ولا تتداووا بحرام


الحلقة مفرغة

الحمد لله أهل الحمد والثناء، يضل بعدله ويهدي بفضله، من اهتدى من عباده فلنفسه سعى، ومن عذاب الله نجا، ومن أعرض وأبى فعلى نفسه جنى، وإن الجحيم هي المأوى.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أنقذ به من الضلالة، وهدى به من العمى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وعلى طريقهم اقتفى.

أما بعــد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله ربكم؛ فهو سبحانه أحق أن يُطاع فلا يُعصَى، ويذكر فلا يُنسَى، ويُشكَر فلا يُكفَر.

أيها المسلمون: ربنا الذي في السماء تقدس اسمه لا إله غيره، من اعتصم به هُدِي إلى صراطٍ مستقيم، ومن استعان به واستعاذ أوى إلى ركنٍ شديد، نَزَّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين، أعظم ما تتعلق به القلوب رجاؤه، وأعذب ما تلهج به الألسن ذكره ودعاؤه، سبحانه وتقدس وتبارك، لا شفاء إلا شفاؤه، خلق الأجساد وعللها، والأرواح وأسقامها، والقلوب وأدواءها، والصدور ووسواسها.

ضياع الحق بين طرفي نقيض

أيها الإخوة: صلاح الجسد مرتبط بصحة المعتقد، بل متى يصلح الجسد إذا لم يصلح المعتقد؟!

حين يضعف وازع الإيمان، ويختل ميزان الاعتقاد، تختلط الحقائق بالخرافة، وتنتشر الخزعبلات والأوهام، ويفشو الدجل والشعوذة، ويضيع الحق بين فريقَين:

ضُلاَّلٌ ماديون: ينكرون الغيب وعالمه، ويكفرون بما جاء به رسل الله من الحق، وكل ما عدا المادة فهو عندهم أساطير الأولين؛ أوهام ومعتقدات من معتقدات المجتمعات البدائية؛ أساطير تخطاها الإنسان المتحضر، الإيمان بالغيب عندهم رِدَّةٌ حضارية إلى عصور الظلام.

يقابلهم فريقٌ آخر: عشعشت الخرافات في رءوسهم، وامتلأت بالخزعبلات صدورُهم، تعلقت قلوبهم بالسحر والكهانة، وارتبطت بصائرهم بالتنجيم والعِرافة، والضرب بالكف والرمل، والنظر في الوَدَع والخرز، والاستسقاء بالأنواء.

وكلا الفريقين قد سلك مسالك الجاهلية.

أما الأولون: فجاهليتهم الإعراض عن العلم المتنزل على رسل الله، ورفض ما جاء به المرسلون، وقبول ما جاء عن الفلاسفة والملاحدة والزنادقة، قد قال الله عنهم وعن أمثالهم: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [غافر:83].

وأما الآخَرون: فاعتمدوا التقاليد الفاسدة، وبنوا حياتهم على الظنون والتخرصات، وتعلقوا بأهل الكهانة والسحر والتنجيم، فهم في لون آخر من الجاهلية الجهلاء: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40] .

وسوسة الشيطان

أيها المسلمون: إن الإنسان جسدٌ وروح؛ فكما يتأثر بالمادة وأسبابها؛ من طعامٍ وشراب، وحَرٍّ وقَرٍّ، وغذاءٍ ودواء، فإنه يتأثر بالمؤثرات الروحية بإذن الله.

فالشيطان وجنوده جعل الله لهم تسلطاً على بني آدم: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً [الإسراء:64] ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:17].

وأخبرنا نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم أنه: {ما من أحدٍ من بني آدم إلا قد وُكِّل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي؛ إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير } أخرجه مسلم .

وفي خبر عند مسلم أيضاً: {إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه }.

بل إن هذا التأثير -أيها الإخوة- منه ما هو وسوسة وإيحاء، ومنه ما هو محسوس وملموس.

وتظهر الوسوسات والإيحاءات في صورٍ وأحوال من الدوافع والانفعالات؛ ففي هاجس الفقر، وحب المال، ومسالك الفحشاء: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268].

وفي حب الأولاد والعواطف: وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ [الإسراء:64] { النظرة سهم من سهام إبليس }.

وفي انفعالات الغضب يتغلغل الشيطان ليخرج المرء عن طوره المعتدل، فيسب ويشتم ويقطع الرحم ويطلِّق، وفي الحديث: {إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم } متفق عليه.

حتى انفعالات الغيرة النسائية -أيتها الأخوات المسلمات- للشيطان فيها نصيب، فحينما افتقدت عائشة رضي الله عنها حبيبها محمداً صلى الله عليه وسلم ذات ليلة أدركتها الغيرة، فقال عليه الصلاة والسلام لها: {أوقد جاءك شيطانك؟! فقالت: أوَمعي شيطان؟! قال: نعم، قالت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم } رواه مسلم .بل إن الشيطان قد يبث المخاوف في النفس ويهز القلوب بالقلق والحزن: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] ، إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المجادلة:10] .

ويترقى ذلك إلى بث النزعات العدوانية: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء:53].

وفي الخبر عند الشيخين : {إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن لم ييئس من التحريش بينهم }.

تأثير الشيطان المحسوس

أما التأثير المحسوس والملموس فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن: {أن كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه بإصبعه حين يولد } رواه البخاري .

وقال أيضاً: {إن عدو الله إبليس جاء بشهابٍ من نار ليجعله في وجهي } أخرجه مسلم .

أيها الإخوة: صلاح الجسد مرتبط بصحة المعتقد، بل متى يصلح الجسد إذا لم يصلح المعتقد؟!

حين يضعف وازع الإيمان، ويختل ميزان الاعتقاد، تختلط الحقائق بالخرافة، وتنتشر الخزعبلات والأوهام، ويفشو الدجل والشعوذة، ويضيع الحق بين فريقَين:

ضُلاَّلٌ ماديون: ينكرون الغيب وعالمه، ويكفرون بما جاء به رسل الله من الحق، وكل ما عدا المادة فهو عندهم أساطير الأولين؛ أوهام ومعتقدات من معتقدات المجتمعات البدائية؛ أساطير تخطاها الإنسان المتحضر، الإيمان بالغيب عندهم رِدَّةٌ حضارية إلى عصور الظلام.

يقابلهم فريقٌ آخر: عشعشت الخرافات في رءوسهم، وامتلأت بالخزعبلات صدورُهم، تعلقت قلوبهم بالسحر والكهانة، وارتبطت بصائرهم بالتنجيم والعِرافة، والضرب بالكف والرمل، والنظر في الوَدَع والخرز، والاستسقاء بالأنواء.

وكلا الفريقين قد سلك مسالك الجاهلية.

أما الأولون: فجاهليتهم الإعراض عن العلم المتنزل على رسل الله، ورفض ما جاء به المرسلون، وقبول ما جاء عن الفلاسفة والملاحدة والزنادقة، قد قال الله عنهم وعن أمثالهم: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [غافر:83].

وأما الآخَرون: فاعتمدوا التقاليد الفاسدة، وبنوا حياتهم على الظنون والتخرصات، وتعلقوا بأهل الكهانة والسحر والتنجيم، فهم في لون آخر من الجاهلية الجهلاء: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40] .

أيها المسلمون: إن الإنسان جسدٌ وروح؛ فكما يتأثر بالمادة وأسبابها؛ من طعامٍ وشراب، وحَرٍّ وقَرٍّ، وغذاءٍ ودواء، فإنه يتأثر بالمؤثرات الروحية بإذن الله.

فالشيطان وجنوده جعل الله لهم تسلطاً على بني آدم: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً [الإسراء:64] ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:17].

وأخبرنا نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم أنه: {ما من أحدٍ من بني آدم إلا قد وُكِّل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي؛ إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير } أخرجه مسلم .

وفي خبر عند مسلم أيضاً: {إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه }.

بل إن هذا التأثير -أيها الإخوة- منه ما هو وسوسة وإيحاء، ومنه ما هو محسوس وملموس.

وتظهر الوسوسات والإيحاءات في صورٍ وأحوال من الدوافع والانفعالات؛ ففي هاجس الفقر، وحب المال، ومسالك الفحشاء: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268].

وفي حب الأولاد والعواطف: وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ [الإسراء:64] { النظرة سهم من سهام إبليس }.

وفي انفعالات الغضب يتغلغل الشيطان ليخرج المرء عن طوره المعتدل، فيسب ويشتم ويقطع الرحم ويطلِّق، وفي الحديث: {إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم } متفق عليه.

حتى انفعالات الغيرة النسائية -أيتها الأخوات المسلمات- للشيطان فيها نصيب، فحينما افتقدت عائشة رضي الله عنها حبيبها محمداً صلى الله عليه وسلم ذات ليلة أدركتها الغيرة، فقال عليه الصلاة والسلام لها: {أوقد جاءك شيطانك؟! فقالت: أوَمعي شيطان؟! قال: نعم، قالت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم } رواه مسلم .بل إن الشيطان قد يبث المخاوف في النفس ويهز القلوب بالقلق والحزن: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] ، إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المجادلة:10] .

ويترقى ذلك إلى بث النزعات العدوانية: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء:53].

وفي الخبر عند الشيخين : {إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن لم ييئس من التحريش بينهم }.