فلو راودته مرَّة ً لعصاها |
ولا بكثير الالتفات إلى التي | نأى ماضياً عنها فعزَّ عزاها |
لقد شام برقاً بالحمى غير ممطر | فأعرض عن أنوائها بنواها |
وحثحثها والليل يبدي ظلامه | إلى عين هادي من يضلّ عماها |
وسار بها إذ ذاك في كل مهمه | وليس إلى غير العلاء سراها |
وماراح إلاّ وهو فيها سميرها | شكته تباريح الجوى وشكاها |
يذكّرها بالرقمتين منازلاً | مراتعها أعلامها ورباها |
رعت من خزاماها وفازت بمائها | سقاها شآبيب الحيا ورعاها |
هلُمّي بنا يا ناق نذكر ما مضى | ونبكي شؤوناً لا يفيد بكاها |
وأيامنا في الربع والربع آهل | فواهاً لتلك الماضيات وآها |
مضى وانقضى عهد الأحبة في النقا | وقد نفرت أسرابها ومهاها |
فكيف إذَنْ يا ناق ترجع جيرة | يقر لعيني أنْ يلوح سناها |
بعيشك هل تدرين من أنا طالبُ | ولم تدر في ماذا يكون حداها |
أرومُ ربوعاً يهتدي لبيوتها | بنور محيّاها ونار قراها |
وما افتقرت في الناس من أحدٍ يدٌ | إذا كان من عبد الغني غناها |
له الخير مجبول على الخير كله | وخير الورى من لم يزل لرجاها |
فلم يبق من اكرومة ما أجادها | ومنقبة ٍ ما حازها وحواها |
مباني الكرام الأولين تهدَّمت | فأعلى مبانيها وشاد بناها |
عزيز عزيز النفس إن ضيمَ جاره | فداها إذَنْ في نفسه ووقاها |
له الفتكات البكرُ تشهدُ أنَّه | عصاميُّها المعروف وابنُ جلاها |
تقلّد عزماً مثل إفرندِ عضبه | إذا اعترضته النائبات براها |
هو الغيث يوم الجود والليث في الوغى | فغيث نداها كفَّ ليث وغاها |
إذا كان مجد كان منه عماده | وإن كان حربٌ كان قطب رحاها |
متى شاء أوراها وأثقب زندها | وشبَّت بفرسان الرجال لظاها |
أحلي بذكراه القوافي أصوغها | ألاَ إنّما ذكر الكرام حُلاها |
تأرج في النادي بذكر جميله | وإن كان ندي النسيم شذاها |
وإنّي لأهديها إلى خير ماجد | نعم إنَّه مصباحها وهداها |
إلى الغابة القصوى وأية غاية | علا مستطيلاً شأوها وذراها |
سما غير ممنوع إلى كلِّ سؤدد | فلو رام أنْ يرقى السماء رقاها |
إلى أين تبغي بالأبوّة والعلى | بنفس جميع الناس دون علاها |
تعاليت حتى انحط من دونك الورى | فكنت ثرياها وشمس ضحاها |
فداؤك عبدٌ أنتَ مكالكُ رقِّهِ | بأيدي كريم يستفاض نداها |
فشكراً لما أولت من نعمة بها | توليتُ مالاً من نداك وجاها |
وجدتُ على دنياً أضاعت عوارفي | وما انتاش أبناء الزمان لقاها |
ووجدي على هذا الزمان سفاهة ً | وعتبي على القوم اللئام سفاها |
ولو كانت الأيام تعقل ما أتت | إذن لنهاها عقلها ونهاها |
لها الحظّ من مثلي وجودي بمثلها | وحظّي منها هجرها وقلاها |
إليك أبا محمود أشكو حوادثاً | كثيراً على الحرِّ الكريم أذاها |
أمنّي بها النفس الأمانيَّ ضلّة ً | وتمنعني من عودها وجناها |
وتلسعني فيها أفاع قوارعٌ | وما عرف الراقون كيف رقاها |
أرى هذه الدنيا لمن ذلّ أصحتْ | ذلولاً ولو كان الأبيّ أباها |
تسنّمها من كان من دون خفّها | وكنا نراه تحتها فعلاها |
وما بحت بالشكوى وفيَّ بقية | من الصَّبر إلاّ وانتهت وتناهى |
وعلمك بي يخبرك عنّي فما الذي | أقول بأحوالي وأنْتَ تراها |
وما هيَ إلاّ مهجة شفها الصدى | إذا هي تستسقي نداك سقاها |
وإلاّ تلافاني بلطفك لم تكد | بوادر حظي أن تروح تجاها |
جزتك جوازي الخير من متفضِّلٍ | دعته الأماني فاستجاب دعاها |
فأنت بعصر لا خلت منك أهله | خليق السجايا بالجميل خلاها |
نَشَرْتَ به صُحْفَ المكارم والندى | ومن بعد ما قد لفّها وطواها |