خطب ومحاضرات
عالم الأرواح
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71]
أما بعد:
فإن علم الروح قد اختص به الله سبحانه وتعالى كما جاء في صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بـالمدينة وهو يتوكأ على عسيب، فمر بنفرٍ من اليهود، فقال بعضهم: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه لا يسمعكم ما تكرهون؛ فقاموا إليه، فقالوا: يا أبا القاسم! حدثنا عن الروح؛ فقام ساعة ينظر، وفي رواية: رفع بصره إلى السماء، قال ابن مسعود رضي الله عنه: فعرفت أنه يوحى إليه، فتأخرت عنه حتى صعد الوحي، ثم قال: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85]) فالروح من أمر الله سبحانه وتعالى، ولذلك كان الذي يشابه صنعة الله ويحاول تقليدها في عمل ذوات الأرواح من التماثيل والصور إنساناً ملعوناً عند الله تعالى: (لعن الله المصورين) ثم إنه يكون له بكل صورة صورها نفساً يعذب بها في جهنم، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم، انفخوا فيها الروح، فلا يستطيعون ذلك؛ فيعذبون بالنار ويعذبون بالتكليف بما لا يطيقون ولا يستطيعون.
وأمر الروح أمر معظم في الشريعة، فلا يجوز تعذيب الأرواح المعصومة ولا أرواح البهائم، ولذلك قال: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)، وجاء في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه أنه خرج من منزله، فمر بفتيان من قريش نصبوا طيراً يرمونه -يتدربون على رميه بالسهام من بعيد- وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا -أي: خوفاً من الصحابي- فقال ابن عمر : (من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً). أي: هدفاً لرميه، رواه البخاري رحمه الله وغيره.
عالم الأرواح بين التآلف والاختلاف
أنواع تعلق الأرواح بالأجساد
وقد نام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في السفر بعدما تكفل بلال بإيقاظهم لصلاة الفجر فغلبه النوم، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال لأصحابه: (إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها عليكم حين شاء، يا
نحن نعيش في عالم الماديات والمحسوسات قد غابت عنا أمور كثيرة من شأن الأرواح وما يحدث لها، مع أنه حق وواقع، فتعالوا بنا ننتقل من عالم الأسواق والسلع والطائرات والمراكب والملابس والأطعمة والأدوية وسائر الماديات إلى عالم الأرواح لنأخذ جولة في ذلك العالم العجيب، لعله يكون في ذلك رقة تصيب قلوبنا، وتنقلنا من هذا الواقع الذي نعيشه يومياً إلى عالم آخر مختلف تمام الاختلاف ذكره لنا الله في كتابه وذكره نبيه صلى الله عليه وسلم، وشهد به الواقع؛ لنتعلم شيئاً عن أمر هذه الروح العجيبة لقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) كما جاء في الحديث الصحيح، وهو عجب من العجب! فإنك ترى الإخوان في الله على بعد ما بينهما، أحدهما في المشرق والآخر في المغرب، يعيشان كأنهما معاً من التقاء الروحين، بما حدث من التقارب بسبب الأخوة في الله، وتشاكل الطباع وتناسبها.
ثم إن الله عز وجل يقبض الأرواح عند النوم فيكون لها تعلقٌ بالأجساد من نوع يختلف عن حال اليقظة؛ لأن الأرواح تتعلق بالجنين حينما يرسل الملك لينفخ الروح، فإذا خرج إلى الدنيا وصار إنساناً يمشي أو يبكي ويبحث ويأكل الطعام صار لها تعلق آخر، فإذا نام صار لها تعلق آخر، فإذا مات صار لها تعلق آخر.. فإذا بعث صار لها تعلق آخر، وهكذا يتقلب الإنسان مع روحه في أطوار مختلفة: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ [الانشقاق:19] أي: حال بعد حال.
وقد نام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في السفر بعدما تكفل بلال بإيقاظهم لصلاة الفجر فغلبه النوم، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال لأصحابه: (إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها عليكم حين شاء، يا
لقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ملك موكل بقبض الأرواح يرسله الله تعالى إلى من شاء، لا يحبسه حابس ولا جدار، يدخل على الفقراء والأغنياء والملوك فيقبض أرواحهم، أرسله إلى موسى فشمه شمة فقبضت روح موسى كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد شيء حصل بينهما، يرسله الله إلى الأنبياء وغيرهم ليقبض الأرواح، وله ملائكة يعاونونه، ويحضر عند الموت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب بحسب حال المحتضر، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن جهة خروج الروح تكون من قبل الرأس لا من غيره، وقد قال في الحديث الصحيح لما دخل على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله، فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) فيكون خروج الروح من الجهة العلوية، والبصر يتبع الروح، ولذلك تجد الميت شاخصاً ببصره إلى الأعلى.. إلى جهة أعلى الرأس مكان خروج الروح.
هذه الأرواح تجعلها الملائكة في أكفان من الجنة إذا كان أصحابها من أهل الجنة، وفي أكفان من النار إذا كان أصحاب الأرواح من أهل النار.
مصير أرواح الشهداء
وكذلك جاء في الحديث الصحيح عن مسروق قال: (سألنا الرسول صلى الله عليه وسلم
هذه الروح جاء في الحديث الصحيح أنها تصعد وتهبط، وأنها تهوي وتتلقى.. (تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: هل عملت من الخير شيئاً؟ قال: لا، قالوا: تذكر! قال: كنت أداهم الناس فآمر فتياني أن يُنظروا المعسر ويَتجوزوا عن الموسر. قال الله عز وجل: تجوزوا عنه، تجوزوا عنه) هذا لفظ مسلم رحمه الله تعالى.
خروج الروح من البدن
إن هذه الروح يا عباد الله تتأثر بشيء عظيم عند الموت وهو شهادة أن لا إله إلا الله كما جاء في الحديث الصحيح أن عمر رضي الله عنه مر بـطلحة وهو حزين، فسأله عن سبب حزنه؟ فأخبره طلحة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إني لأعلمٍ كلمة لا يقولها أحد عند موته إلا كانت نوراً لصحيفته، وإن جسده وروحه ليجدان لها روحاً عند الموت رحمة وفرجاً وتنفيسا، فلم أسأله حتى توفي -يقول
عباد الله: إن هذه الروح تصعد وتنزل، وتتصل وتنفصل، وتخرج وتذهب وتجيء، وتتحرك وتسكن، كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة والآيات التي جاءت من عند ربنا، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تصعد إلى السماء، ويصلي عليها كل ملك لله بين السماء والأرض إذا كان صاحبها طيباً من الصالحين، وتُستقبل استقبالاً عظيماً، وتفتح لها أبواب السماء، ويشيعها من كل سماء مقربوها إلى السماء التي بعدها، يعرجون معها تكريماً وتشريفاً، ويفتح لها باب السماء الثانية والثالثة.. وهكذا، حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله عز وجل ليقول الله لها: صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة -يكون فراشه من الجنة- وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، هكذا تشرف روح المؤمن.
أما العبد الفاجر صاحب الكبائر، والمصر على الصغائر، الذي ليس له حسنات ماحية، ولا أمور مكفرة لهذه السيئات فأي استقبالٍ يستقبله؟ إن روحه تصعد إلى السماء بعد أن يستلمها ملائكة العذاب، فتغلق أبواب السماء دونها، ويقول الله: كذب عبدي، ويرد إلى الأرض فيطرح طرحاً من الأعلى إلى الأسفل.. يهوي من السماء إلى الأرض: حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31].
استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
التوسم والفراسة | 3622 استماع |
اقتضاء العلم العمل | 3621 استماع |
مجزرة بيت حانون | 3570 استماع |
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] | 3510 استماع |
اليهودية والإرهابي | 3436 استماع |
إن أكرمكم عند الله أتقاكم | 3435 استماع |
حتى يستجاب لك | 3403 استماع |
المحفزات إلى عمل الخيرات | 3381 استماع |
ازدد فقهاً بفروض الشريعة | 3355 استماع |
الزينة والجمال | 3344 استماع |