جاءَ الرَّبيعُ بوردِهِ وبهارِهِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
جاءَ الرَّبيعُ بوردِهِ وبهارِهِ | فَلْيَسعَ ساقينا بكأس عقاره |
يا أيها الندماء دونكم التي | تشفي نجيَّ الهمِّ بعد بواره |
صفراء صافية تزيل بصفوها | ما كابد الإنسان من أكداره |
يسعى بها أحوى أعنُّ كأنَّه | ريمُ الفلاة بجيده ونفاره |
في مجلس بزغتْ شموسُ مرامه | وجلى لنا فيه سنا أقماره |
لله ما فعلَ السرور بموطن | تجري كُمَيْتُ الراح في مضماره |
أمبادرَ اللّذات أيَّة آية | أجرى بسعي منادمٍ وبداره |
خذها إذا اكتَسَتِ الكؤوس بصبغها | خلع الوقورُ بها ثياب وقاره |
ومورد الوَجَنات إنْ حيَّيْتَه | حيّى بوجنته وآس عذاره |
ظبيٌ أسودُ الغاب من قتلائه | وصوارم الألحاظ من أنصاره |
قمرٌ إذا ما لاح ضوء جبينه | أصلى فؤاد الصبِّ جذوة ناره |
ويقول ثائر من أبيدّ بلحظه | من آخذٌ يا للرجال بشاره |
إنّي لأعلمُ أنَّه في ريقه | ما راح يسقي الراح في مسطاره |
وليشربن الراح ناشد لذة | خضرٍ تَفُوحُ برنده وعراره |
وتَنَزَّهوا في كلّ روض معشبٍ | فلهْ اليدُ البيضاءُ في آثاره |
روضٌ محاسنُ أَرضِهِ كسمائه | وشروقُ بهجة ليله كنهاره |
فاشرب على النغمات من اطياره | فكأنَّها النغماتُ من أوتاره |
تتراقَصُ الأَغصان من طرب به | ما بين شدو حمامه وهزاره |
لا تنكروا ميلَ الغصون فإنَّما | هذي الغصونُ شَرِبْنَ من أنهاره |
وإذا أَتى فصلُ الرَّبيع فبادروا | لتناهب اللّذات في آذاره |
فكأنَّه وجه الخرائد مسفراً | كلّ الجمال يلوح في إسفاره |
وتنزَّهزا في كلّ روض معشبٍ | لاسيما بالغضّ ممن نوّاره |
ولقد أَسَرَّ لي النسيم أَريجَه | خبراً رواه العطر عن عطّاره |
فإذا تنفَّستِ الصّبا باحت بما | كتمته بالأنفاس من أسراره |
يا حبذا زمنٌ يزيدك بهجة ً | يحكي عليَّ القدر باستيثاره |
متهلّل للوافدين كأنَّه | روضٌ سقاه الغيث من مدراره |
فتعطرتْ أنفاسه وتبرّجت | أزهاره في وبلهِ وقطاره |
نشرت محاسن طيّه من بعدما | سَحَبَ السحاب عليه فضلَ إزاره |
ذاك النّقيب له مناقبُ جمة ً | عَدَدَ النجوم يَلُحْنَ من آثاره |
بأبي الشريف الهاشميّ فإنَّه | سادَ الأَنام بمجدهِ وفخاره |
زاكي العناصر طيِّب من طيِّبٍ | فرعٌ، رسول الله أصلُ نجاره |
نورُ النبوَّة ساطع من وجهه | أو ما ترى ما لاح من أنواره |
عذب النوال لسائليه وإنه | كالشهد تجنيه يدا مشتاره |
تيّار ذاك البحر يعذبُ ماؤه | فأغرف نميرَ الماء من تياره |
كرِّرْ حديثك لي يمدح ممجَّدٍ | يحلو إلى الأسماع في تكراره |
إنْ أمتدحه بألف ألف قصيدة | لم أبلغ المعشار من عشاره |
جرِّدته لو آنَّ الدهر حاز أمانه | ما جار معتدياً على أحراره |
هو رحمة ٌ نزلت على أخياره | وهو الخيار المصطفى لخياره |
فلقدْ تعالى في علوِّ مقامه | حتى رأيت البدر من أنظاره |
أمِنَ المخوفَ من الزّمان كأنّما | أخَذَ العهودَ عليه من أخطاره |
اليمنُ كوّن واليسارُ كلاهما | في الدّهر طوع يمينه ويساره |
أميسّر الأمر العسير أعِدْ إلى | عبدٍ يراك اليسر في إعساره |
نظراً تريه به السعادة كلّها | يا من يراه السعد في أنظاره |
مستحضر فيك المديح وحاضرٌ | منك الغنى أبداً مع استحضاره |
يا سيّداً لا زال في إحسانه | من فضله بلجينه ونضاره |
أوليته منك المكارم فاجتنى | ثمرات غرسِ يديك من أفكاره |
فكلم غرست من الجميل مغارساً | كان الثناء عليك من أثماره |
وکقبَلْ من الدّاعي لمجدك عُمْرَه | ما يستقلّ لديك من أشعاره |