هذا الحبيب يا محب 124


الحلقة مفرغة

منع العراق والشام ومصر خراجها عن الحجاز

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الأخبار النبوية أخبار الغيب، وكل خبر يدل دلالة قطعية أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: [وسابع خبر] وقد تقدمت ستة أخبار، وهذا السابع [ قوله صلى الله عليه وسلم: ( منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم )] هذا الخبر يحدث به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في حياته من أهل هذه الديار، فيقول: ( منعت العراق درهمها وقفيزها )، القفيز: آلة الكيل للقمح والشعير، وهذا قبل أن تكون العراق إسلامية، وتبعث بالخراج إلى المدينة ( ومنعت الشام مدها ودينارها ) أي: قبل أن يدخلها الإسلام ( ومنعت مصر إردبها ودينارها ) أي: قبل أن تكون مصر مسلمة، فيخبر أن هذه الديار سوف تكون دياراً إسلامية، وسوف تبعث بالخيرات إلى هذه الديار، إلى الحجاز، وقد تم ما أخبر به بالحرف الواحد!

قال: [فهذا الخبر قد وقع كما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فقد منعت العراق، ومنعت الشام، ومنعت مصر ما كانوا يؤدونه إلى أهل الحجاز من خراج وغيره] إذ الحجاز دار الخلافة وعاصمتها [وعاد أهل الحجاز كما بدءوا، فمسهم الجوع ونالهم التعب، بعدما أصابهم من رغد العيش وسعة الرزق، فكان هذا آية النبوة المحمدية، ومعجزة على مثلها آمن الناس].

أرجو أن يكون المستمعون والمستمعات فاهمين لهذا الكلام.

وهذا خبر غيب قد تم كما أخبر من عدة أوجه:

الأول: أن هذه الديار ما كانت ديار إسلام، ولا كان يأتي منها شيء للحجاز، فأسلمت ودخلت في الإسلام.

ثانياً: أصبحت تدفع الأموال والأرزاق إلى الحجاز: مصر والشام والعراق.

ثالثاً: جاء وقت فانقطع مددها، وأصبحت هذه الديار كما كانوا فقراء ومساكين، وتم كما أخبر، ووالله إن هذا لا يقوله إلا رسول.

الخلافة ثلاثون سنة

قال: [وثامن خبر: قوله صلى الله عليه وسلم: ( الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء )] هذا خبر غيب أخبر به وهو حي بينهم، والخلافة: أن يوجد خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يسوس الناس في دينهم ودنياهم، وهذا الخليفة العام زمن خلافته ثلاثون سنة فقط، وبعدها يصبح ملكاً عضوضاً: ( الخلافة بعدي -أي: بعد وفاتي- ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء ).

قال: [فهذا الخبر من أنباء الغيب] فهو يخبر عن شيء ما حدث بعد [إذ كانت خلافة أبي بكر سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال] فخلافة أبي بكر الصديق كانت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودام خليفة للمسلمين سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال، وتوفي إلى دار السلام [وكانت خلافة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام ] بالعد كانت خلافة عمر عشر سنوات وستة أشهر وأربعة أيام [وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوماً، وكانت خلافة علي خمس سنوات إلا شهرين، وتكميل الثلاثين كان بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما، إذ كانت نحواً من ستة أشهر].

وقد جمعناها بالأرقام فكانت ثلاثين سنة! وهذا غيب ( الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء )، فتمت كما أخبر، والله إنه لرسول الله؛ فأحبوه يا عباد الله! نعم قد أحببناه أكثر من أنفسنا، ولكن أعمالنا ما تدل على ذلك، فمن أحبه مشى وراءه، فإن صام صام، وإن أفطر أفطر، وإن أعطى أعطى، وإن منع منع، حتى لكأنه يمثل حياته ذلك المحب الصادق، فهيا نسأل الله أن يعيننا على ذلك.

قال: [ثم نزل عليها] أي: الحسن بن علي [لـمعاوية رضي الله عنه عام أربعين من الهجرة، ومصداق هذا في قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين )] جاء الحسن وهو يحبو فنظر إليه صلى الله عليه وسلم وهو يحمله ويضمه إلى صدره وقال: ( إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين )، وتم الصلح بين علي ومعاوية بواسطة الحسن ، أي: بين أتباع علي وأتباع معاوية ؛ لأن علياً استشهد.

قال: [فهذان الخبران من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم].

مقتل عثمان رضي الله عنه على بلوى تصيبه

قال: [وتاسع خبر] أي: الذي يدل دلالة قطعية على نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم [قوله صلى الله عليه وسلم في عثمان رضي الله عنه: ( افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه )] أي: يا أبا موسى ! افتح الباب لـعثمان وبشره بالجنة على بلوى تصيبه.

قال: [وذلك في الحديث الصحيح ونصه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً أي: بستاناً )] فيه بئر وبركة ماء [( فدلى رجليه في القف )] أي: جلس على كرسي أو خشبة أو شيء مرتفع، ودلى رجليه في الماء، وكان هذا في الصيف في المدينة في هذه الديار المقدسة [( فقال أبو موسى وكان معه: لأكونن اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم )] بواب أي: يفتح الباب ويغلقه كما يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففاز بها أبو موسى الأشعري [( فجلست خلف الباب فجاء رجل فقال: افتح. فقلت: من أنت؟ قال: أبو بكر . فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: افتح له وبشره بالجنة )] خذها يا أبا بكر الصديق : ( افتح له وبشره بالجنة ) [( ثم جاء عمر فقال كذلك، ثم جاء عثمان فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه ) فهذا الخبر من أنباء الغيب الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم]. والبلوى التي أصابت عثمان أنه قد ذبح والمصحف بين يديه في جوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خليفة المسلمين، وهذه بلوى يا لها من بلوى!

وفاة فاطمة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر

قال: [وعاشر خبر: قوله صلى الله عليه وسلم لـفاطمة رضي الله عنها] هذه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمها خديجة رضي الله عنها [( إن جبريل كان يعارضني القرآن في كل عام مرة )] يعارض القرآن بمعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ وجبريل يسمع؛ ليتأكد من حفظه وعدم نسيان شيء منه، ففي كل عام يأتي جبريل في رمضان ويعارض الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن [( وإنه عارضني العام مرتين )] أي: وفي هذا العام الأخير عارضني مرتين [( وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي )] بالذكاء: ( وما أرى ذلك ) أي: المعارضة مرتين في العام الواحد بخلاف السنين الماضية ( إلا لاقتراب أجلي )، ومعنى أجله: مدة حياته في هذه الأرض ليحيا في الملكوت الأعلى، ألحقنا الله به.

قال: [فبكت] أي: فاطمة وحق لها أن تبكي، لأنه أعلمها بأن أجله قد قرب، فبكت على فقد أبيها [ثم سارها] أي: حدثها بحديث سر [فأخبرها فيه بأنها سيدة نساء أهل الجنة] أي: أن فاطمة بنت رسول الله سيدة نساء أهل الجنة، وفي الجنة نساء ما أكثرهن! فالحور العين كأمثال اللؤلؤ المكنون، وسيدة نساء أهل الجنة هي فاطمة رضي الله عنها، فمسح دموعها وخفف من ألمها.

قال: [وأنها أول أهله لحوقاً به] فأول من يموت من أهل البيت فاطمة ، وما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ستة أشهر، وهذا أخبار غيب.

قال: [فكان كما أخبر، إذ ماتت بعده بستة أشهر، ولم يمت قبلها من أهل البيت أحد، فكان هذا الخبر آية نبوته صلى الله عليه وسلم] ومعنى آية نبوته: علامة.

نباح كلاب الحوأب على عائشة رضي الله عنها

قال: [وحادي عشر خبر: قوله صلى الله عليه وسلم لنسائه] أي: لزوجاته، وعددهن تسع [( كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟! )] يحدث نساءه، وقد كانت العراق والشام ما زالت ديار كفر، فيقول لنسائه: ( كيف بإحداكن ) أي: واحدة منكن ( تنبح عليها كلاب الحوأب؟! )، والحوأب مكان في العراق، وهذا خبر عجيب فهو في المدينة يخبر عن هذا، أن من نسائه من تنبح فيها كلاب الحوأب؟!

قال: [وكان ذلك كما أخبر، فقد خرجت عائشة رضي الله عنها، تريد الصلح بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، فلما بلغت مياه بني عامر ليلاً نبحت فيها الكلاب، فقالت: أي ماء هذا؟ فقالوا: ماء الحوأب. فقالت: ما أظنني إلا راجعة!] خرجت رجاء أن يصلح الله بين الفئتين، بين علي ومعاوية ، وحق لها أن تخرج فهي أم المؤمنين، ومن يرد كلمتها ويرفض دعوتها؟ وخاصة أن المتنازعين هما علي رضي الله عنه، ومعاوية رضي الله عنه، ويتحقق ذلك الخبر العجيب؛ فلما عرفت قالت: إذن نرجع!

قال: [فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم. قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم: ( كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب )، فهذا الخبر الصادق قد وقع كما أخبر به قبل وقوعه بكذا سنة، فكان كما أخبر، فهو إذاً: آية النبوة، ومعجزة الحبيب صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم تسليماً].

كيف تقولون في رسالة محمد؟ لو نقتل .. لو نصلب .. لو نحرق ما نستطيع أن نقول: إنه ليس برسول؛ وخاصة مع هذه البراهين والآيات والحجج.

مقتل علي بن أبي طالب على يد أحد الخوارج

قال: [وثاني عشر خبر: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أحمد عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـعلي حين ولي غزوة العشيرة: ( يا أبا تراب ! ألا أحدثك بأشقى الناس رجلين؟ )] هل كنية علي أبو الحسن أم أبو الحسين ؟ كنيته أبو تراب ، وكناه الرسول صلى الله عليه وسلم بـأبي تراب ، فـعلي لا أحب إليه من هذه الكنية، وسبب هذه التسمية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى فاطمة يسألها عن علي فقالت: غاضبني أو غضب فخرج، لقلة ما في اليد، ولعله في المسجد، فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم يبحث عنه فوجد جسمه ملطخاً بالتراب والعرق. فهذا الجنرال، والله ما رأت الدنيا بطلاً أقوى منه في الحرب ولا في القتال ولا في العلم ولا في البصيرة، في المسجد بلا فراش، ورداؤه سقط عنه والتراب والعرق في جسمه، فقال: ( قم أبا تراب ! قم أبا تراب ! ) فهذه الكنية كناه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: لا أحب إلي منها أبداً.

قال: [ ( قلنا: بلى يا رسول الله! قال: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة )] أشقى رجلين في العالم، أولهما: أحيمر ثمود، ويقال: إن اسمه قدار بن سالف ، فأحيمر ثمود هو الذي عقر ناقة ثمود، وأمة كاملة سقطت من أجل فعلته هذه الشنعاء حيث عقر الناقة والعياذ بالله!

والثاني: [( والذي يضربك يا علي ! على هذه -يعني: قرنه- حتى يبل -أي: بالدم- هذه -أي: لحيته- )] ففي مقابل أحيمر عاقر الناقة الذي يضرب علياً رضي الله عنه حتى يسيل الدم إلى لحيته.

قال: [فكان كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ضرب عبد الرحمن بن ملجم أحد الخوارج علياً بالكوفة فقتله على نحو ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان هذا من دلائل نبوته، ومن معجزاته التي رافقت حياته صلى الله عليه وسلم].

والخوارج هم الذين كفروا علياً وقالوا له: كيف تتنازل لـمعاوية ؟! إذاً أنت كافر! فخرجوا عليه وقاتلوه وقاتلهم وقتلوه، والآن الخوارج موجودة في العالم الإسلامي تحت مسمى جماعة التكفير والهجرة. وكل هذه المذابح والمجازر سببها هذا الفهم الخاطئ، هذا الذي يكفر المسلمين ويستبيح دماءهم.

أسمعكم ما يقولون؟

يقولون: الحكام ما طبقوا شريعة الله، ما حكموا كتاب الله؛ إذاً كفروا!

والعلماء لم يحاربوهم ولم يتكلموا عليهم ولم يدعوهم؛ فكفروا لأنهم رضوا بالكفر.

والأمة التي لا ترفع السلاح ولا تقاتلهم كذلك كافرة! ولم يبق من مؤمن إلا هم فقط. وهذه المسألة تثير الملايين، منشؤها والله الجهل وعدم البصيرة.

أما جماعة التكفير والهجرة فقد بدأت في مصر من سجونها، وانتشرت وجاءت البلاد هنا، وانتقلت إلى الأفغان وهي في كل مكان.

لكن ما هو المبدأ؟

الحكام الذين لا يطبقون شرع الله فهم كفار؛ لأن الله قال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]. والعلماء ما قاوموهم ولا طالبوهم، فرضوا بكفرهم فهم كفار!

والأمة تبقى إما أن تحمل السلاح وإلا فهي كافرة! فيقولون لك: إذاً: ادخل معنا وإلا فأنت كافر! وما بقي من المؤمنين أحد!

وكل ذلك لأن ذكر الله الذي ما يحكم بما أنزل الله إما أن يكون كافراً أو يكون ظالماً، أو يكون فاسقاً، واسمعوا الآيات: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [المائدة:44-46] إلى أن قال: فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47].

متى يكون الحاكم كافراً؟

إذا كفر ووضع البرنيطة والصليب في عنقه وقال: لا أؤمن بمحمد ولا بهذا الدين! هذا الكافر ليس فيه جدال، أما الذي يصلي ويقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله وفقط ما حكم الشريعة لجهله وعجزه ولظروف الدنيا حوله فهو ظالم أو قل: فاسق! كيف تكفره؟! الكفر لا بد فيه من اعتقاد أو تصريح بأنه يهودي أو مجوسي أو لست بمسلم! أو أن يعلن كفره فهذا كفر، وهل وقع هذا من أحد؟!

وأمر آخر! إذا وقع هذا في بلاد وأعلن الحاكم الكفر فننظر هل في إمكاننا مقاومته؟ هل في إمكاننا إسقاطه وعزله؟ إن كانت لنا قدرة باسم الله! ما لنا قدرة فيجب أن نجاريه ونمشي في طريقنا حتى يخلصنا الله منه، ولا نرمي بأنفسنا في البلاء والشقاء والعذاب والدمار.

والشاهد عندنا: أن الخوارج قتل منهم علي كذا ألفاً، فقتلوا علياً ، وسبب ذلك الجهل، قالوا: تنازلت أنت عن الحكم لـمعاوية فأنت كافر! وهو إنما تصالح مع معاوية إنهاء للفتنة، والفتنة أوجدها اليهود والمجوس، وهم الذين أججوها.

والشاهد عندنا: أن جماعة التكفير والهجرة، ولعل بعضهم جالس معنا، فنقول له: تب إلى الله عز وجل فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] ما هو بالرأي والهوى، فمن قال لمسلم: يا كافر! فقد كفر إذا لم يكن المسلم كافراً: ( إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر! فقد باء - أي: رجع- بالكفر أحدهما ) أي: إن كان كافراً جاز، وإلا كان كافراً الذي قال: أنت كافر!

بعث الجيوش الإسلامية إلى السند والهند

قال: [وثالث عشر خبر: قوله صلى الله عليه وسلم: ( سيكون في هذه الأمة بعث إلى السند والهند )] أي: مجاهدون يبعثون للدعوة إلى الله في السند والهند للجهاد والقتال والدعوة.

قال: [فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فقد حدث أبو هريرة رضي الله عنه فقال: ( حدثني خليلي )] من خليله؟ الرسول صلى الله عليه وسلم [( الصادق المصدوق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يكون في هذه الأمة بعث إلى السند والهند )] والإسلام ما زال في المدينة، كيف يتم لنا هذا؟! تقدم لنا في العراق والشام وغيرها وسيكون بعث من هنا إلى السند والهند.

قال: [فإن أدركته فاستشهدت فذاك، وإن أنا رجعت فأنا أبو هريرة المحدث قد أعتقني ربي من النار] وهذا الإسلام ما زال في المدينة، قال: سيكون في السند والهند، وقد كان.

قال: [فهذا الخبر الصادق قد وقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فقد غزا المسلمون الهند أيام معاوية رضي الله عنه سنة أربع وأربعين من الهجرة، ثم توالى الغزو والفتح كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فكان آية النبوة المحمدية، والمعجزة النبوية الدالة على صدق الحبيب صلى الله عليه وسلم في نبوته ورسالته].

موقف عظيم لسهيل بن عمرو يسر عمر بن الخطاب

قال: [ورابع عشر خبر: قوله صلى الله عليه وسلم في سهيل بن عمرو] كان سهيل بن عمرو ممثل قريش في غزوة الحديبية، وهو رجل سياسة وبصيرة ممتاز، ولذلك مثل قريش في صلح الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: [( عسى أن يقوم مقاماً يسرك يا عمر ! )] لأن عمر لما كان يكتب علي الوثيقة: اكتب بسم الرحمن الرحيم قال سهيل : ما نعرف الرحمن الرحيم. اكتب باسمك اللهم، فـعمر كاد يتفجر، قال: ( اسكت يا عمر ! أنا رسول الله! اكتب: هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله ) قال سهيل : لا نعرف أنك رسول الله، لو عرفنا أنك رسول الله ما حاربناك! اكتب محمد بن عبد الله، فغضب عمر رضي الله عنه وكاد يتفجر، فقال: ( اسكت، أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وقد كتبت إلى إخواننا الجزائريين إلى أولئك الذين أثاروا الفتنة وهم في السجون، وقلت لهم: أطفئوا هذه النار، عجلوا! ومضت سنتان أو ثلاث والنار مشتعلة، والأرواح تزهق، فأعلنوا عن تنازلكم عن الحكم بالمرة، واخرجوا إلى دياركم ومتاجركم ومزارعكم، واتركوا البلاد لله تنجو على الأقل وتعود الحياة إلى هذه الأمة!

وقلت لهم: ولا تقولوا: آه كيف سجنا وقاتلنا وقتلنا ثم بعد ذلك نتنازل؟

وقلت لهم: رسول الله صلى الله عليه وسلم تنازل عن بسم الله الرحمن الرحيم؛ من أجل صلح فقط يتم فيه الأمن بين البلاد والبلاد، وتنازل عن كلمة رسول الله، وهو رسول الله حقاً وصدقاً من أجل أن يتم صلح بين قريش وبين المؤمنين؛ على الأقل يمشون للأسواق والتجارة، أو يؤمنوا بعضهم بعضاً، وأنتم تتنازلون عن شيء موهوم، ولا خير فيه، والعاقل والله لو أعطي الحكم ما قبله ولا رضيه أبداً، وتصامموا ومضى أمرهم إلى اليوم، فقتل عشرات الآلاف وهم يتحملونها.

وهذا كله من عدم البصيرة، وليس هناك نور رباني.

قال: [وذلك يوم صلح الحديبية حيث غضب عمر رضي الله عنه من تعنت سهيل ، وكان ممثلاً لقريش يومئذ؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ( عسى أن يقوم مقاماً يسرك يا عمر ! )] أي: لا تحزن! من سهيل [وكان الأمر كما أخبر صلى الله عليه وسلم، إذ مات الرسول صلى الله عليه وسلم، واضطربت البلاد ونجم الكفر، ووقف سهيل بن عمرو رضي الله عنه بباب الكعبة بمكة، فخطب الناس فثبت أهل مكة وقوى بصائرهم، فحفظهم الله من الردة بسببه، وهو موقف سر عمر والمؤمنين، فكان آية نبوته صلى الله عليه وسلم، ومعجزة من معجزاته].

فالرسول صلى الله عليه وسلم قال أيام الصلح: ( عسى أن يقوم مقاماً يسرك يا عمر ) وهو يؤلمهم إذ يرفض كلمة رسول الله، أو كلمة بسم الله الرحمن الرحيم.

افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة

قال: [وخامس عشر خبر: قوله صلى الله عليه وسلم: ( ستفترق هذه الأمة )] هذا الخبر لكم فأبشروا! [( ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة )] والله لقد تمت، ومن أراد أن يقف عليها فليرجع إلى تفسير القرطبي ففيه قوائم بالتفصيل [( كلها في النار إلا واحدة في الجنة ) وسئل عنها] أي: عن الفرقة الناجية [فقال: ( هم الذين يكونون على ما أنا عليه اليوم وأصحابي )] فالناجي هو ذاك الذي عقيدته كعقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فصلاته وصيامه كصلاتهم وصيامهم، وجهاده وقعوده كجهادهم وقعودهم، لا يفارقهم في شيء، ذلك هو الناجي، أما من تمذهب وتجمع وتكتل وادعى وادعى فهي الفرق الضالة، وعجباً لهذا الحديث فاسمعوا، قال: ( ستفترق هذه الأمة على ثلاثين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة في الجنة، وسئل عنها فقال: هم الذين يكونون على ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) فلهذا لا نرضى لمؤمن أن يقول: أنا حنفي! أنا حنبلي! أنا مالكي! قل: أنا مسلم، أفتني بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل به ويقوله؛ إنهاء لفتنة التعصب المذهبي.

قال: [وقال: ( إنها ستكون أنماط، ويغدو أحدهم في حلة، ويروح في أخرى، وتوضع بين يديه صحفة، وترفع أخرى، ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة )] وهذا ما أنتم فيه اليوم! فيا ويحكم! اسمعوا ماذا يقول: ( إنها ستكون أنماط ) جمع نمط وهي البسط والفرش كما تشاهدونها ( ويغدو أحدهم في حلة، ويروح في أخرى ) في الصباح بدلة وفي العشاء بدلة من كثرة الثياب ( وتوضع بين يديه صحفة، وترفع أخرى ) تجده يقول: حط الأكل! وهات الآخر. وهذا واقع ( ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة ) فالستائر في البيوت عند النوافذ موجودة كالكعبة، ويخبر بهذا، هل هو شاهده؟ من أعلمه؟ ربه تعالى كأنه ينظر إلى هذا الواقع.

قال: [وقال: ( أنتم اليوم خير منكم يومئذ )] قال لأصحابه الذي والله ما شبع يوماً واحداً مرتين من خبز شعير، فالذي يتغدى ما يتعشى! قال: ( أنتم اليوم خير منكم يومئذ ) والله لهم خير منا مليون مرة!

قال: [( وإنهم إذا مشوا المطيطاء، وخدمتهم بنات فارس والروم؛ رد الله بأسهم بينهم، وسلط شرارهم على خيارهم )] وتم هذا بالحرف الواحد، فكيف تدمرت الخلافة وسقطت؟ وكيف ذهبت تلك الأنوار؟ تم هذا بالإقبال على الدنيا والشهوات والخدم وكذا، وتقسموا وتقاتلوا وهبطوا! وهذا من أخبار الغيب فعجب هذا!

قال: [فهذا القول النبوي الشريف الجزء الأول منه كما أخبر، حيث بلغت فرق هذه الأمة ثلاثاً وسبعين فرقة، كما أخبر، فكانت آية النبوة المحمدية، والجزء الثاني: وهو قوله: إنها ستكون- وإن ضعف سنده فقد صح واقعاً- فقد بسط الله الرزق على أمة الإسلام بعد وفاة نبيها صلى الله عليه وسلم، فكانوا كما وصف في كثير من البلاد والأوقات، فقد حدث ما في الخبر من وعيد، إذ جعل تعالى بأسهم بينهم، وسلط عليهم في أكثر من زمان ومكان، والله المستعان]. وهذا هو آخر خبر.

قال: [كانت تلك أربعين معجزة للحبيب صلى الله عليه وسلم، وقد في تقدم في ثنايا سيرته العطرة عشرات الآيات والمعجزات، ولقد صدق من قال: إن المعجزات المحمدية قد بلغت الألف معجزة، والمراد من إيرادها: تقوية إيمان المؤمنين، ودعوة غيرهم إلى الإيمان به صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، تجب متابعته، وتتحتم طاعته، وتلزم محبته، من أجل النجاة من الخسران، والفوز بالمغفرة والرضوان في دار السلام، مع مواكب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، إذ قال تعالى وقوله الحق من سورة النساء في كتابه الكريم: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:69-70]].

معاشر المؤمنين والمؤمنات! سمعتم هذا الوعد: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69] ما الجزاء؟ فَأُوْلَئِكَ [النساء:69] أي: المطيعون مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69]. اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين!

وأنبهكم إلى أن طاعة الله وطاعة الرسول لا بد لها من العلم فيما تطيع الله وفيما تطيع رسوله، ولا بد من معرفة محاب الله ومكارهه؛ لتفعل ما يحبه، وتترك ما يكره، وليتوقف على العلم، وما زلنا نقول: العلم الحق هو هذه المجالس، فيجب أن تكون في كل مسجد جماعة تتلو كتاب الله وتدرسه، وفي العالم بأسره هذا هو طريق العلم والمعرفة، وبدونه والله لا ولاية تتحقق للعبد.

والله تعالى أسأل أن يوفقنا وإياكم.