هذا الحبيب يا محب 109


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

ها نحن مع الوفود الذين يتوافدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع الوفد الخامس من تلك الوفود التي كانت في السنة التاسعة وفي أول العاشرة.

قدوم وفد بني حنيفة

قال: [خامساً: وقدم وفد بني حنيفة: ومن بينهم] أي: من بين رجال الوفد [مسيلمة الكذاب ] وفدوا [على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن مسيلمة خلفوه في رحالهم، فلم يشرُف بمقابلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم أسلموا] أسلم الوفد بكامله [وأمر لهم] الحبيب صلى الله عليه وسلم [بجوائز] هدايا أو عطايا مالية أو غيرها [وذكروه له] أي: وذكروا مسيلمة الكذاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم [فأمر له بمثل ما أمر لهم] وهذا هو الكرم المحمدي، علم أنه كذاب لا خير فيه، وأنه يحمل راية الفتنة، ومع هذا ما حرمه ما أعطى الوفد.

قال: [ثم انصرفوا وأعطوا مسيلمة الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم] من الجائزة.

[فلما قدم اليمامة ارتد عدواً لله، وادعى النبوة وتنبأ كذباً، وأخذ يسجع ويقول مضاهياً] بكلامه المسجوع القرآن الكريم [لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين شغاف وحشا] يقول: إن هذا قرآن، ويموه به على العوام. ومعنى (لقد أنعم الله على الحبلى) أي: ذات الحمل، و(أخرج منها نسمة تسعى) يعني: طفلاً يمشي، (من بين شعاف وحشا) يعني: جلد بطنها وأحشائها [ووضع عنهم الصلاة] فلا صلاة على قومه [وأباح لهم الخمر والزنا إلى آخر هرائه العفن] المنتن.

قال: [وبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب] خطاب [جاء فيه] في هذا الكتاب النبوي [بسم الله الرحمن الرحيم] وهذه سنته صلى الله عليه وسلم في كتبه ورسائله، أي: بسم الله الرحمن الرحيم أكاتبك أو أخاطبك [من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى، أما بعد:

فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين] وهذا خطاب نبوي رد به صلى الله عليه وسلم على خطاب بعثه مسيلمة [رداً على كتابه الذي بعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصه: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد: فإني قد أشركتكم في الأمر، وليس قريش قوماً يعدلون] يعني: أعطيتك نصف ما عندي من الرسالة فأنت رسول وأنا رسول.

قدوم وفد رسل ملوك حمير

قال: [سادساً: وقدم وفد رسل ملوك حمير] كانوا باليمن لهم ملوك متعددون [الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذي رعين ] وقيل بمعنى: ملك، والجمع: أقيال، فالقيل في لغة حمير: الملك ويجمع على أقيال، وقالوا فيه ذلك؛ لأنه إذا قال وأمر أطيع، فأطلقوا عليه لفظ القيل [ومعافر وهمدان يبلغونه إسلام أقوامهم] جاء هذا الوفد من حمير يبلغون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قومهم أسلموا، أي: دخلوا في الإسلام، فعندما شاهدوا مكة قد سقطت وأصبحت في يد رسول الله وحصن الطائف الأكبر نزل لم يبق هناك محاولة من أحد للقتال والانتصار، فأصبحوا يدخلون في الإسلام جماعات وقرى.

قال: [وكان رسولهم إليه صلى الله عليه وسلم هو مالك بن مرة الرهاوي بعث به زرعة ذو يزن إليه صلى الله عليه وسلم، فكتب إليهم صلى الله عليه وسلم كتاباً هذا نصه] فلنستمع إلى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله النبي] صلى الله عليه وسلم [إلى الحارث بن عبد كلال وإلى نعيم بن عبد كلال وإلى النعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان، أما بعد ذلكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلباً من أرض الروم فلقينا بالمدينة فبلّغ ما أرسلتم به] أي: بلغنا ما أرسلتموه به [وخبر ما قلتم، وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين، وأن الله قد هداكم بهداه، إن أصلحتم أطعتم الله ورسوله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من الغنائم خمس الله وسهم نبيه وصفيه، وما كتب على المؤمنين من الصدقة. وبين لهم صدقة الزرع والإبل والبقر والغنم.

ثم قال: فمن زاد] على هذا القدر [فهو خير له، ومن أدى ذلك، وأشهد على إسلامه، وظاهر المؤمنين على المشركين] أي: ناصرهم [فإنه من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها] أي: لا يصرف عنها بل يبقى على دينه [وعليه الجزية على كل حالم] من الأطفال إذا بلغوا [ذكراً كان أو أنثى حراً أو عبداً دينار واف من قيمة المعافر] والمعافر: ثياب يمنية [أو عوضه ثياباً، فمن أدى ذلك إلى رسول الله فإن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منعه] أي: ذلك [فإنه عدو لله ورسوله].

هذا هو كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمير.

قدوم وفد بهراء

قال: [سابعاً: وقدم وفد بهراء] وهو الوفد السابع [من اليمن الجنوبي، وكان مكوناً من ثلاثة عشر رجلاً، ونزلوا على المقداد بن عمرو] في المدينة [وأقاموا بالمدينة أياماً تعلموا فيها الفرائض وواجبات الإسلام، ثم ودعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر لهم كغيرهم بجوائز فأخذوها وانصرفوا إلى ديارهم].

قدوم وفد عُذرة

[ثامناً: وقدم وفد عُذرة: وكانوا اثني عشر رجلاً منهم حمزة بن النعمان ، ولما شرفوا بالمثول بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم سألهم قائلاً: (من القوم؟ فقال متكلمهم)] نيابة عنهم [(ممن لا تنكر، نحن بنو عُذرة إخوة قصي لأمه، نحن الذين عضدوا قصياً وأزاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر، ولنا قرابات وأرحام)] أي: معكم [(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرحباً بكم وأهلاً، ما أعرفني بكم)] يعني: معرفتي بكم قوية [فأسلموا وبشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الشام وهروب هرقل إلى ممتنع من بلاده] وكانت هذه آية النبوة [ونهاهم عن سؤال الكهنة وعن الذبائح التي كانوا يذبحونها، وأخبرهم أن ليس عليهم إلا الأضحية] يعني: الذبائح لرجب وغيرها باطلة [ثم أجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفوا إلى بلادهم].

قدوم وفد ذي مرّة

قال: [تاسعاً: وقدم وفد ذي مرّة: وكان مكوناً من ثلاثة عشر رجلاً، ورئيس الوفد الحارث بن عوف ، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: (كيف البلاد؟ قالوا: والله إنا لمسنتون)] أي: أخذتهم السنون؛ سنون الجدب والقحط [( فادع الله تعالى لنا، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: اللهم اسقهم الغيث )، ثم أقاموا أياماً، وأجيزوا بجوائز رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عادوا إلى بلادهم فوجدوها قد أمطرت في ذلك اليوم الذي دعا لهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم].

قدوم وفد سعد بن بكر

قال: [عاشراً: وقدم وفد سعد بن بكر: وكان رئيسهم ضمام بن ثعلبة ، فتقدم] أي: ضمام الرئيس [فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أسئلة انتظمت قواعد الدين وكثيراً من الواجبات والمحرمات] فقيه قبل أن يدرس [فأسلم، ولما قفل راجعاً إلى قومه -ليبلغهم دعوة الله تعالى- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لئن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة )] كان معه عقيصتان من الشعر [فلما قدم على قومه اجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم به قوله: بئست اللات والعزى، فقالوا محذرين له: اتق البرص والجذام والجنون] لأنهم يعتقدون أن الذي ينال من الآلهة عندهم يصاب بالبرص والجذام والجنون [أي: أن تصيبك من أجل ذمك للات والعزى -وهما إلهان عندهم- فقال ضمام: ويحكم! إنهما لا يضران ولا ينفعان، وإن الله قد بعث محمداً رسولاً وأنزل عليه كتاباً، وقد استنقذكم به مما كنتم فيه، وأظهر لهم إسلامه، فما أمسى في ذلك اليوم رجل مشرك ولا امرأة مشركة].

قال: [فما سُمع] أي: ما سمعوا [بوافد قوم كان أبرك ولا أفضل من ضمام بن ثعلبة ] إذ أهله كلهم في يوم واحد دخلوا في الإسلام وتركوا الشرك والكفر، فلم يكن أبرك منه -أي: أكثر بركة- ولا أفضل منه على قومه رضي الله عنه وأرضاه.

قدوم وفد الأزد

[الحادي عشر: وقدم وفد الأزد: قال سويد بن الحارث الأزدي : وفدت سابع سبعة] يحدث عن نفسه وقومه [من قومي] وفدنا [على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخلنا عليه وكلمناه، فأعجبه ما رأى من سمتنا وزيِّنا، قال: (ما أنتم؟ قلنا: مؤمنون، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن لكل قول حقيقة فما حقيقة قولكم وإيمانكم؟ ) قلنا: خمس عشرة خصلة] وليتنا نبقى أسبوعاً مع هذا الحديث نتكلم عن الخمس عشرة خصلة لنحفظها ونعزم على أن نتدين بها فنفوز في هذه الدنيا [خمس منها أمرتنا بها رسلك] الذين أتونا وهي [أن نؤمن بها، وخمس أمرتنا أن نعمل بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية، فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما الخمسة التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها؟) قلنا: أمرتنا أن نؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، قال: (وما الخمسة التي أمرتكم أن تعملوا بها؟) قلنا: أمرتنا أن نقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، فقال: (وما الخمسة التي تخلقتم بها في الجاهلية؟) قالوا: الشكر عند الرخاء] ونحن الذين في الإسلام ما عرفنا الشكر عند الرخاء.

ما هو الشكر يا عباد الله؟ الشكر هو شعور في قلبك بأن هذه نعمة لله، ثم حمد الله وثناؤه صباح مساء على تلك النعمة، ثم إن كانت علماً عليك أن تبلغه بعد العمل به، وإن كانت مالاً عليك أن تنفق منه على المحاويج والمساكين، وإن كانت صحة بدنية عليك أن تنفق منها في عون المحتاجين وما إلى ذلك. هذا هو الشكر.

[والصبر عند البلاء] سواء كان مرض أو جوع أو حرب [والرضا بُمرِّ القضاء] أي: بما هو مر لا يطاق كالموت والأمراض.. وما إلى ذلك [والصدق في مواطن اللقاء] مع الأعداء [وترك الشماتة بالأعداء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء )] هذا هو قول الحبيب صلى الله عليه وسلم للوفد.

إذاً: كان عندهم خمس عشرة خصلة، قالوا: خمس منها أمرتنا بها رسلك، وخمس أمرتنا أن نعمل بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية، فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئاً.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الخمسة التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها؟ قالوا: (أمرتنا أن نؤمن نؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت) فلم ينقص إلا القضاء والقدر، لكنهم مؤمنون به في كلامهم عندما قالوا: الصبر عند البلاء، والرضا بالقضاء.

قال: وما الخمسة التي أمرتكم أن تعملوا بها؟ فقالوا: (أمرتنا أن نقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت من استطاع إليه سبيلاً).

فقال صلى الله عليه وسلم: وما الخمسة التي تخلقتم بها في الجاهلية؟ أي: جعلتوها أخلاقاً لكم تجملتم بها؟

قالوا: (الشكر عند الرخاء) يعني: ليس إذا جاء الرخاء نكفر النعم ونفسق ونفجر ونشتغل بالدنيا.

(والصبر عند البلاء)، فلا جزع ولا بكاء ولا صياح..

(والرضا بمرّ القضاء)، أي: مهما كانت مرارته.

(والصدق في مواطن اللقاء) يعني: في الحرب، فإذا التقينا فلا تعرف منا إلا الصدق.

(وترك الشماتة بالأعداء) فلا نشمت بأعدائنا أبداً.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مقولته: ( حكماء علماء .. )، وهذه شهادة -والله- لا تعدلها شهادة؛ لأنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرضي الله عنهم وأرضاهم.

قال: [ثم قال: ( وأنا أزيدكم خمساً فيتم لكم عشرون خصلة إن كنتم كما تقولون )] ما هي الخمس التي أضافها إلى ما عندهم قال: [( فلا تجمعوا ما لا تأكلون )] أي: لا تجمعوا ما لا تأكلونه، ومعنى هذا أن يصير المال بين الناس، فلو بطل ادخاره والربط عليه ودفنه أُنفق. هذه واحدة.

ثانياً: [( ولا تبنوا ما لا تسكنون )] فإذا كنت تسكن طابقاً فما الحاجة للعشرين؟ ولا بأس بطابقين واحد في الصيف وواحد في الشتاء، أو طابق لك وطابق للضيوف مثلاً.

[( ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه غداً تزولون )] أي: تولون. فلا تتنافسوا وتتسابقوا في شيء أنتم عنه غداً تزولون وتتركونه [( واتقوا الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون، وارغبوا فيما عليه تقدمون وفيه تخلدون )] هذا من منبع الحكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم [وانصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظوا وصيته وعملوا بها].

اللهم اجعلنا من أهلها، اللهم إنا نبذل ما استطعنا أن ننفذ هذه الوصايا العشرين يا رب العالمين.

قدوم وفد طيء

قال: [الثاني عشر: وقدم وفد طيء: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيء وعلى رأسهم زيد الخيل ] وسماه الرسول زيد الخير [فلما انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم] في المدينة [كلموه، وعرض عليهم صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلموا وحسن إسلامهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ذُكر لي رجل من العرب إلا رأيته دون ما ذكر لي إلا زيد الخيل، فإنه لم يبلغ كل ما كان فيه)، ثم سماه زيد الخير، وقطع له فيداً وأرضين معه] والفيد اسم مكان شرقي سلمى أحد جبلي طيء [وكتب له بذلك كتاباً، فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى قومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ينج زيد من حمى المدينة)] والمدينة كانت بها حمى [فإنه قال: قد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم غير الحمى وغير أم ملدم، فلم يثبته] راوي القصة [فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه يقال له: فردة، أصابته الحمى بها فمات، ولما] مات [عمدت امرأته إلى ما كان معه من كتبه التي قطع له رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرقتها بالنار] حتى لا تدخل في فتنة.

نكتفي بهذا القدر وإلى ولاية الله عز وجل ..

قال: [خامساً: وقدم وفد بني حنيفة: ومن بينهم] أي: من بين رجال الوفد [مسيلمة الكذاب ] وفدوا [على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن مسيلمة خلفوه في رحالهم، فلم يشرُف بمقابلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم أسلموا] أسلم الوفد بكامله [وأمر لهم] الحبيب صلى الله عليه وسلم [بجوائز] هدايا أو عطايا مالية أو غيرها [وذكروه له] أي: وذكروا مسيلمة الكذاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم [فأمر له بمثل ما أمر لهم] وهذا هو الكرم المحمدي، علم أنه كذاب لا خير فيه، وأنه يحمل راية الفتنة، ومع هذا ما حرمه ما أعطى الوفد.

قال: [ثم انصرفوا وأعطوا مسيلمة الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم] من الجائزة.

[فلما قدم اليمامة ارتد عدواً لله، وادعى النبوة وتنبأ كذباً، وأخذ يسجع ويقول مضاهياً] بكلامه المسجوع القرآن الكريم [لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين شغاف وحشا] يقول: إن هذا قرآن، ويموه به على العوام. ومعنى (لقد أنعم الله على الحبلى) أي: ذات الحمل، و(أخرج منها نسمة تسعى) يعني: طفلاً يمشي، (من بين شعاف وحشا) يعني: جلد بطنها وأحشائها [ووضع عنهم الصلاة] فلا صلاة على قومه [وأباح لهم الخمر والزنا إلى آخر هرائه العفن] المنتن.

قال: [وبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب] خطاب [جاء فيه] في هذا الكتاب النبوي [بسم الله الرحمن الرحيم] وهذه سنته صلى الله عليه وسلم في كتبه ورسائله، أي: بسم الله الرحمن الرحيم أكاتبك أو أخاطبك [من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى، أما بعد:

فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين] وهذا خطاب نبوي رد به صلى الله عليه وسلم على خطاب بعثه مسيلمة [رداً على كتابه الذي بعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصه: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد: فإني قد أشركتكم في الأمر، وليس قريش قوماً يعدلون] يعني: أعطيتك نصف ما عندي من الرسالة فأنت رسول وأنا رسول.

قال: [سادساً: وقدم وفد رسل ملوك حمير] كانوا باليمن لهم ملوك متعددون [الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذي رعين ] وقيل بمعنى: ملك، والجمع: أقيال، فالقيل في لغة حمير: الملك ويجمع على أقيال، وقالوا فيه ذلك؛ لأنه إذا قال وأمر أطيع، فأطلقوا عليه لفظ القيل [ومعافر وهمدان يبلغونه إسلام أقوامهم] جاء هذا الوفد من حمير يبلغون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قومهم أسلموا، أي: دخلوا في الإسلام، فعندما شاهدوا مكة قد سقطت وأصبحت في يد رسول الله وحصن الطائف الأكبر نزل لم يبق هناك محاولة من أحد للقتال والانتصار، فأصبحوا يدخلون في الإسلام جماعات وقرى.

قال: [وكان رسولهم إليه صلى الله عليه وسلم هو مالك بن مرة الرهاوي بعث به زرعة ذو يزن إليه صلى الله عليه وسلم، فكتب إليهم صلى الله عليه وسلم كتاباً هذا نصه] فلنستمع إلى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله النبي] صلى الله عليه وسلم [إلى الحارث بن عبد كلال وإلى نعيم بن عبد كلال وإلى النعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان، أما بعد ذلكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلباً من أرض الروم فلقينا بالمدينة فبلّغ ما أرسلتم به] أي: بلغنا ما أرسلتموه به [وخبر ما قلتم، وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين، وأن الله قد هداكم بهداه، إن أصلحتم أطعتم الله ورسوله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من الغنائم خمس الله وسهم نبيه وصفيه، وما كتب على المؤمنين من الصدقة. وبين لهم صدقة الزرع والإبل والبقر والغنم.

ثم قال: فمن زاد] على هذا القدر [فهو خير له، ومن أدى ذلك، وأشهد على إسلامه، وظاهر المؤمنين على المشركين] أي: ناصرهم [فإنه من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها] أي: لا يصرف عنها بل يبقى على دينه [وعليه الجزية على كل حالم] من الأطفال إذا بلغوا [ذكراً كان أو أنثى حراً أو عبداً دينار واف من قيمة المعافر] والمعافر: ثياب يمنية [أو عوضه ثياباً، فمن أدى ذلك إلى رسول الله فإن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منعه] أي: ذلك [فإنه عدو لله ورسوله].

هذا هو كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمير.


استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
هذا الحبيب يا محب 115 4084 استماع
هذا الحبيب يا محب 111 4080 استماع
هذا الحبيب يا محب 7 3824 استماع
هذا الحبيب يا محب 47 3819 استماع
هذا الحبيب يا محب 126 3695 استماع
هذا الحبيب يا محب 102 3682 استماع
هذا الحبيب يا محب 9 3650 استماع
هذا الحبيب يا محب 32 3574 استماع
هذا الحبيب يا محب 99 3489 استماع
هذا الحبيب يا محب 48 3472 استماع