أرشيف المقالات

تفسير: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد)

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
تفسير قول الله تعالى
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾

قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 18، 19].
 
سورة الحشر مدنيَّة، وآياتها أربع وعشرون، وكان ابن عباس يقول: سورة بني النضير،
 
روى البخاري عن سعيد بن جُبير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: سورة بني النضير.
 
عن جرير بن عبدالله قال: كنا عند رسول الله في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النِّمار - أو العباء - متقلدي السيوف، عامتهم من مضر - بل كلهم من مضر - فتغيَّر وجه رسول الله لما رأى بهم من الفاقة، قال: فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذَّن وأقام الصلاة فصلَّى، ثم خطب فقال: ((﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء: 1] إلى آخر الآية، وقرأ الآية التي في سورة الحشر: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد ﴾ [الحشر: 18]، تصدَّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، من صاع تمره - حتى قال -: ولو بشق تمرة))، قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادت كفُّه تَعجِز عنها، بل عجزت عنها، ثم تتابَعَ الناس حتى رأيت كَوْمين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله يتهلَّلُ فرحًا كأنه مُذْهَبَة، فقال رسول الله: ((مَن سنَّ في الإسلام سنةً حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومَن سنَّ في الإسلام سنةً سيئةً، كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء))[1].
 
فقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أمر بتقواه، وهو يشمل فعلَ ما أمرَ به، وترك ما زجر عنه، وقوله: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَد ﴾؛ أي: حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وانظروا ما ادَّخرْتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم، ﴿ واتَّقُوا اللهَ ﴾ تأكيدٌ ثانٍ، ﴿ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾؛ أي: اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم، لا تخفى عليكم منه خافية، ولا يغيب من أموركم جليل ولا حقير، وقوله: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾ [الحشر: 19]؛ أي: لا تنسوا ذكرَ الله فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم؛ فإن الجزاء من جنس العمل؛ ولهذا قال: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 19]؛ أي: الخارجون عن طاعة الله، الهالكون يوم القيامة، الخاسرون يوم معادهم كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9].
 
وقوله تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [الحشر: 20]؛ أي: لا يستوي هؤلاء وهؤلاء في حكم الله تعالى يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [الجاثية: 21]، وقال تعالى: ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار ﴾ [ص: 28]؛ ولهذا قال ها هنا: ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾؛ أي: الناجون المسَلَّمون من عذاب الله عز وجل[2].
 
والآية الكريمة تدعو إلى محاسبة النفس، وقبل الحديث عن محاسبة النفس لا بد أن نتعرف على أحوال النفس أولاً، فقد اتفق السالكون إلى ربهم عز وجل على اختلاف طرقهم وتبايُن سلوكهم على أن النفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الرب، وأنه لا يُدخَل عليه سبحانه ولا يوصل إليه إلا بعد إماتتها وتركها بمخالفتها والظفر بها، فإن الناس على قسمين:
• قسم ظفرت به نفسُه فملَكَتْه وأهلكته، وصار طوعًا لها تحت أوامرها.
 
• وقسم ظفروا بنفوسهم فقهروها، فصارت طوعًا لهم منقادة لأوامرهم، قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37 - 41].
 
والنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة، والرب يدعو عبده إلى خوفه، ونهي النفس عن الهوى، والقلب بين الداعيين يميل إلى هذا الداعي مرة، وإلى هذا الداعي مرة، وهذا موضع المحنة والابتلاء، وقد وصف الله سبحانه النفس في القرآن بثلاث صفات: المطمئنة، واللوامة، والأمَّارة بالسوء، وصدق القائل حين قال:
والنَّفْسُ كالطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شبَّ عَلَى ♦♦♦ حبِّ الرَّضاعِ، وإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
 
فالنفس المطمئنة: هي التي سكنت إلى الله، واطمأنَّت إلىه بذكره، وأنابت إليه واشتاقت إلى لقائه، وأَنِسَتْ بقربه، فصاحب النفس المطمئنة يطمئن من الشكِّ إلى اليقين، ومن الجهل إلى العلم، ومن الغفلة إلى الذِّكر، ومن الخيانة إلى التوبة، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن العجز إلى الكَيْسِ، ومن صولة العُجب إلى ذلة الإخبات، ومن التِّيه إلى التواضع؛ وأصل ذلك كله: هي اليقظة التي كشفت عن قلبه سنة الغفلة، وأضاءت له قصور الجنة، فصاح:






ألا يا نفسُ وَيْحَكِ ساعديني
بِسَعْيٍ مِنْكِ في ظُلَمِ اللَّيَالي


لعلَّك في القيامةِ أَنْ تَفوزي
بطِيبِ العَيْشِ في تلك العلالي






 
فرأى في ضوء هذه اليقظة ما خلق له، وما سيلقاه بين يديه من حين يموت إلى دخول القرار، ورأى سرعة انقضاء الدنيا، وقلة وفائها لبنيها، وقتلها لعشاقها، وفعلها بهم أنواع المثلات، فنهض في ذلك الضوء على ساق عزمه قائلاً: ﴿ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 56].
 
فاستقبل بقية عمره مستدركًا ما فات، محييًا ما أمات، مستقبلاً ما تقدم له من العثرات، منتهزًا فرصة الإمكان التي إن فاتت فاتَتْه جميع الخيرات.
 
أما النفس اللَّوَّامة: فقالت طائفة: هي التي لا تثبت على حال واحدة، فهي كثيرة التقلب والتلون، فتذكر وتغفل، وتُقبِلُ وتُعرض، وتحب وتبغض، وتفرح وتحزن، وترضى وتغضب.
 
وقالت طائفة أخرى: "هي نفس المؤمن"، قال الحسن البصري: إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائمًا، يقول: ما أردتِ بهذا؟ لم فعلتِ هذا؟ كان هذا أولى من هذا، وقالت أخرى: اللوم يوم القيامة؛ فإن كل أحد يلوم نفسه إن كان مسيئًا على إساءته، وإن كان محسنًا على تقصيره، يقول الإمام ابن القيم: وهذا كله حق.
 
والنفس اللوامة نوعان: لوامة ملومة، ولوامة غير ملومة.
• اللوامة الملومة: هي النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها الله عز وجل وملائكته.
• واللوامة غير الملومة: وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده.
 
وأما النفس الأمارة بالسوء: فهي النفس المذمومة التي تأمر بكل سوء، وهذا من طبيعتها، فما تخلَّص أحد من شرِّها، إلا بتوفيق الله، كما قال تعالى حاكيًا عن امرأة العزيز: ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ﴾ [يوسف: 53]، وقوله: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلِّمهم خطبة الحاجة: ((إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا))[3]، فالشرُّ كامنٌ في النفس، وهو يوجب سيِّئات الأعمال، فإذا خلَّى الله بين العبد وبين نفسه، هلَك بينَ شرِّها وبين ما تقتضيه من سيئات الأعمال، وإن وفَّقه وأعانه، نجا من ذلك كله.
 
وقد انتصبت النفس الأمارة بالسوء مقابلَ المطمئنة، فكلما جاءت به تلك من خير، ضاهتْها هذه وجاءت من الشر بما يقابله؛ حتى تفسده عليها، فتريه حقيقة الجهاد في صورة تقتل فيها النفس، وتنكح الزوجة، ويصير الأولاد يتامى، ويقسم المال، وتريه حقيقة الزكاة والصدقة في صورة مفارقة المال، ونقصه وخلوِّ اليد منه، واحتياجه إلى الناس، ومساواته بالفقير[4].
 
محاسبة النفس:
وعلاج استيلاء النفس الأمارة بالسوء على قلب المؤمن محاسبتُها ومخالفتها؛ أخرج الإمام أحمد بن حنبل عن عمر بن الخطاب أنه قال: "حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزنوا؛ فإنه أهونُ عليكم في الحساب غدًا أن تحاسِبوا أنفسَكم اليوم، وتزيَّنوا للعرض الأكبر ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18]"[5]، قال مالك بن دينار: (رحم الله عبدًا قال لنفسه: ألستِ صاحبة كذا؟ ألستِ صاحبة كذا؟ ثم ذمَّها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله عز وجل، فكان لها قائدًا).
 
فحق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه، والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾ [آل عمران: 30].
 
ومحاسبة النفس نوعان: نوع قبل العمل، ونوع بعده.
أما النوع الأول، فهو أن يقف عند أول همه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه، قال الحسن البصري: (رحم الله عبدًا وقف عند همه؛ فإذا كان لله أمضاه، وإن كان لغيره تأخر).
 
وأما النوع الثاني، فمحاسبة النفس بعد العمل، وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي، وحق الله في الطاعة ستة أمور: الإخلاص في العمل، والنصيحة فيه، ومتابعة الرسول، وشهود مشهد الإحسان، وشهود منة الله، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله.
 
الثاني: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركُه خيرًا من فعله.
 
الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح لِمَ فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة فيكون رابحًا، أو أراد به الدنيا فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به؟
 
وأضَرُّ ما عليه الإهمال، وترك المحاسبة والاسترسال، وتسهيل الأمور وتمشيتها؛ فإن هذا يؤول به إلى الهلاك، وهذه حال أهل الغرور، يغمض عينيه عن العواقب، ويَتَّكِلُ على العفو، فيهمل محاسبة نفسه، والنظر في العاقبة، وإذا فعل ذلك سَهُل عليه مواقعة الذنوب، وأَنِسَ بها، وعسر عليه فطامها، ولو حضره رشده لعلم أن الحمية أسهل من الفطام وترك المألوف والمعتاد.
 
وجِماع ذلك: أن يحاسب نفسه أولاً على الفرائض؛ فإنْ تذكَّر نقصًا تدارَكه إما بقضاء أو إصلاح، ثم يحاسب نفسه على المناهي، فإن عرف أنه ارتكب منها شيئًا تداركه بالتوبة والاستغفار، والحسنات الماحية، ثم يحاسب نفسه على الغفلة؛ فإن كان قد غفل عما خُلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله تعالى، ثم يحاسبها بما تكلَّم به، أو مشتْ رجلاه، أو بطشَتْ يداه، أو سمعته أذناه: ماذا أراد بهذا؟ ولِمَ فعلته؟ وعلى أي وجه فعلته؟ قال تعالى: ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الحجر: 92، 93]، وقال تعالى: ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأعراف: 6]، وقال: ﴿ لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 8]، فإذا سُئِل الصادقون وحوسبوا، فما الظن بالكاذبين؟! قال قتادة: (إن الله سائلٌ كلَّ عبد عما استودعه من نعمه وحقه)، فإذا كان العبد مسؤولاً محاسبًا على كل شيء حتى سمعه وبصره وقلبه، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب.
 
فوائد محاسبة النفس:
من فوائد محاسبة النفس الاطلاع على عيوبها، ومَن لم يطَّلِعْ على عيب نفسه لم يتمكَّن من إزالته، فإذا اطَّلع على عيبها مقَتَها في ذات الله، روى الإمام أحمد بن حنبل عن أبي الدرداء قال: (لا يفقه الرجل كلَّ الفقه حتى يَمْقُتَ الناسَ في جنب الله، ثم يرجع إلى نفسه، فيكون لها أشدَّ مقتًا)، قال محمد بن واسع: (لو كان للذنوب رائحةٌ، ما استطاع أحد أن يجالسني)، وقال أبو حفص: (مَن لم يتَّهم نفسه على دوام الأوقات، ولم يخالفها في جميع الأحوال، ولم يجرها إلى مكروهها في سائر أوقاته، كان مغرورًا، ومن نظر إليها باستحسان شيء منها، فقد أهلكها).
 
ومن فوائد المحاسبة أيضًا: أن يعرف العبد بذلك حقَّ الله، ومن لم يعرف حق الله، فإن عبادته لا تكاد تُجدي عليه، وهي قليلة المنفعة جدًّا.
 
فمحاسبة النفس هي نظر العبد في حق الله عليه أولاً، ثم نظره هل قام به كما ينبغي، وأفضل الفكر الفكرُ في ذلك؛ فإنه يُسيِّر القلب إلى الله، ويطرحه بين يديه ذليلاً خاضعًا منكسرًا كسرًا فيه جبرُه، ومفتقرًا فقرًا فيه غناه، وذليلاً ذلاًّ فيه عزُّه، ولو عمل من الأعمال ما عساه أن يعمل، فإنه إذا فاته هذا، فالذي فاته من البر أفضل من الذي ناله[6].



[1] أخرجه الإمام أحمد ومسلم رحمهما الله تعالى.


[2] مختصر تفسير ابن كثير - الصابوني ج3ص: 477.


[3] رواه مسلم والنسائي رحمهما الله تعالى.


[4] البحر الرائق في الزهد والرقائق - الشيخ د / أحمد فريد ص131-133.


[5] رواه الترمذي رحمه الله تعالى - صفة يوم القيامة.


[6] البحر الرائق في الزهد والرقائق - الشيخ د / أحمد فريد ص: 136.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣