هذا الحبيب يا محب 95


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فقد انتهى بنا الدرس إلى [نتائج وعبر] أخذناها أو استقناها من السنة الثامنة لهجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأقام بها عشر سنين، ثم قبضه الله عز وجل وتوفاه في السنة العاشرة من هجرته، وقد درسنا أحداث السنة الأولى والثانية والثالثة والرابعة حتى وصلنا إلى أحداث السنة الثامنة، وها نحن نقف على نتائجها وعبرها رجاء أن ينفعنا الله تعالى بها، فهيا بنا نستمع ونتأمل ونعزم على أن نعمل إن شاء الله.

قال: [إن لهذه المقطوعة من السيرة العطرة نتائج وعبراً نذكرها فيما يلي:

أولاً: بيان عاقبة نكث العهود وأنها وخيمة للغاية

قال: [أولاً: بيان عاقبة نكث العهود وأنها وخيمة للغاية] تعود على صاحبها بالبلاء والخسران والشقاء، فإذا عاهدنا أحداً لا ننكث عهدنا ولا ننقضه، بل نفي ونصبر كيفما كانت الحال؛ لأننا شاهدنا نقض العهد وما ترتب عليه من الخسران [إذ قريش نكثت عهدها فحلَّت بها الهزيمة، وخسرت كيانها الذي كانت تدافع عنه وتحميه].

والمعاهدة التي نقضتها هي ما تم من صلح بين قريش من جهة ورسول الله والمؤمنين من جهة سنة ست من الهجرة، وكانت مدة المعاهدة عشر سنين، فنقضتها قريش في السنة الثامنة؛ إذ ساعدت وأعانت أحلافها على أحلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نقضت عهدها أعلن الرسول الحرب عليها وغزاها وفتح بلادها.

ثانياً: تجلي النبوة المحمدية في العلم بالمرأة حاملة خطاب ابن أبي بلتعة

قال: [ثانياً: تجلي النبوة المحمدية في العلم بالمرأة حاملة خطاب ابن أبي بلتعة؛ إذ أخبر عنها وعن المكان الذي انتهت إليه في سيرها وهو روضة خاخ] وحاطب بن أبي بلتعة من خيرة الأصحاب المهاجرين، ممن شهد بدراً، لما علم بمسير الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قريش ليحاربها كتب كتاباً يعلم به قريشاً خروج الرسول وجيشه إليها، وهو مؤمن من خيرة المؤمنين، لكن رأى أنه ليس عنده في مكة من يحمي أسرته، فأراد أن يتخذ يداً له عند قريش وهو موقن أن النبي منتصر وأن المشركين منهزمون، ولكنها مجرد وقاية اتخذها لأسرته، حيث ليس لهم من ينصرهم أو يدفع عنهم، وكان قد بعث بالخطاب مع امرأة بأجرة، فعلم الرسول بخروج هذه المرأة وأنها بالمكان الفلاني، فأرسل علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ليأتيا به، وبالفعل انتهيا إليها وأخرجا الخطاب منها، بعد تهديدها بتجريدها من ثيابها، فأخرجته من عقائص شعرها.

هذه هي نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإلا من أطلعه أو أعلمه؟ فإذا لم يكن رسول الله كيف يعلم هذا؟ ونزل في هذه القضية قرآن يقرأ إلى اليوم، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ [الممتحنة:1] وغضب عمر وقال: أضرب عنقه؟! فقال صلى الله عليه وسلم: ( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ).

إذاً: تجلت النبوة المحمدية وظهرت في علمه صلى الله عليه وسلم بالمرأة التي حملت خطاب حاطب بن أبي بلتعة وبمكانها.

ثالثاً: فضيلة إقالة عثرة الكرام وفضل أهل بدر

قال: [ثالثاً: فضيلة إقالة عثرة الكرام وفضل أهل بدر، تجلى ذلك في العفو عن حاطب بعد عتابه] وهذا المعنى معدوم عندنا اليوم، فالكريم إذا عثر عثرة وزلت قدمه في قضية من القضايا علينا أن لا ننسى كل فضائله وكمالاته وننظر إلى تلك العثرة فقط، بل يجب أن نقيل عثرته، وأن نتسامح ونتنازل معه؛ لفضائله وكمالاته وآدابه ومواقفه الإسلامية السابقة.

هذا عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه أمته، فـحاطب بن أبي بلتعة وقف إلى جنب رسول الله يدفع عنه ويقاتل عن بيضة الإسلام يوم بدر، فعندما أخطأ خطأً جزئياً -وهو والله موقن أن الرسول منتصر؛ لإيمانه بنصرة الله لرسوله، وأن هذا الكتاب الذي بعثه لا ينفع قريشاً في شيء أبداً- عفا عنه، وإنما كان يريد بذلك فقط أن يتخذ يداً عند قريش إن حصل ما حصل لحماية أسرته من زوجة وأولاد؛ لأنه تركهم في مكة لا ولي لهم ولا ناصر.

إذاً: لا ننسى للرجل أو المرأة فضائل وكمالات من أجل خطأ واحد، بل يجب أن نغض الطرف عن هذا الخطأ ونقيل عثرة هذا المؤمن، وإذا فقدنا هذه الآداب الإسلامية والأخلاق الربانية شنعنا وصحنا بل كفّرنا كما هو عمل الجهلة منا؛ لأننا ما درسنا هذا العلم ولا عرفناه، أتنسى كل الكمالات من أجل خطأ واحد، أين يذهب بعقلك؟!

رابعاً: جواز السفر في رمضان وجواز الفطر والصيام فيه على حد سواء

قال: [رابعاً: مشروعية السفر في رمضان] فلا يقولن قائل: لا يجوز أن نسافر في رمضان؛ إذ سافر الرسول بجيشه لقتال المشركين في رمضان [وجواز الفطر والصيام فيه على حد سواء] إذ كان بعض الأصحاب صائمون وبعضهم مفطرون، ولا يلوم الصائم المفطر ولا المفطر على الصائم، وأخذنا هذا من غزوة فتح مكة، فقد خرج الرسول بعشرة آلاف مقاتل منهم الصائم ومنهم المفطر، ولا يلوم هذا ذاك ولا ذاك هذا للجواز.

إذاً: يجوز السفر في رمضان، فلا يقل أحد: هذا شهر الصيام فلا نسافر فيه لطلب العلم أو التجارة أو الجهاد في سبيل الله، والدليل: عمل الرسول الحكيم، فقد سافر في رمضان بجيشه، وهكذا يؤخذ العلم من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سلوكه وحياته؛ ولو كنا ندرس سيرة الرسول طوال العام لأصبحنا كلنا محمديين.

خامساً: جواز التعمية على العدو حتى يباغت قبل أن يكون قد جمع قواه

قال: [خامساً: مشروعية التعمية على العدو؛ حتى يباغت قبل أن يكون قد جمع قواه، فتسرع إليه الهزيمة وتقلّ الضحايا والأموات من الجانبين حقناً للدماء البشرية] أين رجال السياسة؟ أين رجال الجيش والقيادات العسكرية؟ قال: (مشروعية) أي: جواز (التعمية على العدو) وكيف نعمي عليه؟ لا نريه جيشنا ولا كتائبنا ولا نعلن حربنا عليه، ولكن نخفي عنه أمورنا؛ حتى نباغته بغتة واحدة فنهزمه؛ حقناً لدماء البشرية، دماءنا نحن ودماء العدو أيضاً.

وهذا أخذناه من الرسول صلى الله عليه وسلم عندما عمّى على قريش خروجه إليها، فبمجرد أن بلغه نقض العهد ونكثه أعلم رجاله وأعد عدته ولم يكتب إلى قريش: إننا قادمون، أو تهيئوا لحربنا، بل باغتهم مباغتة وكان في ذلك النصر العظيم.

سادساً: بيان الكمال المحمدي في قيادة الجيوش وتحقيق الانتصارات الباهرة

قال: [سادساً: بيان الكمال المحمدي في قيادة الجيوش وتحقيق الانتصارات الباهرة] إي نعم، والله ما عرفت الدنيا منذ أن كانت إلى اليوم -وإلى يوم القيامة- من هو أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في قياداته! ففي أكثر من سبع وعشرين معركة دارت بينه وبين عدوه كان فيها كلها مثلاً للكمال العسكري، وحسبنا أن يكون الله هو هاديه وقائده ومعلمه، فقد أوتي الحكمة -بل هو أستاذها ومعلمها- ولو أخذنا بهديه في قتالنا وحروبنا وسياساتنا والله لانتصرنا وما انكسرنا ولا انهزمنا، لكن أعرضنا عن هذا الجانب وأخذنا مبادئ الجيش والعسكرية والقتال من الكفار.

سابعاً: جواز إرهاب العدو بإظهار القوة له

قال: [سابعاً: مشروعية إرهاب العدو بإظهار القوة له] مشروعية إرهاب العدو وتخويفه بإظهار القوة له [وفي القرآن] الكريم يقول تعالى [ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60]] فإظهارنا للقوة في وجه العدو من شأنه أن يرهبه ويهزمه قبل أن يقاتلنا، أما إذا علم أنه لا قوة لنا ولا طاقة بقتاله فهذا يسبب هزيمتنا ويسلطه علينا، ومعنى هذا: يجب على المسلمين أن تكون لهم قوة عسكرية كما لغيرهم، بل أكثر من قوة عدوهم.

ثامناً: مشروعية إنزال الناس منازلهم

قال: [ثامناً: مشروعية إنزال الناس منازلهم، تجلى هذا في إعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم أبا سفيان كلمات يقولهن، فيكون ذلك فخراً له واعتزازاً هو ..] والناس متفاوتون في درجاتهم وكمالاتهم وشرفهم .. والحكيم من ينزل كل إنسان منزلته، فلا يخلط ولا يخبط، بل ينزل كل إنسان بحسب منزلته، وتجلى هذا في أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى أبا سفيان كلمات يقولهن -وأبو سفيان هو حاكم مكة وقريش- فلما شاهد القوات وانهزم روحياً وجاء ليسلم، أعطاه الرسول أربع كلمات أو خمس علا بها وسما وأصبح أشرف أهل مكة، فأنزله الرسول منزلته وهي:

أولاً: [من يدخل دار أبي سفيان فهو آمن] يعني: يا من يخاف على نفسه ادخل دار أبي سفيان تأمن، فهو حصن حصين، ثانياً: [ومن دخل المسجد فهو آمن] أبو سفيان علا ناقته أو فرسه يعلن في ديار مكة وجيشه هذه الكلمات حتى لا يقع قتال ولا تسيل دماء [ومن دخل داره وأغلق بابه فهو آمن ينادي بها بأعلى صوته] من أعطاه هذه الكلمات؟ الرسول صلى الله عليه وسلم، القائد المنتصر، وبالفعل هرب الناس إلى بيوتهم وإلى دار أبي سفيان وإلى المسجد وما سالت قطرة من الدماء. هذه هي الحنكة المحمدية والقيادة الربانية!

تاسعاً: بيان تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم لربه شكراً له على آلائه وإنعامه عليه

قال: [تاسعاً: بيان تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم لربه شكراً له على آلائه وإنعامه عليه؛ إذ دخل مكة وهو متطامن حتى إن لحيته لتمس رحل ناقته تواضعاً لله وخشوعاً] جيوشه طوقت مكة وانتصرت، ورغم ذلك دخل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولحيته تمس رحل ناقته، تطامناً وخشوعاً وشكراً لله سبحانه وتعالى! [فلم يدخل -وهو الظافر المنتصر- دخول الظلمة الجبارين السفاكي الدماء البطاشين بالأبرياء والضعفاء] وعندما ينتصر المسلمون اليوم في عصورنا هذه يقيمون حفلات الرقص والغناء والشطح، وسفك دماء من ناوأهم؛ لأنهم ما جالسوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عرفوه، ولا سمعوا بهديه، فهم جهال عميان ضلال، فماذا ترجو منهم؟ أيكونون ربانيين هكذا؟ لا. حتى يجلسوا في حجور الصالحين ويتعلموا.

عاشراً: بيان العفو المحمدي الكبير

قال: [عاشراً] من نتائج وعبر أحداث السنة الثامنة [بيان العفو المحمدي الكبير؛ إذ عفا عن قريش العدو الألد، ولم يقتل منهم سوى أربعة رجال وامرأتين؛ إذ رفضوا الإسلام] والدخول فيه.

قريش التي حاربته في عقر داره يوم بدر وأحد والأحزاب -التي جمعوا فيها الجموع من شرق البلاد وغربها وقالوا: ننهي هذه الدعوى وصاحبها- لما تمكن منهم وحكم لم ينتقم صلى الله عليه وسلم، ولم يكن منهم قتيل إلا أربعة رجال وامرأتين؛ لأنهم رفضوا الإسلام فقط، ولو قالوا: لا إله إلا الله ما قتلهم!

من يعرف مثل هذا العفو والصفح؟! والمفروض أن نقتدي برسولنا صلى الله عليه وسلم، فهو أسوتنا، يقول الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، لكن جهلنا حديثه وسنته وآدابه وأخلاقه، ما تعلمناها ولا عرفناها، فكيف نطبقها في حياتنا؟!

الحادي عشر: بيان الكمال المحمدي في عدله ووفائه

قال: [الحادي عشر: بيان الكمال المحمدي في عدله ووفائه، تجلى ذلك في رد مفتاح الكعبة لـعثمان بن أبي طلحة ولم يعطه من طلبه منه وهو علي بن أبي طالب صهره الكريم] كان مفتاح الكعبة بيد عثمان بن أبي طلحة ورثه عن أبيه، فلما انتصر الرسول ودخل مكة أراد أن يدخل الكعبة، فسأل عن المفتاح فقالوا: بيد عثمان بن أبي طلحة ، فأخذه من عثمان وفتحها ودخل وصلى فيها، وأمر بإخراج الصور والتماثيل والأصنام منها، ثم جاء علي يقول: أعطني المفتاح، وهو صهره -زوج فاطمة - وابن عمه، فرفض أن يعطيه المفتاح ورده على صاحبه -الذي كان بيده- وقال: ( اليوم يوم بر ووفاء )، ولم يراع نسباً ولا قرابة ولا قيادة!

ولو أخذنا بهديه ومشينا وراءه وعشنا حياته لكنا نفعل كما يفعل صلى الله عليه وسلم، لكن ما علمنا هذا ولم نسمع به، وحرمنا منه لأننا لا نريد أن نجتمع في بيوت ربنا لنتلقى الكتاب والحكمة كما فعل أصحاب رسول الله، والعلم بالتعلم لا بالنوم ولا اللهو واللعب، ولكن بالطلب الجاد.

وأخيراً: والله الذي لا إله غيره، لن نستقيم ولن يستقيم أبداً حالنا إلا إذا عدنا إلى المنهج المحمدي، فقد كان صلى الله عليه وسلم يجمع أصحابه نساء ورجالاً ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم آداباً وأخلاقاً، وبدون هذا الطريق لن تقوم لنا قائمة ولن نسعد في دنيانا، بل ولا حتى في أخرانا، فقد مَنَّ الله علينا بإرساله إلينا ليعلمنا الكتاب والحكمة، قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2]، وتخرج من هذا المسجد رجال ما عرفت الدنيا لهم مثيلاً إلى يوم القيامة، كيف تعلموا؟ ما هي الشهادات التي أخذوها؟ ما هي الرتب التي فازوا بها؟ والله ما كانوا إلا مؤمنين صادقين في إيمانهم، يسمعون ويتعلمون ويعملون ويدعون إلى ذلك ويطبقون.

الثاني عشر: مشروعية كسر الأصنام والصور والتماثيل وإبعادها من المساجد

قال: [الثاني عشر: مشروعية كسر الأصنام والصور والتماثيل وإبعادها من المساجد بيوت الله تعالى] أبى صلى الله عليه وسلم أن يدخل البيت وفيه الآلهة والصور وأمر بها فأخرجت.

ونحن كيف حال بيوتنا؟ ليس فيها صور فقط، بل المدام عندها الكاميرا تصور بها أولادها، أعوذ بالله! بيوت المؤمنين والمؤمنات تُطرد منها الملائكة وتحل محلها الشياطين! أفيكم من يرد عليَّ بحكمة وعلم ومنطق وذوق فيقول: وماذا لو علقنا الصور في البيت؟!

إننا نريد أن ننزل بيوتنا الملائكة، وهذه التذكرة ليست بمليون دولار، فاختراقك سبع سموات ما بين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وسمك كل سماء مثل ذلك، أي: ما يعادل سبعة آلاف وخمسمائة وعام، لو ذوبت ذوباناً أو مت عطشاً أو جوعاً ما كان بشيء كبير أبداً تقدمه لذلك، فكيف إذاً بصورة معلقة في بيتك تغضب الله ورسوله والمؤمنين وتطرد الملائكة منه ولا تستطيع أن تبعدها.

الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فجاء ودخل إلى بيت عائشة ، فوجدها قد علقت خرقة من كتان منقوش فيها صورة -أيام كان النسيج باليد- سترت بها النافذة، وراءها بعض حاجاتها، فما إن دخل وشاهد الصورة معلقة في تلك الخرقة من القماش حتى تغير وجهه، فأدركت عائشة رضي الله عنها عدم رضا الرسول ذلك فإزالتها، فعرفت رضي الله عنها الغضب في وجهه، وبيوتنا -إلا من رحم الله- تدخل فيها فتشاهد في شاشة التلفاز عاهرة تغني وترقص، وكافر مجوسي يتبجح ويتمنطق!!

من فعل بنا هذا؟ من ألزمنا؟ من أكرهنا؟ من خوفنا بالموت والحديد والنار؟ لا أحد، إنما هو الجهل فقط! أرسول الله يغضب وأنت ترضى، يغضب وأنت تضحك؟ لو كنت من أتباعه ومن آمن به، وشهد له بالنبوة؛ لأغضبك ما يغضبه، وأحزنك ما يحزنه، ولكن ما عرفوا، ووالله لو درسوا هدي رسول الله واجتمعوا عليه في بيوت الله وتمكن ذلك من نفوسهم وتضلع فيها، لو أعطوا كل يوم ألف ريال على تلك الصورة ما قبلوها.

وشيء آخر: من يقوم ويقول: يا شيخ لقد استفدنا من هذه الصور في بيوتنا أموالاً؟ والله ولا فلس. أو شرفاً أو كمالاً؟ والله ما هي إلا الحطة والنقصان. أو بركة أو خيراً؟ والله ما هو إلا النحس والشقاء.

إذاً: ماذا استفدنا؟ فقط أغضبنا الملائكة وطردناهم من بيوتنا، حتى تصبح مباءة للفساد والشر والخبث.

إذاً: من الليلة لا يرى الله تعالى صورة امرأة ولا رجل في بيتك يا عبد الله! إن كنت تؤمن بالله ولقائه.

الثالث عشر: تقرير مبدأ الجوار في الإسلام

قال: [الثالث عشر: تقرير مبدأ الجوار في الإسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أجرنا من أجرت وأمَّنا من أمّنت يا أم هانئ )] وذلك لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فر إليها رجلان من أحمائها من بني مخزوم، قالت: فدخل أخي علي بن أبي طالب وقال: والله لأقتلنهما، فأغلقت عليهما باب بيتها وأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته الخبر، فقال: ( أجرنا من أجرت وأمَّنا من أمّنت يا أم هانئ )، هذا هو الجوار في الإسلام، فإذا لجأ إليك عدو كافر وقال: أمِّني يا فلان، فقلت: أمَّنتك، فلا يسمه أحد بسوء، وهذه فضيلة الإسلام، ويعرف هذا الآن باللجوء السياسي.

وقد حدث هذا أيضاً لـأبي بكر الصديق لما حكمت قريش بإبعاده، فقالوا: ما نسمع صوتك ولا قراءتك، فقد أفسدت علينا قلوب نسائنا وأطفالنا، فخرج من مكة -وهذا قبل الهجرة- فلقيه ابن الدغنة في الصحراء فسأله: إلى أين يا ابن أبي قحافة فقال: ألجأتني قريش إلى الهجرة، فقال: ارجع وأنت في جواري، فرجع وطاف ابن الدغنة بالمنازل والشوارع معلناً جواره لـأبي بكر ، فلما رجع أخذ يقرأ معلياً صوته بالقراءة فاجتمع حوله النساء والأطفال من جديد، فأخبرت قريش بذلك ابن الدغنة وإما أن يلزمه بيته فيقرأ داخله، وإلا ردوا عليه جواره، فقال له ابن الدغنة يا أبا بكر إما وإما .. فقال: رضيت بجوار الله.

الرابع عشر: وجوب البيعة على الإسلام

قال: [الرابع عشر: وجوب البيعة على الإسلام وهي الطاعة لله ورسوله وأولي الأمر في المعروف وما يستطاع] أي: مبايعة إمام المسلمين والطاعة لله ولرسوله وله أيضاً في المعروف، وفيما نستطيعه، فلا نبايع على شيء لا نقدر عليه؛ لأن هذه البيعة أخذها الرسول على أهل مكة عند الصفا رجالاً ونساءً، وكانت بيعة النساء من ست بنود، ذكرها الله في سورة الممتحنة، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ [الممتحنة:12] على ماذا؟ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الممتحنة:12].

وهنا لطيفة: لما كانت هند امرأة أبي سفيان تبايع، قال النبي صلى الله عليه وسلم لها ولمن معها: ( ولا تزنين )، فقالت: أو تزني الحرة يا رسول الله؟ يعني: كيف نبايع على هذا؟ وهل الحرة تزني؟ ومعنى هذا: أن الزنا في الجزيرة ما كان إلا في الإماء فقط أما الأحرار فلا يزنين.

وأولو الأمر هم العلماء والحكام، أما العلماء؛ فلأنهم يعرفون ما يحب الله وما يكره، وما أمر الله به ورسوله وما نهيا عنه، وأما الحكام فلأن بيدهم السلطة يطبقون وينفذون، فيجب طاعتهم؛ لأنهم بأمر الله يأمرون وبنهي الله ينهون.

الخامس عشر: آية النبوة تتجلى في علمه صلى الله عليه وسلم بما أضمره الرجل من اغتيال

قال: [الخامس عشر: آية النبوة تتجلى في علمه صلى الله عليه وسلم بما أضمره الرجل من اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يطوف] وذلك أنه لما كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت يوم الفتح كان فضالة بن عمير بن الملوح فكر في قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف، فلما دنا من الرسول صلى الله عليه وسلم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أفضالة ؟ قال: نعم، فضالة يا رسول الله! قال: ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال: لا شيء كنت أذكر الله، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: استغفر الله، ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه، فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه.

السادس عشر: احترام الرسول صلى الله عليه وسلم لأسرة الصديق وتكريمه لها

قال: [السادس عشر: احترام الرسول صلى الله عليه وسلم لأسرة الصديق وتكريمه لها والإكبار من شأنها] وهذا أبو بكر الصديق بلغنا أن من المسلمين من يبغضه ويلعنه ويكفره! أعوذ بالله! أين العقول؟ أين الأفهام؟ أين البصائر؟ لم لا يسألون أهل العلم: هل يجوز بغض أبي بكر أو لا يجوز؟ أيكون حِب رسول الله وتبغضه، أيحبه الله ورسوله وتبغضه أنت وتدعي أنك مؤمن؟ أين يُذهب بعقلك يا عبد الله؟!

قال: [إذ هي الأسرة الوحيدة التي أسلم كافة أفرادها] رجالاً ونساء [آباء وأمهات وبنين وبنات] لم توجد أسرة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أسلم آباؤها وأبناؤها ورجالها ونساؤها إلا أسرة أبي بكر الصديق ، فقد أسلم أبوه وأسلم هو وأسلم أبناؤه وبناته.

السابع عشر: مشروعية صبغ الشعر بغير السواد

قال: [السابع عشر] والأخير [مشروعية صبغ الشعر بغير السواد سواء أكان شعر لحية أم رأس] مشروع لك أن تصبغ شعرك بالحناء والكتم لا بالسواد؛ لأن أبا قحافة والد الصديق جيء به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وشعره كالثغامة من البياض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد ).

هذا أبو بكر يا من يكره أصحاب رسول الله راجع نفسك وتب إلى ربك، واذكر قول الله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]، أيرضى عنهم ثم يسخط؟ أيوصف الله بهذا: يرضى اليوم ويسخط غداً كأنه لا يعلم الغيب؟ يقول تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ [الفتح:18] وهذا القرآن يقرأ إلى اليوم ومن قبل ألف وأربعمائة سنة، ولكن الجهل هو الذي فعل بنا هذا، فما عرفنا، ولا درسنا، ولا تعلمنا، ولكن لم لا نسأل أهل العلم، والله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]؟ يجب على من لا يعلم أن يسأل حتى يعلم، وإذا سأل فلا يسأل إلا أهل العلم، أهل القرآن والسنة، أهل البصراء العالمين بدين الله ..

والله تعالى أسأل أن يتوب علينا وعليهم، وأن يغفر لنا ولهم، ويرحمنا وإياهم.

وصل اللهم على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً ..