Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

العقوبات المعجلة للمعصية


الحلقة مفرغة

في آخر السنة التاسعة أو أول السنة العاشرة وصل وفد من نصارى نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريدون مباهلته في أي الفريقين على الحق: النبي صلى الله عليه وسلم الذي يدعو إلى توحيد الله وعدم الإشراك به، أو النصارى الذين يعتقدون بألوهية المسيح، فلما حضر النصارى رأوا النبي صلى الله عليه وسلم مستعداً للمباهلة ومعه ابنته فاطمة وزوجها علي وابنيهما الحسن والحسين، فأدركوا ألا قبل لهم بهذه المباهلة فتركوها، وصالحوا النبي صلى الله عليه وسلم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى يعطي الحياة الطيبة للمستقيمين على شرعه كما قال عز وجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] كما أنه يعطي المعيشة الضنك لمن يعصي الله تعالى، كما أخبر عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:124] قال السلف في الحياة الطيبة: الرزق الحلال، وقيل: القناعة، وقيل: التوفيق إلى الطاعات، وقيل: المسرة والسعادة، وقيل: حلاوة العبادة ولذتها، وقيل: الاستغناء عن الخلق واتباع الحق، والحياة الطيبة تشمل جميع أنواع الراحة الدنيوية أياً كانت، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه) رواه مسلم

العيش الضنك

وأما المعيشة الضنك: فإنها تكون بأمورٍ كثيرة يحس بها العاصي، قال ابن القيم رحمه الله: وآثار الحسنات والسيئات في القلوب والأبدان والأموال أمرٌ مشهودٌ في العالم، لا ينكره ذو عقلٍ سليم، بل يعرفه المؤمن والكافر، والبر والفاجر، وكما أن للحسنة نوراً في القلب وضياءً في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق؛ فإن للسيئة في المقابل سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق، وكذلك فإن المعاصي تورث قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وخمول الذكر، وإضاعة الأوقات، ونفرة الخلق، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، وحرمان العلم، ولباس الذل، وضيق الصدر، والهم والغم، وهكذا تتوالد هذه الآفات بسبب المعاصي

الحرمان من السعة في الرزق

والحرمان من السعة في الرزق بسبب الذنوب أمرٌ واضح [فإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه].

وقال الحسن رحمه الله لما شكا إليه رجلٌ الجدب: استغفر الله. وشكا إليه آخر الفقر فقال: استغفر الله. وشكا إليه آخر جفاف بستانه فقال: استغفر الله. وشكا إليه آخر عدم الولد فقال: استغفر الله. ثم تلا عليهم قوله تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12] ولذلك فلا تعجب إذا كانت المعاصي سبباً للطرد من وظيفة، أو تحصيل إنذارٍ في العمل، ومتعاطو المخدرات من أشد الناس فقداً لوظائفهم بسبب معاصيهم، وقد يترتب على المعاصي إتلاف عين المال، كما وقع لأصحاب الجنة الذين أتلف الله جنتهم وبستانهم بآفة سماوية أهلكت بستانهم وثمارهم، وأحرقتها، وجعلتها هشيماً يابساً، كما قال عز وجل: فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ [القلم:19-20]

هلاك مال العاصي

ولا تعجب يا عبد الله! من هلاك مال العاصي؛ لأن هناك ملائكة تدعو عليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من يومٍ يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً) رواه البخاري ، قال ابن حجر رحمه الله: وأما الدعاء بالتلف فيحتمل تلف ذلك المال بعينه، وقد يكون بمحق بركة المال، كما قال تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا [البقرة:276] إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه، تذهبه النفقات والفواتير والأمراض وغير ذلك؛ من وجوهٍ تنفتح على صاحب الربا، تمتص ماله وتذهبه، وهذا ذهاب عين المال، وأما ذهاب البركة فلا يحس له بفائدة، ولا يطعم منه خيراً، إن هذا المعنى موجودٌ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أحدٌ أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قِلة أو إلى قُلٍ) رواه ابن ماجة وهو حديثٌ حسن، ولذلك فإن هؤلاء الباعة الذين يغشون ويدلسون ويخفون عيوب السلع، وينزعون الملصقات المكتوب عليها بلدان التصنيع الحقيقية، ويضعون ملصقاتٍ أخرى لبلدان تصنيع وهمية، ونحو ذلك من أنواع الغش الذي يمارسونه في السوق، حتى قلما تجد صندوق خضرة أو فاكهة إلا ووجدت الرديء في أسلفه مغطىً بطبقةٍ جيدة فوقها، غش متكاثر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في هؤلاء الباعة: (البيَّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما).

ولذلك تجد كثيراً من هؤلاء الباعة بركة كسبهم ممحوقة، لا يستمتعون بمال، فإذا حلفوا على الكذب (فإن الحلف منفقةٌ للسلعة ممحقةٌ للبركة) كما روى البخاري رضي الله عنه في صحيحه

الحرمان من الرزق

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن آثار المعاصي في الحرمان من الرزق في قوله: (ولم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين -أي القحط- وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا) وقد جعل الله سبحانه وتعالى هذا الحرمان أمراً داخلياً في نفس العاصي، فلو ملك كنوز الدنيا فهو لا يزال يحس بالجوع والحرمان؛ لأنه لا قناعة لديه، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قُدِّر له) فتأمل قوله عليه الصلاة والسلام: (جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله) فمهما كان عنده من الأموال فلا قناعة تريحه، ويحس دائماً بأنه منقوصٌ مبخوس ولو كان عنده ملايين، فالشره سيعذبه، والحرص والجشع سيحطمه، وهكذا لا يستمتع بمال

الإصابة بالمسخ والأسقام والأوجاع والأمراض

ثم إن للمعاصي -أيها الإخوة!- آثاراً سيئة على مرتكبيها في أنفسهم وأبدانهم، بما يصابون من المسخ والأوجاع والأسقام والأمراض، إن هذه المصائب قد تكون أوجاعاً ظاهرة، وقد تكون أوجاعاً نفسية، فأما الظاهرة فقد تكون بسبب عقوبةٍ شرعيةٍ حديةٍ، أي بالحدود والتعزيرات؛ كقطع يد السارق، وجلد شارب الخمر، ورجم الزاني ونحو ذلك، وقد تكون عقوبة قدرية في بدنه، فقد تكون على شكل مسخٍ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (يكون في آخر هذه الأمة -ونحن في آخر الأمة نترقب حدوثه- خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ) رواه الترمذي وهو حديثٌ صحيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر -أي الزنا- والحرير -... ثم قال: ويمسخ منهم آخرين قردةً وخنازير إلى يوم القيامة) فهذا مسخٌ حقيقي سيحدث بسبب المعاصي، فيصبح هؤلاء وقد مسخهم الله قردةً وخنازير، فيراهم الناس في صباح ذات يوم قردةً وخنازير، فهذه عقوبة حسية جسدية بالمسخ.

وقد تكون بتسليط جنود الله الكونية، مثل هذه الميكروبات والفيروسات؛ فيصيبهم من الآفات ما الله به عليم، كما أخبر عليه الصلاة والسلام: (لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ) ومن تأمل ما حصل في هذا الزمان من الأمراض العجيبة التي ليس لها علاجٌ كمرض الإيدز وغيره؛ عرف أن هذه الإصابات عقوبة إلهية؛ لأنه مرضٌ لم يكن في أسلافنا الذين مضوا، فتنتشر هذه الآفات وتفتك بالملايين، ويقف الأطباء حيرى أمام هذه الأقدار الإلهية والعقوبات الربانية، لا يستطيعون بالرغم من تقدم علومهم، وتطور آلاتهم وأجهزتهم، ودقة مختبراتهم أن يقضوا على هذا المرض، بل لا زال ينتشر ويتفاقم ويودي كل يومٍ بالآلاف، وينتشر بالملايين، وهكذا يعاقب الله على المعاصي في الدنيا، ناهيك عن غير ذلك من الأمراض الجنسية وغيرها التي تصيب الناس بسبب وقوعهم في الزنا واللواط، وهذه القاذورات التي حرمها الله تعالى.

وقد يكون المرض والألم مرضاً نفسياً، وأوجاعاً داخليةً ربما تفاقمت وزادت على بعض الأمراض الحسية، فالعبد قد يصيبه ألمٌ حسيٌ، فيطرحه عن قلبه ويقطع التفاته عنه، ويجعله في شقاء دائم، وهذه الآلام النفسية قد تكون عند بعض المسلمين بسبب تأنيب الضمير من جراء المعاصي التي وقعوا فيها، وقد تكون عند متبلدي الإحساس كآبة ووسوسة وهواجس، وحزن وخوف، وإقدام على الانتحار، وإصابة بالجنون، ومن تأمل الازدياد المريع في الحالات النفسية، والأمراض التي انتشرت، وعدد رواد عياداتها ومستشفياتها؛ علم قدر ما تؤدي إليه المعاصي من الفتك الذريع في نفوس هؤلاء:

رعبٌ داخلي، وسوسة مستمرة، خوفٌ وهلع، قلقٌ وأرق، لا يأتيه النوم بسبب المعاصي. ويطلق زوجته، ويشرد أولاده، ويهجر أقرباءه، وهكذا يعيش العصاة مطاردون والبلاء داخل نفوسهم، فكيف يهربون والله يعاقبهم من الداخل والخارج

فقدان الأمن

وكذلك فقدان الأمن من آثار المعاصي، فتحدث المشكلات الكثيرة بسبب انتشارها، ويخاف الناس من بعضهم، وعلى أولادهم وممتلكاتهم بكثرة المعاصي

تسليط الأعداء

وتسليط الأعداء من آثار المعاصي أيضاً، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم) فإذا نزعت المهابة من صدور أعدائنا فإنهم سيتسلطون علينا بأنواع التسلط، فلا عجب في ذلك، وإذا صار بأسنا بيننا بسبب المعاصي والانحرافات العقائدية والعملية؛ فلا غرابة في ذلك، وإذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما عصوه في أحد، وابتدروا الغنائم وتركوا المكان عوقبوا بتلك المصيبة العظيمة، كما جاء في الرواية: فلما أبوا صَرْفَ وجوههم أصيب سبعون قتيلاً، فما بالك بنا نحن ونحن أقل إيماناً وأضعف؟ ولذلك كان تسليط الأعداء علينا في هذا الزمان سبباً مباشراً وطبيعياً لما حدث عندنا من الانحرافات والمعاصي، ثم إن لله جنوداً يسلطهم؛ من ريحٍ مدمرة، أو زلازل مهلكة، أو براكين وهزاتٍ أرضية وصواعق وخسف وغير ذلك، وحتى عامة المسلمين يحسون بهذا.

ولذلك وقعت مشاجراتٌ في تركيا بين بعضٍ عامة المسلمين وأصحاب الملاهي والخمارات، وقالوا لهم عيانا: أنتم سبب نكبتنا، وقام بعض العامة بالهجوم على شابٍ يُقَبِّلُ فتاة في الشارع بعد الزلزال بوقت، لا زالت الكارثة في أذهانهم ونفوسهم! ليقولوا وهم يهجمون: هذا سبب البلاء الذي نزل بنا، ولكن أصحاب الغفلة لا زالوا يصرون على تعليل هذه المصائب بأمورٍ دنيوية، وأنه لا علاقة للمعاصي بالقضية، ولا لترك الإسلام، وإذاً فقد كان المكان الذي ضربه الزلزال هو الذي اتخذ فيه قرار مواجهة المسلمين، وكذلك الإصرار على تنحية شرع الله، وليتهم يتعظون، فها هم يسنون القوانين لأجل تغيير أحكام قوامة الرجل على المرأة بحيث تخرج وقتما تشاء، وتكون حرةً في حياتها، وتشاركه في المقابل في النفقة، وهذا عين الفساد الذي أصاب الأسر الغربية، ولكن الله إذا طمس البصائر فلن تملك لهؤلاء هادياً ولا نوراً يدخل إلى قلوبهم.

اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله الحي القيوم أن ترزقنا التوبة من المعاصي، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضنا إليك غير مفتونين، إنك سميعٌ مجيب قريب، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم

الحرمان من نور العلم

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، أشهد أنه لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: إن من أشد العقوبات على المعاصي: الحرمان من نور العلم، فقد قال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] فجعل التقوى سبب تعلم العلم، ولذلك تكون المعصية في المقابل وهي ترك التقوى سبب الخذلان والحرمان من العلم [إني لأحسب الرجل ينسى العلم بالخطيئة يعملها] وقال بعض السلف لآخر من أهل العلم يوصيه: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية، وصية عظيمة من مالك للشافعي لِمَا رأى من فطنته وذكائه، يوصي بها كل مدرسٍ كل طالبٍ يرى عليه مخايل الذكاء والنجابة، والفهم العميق، فيقول: لا تطفئ ذلك بظلمة المعصية، وكم من نجباء وأذكياء ضاعوا في خضم المعاصي، فلم ينفعهم ذكاؤهم، ولم يوجه إلى خيرهم ونفعهم، ولا نفع غيرهم من المسلمين، وقد يكون للطائع من التوفيق في اتخاذ القرارات في الطاعات في بعض المسائل التي لا يعلم حكمها، ويقع فيما لا بد من اتخاذ قرارٍ فيه، فيصيب الحق بنور الطاعة، بينما يخسر آخرون كثيرون فلا يهديهم الله تعالى لإصابة الحق، إن من أساسيات طالب العلم البعد عن المعاصي حتى يوفقه الله للفهم، ويمكنه من التعلم: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282].

النفور الاجتماعي

ومن الآثار الفضيعة للمعاصي والذنوب: النفور الاجتماعي الذي يصاحب العاصي، فالمعاصي تُلحق بصاحبها بغضاً ومعاداة ونبذاً اجتماعياً رهيباً، والله تعالى لما أمر بإقامة حد الزنا قال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2] فأراد الله إلحاق الأذى والذل بهؤلاء، وعدم الشفقة عليهم، وأن تكون الفضيحة بحضرة مجمعٍ من الناس ليكون أبلغ في الزجر والإهانة، ويحدث النفور الاجتماعي، والبغض في قلوب الخلق، وكذلك تغريب الزاني عاماً، فتحصل الوحشة في قلبه، وهكذا تكون الحدود من أسباب إهانة هؤلاء.

ثم إن الشهادة عند القاضي المردودة بالمعصية من آثار هذا، وقد قال عز وجل: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4] فالله تعالى حكم عليهم بالفسق وأمر ألا تقبل شهادتهم، وسلب اسم الإيمان عنهم، وألحقهم بأسماء الفسق، فقال: بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ [الحجرات:11].

والإنسان العاصي يُسلب أسماء المدح والشرف؛ كالمؤمن والبر، والتقي والمنيب، والولي والأواب، والعابد والخائف، ويبدل بدلاً بذلك أسماء الفجور والمعصية؛ كالمفسد والخبيث، والزاني، والسارق، والقاتل، والكاذب، والقاطع، والغادر، ونحو ذلك، هذه الأسماء التي تجعل له وحشةً في قلوب الخلق فينفرون منه.

وإن من الشؤم أن ينبذ الإخوان في الله صاحبهم العاصي من جراء معصيته، وهو يحس بأنه لا مكان له بينهم بسبب معاصيه، ويحس بأن قلوبهم قد تغيرت عليه، وأن هناك نفرةً، حتى ولو لم يؤذهم فإنه يحس بأن العلاقات متغيرة، وأن الوحشة حالة، وأن هناك تغيراً دون سببٍ ظاهرٍ، ولكن الله يوحش قلوب المؤمنين على العاصي؛ فلا يستقبلونه كما كانوا يستقبلونه، ولا يرحبون به كما كانوا يرحبون، ولا يكرمونه كما كانوا يكرمونه بسبب المعصية التي فعلها، وهكذا تتراكم المعاصي على قلب العاصي؛ فتهجره زوجته، ويستوحش منه أولاده وجيرانه، وهذه العلامة يحس بها العاصي إذا كان من حوله من عباد الله الصالحين، أما إذا كانوا من الفاسقين من مثله، فإنه قد لا يحس بشيء، بل هو في غفلته مع من يعمهون، ولذلك كان الانتظام في أهل الخير من أسباب سرعة الرد إلى الحق، عندما يحس العاصي بالوحشة فيسارع إلى التوبة والأوبة، والعودة إلى زمرة الصالحين، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا التقوى، وأن يجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

وأما المعيشة الضنك: فإنها تكون بأمورٍ كثيرة يحس بها العاصي، قال ابن القيم رحمه الله: وآثار الحسنات والسيئات في القلوب والأبدان والأموال أمرٌ مشهودٌ في العالم، لا ينكره ذو عقلٍ سليم، بل يعرفه المؤمن والكافر، والبر والفاجر، وكما أن للحسنة نوراً في القلب وضياءً في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق؛ فإن للسيئة في المقابل سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق، وكذلك فإن المعاصي تورث قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وخمول الذكر، وإضاعة الأوقات، ونفرة الخلق، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، وحرمان العلم، ولباس الذل، وضيق الصدر، والهم والغم، وهكذا تتوالد هذه الآفات بسبب المعاصي