بانَ السَّفاهُ وأودى الجهلُ والسَّرَفُ
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
بانَ السَّفاهُ وأودى الجهلُ والسَّرَفُ | وفي التُّقى بعدَ إفراط الفتى خَلَفُ |
وقد كَسَانيَ شيباً قد غَنيتُ بهِ | مر الليالي مع الأيام تختلف |
وزال أيدي ، وشيبي ما يزايلني | وآل مني وشيب الرأس مختلف |
حتى إذا الدهر بلاني وغيرني | كما يُغيِّرُ جسْمَ المُخصِبِ العَجفُ |
قالت لي النفس سراً إذ خلوت بها | والنفس صادقة ٌ لو أنها تقف |
من ير في ولده أيداً يسر به | تَهِنْ قُوى شيخِهِ والشيخُ منحذفُ |
ذَرِ الشبابَ فلا تتَبعْ لذاذتَهُ | إنَّ الذي يتبعُ اللذاتِ مُقترِفُ |
إنَّ الشبابَ جُنونٌ شَرْخُ باطِلِهِ | يُقيمُ غضّاً زماناً ثمّ ينكشف |
من يعله الشيب لم يحدث له عظة ً | فذاك من سوسه الإفراط والعنف |
والناسُ منهمْ أفينٌ مالَهُ سَبَدٌ | ومنهُمُ جامعٌ للمالِ مُحترفُ |
ليسوا سواءً، جسورٌ ذو مُزابنة ٍ | عندَ الأمورِ ولا الهيّابة القُصُفُ |
إني امرؤٌ صاف عني من يشاحنني | وردني أهل ودي معشرٌ أنف |
ومعشرٌ أكلوا لحمي بلا ترة ٍ | ولو ضربت أنوفاً منهم رعفوا |
لا يأسفون وقد أعذبت ألسنهم | ولو يظنون أن أعنى بهم أسفوا |
ألست أبين منهم غير أنهم | همُ اللئامُ إذا ما استُشْرِفوا عُرِفوا |
وقد تكنفهم لؤمٌ أحاط بهم | كما أحاطَ برأسِ النخلة ِ السَّعَفُ |
ومن يكن ذا عدو لا يواقعه | إلا وعيداً فإن الهيبة الصلف |
فلا تهابن أسفاراً وإن بعدت | إن هابَها عاجزٌ في عودِهِ قَصَفُ |
قد يرجع المرء لا ترجى سلامته | وقد يُصيبُ طويلَ القِعْدة ِ التَّلَفُ |
هذا لهذا ، فمال بال التي وعدت | وكان من وعدها الليان والخلف |
لا تتقي الله في صادٍ يهيم بها | متيمٍ مقصدٍ كأنه دنف |
فإن تصب قلبه يوماً بأسهمها | يكنْ عَلَيْها ومِنْها الإثْمُ والجَنَفُ |
وإن تنله يعش ميتٌ به رمقٌ | أَحْياهُ مِنْ جودِها الإفضالُ والعُرُفُ |
تسبي القلوب بوجهٍ لاكفاء له | كالبدر تم جمالاً حين ينتصف |
تحت الخمار لها جثلٌ تعكفه | مثلُ العثاكيلِ سُوداً حِينَ تُقْتَطَفُ |
لها صحيفة وجهٍ يستضاء بها | لم يَعْلُ ظاهِرَها بَثْرٌ ولا كَلَفُ |
عَيْناءُ حَوْراءُ في أشفارِها هَدَبٌ | ولَيْسَ في أَنْفِها طولٌ ولا ذَلَفُ |
تفتر عن واضحٍ غر مناصبه | عَذْبٌ يَهَشُّ لهُ ذو النّيقة ِ الطَّرِفُ |
ما قرقفٌ خالطت مسكاً تشاب به | يوماً بأطيبَ منها حين تُرْتَشَفُ |
لها كلامٌ تخل القلب بهجته | كأنَّهُ زَهْوُ نَخْلٍ منهُ يُخترفُ |
ترتج أوصالها لما مشت فضلاً | عجزاءُ عبهرَة ٌ في كشحِها هَيَفُ |
وقد غداها صَريفُ المَحْضِ تَشْربُهُ | وقارِصٌ والذي مِنْ دونهِ الخَصَفُ |
أضحت شطيراً بدارٍم تلائمني | وحالَ من دونِها الصَمّانُ والنَّجَفُ |
حَلَّتْ بِيَثرِبَ داراً ـ دارَ نعمتِهاـ | وحالَ من دونِها الأبوابُ والغُرَفُ |
فقد غَشيتُ لها داراً تُشَوِّقُني | فالعين ساكبة ٌ بملئها تكف |
دارٌ تغربلها ريحٌ وتنخلها | فكل تربٍ بها بالهيف منتسف |
وقد أَرَبَّ بِها مُستَأْسِدٌ ذَكَرٌ | جَوْنُ السَّحابِ مُلِثُّ الهَمْرِ مُؤْتَلَفُ |
منه رُكامٌ على غَيْمٍ تَجَلَّلَهُ | مُرقَّعٌ بِرَبابِ المُزْنِ مُخْتَصِفُ |
إذا تألَّقَ من جَوْنٍ بَوارقُهُ | تكاد أبصار عين الوحش تختطف |
وإن تلهف خلت الأرض قد رجفت | وجاد منه روايا كلها قطف |
روّى القراراتِ منهُ فهي مُفْعَمة ٌ | كما ارتوتْ من حياضِ المُستقى الزُّلَفُ |
فالنبت منه خضوبٌ بعدها ورقٌ | واخضر من صوبه الصبغاء والغرف |
وقد كَسَاها رياضاً زانَها صَبَحٌ | بها كواكب زهرٌ كلها سرف |
فالعين مطفلة ٌ ترعى مساربه | وهْي لأوْطانِها من خِصْبِها أُلُفُ |
والحمر تطردها ربعٌ محنبة ٌ | تفوت أرجلها أيدٍ لها خنف |
كأنّهُ فوقَهُ لمّا علا، الكَسَفُ | تَخْدي بِها نُقَضٌ مِنْ تحتِهَا نُسُفُ |
يرفع فوديه إن جد الجراء به | أَوْرَقُ أَخْرَجُ في ظُنْبوبِهِ سَقَفُ |
كلُّ الوُحوشِ مطافيلٌ تَرَبَّعُها | تَرْعى بُقَيْلاً وبَقْلاً وهو مُؤْتَنِفُ |
فالربع عافٍ ودمع العين منسكبٌ | أبكي الرسومَ بها طوْراً وأعترِفُ |
نُؤْيٌ وسُفْعٌ ومَشْجوجٌ ومُلْتَبِدٌ | ومائلٌ رأسُهُ بالفِهْر مُنقَصِفُ |
وما بُكائيَ في رَبْعٍ شُعِفتُ بهِ | وخلتي غربة ٌ من دارها قذف |
وحُرْمة ٍ بعدَها مَجْهولة ٌ حُرَمٌ | ما إنْ بِها جُوفة ٌ تُرعى ولا لَصَفُ |
كأن أصداءها والليل كاربها | أصواتُ قوْمٍ إذا ما أَظْلموا هَتَفوا |
يسمع فيها الذي يجتاب قفرتها | أَصْواتَ جِنٍّ إذا ما أَعْتَموا عَزَفوا |
للجُونِ فيها عِيالٌ فيي أفاحِصِها | بِجَوْفَة ٍ ما بِها أَثْلٌ ولا نَضَفُ |
خوضٌ مزغبة ٌ تحتك قد بثرت | كأنَّما ثارَ في أبشارِها الحَصَفُ |
قد جُبْتُها وظلامُ الليلِ أقطعُهُ | وقد عراني من شمس الضحى كنف |
تَشْوي جَنادبَها من حَرِّ جاحِمِها | لمّا توقَّدَ منها السهلُ والظلف |
أظل بعض المها بعضاً إذا كنست | كما تُظِلُّ ظِباءَ القفرة ِ القَطَفُ |
بِجسْرة ٍ كَعلاة ِ القَيْنِ دَوْسَرَة ٍ | في حد مرفقها عن زورها جنف |
تسمو بأتلع مثل الجذع يقدمها | عَرْفاءُ غَرْباءُ في حَيْزومِها جَوَفُ |
قد قذفت بلكيك النحض أعظمها | كأنَّ غارِبَها من طُولِهِ هَدَفُ |
ما راجنٌ من بنات الفحل قد رجنت | ونوقت وبناها الزرد والعلف |
يوماً بأنجبَ منها حينَ تركبُها | ولا بأبخل ذِلاًّ يومَ تُعْتَنَفُ |
كأنّها بعدَما طالَ الهِبابُ بِها | مُوَلَّعٌ أَسْفَعُ الخدَّينِ مُشْتَرِفُ |
تلوح منها على الأصبار دابرة ٌ | كأنَّها بَيْن رَوْقَيْ رأسِهِ كَشَفُ |
بات بفيحان يجلو البرق متنته | كأنّهُ من ثيابِ القِهْزِ مُلتَحِفُ |
مجتابَ أرطاة ِ حِقْفٍ فهي تَسْتُرُه | مع كل وجهٍ يكف الريح منصرف |
تَبُلُّهُ فَيْضَحٌ بِالوَدْقِ تَغْسِلُهُ | كأنه فوق ضاحي متنه النطف |
حتى إذا الصبح ساق الليل يطرده | وزال عنه وعن أرطاته السدف |
ثارت به ضمرٌ قبٌّ مقلدة ٌ | كالقدح يجذمها صوحان أوثقف |
فجال منها على وحشيه عجلاً | لايجعل الشد ديناً حين يغترف |
وهي سراعٌ تثير النقع شاحية ً | كأنه فوق لما علا الكسف |
تَخْضَعُ طَوْراً وتَطْفو كلّما طَحَرتْ | مثلَ اليعاسيبِ في آذانِها غَضَفُ |
حتّى إذا أَرْهَقَتْهُ كَرَّ مُمْتنِعاً | كأنه طالبٌ بوتره أسف |