فقه العبادات [21]


الحلقة مفرغة

المقدم: نود في بداية لقائنا هذا أن نعرف أهم الأحكام المتعلقة بالحيض والنفاس؟

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الحيض قال أهل العلم: إنه دم طبيعة وجبلة يعتاد الأنثى إذا صلحت للحمل في أيامٍ معلومة، وقالوا: إن الله عز وجل خلقه لغذاء الولد في بطن الأم، ولهذا إذا حملت المرأة انقطع عنها الحيض غالباً.

ثم إن هذا الحيض الطبيعي إذا أصاب المرأة تعلق به أحكامٌ كثيرة:

تحريم الصلاة والصيام

منها: تحريم الصلاة والصيام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم)، فلا يحل للمرأة أن تصوم ولا أن تصلي وهي حائض، فإن فعلت فهي آثمة وصومها وصلاتها مردودان عليها.

تحريم الطواف بالبيت

ثانياً: يحرم عليها الطواف بالبيت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعائشة حين حاضت: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)، ولما ذكر له أن صفية بنت حيي قد حاضت قال: (أحابستنا هي؟) لأنه يمنع أن تطوف طواف الإفاضة حال الحيض، فقالوا: إنها قد أفاضت، فقال: (اخرجي)، ومن هذا الحديث نستفيد أن المرأة إذا طافت طواف الإفاضة وهو طواف الحج ثم أتاها الحيض بعد ذلك فإن نسكها يتم، حتى لو حاضت بعد طواف الإفاضة وقبل السعي فإن نسكها يتم؛ لأن السعي يصح من المرأة الحائض.

ونستفيد أيضاً من هذا الحديث أن طواف الوداع يسقط عن المرأة الحائض، كما جاء ذلك صريحاً في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض).

تحريم مباشرة الحائض

ويحرم على الحائض أيضاً الجماع، فلا يحل للرجل أن يجامع زوجته وهي حائض؛ لقول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] ، والآية الكريمة تفيد أنه يحرم على الإنسان أن يطأ زوجته وهي حائض، وأنها إذا طهرت لا يطأها أيضاً حتى تغتسل؛ لقوله تعالى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ [البقرة:222] يعني: اغتسلن، فإن الاطهار بمعنى الاغتسال؛ لقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6] ، ولكن يجوز للإنسان أن يباشر زوجته وهي حائض، وأن يستمتع منها بما دون الفرج، وهذا يخفف من حدة الشهوة بالنسبة للإنسان الذي لا يستطيع الصبر عن أهله مدة أيام الحيض، فإنه يتمكن من الاستمتاع بها فيما عدا الوطء في الفرج، أما الوطء في الدبر فهو حرام بكل حال، سواءٌ كانت المرأة حائضاً أم غير حائض.

صلاة الحائض إذا طهرت في الوقت

ومن الأحكام التي تترتب على الحيض: أن المرأة إذا طهرت في وقت الصلاة فإنه يجب عليها أن تبادر بالاغتسال لتصلي الصلاة قبل خروج وقتها، فإذا طهرت مثلاً بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس وجب عليها أن تغتسل حتى تصلي صلاة الفجر في وقتها، وبعض النساء يتهاون في هذا الأمر، فتجدها تطهر في الوقت ولكنها تسوف ولا سيما في أيام الشتاء وتتهاون حتى يخرج الوقت، وهذا حرام عليها ولا يحل لها، بل الواجب أن تغتسل لتصلي الصلاة في وقتها، وأوقات الصلوات معلومة لعامة الناس، فهي في الفجر من طلوع الفجر حتى تطلع الشمس، وفي الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيءٍ مثله -يعني: طوله- وفي العصر من هذا الوقت إلى أن تصفر الشمس، وهذا وقت الاختيار، وإلى أن تغرب وهذا وقت الضرورة، وفي المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، وفي العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل، وما بعد منتصف الليل فهو وقت لا تصلى فيه العشاء؛ لأن وقتها قد خرج، إلا إذا كان الإنسان قد نام أو نسي فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها).

وليعلم أن الأصل في الدم الذي يصيب المرأة إذا كان في سن الحيض أن يكون حيضاً، حتى يأتي ما يخرجه عن هذا الأصل، والذي يخرجه عن هذا الأصل أن نعلم أن هذا الدم خرج من عرق وليس دم طبيعة، مثل أن يكون ذلك إثر عملية أجرتها المرأة، أو يكون هذا الشيء لروعة أصابتها، أو نحو هذا من الأسباب التي توجب خروج الدم غير الطبيعي، فإنها في هذه الحال لا تعتبر هذا الدم دم حيض، وكذلك إذا أطبق عليها الدم وكثر حتى استغرق أكثر مدة من الشهر، فإنها في هذه الحالة تكون مستحاضة، وترجع إلى عادتها التي كانت عليها قبل حصول هذه الاستحاضة، فتجلس مدة عادتها ثم تغتسل وتصلي ولو كان الدم يجري.

طلاق الحائض

ومما يتعلق بأحكام الحيض والنفاس: أنه لا يجوز للرجل أن يطلق المرأة وهي حائض، فإن فعل فهو آثم، وعليه أن يردها إلى عصمته حتى يطلقها وهي طاهرةٌ طهراً لم يجامعها فيه؛ لأنه ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر عمر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً).

وكثير من الناس-نسأل الله لنا ولهم الهداية-يتسرعون في هذا الأمر، فيطلق زوجته وهي حائض، أو يطلقها في طهرٍ جامعها فيه قبل أن يتبين حملها، وكل هذا حرام، يجب على المرء أن يتوب إلى الله منه، وأن يعيد امرأته التي طلقها على هذه الحالة.

الاغتسال للحائض والنفساء إذا طهرتا

ومما يتعلق بأحكام الحيض والنفاس: أن المرأة النفساء إذا طهرت قبل الأربعين يوماً فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلي وتصوم إذا كان ذلك في رمضان؛ لأنها إذا طهرت ولو في أثناء الأربعين صار لها حكم الطاهرات، حتى بالنسبة للجماع فإنه يجوز لزوجها أن يجامعها وإن لم تتم الأربعين؛ لأنه إذا جاز الصلاة جاز الوطء من باب أولى.

ومن الأحكام التي تتعلق بالحيض والنفاس ما أشرنا إليه في حلقةٍ سابقة وهو وجوب الغسل على الحائض والنفساء إذا طهرتا من الحيض والنفاس.

وأحكام الحيض والنفاس كثيرة جداً، ونختصر منها على هذا القدر، ولعل فيه كفايةً إن شاء الله تعالى.

حكم المرأة إذا نفست ولم ينزل معها الدم

المقدم: بالنسبة للمرأة إذا طهرت من النفاس أو إذا لم ينزل معها الدم هل يعتبر ذلك نفاساً؟

الشيخ: إذا لم ينزل منها دمٌ في حال النفاس فإنها ليست نفساء، ولا يلزمها شيء، يعني: لا يلزمها غسل، ولا يحرم عليها صلاة ولا صيام.

تناول المرأة لحبوب منع الحيض لتتمكن من الحج

المقدم: هل يجوز للمرأة أن تأكل ما يمنع عنها الحيض أثناء حجها حتى تتمكن من أداء الحج كالحبوب المانعة للحيض أو أي نوع من أنواع ما يتطبب به؟

الشيخ: الأصل في هذا الجواز، وأنه يجوز للمرأة أن تأكل ما يمنع الحيض إذا كان ذلك بإذن زوجها، ولكن بلغني عن بعض الأطباء أن هذه الحبوب المانعة من نزول الحيض ضارةٌ جداً على المرأة، ضارة للرحم والأعصاب والدم وغير ذلك، حتى قال لي بعضهم: إذا استعملتها امرأة بكر فإنه تكون هذه المرأة عقيمة، وهذا خطرٌ عظيم، وما قاله بعض الأطباء ليس ببعيد؛ لأن الدم-أعني: دم الحيض-دم طبيعة، فإذا حاول الإنسان أن يمنعه بهذه العقاقير فقد حاول مخالفة الطبيعة، ولا شك أن مخالفة الطبيعة مضر على البدن؛ لأنه يقتضي أن ينحبس هذا الدم عن وقت خروجه الذي كان من طبيعة المرأة.

لهذا أنا أنصح جميع نسائنا في هذه المسألة بأن لا يتناولن هذه الحبوب لا في رمضان، ولا في غير رمضان، لكن في مسألة الحج والعمرة ربما تدعو الحاجة أو الضرورة إلى استعمال هذه الحبوب، وهو استعمال مؤقت، وربما لا تعود المرأة إليه مدى عمرها، فمثل هذا أرجو ألا يكون فيه بأسٌ ولا ضرر.

المقدم: لكن إذا ثبت ضررها فما حكمها؟

الشيخ: إذا ثبت ضررها فمعلومٌ أن كل ما تحقق ضرره فإنه لا يجوز للإنسان أن يتناوله؛ لأن الله عز وجل يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] ، وقد استدل عمرو بن العاص بهذه الآية حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ وكان رضي الله عنه قد أجنب في ليلةٍ باردة، فتيمم وصلى بأصحابه، فلما قال له النبي عليه الصلاة والسلام: أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: يا رسول الله! ذكرت قول الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم أو ضحك) وأقره على هذا، وهذا يدل على أن كل ما يكون فيه ضررٌ على بدن الإنسان فإنه لا يجوز له أن يتناوله.