فتاوى نور على الدرب [637]


الحلقة مفرغة

السؤال: في الآية الكريمة في سورة فاطر: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، وتفسير الآية في سورة البقرة: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] ، هل تأتي التقوى قبل العلم أم العلم قبل التقوى؟ وكيف تكون التقوى بدون علم؟ بناءً على ما جاء في تفسير الآية الكريمة: وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:282] أي: خافوه وراقبوه واتبعوا أمره واتركوا زجره. جزاكم الله خيراً.

الجواب: قال الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، والخشية: قوة الخوف من الله تبارك وتعالى لكمال عظمته وسلطانه، وهذا لا يتأتى إلا من شخص عالم بالله وأسمائه وصفاته، ولهذا قال: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] أي: ما يخشاه الخشية التامة إلا العلماء. والمراد: العلماء بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه، وليس العلماء بطبقات الأرض وأجواء السماء وعلم الفيزياء وما أشبه ذلك فإن هؤلاء علومهم لا تؤثر عليهم بالنسبة لخشية الله، ولهذا نجد من هؤلاء العلماء الكبار الذين هم رؤوس في الكفر والعياذ بالله، لكن المراد بالعلماء هنا: العلماء بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه، فهم الذين يخشون الله تعالى حق خشيته.

والخشية مبنية على العلم، فكلما كان الإنسان أعلم بالله كان أشد خشية لله وأعظم محبة له تبارك وتعالى.

وأما قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] فإن كثيراً من الناس يظنون أن قوله: وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] مبني على قوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:189] وليس كذلك، بل الأمر بتقوى الله أمر مستقل،ولا يمكن تقوى الله إلا بالعلم بالله، وقد ترجم البخاري رحمه الله على هذا المعنى في قوله في صحيحه: باب العلم قبل القول والعمل، ثم استدل لذلك بقول الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:19]، وعلى هذا فلا تعارض بين الآيتين؛ لأن قوله: اتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:189] أمر مستقل بالتقوى، ولا يمكن أن يتقي الإنسان ربه إلا إذا علم ما يتقيه.

أما قوله: وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] فهي جملة مستأنفة تفيد أن العلم الذي نناله إنما هو من عند الله وحده، فلا علم لنا إلا ما علمنا الله تبارك وتعالى، وتعليم الله إيانا نوعان: غريزي وكسبي. فالغريزي: هو ما يؤتيه الله تعالى للعبد من العلم الذي لا يحتاج إلى تعلم، أرأيت الصبي تلده أمه ويهتدي كيف يتناول ثديها ليرضع منه بدون أن يعلمه أحد، وكذلك البهائم تعلم ما ينفعها مما يضرها دون أن يسبق لها تعليم من أحد.

وأما التعليم الكسبي: فهو ما يورثه الله العبد بتعلمه بالعلم وتعاطي أسبابه حيث يتعلم على المشايخ ومن بطون الكتب ومن أصوات أشرطة التسجيل وغير ذلك، ولهذا لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح ما هي، مع أنها مادة الحياة ولا حياة للبدن إلا بها؛ أمر الله نبيه أن يقول: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، وهذا يتضمن توبيخهم عن السؤال عن الروح، كأنه قال: الروح من أمر الله وما بقي عليكم أن تسألوا عن شيء إلا عن الروح، ما بقي عليكم من العلوم أن تدركوه إلا علم الروح، ولهذا قال: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85].

والحاصل أن قوله: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] تفيد أنه من كان بالله أعلم كان له أخشى.

وأما آية البقرة: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] فليس فيها أن التقوى مقدمة على العلم؛ لأنه لا يمكن تقوى إلا بعلم ما يتقى، وأن الجملة: وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282] ليس لها ارتباط بما قبلها.

السؤال: هل اختلف السلف في العقيدة في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه أم لا؟ نريد توجيه سديد في هذه المسألة، مأجورين.

الجواب: القول الراجح في هذه المسألة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه؛ لأنه نفسه صلوات الله وسلامه عليه سئل: ( هل رأيت ربك؟ فقال: نور أنَّى أراه )، وفي رواية: ( رأيت نوراً )، والله عز وجل قد احتجب عن عباده بحجب النور لا يمكن اختراقها، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه نفى أن يكون رأى الله فلا يمكن بعد ذلك أن يدعي مدع أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه.

وما ذكر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه؛ فقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن ابن عباس لم يصرح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه يقظة، وأن قوله -أي ابن عباس - يعني: أنه رآه بفؤاده، وهو كناية عن العلم اليقيني الذي يكون في القلب حتى كأنه رآه بالعين. وما قاله شيخ الإسلام رحمه الله هو الحق، ولن يتمكن أحد في الدنيا أن يرى ربه يقظة أبداً، ولهذا لما قال موسى عليه الصلاة والسلام: رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف:143] شوقاً إلى الله عز وجل، قال الله له: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي [الأعراف:143] فعلق الرب عز وجل على أمر مستحيل؛ لأنه يستحيل على الجبل أن يصمد لرؤية الله عز وجل وهو جبل أصم حجر غليظ قاسي، قال الله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا [الأعراف:143]، اندك الجبل أمام موسى يشاهده بعينه، فصعق عليه الصلاة والسلام من هول ما رأى، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:143] فشكر الله له وقال: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف:144].

فالمهم أنه لا يمكن لأحد أن يرى الله تبارك وتعالى يقظة في الدنيا، ولن يستطيع أحد أن يَثْبُتَ لذلك.

أما في الآخرة فقد دل القرآن والسنة المتواترة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم على أن الله تعالى يرى في الآخرة رؤية حقيقة بالعين، قال الله تبارك وتعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23] وهذا صريح بأن الإنسان يرى ربه بعينه، إذ أن ما تحصل به الرؤية هو العين وهي موجودة في الوجه، لكن أضاف الله تعالى النظر إلى الوجه لأن هذه النظرة إلى الرب عز وجل يحصل بها سرور في القلب ونور الوجه حتى كأن الوجه كله ينظر إلى الله عز وجل لتأثره بهذه النظرة التي أسأل الله تعالى أن لا يحرمني وإخواني منها.

ومن الأدلة على ذلك على أن الله تعالى يرى في الآخرة قول الله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، فالحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله، كما فسرها بذلك أعلم الخلق بالله وآياته محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

واستدل العلماء بقوله تعالى في أهل الجنة: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35] وقالوا: إن هذا المزيد هو الزيادة التي ذكرت في الآية التي سقناها الآن وهو النظر إلى وجه الله عز وجل.

واستدلوا أيضاً بقول الله تبارك وتعالى في الأبرار: عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ [المطففين:23] قالوا: إنهم ينظرون الله عز وجل وينظرون ما أعد الله لهم من النعيم لقوله في الفجار: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، فلما حجب الفجار في حال الغضب جعل النظر للأبرار في حال الرضا.

فهذه أربع آيات من كتاب الله.

أما السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلم الخلق بالله وأشدهم تنزيهاً لله؛ فقد تواترت السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثبوت رؤية الله تعالى في الجنة، حتى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ذلك بوجه صريح أصرح من الشمس في رابعة النهار حيث قال: ( إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته )، وقال: ( إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون الشمس صحواً ليس دونها سحاب ).

وأما أقوال الصحابة: فقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على ثبوت رؤية الله تعالى في الآخرة، فما منهم أحد قال ولا بحرف واحد: إن الله تعالى لا يرى في الآخرة، وهذه أقوالهم مأثورة في كتب السنة، ما منهم أحد نفى أن يرى الله تعالى في الآخرة، بل كلهم مجمعون على هذا، حتى إن بعض أهل العلم قال: من أنكر رؤية الله تعالى في الآخرة فهو كافر لوضوح الأدلة فيها وصراحتها وإجماع الصحابة عليها وإجماع الأئمة المتبوعين عليها، ولم يرد عن أحد منهم إنكارها.

أسأل الله تبارك وتعالى لي ولإخواني النظر إلى وجه الله الكريم، وأسأل الله الهداية لمن أنكروا هذه الرؤية العظيمة التي هي ألذ ما يجده أهل الجنة في الجنة، والله على كل شيء قدير.

السؤال: لقد خاض وتاه الكثير من الشباب في مسألة العذر بالجهل، فمتى يعذر الجاهل بجهله؟ ودلونا على مراجع في هذه المسألة التي أثيرت، وهل وقع خلاف قديم بين السلف؟ وهل هو معتبر أم لا؟ جزاكم الله خيراً.

الجواب: العذر بالجهل ثابت بالقرآن وثابت بالسنة أيضاً، وهو مقتضى حكمة الله عز وجل ورحمته، يقول الله تبارك وتعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص:59]، ويقول الله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [النساء:163] إلى قوله: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165]، ولقول الله تبارك وتعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، ولقول الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إن اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التوبة:115].

والآيات في هذا عديدة كلها تدل على أنه لا كفر إلا بعد علم، وهذا مقتضى حكمة الله ورحمته، إذ إن الجاهل معذور، وكيف يؤاخذه الله عز وجل وهو أرحم الراحمين وهو أرحم بالعبد من الوالدة بولدها على شيء لم يعلمه؟!

فمن شرط التكفير بما يكفر من قول أو عمل: أن يكون عن علم، وأن يكون عن قصد أيضاً، فلو لم يقصده الإنسان بل سبق لسانه إليه لشدة غضب أو لشدة فرح أو لتأويل تأوله فإنه لا يكون كافراً عند الله عز وجل، يدل لهذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم كان في فلاة من الأرض ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه فأضلها -أي: ضاعت منه- فطلبها فلم يجدها، فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت أيس منها فإذا براحلته عنده، فأخذ بخطامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح )، وهذا خطأ عظيم، هو في نفسه كُفْر، لكن الرجل ما قصده، لكن لشدة الفرح سبق لسانه إلى هذا، ولم يكن بذلك كافراً لأنه لم يقصد ما يقول.

وكذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن رجل كان مسرفاً على نفسه وخاف من الله تعالى أن يعاقبه، فأمر أهله إذا مات أن يحرقوه ويذروه في اليم ظناً منه أنه يتغيب عن عذاب الله، ولكن الله تعالى جمعه بعد وسأله: لم فعل هذا قال: ( يا رب خوفاً منك، فغفر الله له ) مع أنه كان شاكاً في قدرة الله، والشك في قدرة الله كفر لكنه متأول وجاهل، فعفا الله عنه.

وليعلم أن مسألة التكفير أصلها وشروطها لا يأخذها الإنسان من عقله وفكره وذوقه فيكفر من شاء ويعصم من شاء، الأمر في التكفير وعدم التكفير إلى الله عز وجل، كما أن الحكم بالوجوب أو التحريم أو التحليل إلى الله وحده كما قال تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [النحل:116]، فالأمر في التكفير والعصمة إلى الله تبارك وتعالى، وأعني بالعصمة: الإسلام الذي يعصم الإنسان به دمه وماله، هو إلى الله، إلى الله وحده، فلا يجوز إطلاق الكفر على شخص لم تثبت في حقه شروط التكفير، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام: أن من دعا رجلاً بالكفر أو قال: يا عدو الله وليس كذلك فإنه يعود هذا الكلام على قائله، يكون هو الكافر وهو عدو الله.

فليحذر الإنسان من إطلاق التكفير على من لم يكفره الله ورسوله، وليحذر من إطلاق عداوة الله على من لم يكن عدواً لله ورسوله، وليحبس لسانه فإن اللسان آفة الآفات، ولهذا لما حدث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل بما حدثه به عن الإسلام قال له عليه الصلاة والسلام: ( ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال: بلى يا رسول الله، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا ) يعني: لا تطلقه، احبسه، قيده، فقال: ( يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ ) يعني: هل نحن مؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم )، ولهذا يجب على الإنسان أن يكف لسانه عن ما حرم الله، وأن لا يقول إذا قال إلا خيراً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ).

والخلاصة: أن مسألة التكفير والعصمة ليست إلينا، بل هي إلى الله ورسوله، فمن كفره الله ورسوله فهو كافر، ومن لم يكفره الله ورسوله فليس بكافر حتى وإن عظمت ذنوبه في مفهومنا وفي أذواقنا، الأمر ليس إلينا، الأمر في هذه الأمور إلى الله ورسوله.

ولا بد للتكفير من شروط معلومة عند أهل العلم، ومن أوسع ما قرأت في هذا ما كتبه شيخ الإسلام رحمه الله في فتاويه وفي كتبه المستقلة، فأنصح السائل وغير السائل أن يرجع إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لأنه وأقولها شهادة عند الله أوفى من رأيت كلاماً في هذه المسألة العظيمة.

السؤال: هناك من يقول بأن شروط لا إله إلا الله السبعة أو الثمانية التي وضعت لا يصح أن نسميها شروطاً لأن التعريف: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجوداً. يقول: بهذه الشروط تلزم كل إنسان، ومتى اختل واحد من هذه الشروط اختلت هذه الشروط، وقيل: بأن الأصح أن يقال: من لوازم لا إله إلا الله؛ لأن اللازم ليس مثل الشروط، فما رأيكم في ذلك؟ مأجورين.

الجواب: رأينا في هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أعظم فقال صلى الله عليه وسلم لـأبي هريرة لما سأله أبو هريرة رضي الله عنه: ( من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه )، فإذا قال الإنسان لا إله إلا الله خالصاً من قلبه وقام بلوازم هذه الشهادة العظيمة فإنه مسلم، وأما من قالها غير مخلص في قلبه كالمنافقين الذين يقولونها اتقاءً ورياءً فإنها لا تنفعه، ومن قالها ولم يلتزم ببعض الشرائع فإن قوله إياها ناقص بلا شك؛ لأن تركه بعض شرائع الإسلام يضعف توحيده، وربما ينتفي عنه التوحيد كله حسب ما تقضيه الأدلة الشرعية.

السؤال: هل مشط اللحية والقيام بتطييبها يومياً يدخل ضمن النهي عن الترجل إلا غباً؟

الجواب: الترجل هو تسريح الشعر ودهنه وتحسينه وتزيينه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غباً، أي: يوماً فيوماً؛ ذلك لأنه إذا اشتغل الإنسان بإصلاح هندامه وصار هو أكبر همه فإنه يشتغل به عن أمور أهم وأعظم، أما إذا فعله غباً يعني: يوماً يترجل ويوماً لا يترجل أو يوماً يترجل ويومين لا يترجل أو يومين يترجل ويوماً لا يترجل صار هذا دليل على أنه ليس ذلك عنده بأهمية كبيرة تشغله عما هو أهم، فلذلك نقول: لا ينبغي للإنسان أن يبالغ ويسرف في ترجيل الشعر ولا أن يهمله أيضاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما تحدث عن الكبر، قالوا: ( يا رسول الله، إنا نحب أن يكون النعل حسناً والثوب حسناً فقال عليه الصلاة والسلام: إن الله جميل يحب الجمال )، أي: يحب التجمل، ( الكبر بطر الحق وغمط الناس ) ولهذا ليس المتكبر من يلبس الثياب الحسنة والجميلة أو النعل الحسن والجميل، الكبر أن يرد الحق وأن يغمط الناس ويحتقرهم حتى ولو كان عليه ثياب خلقة؛ فإنه قد يكون متكبراً في قلبه والعياذ بالله مستكبراً على دين الله وعلى عباد الله، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر ).

فعلى الإنسان أن يكون متواضعاً لله، متواضعاً لخلق الله، يقدم شريعة الله على هوى نفسه، وينزل عباد الله منزلتهم، ولا يستطيل على أحد، ولا يفخر على أحد.