بانَتْ سُلَيْمى وأقوى بَعْدَها تُبَلُ
مدة
قراءة القصيدة :
7 دقائق
.
بانَتْ سُلَيْمى وأقوى بَعْدَها تُبَلُ | فالفَأْوُ من رُحْبِهِ البِرّيتُ فالرِّجَلُ |
وَقَفتُ في دارِها أُصْلاً أُسائِلُها | فلم تجب دارها واستعجم الطلل |
لمّا تَذَكَّرتُ منها وَهْي نازِحَة ٌ | مواعداً قد طبتها دوني العلل |
ظلت عساكر من حزنٍ تراوحني | وسَكْرة ٌ بطَنَتْ فالقَلْبُ مُخْتَبِلُ |
بانَتْ وناءتْ وأبكى رسمُ دمْنتِها | عَيْناً تسيلُ كما يَنْفي القذى الوَشَلُ |
وقد تبدَّتْ بِها هَوْجاءُ مُعْصِفَة ٌ | حنّانة ٌ فترابُ الدارِ مُنْتَخَلُ |
كُلُّ الرياحِ تُسَدّيها وتُلْحِمُها | وكلُّ غيثٍ رُكامٍ غَيْمُه زَجِلُ |
له بروقٌ تهيج الرعد آونة ً | كما تَضَرَّمُ في حافاتِها الشُّعَلُ |
كأن في مزنه بلقاً مشهرة ً | بِيضَ الوجوهِ وفي آذانِها شَقَلُ |
باتت تذب فحولاً عن مهارتها | فصَدَّ عن عَسْبِها عِلْجٌ ومُفتَحِلُ |
كأنَّ مصقولة ً بيضاً يُهَدُّ بِها | لَهُ سَجيمة ُ جُوْدٍ كُلُّها هَطِلُ |
لهُ حنينٌ إذا ما جاشَ مُبْتَرِكاً | كما تحن إلى أطفالها الإبل |
ترى العَزالي مُقيماً ما يفارِقُها | فاق الغيوث بجودٍ حين يحتفل |
يوهي السناسن منها صوب ريقه | فليسَ في غَيْمهِ فتقٌ ولا خَلَلُ |
حتى إذا عمها بالماء وامتلأت | ساقت تواليه شامية ٌ شمل |
كسا العراصَ رِياضاً حين فارقَها | كالعبقري رواءً كلها خضل |
من حَنْوة ٍ يُعجِبُ الرَّوَّادَ بهجتُها | ومن خزامى وكرشٍ زانها النفل |
منها ذُكورٌ وأحرارٌ مُؤنَّقَة ٌ | بدا لها صبحٌ فالنبت مكتهل |
بها الظباء مطافيلٌ تربعها | والعين والعون في أكنافها همل |
وكلٌّ أَخْرَجَ أبدى البيضَ جُؤجؤُهُ | كأنه بغُدافيّينِ مُشْتَمِلُ |
كأنَّ رِجْلَيْهِ لمّا حَلَّ بينَهُما | رِجْلا مُصارِعِ قِرْنٍ حينَ يُعْتَقَلُ |
لهُ فراسِنُ منها باطنٌ كَمُلَتْ | وفِرْسِنٌ نضعُها في الخَلْق مُفْتصِلُ |
ظَلَّ يُراطِنُ عُجْماً وهي تَتْبَعُهُ | نَقانِقاً زَعِلاتٍ قادَها زَعِلُ |
كأنَّ أعْناقها مِنْ طولِها عُمُدٌ | وكلها من نشاطٍ يعتري جذل |
كالحُبْشِ منها على أثباجِها بُرَدٌ | قُرْعٌ يعنُّ بِها هَيْقٌ لها شَوِلُ |
فالوَحْشُ في ربْعِها يرعَيْنَ مُؤْتَنِفاً | وقد تكون به إذ ربعها أهل |
تلوح فيه رسوم الدار دارسة ً | كما تلوح على المسقولة الخلل |
إلا الأثافي ضبتها النار تلفحها | وهامدٌ بينها في لونه طحل |
والنؤْيُ فيها ومشجوجٌ يُجاورُهُ | ولَيْسَ أَنْ شُجَّ بالأفهارِ يَرْتَمِلُ |
فقد بكيتُ على رسْمٍ لدِمْنتِها | فالقلبُ من ذِكْرها ما عِشتُ مُخْتَبَلُ |
كأنني نصبٌ مضنى ً تماطله | حمى تخونه حمى ويندمل |
لو ماتَ حَيٌّ من الأطلالِ تقتلُه | إذن لمت وعيني دمعها سبل |
أنّى وكيفَ طِلابي حرّة ً شَحَطتْ | والرأسُ مِنْ غُلَواءِ الشيْبِ مُشْتعلُ |
ربحلة ً إن مشت أرخت مفاصلها | فارتجَّ من بُدْنها الأوصالُ والكَفَلُ |
شمس النهار وبدر الليل سنتها | زين الحلي ولا يزري بها العطل |
عَجْزاءُ عَبْهَرة ٌ غَرّاءُ مُكْمَلَة ٌ | في مُقلَتَيْها وإنْ لمْ تكتَحِلْ كَحَلُ |
ما دُمْية ٌ ظَلَّتِ الرهبانُ تَعْهَدُها | يَوْماً بِأَحْسَنَ مِنْها حينَ تغتَسِلُ |
يعلو مآكمها فرعٌ لها حسنٌ | من السخام أثيثٌ نبته رجل |
وزان أنيابها منها إذا ابتسمت | أحوى اللثات شتيتٌ نبته رتل |
كأنَّ رِيقتَها في مُضاجِعِها | شِيبَتْ بِها الثلْجُ والكافورُ والعَسَلُ |
ياليت حظي منها من فواضلها | مِمّا أؤمِّلُ منها نَظْرة ٌ بَجَلُ |
أَبِيتُ ظَهْراً لِبَطْنٍ من تذكّرها | كما تقلب مما يشتكي المغل |
قلبي يَئِبُّ إلَيْها من تذكُّرِها | كما يئبُّ إلى أوْطانهِ الجَمَلُ |
أهذي بها في منامي وهي نازحة ٌ | كأنني موثقٌ في القد مكتبل |
ففلتُ للنفسِ سِرّاً وهي مُثْبَتة ٌ | والحِلمُ منّي إذا ما معشرٌ جَهِلوا |
كم من مؤمل شيءٍ ليس يدركه | والمرءُ يُزْري بهِ في دهرِهِ الأملُ |
يرجو الثراء ويرجو الخلد ذا أملٍ | ودون مايرتجي الأقدار والأجل |
والدهرُ يُبلي الفتى حَتّى يغيّرَهُ | كما تغير بعد الجدة السمل |
والأَقْورينَ يراها في تقلُّبهِ | كما تقلب خلف الباقر العجل |
لا يصبح المرء ذو اللب الأصيل ولا | يمسي على آلة ٍ إلا له عمل |
وفي الأناة يصيب المرء حاجته | وقد يُصيبُ نجاحَ الحاجة ِ العَجِلُ |
إحْذَرْ ذَوي الضِّغنِ لا تأْمَنْ بَوائقَهم | وإن طلبت فلا تغفل إذا غفلوا |
قد يسبق المرء أوتارٌ يطالبها | ويدرك الوتر بعد الوتر بعد الإمة الخبل |
كلُّ المصائِبِ إنْ جلّت وإنْ عَظُمَتْ | إلاّ المُصيبة َ في دِينِ الفتى جَلَلُ |
والشِّعر شَتّى يهيمُ الناطقونَ بِهِ | مِنْهُ غُثاءٌ ومِنهُ صَادِقٌ مَثَلُ |
منهُ أَهاذٍ تُشجّي من تَكَلّفَها | وَرْدٌ يَسوقُ تَوالي الليلِ مُقْتَبِلُ |
والناسُ في الشعْرِ فَرّاثٌ ومُجَتلِبٌ | وناطقٌ محتذٍ منهم ومفتعل |
ذر ذا ورشح بيوتاً أنت حائكها | لابد منها كراماً حين ترتحل |
وبلدة ٍ مقفرٍ أصواء لاحبها | يكادُ يشمَطُ من أهوالِها الرَّجُلُ |
سَمِعْتُ مِنْهَا عزيفَ الجِنِّ ساكِنِها | وقد عراني من لون الدجى طفل |
تُجاوِبُ البومُ أصداءً تُجاوِبُها | والذئب يعوي بها في عينه حول |
حتى إذا الصبح ساق الليل يطرده | والشمس في فلكٍ تجري لها حول |
تكاد منها ثياب الركب تشتعل | |
ترى الحَرابِيَّ فيها وَهْي خاطِرة ٌ | وكل ظلًّ قصيرٌ حين يعتدل |
ظلت عصافيرها في الأرض حاجلة ً | لمّا توقَّدَ منْها القاعُ والقُلَلُ |
قد جُبْتُها وظلامُ الليلِ أَقْطَعُهُ | بجَسْرة ٍ لمْ يُخالِطْ رِجْلَها عَقَلُ |
عَيْرانة ٍ كَقَريعِ الشَّوْلِ مُجْفَرَة ٍ | في المرفقين لها عن دفها فتل |
كأن في رجلها لما مشت روحاً | ولايرى قفدٌ فيها ولا حلل |
تخدي بها مجمراتٌ مايؤيسها | مروٌ ولا أمعزٌ حامٍ ولا جبل |
كأنها وركاب القوم تتبعها | نواحة ٌ قد شجاها مأتمٌ ثكل |
تنضو جذاع المهارى وهي ريضة ٌ | ولا تمالِكُها العيديَّة ُ الذُّلُلُ |
مثل الحنيات صفراً وهي قد ذبلت | والقومُ مِنْ عُدَواءِ السَّيْرِ قَدْ ذَبَلُوا |
كالخُرْسِ لا يستبينُ السمعُ مَنطقَهُمْ | كأنهمْ من سُلافِ الخمرِ قد ثَمِلوا |
لما رأيتُهُم غُنّاً إذا نَطَقوا | وكلُّ أصْواتِهِمْ ممّا بِهِمْ صَحِلُ |
وَهُمْ يميلونَ إذْ حلَّ النُّعاسُ بهمْ | كما يميلُ إذا ما أُقعِدَ الثَّمِلُ |
قلتُ: أنيخوا فعاجوا من أَزِمَّتَها | فكلُّهْم عند أيْديهنَّ مُنْجدِلُ |
ناموا قليلاً غِشاشاً ثم أفْزَعَهُمْ | وردٌ يسرق توالي الليل مقتبل |
شَدّوا نُسوعَ المطايا وهْي جائِلَة ٌ | بعد الضفور سراعاً ثمت ارتحلوا |
يَنْوون مَسْلَمَة َ الفَيّاضَ نائلُهُ | وكعبه في يفاع المجد معتدل |
صلب القناة ربا والحزم شيمته | فليْسَ في أَمْرِهِ وَهْنٌ ولا هَزَلُ |
قضاؤهُ مستقيمٌ غيرُ ذي عِوَجٍ | فليْسَ في حُكْمِهِ حَيْفٌ ولا مَيَلُ |
وأنتَ حِرْزُ بني مروانَ كلِّهُمُ | أنتَ لهمْ ولِمنْ يعروهُمُ جَبَلُ |
نَمَتْكَ مِن عبدِ شمْسٍ خيرُهم حَسَباً | إذا الكرامُ إلى أحْسابهم حَصَلوا |
ذَوو جُدودٍ إذا ما نُوضِلَتْ نَضَلتْ | إنَّ الجُدودَ تلاقى ثم تَنْتَضِلُ |
القائل الفصل والميمون طائره | فليسَ في قولِهِ هَذْرٌ ولا خَطَلُ |
لاينقض الأمر إلا ريث يبرمه | وليسَ يَثْنيهِ عن أمرِ التُّقى كَسَلُ |
إنَّ الذينَ بهمْ يَرْمونَ صَخْرَتَهُ | لَنْ يبلُغوه وإن عَزّوا وإنْ كَمَلوا |
لنْ يُدرِكوكَ ولن يلحقْكَ شأوُهُمُ | حتّى يَلِجْ بَيْن سَمِّ الإبْرة ِ الجَمَلُ |
أعددت للحرب أقراناً وهم حسبٌ | السَّيفُ والدِّرعُ والخِنذيذُ والبَطَلُ |
إذا فغمت بقومٍ جئت أرضهم | بجحفلٍ أرعن الحافات تنتقل |
يصم فيه الموصى من يجاوبه | من رز عودٍ إذا ساروا وإن نزلوا |
تُعَضِّلُ الأرضُ مِنْهُ وهي مُثْقَلَة ٌ | قد هدها كثرة الأقوام والثقل |
فيهِ العناجيجُ يَبْري الغزوُ أَسْمَنَها | بري القداح عليها جنة ٌ بسل |
قُبُّ البطونِ قد اقْوَرَّتْ مَحاسِنُها | وفي النُّحورِ إذا استقبَلْتَها رَهَلُ |
يَصيحُ نِسْوانُهُمْ لمّا هَزَمْتَهُمُ | كما يصيح على ظهر الصفا الحجل |
إنْ قلتَ يوماً لِفُرسانٍ ذَوي حَسَبٍ | تُوصيهُمُ في الوغى : أنِ احمِلوا حَمَلوا |
النازلونَ إذا ما الموتُ حَلَّ بِهِمْ | إِذا الكماة ُ إلى أمثالِها نَزَلوا |