فتاوى نور على الدرب [719]


الحلقة مفرغة

السؤال: انتشر في منطقتنا أن بعض الشباب لا يغلقون أزرة ثيابهم، ويقولون: إن هذا الفعل من السنة، ويستدلون بقول قرة بن شريك المزني كما هو عند أبي داود وغيره بقوله: بأنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو وقومه ليبايعوه، ووجدوه مطلق الأزرار، السؤال: هل هذا الحديث يدل على أن من السنة أن يجعل الرجل أزرة ثوبه مفتوحة؟

الجواب: قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )، والفقه تصور الشيء على ما هو عليه، وإلحاق الفروع بأصولها، ليس مجرد العلم، هذا الحديث الذي ذكره السائل لا يدل على مشروعية فتح الجيب لا من قريبٍ ولا بعيد، لأن هؤلاء القوم الذين وجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قد فتح، هل يعلمون أنه فتحه تعبداً وتسنناً، أو أنه فتحه لغرضٍ من الأغراض؛ إما لشدة حر، أو لحرارة في الصدر، أو ما أشبه ذلك؟ ما ندري، بل الذي يغلب على الظن أنه لم يفعله تسنناً، لأنه لو كان هذا من السنة لم يجعل الإزار أصلاً، فما فائدة الأزرة إلا لتزر؟! لكن دائماً الإنسان يكون له أزرة ويزرها، لكن يفتحها في بعض الأحيان لسببٍ من الأسباب، إما للتبرد، وإما لكون الحرارة في صدره، وهي ما يسمى بالحساسية عند الناس، وإما لغير ذلك، ولا يجوز لنا أن نأخذ من هذا وأمثاله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعله تعبداً؛ لأن الأصل منع التعبد إلا بدليلٍ واضح لا يحتمل شيئاً آخر.

نصيحتي لإخواني هؤلاء وأمثالهم الذي لا يفكرون تفكيراً جيداً في الأمور أن يتقوا الله أولاً في أنفسهم، وأن يتقوا الله في إخوانهم، وأن يتقوا الله في تصريف الشريعة وأدلتها لما كان مراداً لله ورسوله؛ لذلك أنصح هؤلاء بأن يزروا ثيابهم إذا كان فيها أزرة، وأن لا يتعبدوا لله بشيءٍ لم يعلم أنه مشروع، ولهذا كان من القواعد المقررة عند جميع العلماء أن الأصل في العبادات الحظر إلا ما قام الدليل على أنه مشروع، ومجرد كون قومٍ رأوا النبي صلى الله عليه وسلم فتح أزرته لا يدل على المشروعية، وكما قلنا: لماذا وضع الأزرة إلا ليزرها، ما وضعها زينة وتجملاً فقط، ولا جمال فيها أيضاً إذا لم تزر.

الخلاصة: أن هذا الفهم فهمٌ خاطئ، وأنه لا يسن للإنسان أن يفتح أزرته تعبداً لله عز وجل، أما إذا كان هناك سبب لحرٍ شديد أو غيره، فهذا شيء طبيعي، لا بد للإنسان أن يتبرد، ويفتح أزرته ليبرد.

السؤال: تحدثتم عن فضل التفقه في الدين، فكيف يتفقه الشاب في دينه ويطلب العلم الشرعي الموثوق؟

الجواب: يتفقه في دينه على أيدي العلماء الموثوقين علماً وأمانة، فليلزم هؤلاء وليستمسك بغرزهم وليقتدي بهم، ولا يلتفت يميناً وشمالاً، حتى إذا كبر وبلغ درجةً من العلم يمكنه أن يفهم النصوص بنفسه، ويحمل مجملها على مبينها، ومطلقها على مقيدها وما أشبه ذلك، حينئذٍ يتصرف هو بنفسه بالأدلة على حسب ما آتاه الله من العلم.

السؤال: اشتريت عقاراً بقيمة مائة وستين ألف جنيه، ودفعت مائة وخمسة عشر ألف جنيه مقدماً، والباقي أقساط على سنتين، فكيف أدفع الزكاة؟ وما طريقة دفع الزكاة في مثل هذه الحالة؟

الجواب: العقار هذا ينظر، هل هو رجل يبيع ويشتري في العقارات، فيجعل العقارات كأنها سلع عند التجار، فهذا يجب عليه أن يزكي العقار، لأنه عروض تجارة، أو إنه أعد العقار للكسب يؤجره وينتفع بأجرته، فهذا لا زكاة فيه، أو اشترى العقار ليسكنه، فهذا لا زكاة فيه، أما البقية التي بقي عليه من الثمن، فإذا كان يملكها وجب عليه زكاته، وإذا كان لا يملكها فلا زكاة عليه.

السؤال: ما حكم الشرب والإنسان واقف؟ وهل ورد في ذلك أحاديث؟ وعند الشرب من ماء زمزم هل لا بد من الجلوس؟

الجواب: الشرب قاعداً أفضل بلا شك، بل يكره الشرب قائماً إلا لحاجة، دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يشرب الرجل قائماً، أما إذا كان هناك حاجة، مثل أن يكون الماء الذي يشرب منه رفيعاً، كما يوجد في بعض البرادات، تكون رفيعة لا يستطيع للإنسان أن يشرب منها وهو قاعد، فهنا يقوم للضرورة، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه شرب من شنٍ معلق، أي: من قربةً قديمة معلقة، وليس عنده إناء، كذلك أيضاً إذا كان المكان ضيقاً لا يمكن أن يجلس فليشرب قائماً، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شرب من زمزم وهو قائم، أما في حالة السعة فليشرب قاعداً.

وهنا مسألة: إنسان دخل المسجد وفيه ماء وهو عطشان يريد أن يشرب، فهل يجلس ويشرب أو نقول: صل التحية ثم اشرب؟ الجواب: الثاني. نقول: صل التحية ثم اشرب، هذا هو الأفضل، فإن خفت إذا صليت التحية أن يكثر الناس على الماء وتتأخر، فاشرب قائماً ولا حرج، لأن هذا حاجة.

السؤال: إذا ترك المصلي التورك في التشهد الأخير هل يأثم؟

الجواب: لا يأثم؛ لأن التورك في التشهد الأخير في الثلاثية والرباعية، والافتراش في التشهد الأول وفي التشهد الأخير في صلاة ليس فيها إلا تشهد واحد، هذا سنة وليس بواجب، إن فعل فهو أفضل وإن لم يفعل فلا حرج.

السؤال: والدي يفرق بيننا نحن البنات وبين الأولاد، ويميل إلى الأولاد كثيراً، ويكرهنا نحن البنات ويتشاءم منا، فما حكم هذا العمل؟

الجواب: هذا العمل من عمل الجاهلية، لأن أهل الجاهلية هم الذين ينفرون من الإناث، ويفضلون الذكور، قال الله تعالى: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل:58-59]، فليتق الله هذا الرجل وليعدل بين أولاده؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم )، وإذا نظرنا إلى العقل وجدنا أن البنت أولى بالرفق والرقة من الولد، لأن الولد يتحمل ويصبر، والبنت بالعكس، وانظر إلى ذلك فيما لو حدثت مصيبة، تجد الولد يصبر، وتجد البنت تبكي، لأنها لا تتحمل، فلولا أن العدل واجب لقلت: إن الرفق بالبنت ومراعاتها أولى، لكني أقول: العدل واجب، وعليه إذا أعطى الولد درهماً أن يعطي البنت نصف درهم، وإذا أعطاه درهمين أن يعطيها درهماً؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم )، ولا عدل أكمل من عدل الله، وقد قال الله عز وجل: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] .

السؤال: رجلٌ مليء كان لا يدفع الزكاة في سنواتٍ مضت، ثم تاب، كيف يخرج ما مضى؟ وهل هناك كفارة؟

الجواب: يخرج ما مضى بأن يحصي أمواله حين وجوب الزكاة، وينظر مقدارها، ثم يخرجها؛ لأنها دينٌ في ذمته لا تبرأ ذمته إلا بأدائها، فإذا قال: هذا فيه مشقة، وأيضاً ربما لا يكون قد أحصى أمواله، نقول: واعمل بالاحتياط، وأنت إذا زدت ألفاً على ألفٍ، يعني أخرجت الضعف خيرٌ من أن تنقص درهماً، فالزيادة لك، إن كانت واجبة فقد أبرأت ذمتك، وإن كانت غير واجبه فهي تطوع، وكل امرئٍ في ظل صدقته يوم القيامة، لكن لو نقص حصل الإثم، ودخلت في قوله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران:180]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من آتاه الله مالاً فلم يؤدِ زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع )، الشجاع الحية العظيمة، أقرع، يعني ليس على رأسه شعر من كثرة السم والعياذ بالله، ( له زبيبتان )، يعني غدتان، الواحدة مثل الزبيبة مملوءتان سماً والعياذ بالله، ( له زبيبتان يأخذ بشدقيه فيقول: أنا مالك، أنا كنزك، أنا مالك، أنا كنزك )، فليحذر أولئك الذين يبخلون بالزكاة من هذا الوعيد وأمثاله، وليتقوا الله الذي أعطاهم هذا المال، أن ينفقوا منه لله عز وجل، ولزيادة حسناتهم.

السؤال: هل علي ذنبٌ في قطيعة رحمي كونهم بعيدين عني، ولظروف عملي يصعب علي زيارتهم إلا في السنة مرة ولمدة خمسة عشرة يوماً، وأنا في حيرة من أمري؟

الجواب: صلة الرحم من الواجبات، ولكن الله عز وجل لم يبين كيف ذلك، لا في القرآن ولا في السنة، فما جرى عند الناس أنه صلة فهو صلة، وهذا يختلف باختلاف القرابة، وباختلاف حاجة القريب، وباختلاف الزمان، وباختلاف المكان، والمرجع في ذلك إلى العرف، ومعلومٌ أن من كان بينه وبين رحمه -والمراد بالرحم الأقارب- مسافة بعيدة، أنه لن يتمكن من أن يزورهم كل أسبوع، بل ربما ولا كل شهر، لكن في وقتنا الحاضر والحمد لله وسائل الصلة كثيرة، يرفع السماعة ويتصل بهم، لو شاء كل يوم، فالمهم أن الصلة ليست محددةً شرعاً، بل هي راجعة إلى العرف.

السؤال: امرأة مريضة أرضعت ابنتها وهي لا تعلم عن حقيقة مرضها أنه خطير ومعد، فتوفيت البنت، ولم تعلم الأم أن سبب وفاتها هو العدوى إلا متأخراً، فما الحكم في هذه الحالة؟ وإذا كان عليها كفارة من صيام وهي الآن لا تستطيع لحالتها الصحية، ماذا تعمل؟

الجواب: ليس عليها شيء، امرأة فعلت ما أوجب الله عليها من إرضاع ابنتها، ولم تعلم أن فيها مرضاً معدياً، فليس عليها شيء، هي محسنة، وقد قال الله تعالى: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة:91]، أسأل الله تعالى أن يجعل ابنتها شافعةً لها ولأبيها.

السؤال: أنا مقيم بالمملكة، ولدي أولاد في بلدي مما يدعوني لإرسال مصاريف إليهم، إما عن طريق البنك أو عن طريق شخص يتعامل في تحويل أو تبديل العملات، ويتم ذلك عبر الاتصال التلفوني، ولم يكن هناك تقابض مع الطرف المحول، فهل علي شيء في ذلك، علماً بأنني قرأت حديثاً في منهاج المسلم ما يخص الصرف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد )، ومن شروط صحة جواز الصرف التقابض في المجلس، وأنا يتعذر علي ذلك، فهل علي شيء؟

الجواب: يمكن أن تحول الدراهم بالعملة التي في البلد الذي أنت فيه، فإذا بلغت المحال عليه صرفها إذا شاء بسعر يومها في ذلك البلد، مثال ذلك: تحول عن طريق البنك الدراهم على أنها سعودية، فإذا وصلت البنك في بلدك، وأتى المحال له ليقبضها، ويريد أن يحولها إلى عملة بلدك، فليسأل كم السعر؟ ثم يصارف البنك الذي حولت إليه بسعرها في وقتها ويقبض، هذه طريقة لا بأس بها، ولا فيها كلفة، فليلزمها فإنها جائزة، أما التحويل وصرفها إلى نقود البلد المحال عليه بدون قبض فهذا لا يجوز.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3902 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3690 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3640 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3493 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3474 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3432 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3431 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3415 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3337 استماع