اعلم رحمني الله تعالى وإياك
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
اعلم رحمني الله وإياك أن المسلم يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة ، ويصوم رمضان ، ويحج البيت عند الاستطاعة، ويؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، خيره وشره، ويعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فالله يراه، ولا يلجأ لأحد في سرَّائه وضرَّائه إلا لله وحده، كما أنه لا يتوسل بنبي مرسَل، ولا بوليٍّ مقرَّب، ولا يجعل بينه وبين الله واسطة، فهو يتوسل لله باسم من أسمائه الحسنى، أو صفة من صفاته العلى، أو بعمل صالح وفَّقه الله للقيام به، أو بطلب الدعاء من أحد الصالحين الأحياء بنية نفع أخيه، ثم انتفاعه بدعوة له بظهر الغيب.
وأن أعظم ما أمر الله به العباد هو:
توحيد الله: وهو إفراد الله بالعبادة وحده دون سواه، وذلك قول الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5].
وأن أعظم ما نهى الله عنه العباد هو:
الشرك بالله: وهو أن تجعل لله ندًّا وهو خلَقَك، أو أن تصرف العبادة لغيره؛ وذلك لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [ النساء :48].
وأن مما ينبغي الاهتمام به لتقبل الأعمال أمرين:
الأول:
الإخلاص : وهو طهارة وصفاء ونقاء القول والعمل من الرياء والسمعة والنفاق، فلا يُقصد أن يتقرب به إلا لله وحده؛ وذلك لقول الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5].
الثاني: الاتِّباع: ويقصد به اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في المعتقد والقول والعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة؛ حتى تخرج من هذه الدنيا وأنت على "لا إله إلا الله" بصدق، "محمد رسول الله" باتباع؛ وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في "الصحيحين" من حديث عائشة : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد»؛ أي: غير مقبول.
• كلمات أغلى من الذهب، وهي لأحد السلف رضوان الله عليهم، حيث قال: "من أبى أن يعبد الله فقد كفر، ومن عبده وعبد معه غيره فقد أشرك، ومن عبده وحده على غير ما شرع فقد ابتدع، ومن عبده وحده بما شرع فهو المؤمن الموحد".
وأن أول ما فرضه الله عليك:
• الإيمان بالله: ومعناه: أن تعتقد أنه هو الإله المعبود الذي لا يستحق العبادة أحد سواه؛ وذلك مصداقًا لقول الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36].
• والكفر بالطاغوت: ومعناه: أن تعتقد بطلان عبادة غير الله، والطاغوت: كل ما عُبد من دون الله ورضي بذلك، والدليل على ذلك: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:256].
واعلم أن معنى لا إله إلا الله:
• المعنى: لا معبود بحق إلا الله.
• التوضيح: لا إله : نفي.
• التبيان: إلا الله: إثبات.
إذًا هي تنفي الألوهية عما سوى الله، وتثبت العبادة لله وحده لا شريك له.
وحده: تأكيد للإثبات، ولا شريك له: تأكيد للنفي.
• فائدة التوحيد : الأمن في الآخرة من العذاب، والهداية في الدنيا وتكفير الذنوب ؛ وذلك لقول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82].
• وضرر الشرك: يسبب الخلود في النار إن مات الإنسان عليه؛ وذلك لقول الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72].
• أسئلة ثلاثة لا بد من معرفتها، والعمل بها وتبليغها، والصبر في أذى تبليغها:
• من أين جئت؟
• الجواب: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [المرسلات:20].
• لماذا خُلقت؟
• الجواب: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
• إلى أين ستصير؟
• الجواب: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55].
• أسئلة ثلاثة تُعْرَضُ في القبر من قِبَل منكر ونكير، لا توفق للإجابة عنها إلا إذا خرجت من الدنيا وأنت على "لا إله إلا الله" بصدق، "محمد رسول الله" باتباع:
♦ من ربك؟
♦ الجواب: ربي الله الذي ربَّاني بنعمته.
♦ ما دينك؟
♦ الجواب: ديني الإسلام، وهو تسليم الأمر لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك.
♦ من نبيُّك؟
♦ الجواب: هو محمد بن عبدالله، نبي الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه.
♦ من هو المسلم؟ من هو المؤمن؟ من هو المهاجر؟ من هو المجاهد؟
♦ المسلم: هو من سلم المسلمون من لسانه ويده (ومعلوم أن المسلم هو من شهد الشهادتين وعمل بمقتضاهما).
♦ المؤمن: هو من أَمِنه الناس على أموالهم وأعراضهم.
♦ المهاجر: هو من هجر ما نهى الله تعالى عنه.
♦ المجاهد: هو من جاهد نفسه وهواه.
أما الأسئلة في أرض المحشر:
♦ عن عمرك فيمَ أفنيته؟
♦ وعن شبابك فيمَ أبليته؟
♦ وعن مالك من أين اكتسبته؟ وفيمَ أنفقته؟
♦ وماذا عملت في علمك؟
وذلك لما ثبت في (الترمذي [برقم 1969])، وحسَّنه العلامة الألباني في (الجامع [برقم 7299])، من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟».
وفي (الترمذي [برقم 1970])، وقد صححه العلامة الألباني في (الصحيحة [برقم 946])، في رواية أبي برزة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه ما فعله فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟».
وختامًا: أختم كلامي بنداءين أوجِّههما لنفسي وللمسلمين:
النداء الأول: في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
النداء الثاني: حديث نبوي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك»؛ (رواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي عن ابن عباس، والحديث صححه العلامة الألباني في صحيح الجامع [برقم 1077]).
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
المصدر: مجلة التوحيد، عدد رجب 1417 هـ، صفحة 37
أبو بكر بن محمد بن الحنبلي