خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/45"> الشيخ صالح بن حميد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/45?sub=19708"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
نظرات في الوقف
الحلقة مفرغة
الحمد لله، الحمد لله على عظيم بره وجزيل إحسانه، أحمده -سبحانه- حمداً يليق بكماله وجلاله وسلطانه، وأشكره على فضله وجوده وامتنانه، شكراً لا يحصيه متحدثٌ بلسانه، ولا بليغٌ ببيانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تبلغ الفردوس من جِنانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى سبيل الله ورضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأعوانه، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعــد:
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ، فاتقوا الله -رحمكم الله- فتقواه سبحانه هي الذُّخر الباقي، والدرع الواقي، من اتقى الله وقاه، ومن اعتمد عليه كفاه، ومن لاذ به حفظه وحماه.
أيها المسلمون: الإسلام دين الكمال والشمول، كمال وشمول يُساير متطلبات الفرد، وحاجات الأمة، ويُحقق العزة والكرامة لأهل الإسلام في دارهم الدنيا والآخرة، دينُ حقٍّ جاء بكل ما يُوثِّق عُرى التواصل بين المسلمين، ويقوِّي آواصر التكافل بين المؤمنين، حوى كل سُبل الخير، وشمل جميع أنواع البر: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2] .
لكي يتجسد هذا التعاون، وتتجلى صور البر والتكامل، فليتأمل المتأمل! فيما وضع الله في الناس من مواهب وقدرات، لقد قسَّم سبحانه بينهم تلك المواهب والقدرات: لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:32] .
الناس بحكمة الله ورحمته وعدله يختلفون في مواهبهم وطاقاتهم وعقولهم وجهودهم وهِمَمهم وأعمالهم، منهم من يفتح الله على يديه: وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3] يوسع عليه رزقه، ويبسط له في ماله، وفئات أخرى قد قُدِّر عليها رزقُها، وقلَّت مواردها، إما لنقصٍ في قُدراتها، وإما لعجزٍ في مدركاتها، وإما لإعاقاتٍ في أبدانها، فيها الصِّغار والقُصَّار، وفيها أصحاب العاهات والإعاقات، لا يقدرون على مباشرة حرف، ولا يحسنون صنائع.
إن التكافل في أجلى صوره، والتعاون في أوضح معانيه، يتجلَّى في رعاية أحوال أصحاب هذه الفئات العاجزة، والقدرات القاصرة، في أبدانها وعقولها .. عاجزة عن تحصيل المال، غير قادرة على موارد الكسب، إنَّ لهذه الفئات نصيباً في أيدي قادرين، وحقاً في هذه الأموال المتكاثرة والثروات المتنامية.
وإن الإحسان في الإسلام واسع الأبواب، متعدد الطرق، متنوع المسالك: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] .
أيها الإخوة: وهذه وقفة مع صورة كُبرى من صور البر والإحسان في الإسلام، صُورة تُغطِّي جانباً من جوانب التكافل، وتُعالج معالجةً حقيقةً كثيراً من حاجات المجتمع واحتياجاته.
صورة تبرز ما للمال من وظيفةٍ اجتماعية تحقق الحياة الكريمة، وتدفع وطأة الحاجة، وينعم المجتمع كله بنعمة الأُخوة الرحيمة، والألفة الكريمة.
صورة يجد فيها العاجز المحتاج في مجتمعه مَن يُشاطره آلامَه وهمومَه، ويفرج عنه أحزانَه وغمومَه.
تلكم هي -أيها الإخوة-: الأوقاف والأحباس.
الأوقاف تبرز التعاون بنوعَيه، وتجسد التكافل بمسلكَيه:
1- التعاون بين عموم المسلمين.
2- والتكافل بين الأسر والأقارب.
الوقف من أفضل الصدقات، وأجلَّ الأعمال، وأبرَّ الإنفاق، وكلما كان الوقف أقرب إلى رضوان الله، وأنفع لعباد الله، كان أكثر بركة وأعظم أجراً.
الوقف في الدنيا بر الأصحاب والأقارب، وفي الآخرة تحصيل الثواب وطلب الزلفى من رب الأرباب عز وجل .
الوقف انتفاع دارٌّ متواصل على طبقات المحتاجين، من الأقربين والأبعدين، من الأحياء والميتين.. إنه عمل صالح، ومسلك رابح.
الأوقاف تُجسِّد مسئولية القادرين على القيام بمسئولياتهم: وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:77] إحسانٌ بالقول والمال والعمل.
في الوقف ضمانٌ لحفظ المال، ودوام الانتفاع به، وتحقيق الاستفادة منه مُدَداً طويلة، وآماداً بعيدة.
من أيام الإسلام الأولى بادر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقف نفيس أموالهم، وتحبيس عزيز دُورِهم وعقارهم.
عمر بن الخطاب يوقف أنفس مالٍ له
أبو طلحة ينفق أحب ماله على أقاربه
ووقف أبو بكر رضي الله عنه رِباعاً له بـمكة على الفقراء، والمساكين، وفي سبيل الله، وذوي الرحم القريب والبعيد.
ووقف عثمان ، وعلي ، والزبير رضي الله عنهم أجمعين.
ووقف من أمهات المؤمنين: عائشة ، وأم سلمة ، وصفية ، وأم حبيبة رضي الله عنهن.
وخالد رضي الله عنه احتبس أدْرُعَه وعتاده في سبيل الله.
يقول جابر رضي الله عنه: [[ما بقي أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له مقدرة إلا وقف ]] .
ويقول الإمام الشافعي رحمه الله: "لقد حفظنا الصدقات من كثير من المهاجرين والأنصار، لقد حَكَى لي عدد كثير من أولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلُون صدقاتهم حتى ماتوا، ينقل العامة منهم عن العامة، لا يختلفون فيه".
وسار من بعدهم الأغنياء والموسرون من المسلمين، فأوقفوا الأوقاف، وأشادوا الصروح، بنوا المساجد، وأنشئوا المدارس، وأقاموا الأربطة.
هاهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرق الخير ووجوه البر قائلاً: {يا رسول الله! إني أصبتُ مالاً بـخيبر ، لم أُصِبْ مالاً أنفس عندي منه، فما تأمرني؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إن شئت حبَّسْتَ أصلها وتصدَّقت بها، غير ألا يُباع أصلُها ولا يُوهَب ولا يرد، فتصدق بها عمر في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضعيف، لا جناح على من وَلِيَها أن يأكل منها بالمعروف، أو يُطْعِم صديقاً غير متمول فيه } متفق عليه.
وهذا أبو طلحة رضي الله عنه كان أكثر أنصاريِّي المدينة مالاً من نخل، وكان أحب ماله إليه بَيْرُحاء ، مستقبلة المسجد، وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: {لما نزل قوله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله! إن الله يقول: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] وإن أحب أموالي إليَّ بَيْرُحاء ، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عنده، فضعها حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بَخٍ بَخٍ، ذاك مال رابح -أو رائح- وقد سمعتُ ما قلتَ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، قال أبو طلحة : أفعل ذلك يا رسول الله؟ فقَسَّمَها أبو طلحة في أقاربه وفي بني عمه } .
ووقف أبو بكر رضي الله عنه رِباعاً له بـمكة على الفقراء، والمساكين، وفي سبيل الله، وذوي الرحم القريب والبعيد.
ووقف عثمان ، وعلي ، والزبير رضي الله عنهم أجمعين.
ووقف من أمهات المؤمنين: عائشة ، وأم سلمة ، وصفية ، وأم حبيبة رضي الله عنهن.
وخالد رضي الله عنه احتبس أدْرُعَه وعتاده في سبيل الله.
يقول جابر رضي الله عنه: [[ما بقي أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له مقدرة إلا وقف ]] .
ويقول الإمام الشافعي رحمه الله: "لقد حفظنا الصدقات من كثير من المهاجرين والأنصار، لقد حَكَى لي عدد كثير من أولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلُون صدقاتهم حتى ماتوا، ينقل العامة منهم عن العامة، لا يختلفون فيه".
وسار من بعدهم الأغنياء والموسرون من المسلمين، فأوقفوا الأوقاف، وأشادوا الصروح، بنوا المساجد، وأنشئوا المدارس، وأقاموا الأربطة.
ولو تأملتَ دقيق التأمل! لرأيت أن هؤلاء القادرين الأخيار، والأغنياء الأبرار، لم يدفعهم إلى التبرع بأنْفَس ما يجدون، وأحب ما يملكون، ولم يتنازلوا عن هذه الأموال الضخمة والثروات الهائلة إلا لِعِِظَم ما يرجون من ربهم، ويُؤمِّلون من عظيم ثواب مولاهم، ثم الشعور بالمسئولية تجاه الجماعة والأقربين، يدفعهم كل ذلك إلى أن يرصدوا الجزيل من أموالهم ليستفيد إخوانهم أفراداً وجماعات، جمعيات وهيئات، أقرباء وغرباء.
وثمة دافع آخر وهو: الدافع الأسري العائلي؛ إذ تتحرك عنده مشاعر القُربى، وعواطف الرحمة، فيندفع ليؤمِّن لذريته مورداً ثابتاً يعينهم على نوائب الدهر، وتقلبات الزمن، فيحميهم -بإذن الله- من الفاقة، أخذاً من عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ) بل إن من هؤلاء الأغنياء الحكماء قد يتوجسون خيفة من أن بعض الذرية لا يحسن التصرف في الثروة، أو يخشى عليهم الخلاف والنزاع والفرقة، فمن أجل مصلحتهم ومصلحة ذرياتهم وأقاربهم يُوقفون بعض الأعيان والأصول ليحفظ الثروة من الضياع، ويكف الأيدي من التلاعب، وبهذا يكون النفع مستمراً، والفائدة متصلة غير منقطعة.
قال بعض أهل العلم: الوقف شُرِع لمصالح لا توجد في سائر الصدقات، فإن الإنسان رُبَّما صرف مالاً كثيراً ثم يُفنى هذا المال، ثم يحتاج الفقراء مرة أخرى، أو يأتي فقراء آخرون فيبقون محرومين، فلا أحسن ولا أنفع للعامة من أن يكون شيءٌ حبساً للفقراء وأبناء السبيل، يُصْرَف عليهم من منافعه ويبقى أصله.
في الوقف تطويل لمدة الانتفاع من المال، فقد تُهَيَّأ السبل لجيلٍ من الأجيال لجمع ثروةٍ طائلة، ولكنها قد لا تتهيأ للأجيال التي بعده؛ فبالوقف يمكن إفادة الأجيال اللاحقة بما لا يضر الأجيال السابقة.