بَخِلْتَ وما طرفي عليك بخيلُ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
بَخِلْتَ وما طرفي عليك بخيلُ | وربَّ نوالٍ لا يراه منيلُ |
وحرّمتَ أَنْ يروى بريقك ظامىء | فليس إلى ماء العُذَيب سبيل |
وأظلمُ من يجني على الصبّ في الهوى | مليٌّ لوى دين الغرام مطول |
ويا كثر ما نوّلت بالوعد نائلاً | وإنّ كثير الغانيات قليل |
أَعيدي إلى عينيَّ يا ميُّ نظرة | يبلّ بها من عاشقيك غليل |
وجودي بطيف منك قد حال بينه | وبيني حزون للنوى وسهول |
فعندي إلى ذاك الخيال الذي سرى | هوى ً يستميل الشوق حيث يميل |
وليلٍ كحظيّ في هواك سهرته | فطال وليل العاشقين طويل |
يؤرّقني فيه تَأَلُّقُ بارقٍ | كما استلَّ ماضي الشفرتين صقيل |
بداجٍ كثير الشهب تحسب أنَّها | تقطّع زنجيَّ الظلام نصول |
يذكّرني تَبْسامُك البرقَ موهناً | فللدمع منه سائل ومسيل |
أراني علامات الورود وميضه | ومالي إليه يا أميم وصول |
وما ينفع الظامي صداه بنظرة | إلى الماء ما منه لديه حصول |
خليليّ هل يودى دمٌ قد أطلَّه | بمقلته أحوى أغنُّ كحيل |
رماني بعينيه غزال له الحشى | على النأي لا ظلّ الأراك مقيل |
عشية أودى بي الهوى وأرابني | من الركب إذ حثَّ المطيَّ رحيل |
برغمي فارقت الذين أحبُّهم | فلي أنّة ٌ من بعدهم وعويل |
وما تركوا إلاّ بقية عبرة | يرقرقها وجدي بهم فتسيل |
تُذيلُ دموعاً في الديار أُريقُها | نجومٌ لها في الغاربين أُفولُ |
غداة وقفنا والنياق كأَنَّها | مرزّأة مما تحنُّ ثكول |
فأنكرت أطلالاً لميٍّ غرفتها | وإنّي على علمي بها لجهول |
نسيم الصَّبا ذكَّرْتَني نشوة َ الصبا | فهلْ أنت من ليلى الغداة رسول |
تَنَسَّمتَ معتّلاً فلم أدر أيّنا | بظلّ نُسيمات الغُوَير عليل |
متى أترك النوقَ الهجان كأنَّها | لها كلّما ضلَّ الدليل دليل |
واتخذ البيد القفار أخلّة ً | ولكن روضي بالعراق محيل |
ولو كنت ممن يشربِ الماء بالقذى | رويت وفي ري الذليل غليل |
عن الناس في عبد الغني لي الغنى | وكل صنيع ابن الجميل جميل |
كريمٌ فأمّا العيش في مثل ظلّه | فرغدٌ وأمّا ظِلُّه فظليل |
قريبٌ إلى الحسنى فلم يُرَ مثلُه | سريع إلى الفعل الجميل عجول |
من الصيد سبّاق المقال بفعله | وقلَّ قؤولٌ في الأنام فعول |
سأنزلُ آمالي بساحة باسلٍ | وما ضيمَ يوماً في حماه نزيل |
به افتخرت بغداد وانسحبت لها | من الفخر في قطر العراق ذيول |
علاقته بالمجد مذ كان يافعاً | علاقة صبٍّ ما ثناه عذول |
غذته به أمُّ المعالي لبانها | وطابت فروعٌ قد زكت وأصول |
فما اقتحم الأهوال إلاّ خطيرة ً | تجلُّ، وما يلقى الجليلَ جليل |
ولا راعه روعٌ فلانت قناته | فلا مسَّ هاتيك القناة ذيول |
أرى كلَّ ضرّاء شكوناه ضرَّها | يزايلها في بأسه فتزول |
على ما به من شدة البأس لم يزل | يذوب علينا رقة ً ويسيل |
ترقُّ لنا تلك الشمائل مثلما | ترقّ شمال أو تروق شمول |
يحنُّ إلى يوم يثير غباره | صليل كما تهوى العلى وصهيل |
يدير رحاها حيث دارت مثارة | شروبٌ لأبطال الرجال أكول |
إذا صعبتْ دهياءُ في الأمر قادها | بأَمْرِ مطاعِ الأَمر وهي ذَلول |
يقينا صروفَ النائبات كانَّه | لنا جبلٌ والعالمين تلول |
ولولاه لم يخمد من الشرّ ناره | ولا سال للباغي النوال سيول |
لك الله أمَّا أنتَ فالخير كلُّه | وأنتَ به لي ضامنٌ وكفيل |
أنلتَ بما نوَّلت كلَّ مؤمّلٍ | فَعَلَّمْتَ صَوْبَ المزن كيف يُنيل |
وإنّا على يأس الندى ورجائه | لنا منك رجّافُ العشّي هطول |
وما فيك ما تعطي مَلالاً ولا قلى ً | وغيرك إنْ سيمَ العطاء ملول |
ولم تتحَّولْ عن خلائقك التي | جُبِلْتَ عليها والزمان يُحيل |
فيا ليت شعري والخطوب ملمَّة ٌ | وما بك عنّي في الخطوب غفول |
إلامَ أحثُّ الجدَّ والجدُّ عاثر | وأرهفُ حدَّ العزمِ وهو كليل |
وأطلبُ في زعمي من الدهر حاجة ً | زماني بها حاشا علاك بخيل |
وكيف يريني الدهر ما استحقُّه | وفضلي لدى هذا الزمان فضول |
إذا نهضتْ بي همَّة ٌ قعدتْ بها | على مضض فيما أراه خمول |
وعندي قوافٍ لا يدنّسُ عرضها | لئيمٌ ولا يشقى بهنَّ نبيل |
ظوامئ يطلبنَ الرَّواء بمهمهٍ | تطوف على أكفائها وتجول |
تجنَّبتِ لاقوم اللئامَ فلم تبل | أَعانَ معين أمْ أراب خذول |
متى اعترضهم بالأمانّي ضلّة ً | ثناها وجيف عنهم وذميل |
فما أَوْلَعَ الأَيامَ في جهلائها | وفي الناس أشباه لها وشكول |
ولو أنَّها تصغي لعتبي أذقْتُها | وبال حديث في العتاب يطول |
وما تنفع العُتبى وما ثمَّ منصف | أقول له ما أشتهي ويقول |