ماذا تعرف عن الجن؟
مدة
قراءة المادة :
16 دقائق
.
ماذا تعرف عن الجن؟الحمد لله الكريم المنَّان، ذي الفضل والإحسان، الذي هدانا للإيمان، وفضَّل دينَنا على سائر الأديان، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمد، الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أمَّا بعد:
فإن الجنَّ أمَّةٌ خلقها الله تعالى لعبادته، مَن أطاع الله تعالى دخل الجنَّة، ومن عصى دخل النَّار، وعالمُ الجنِّ من أمور الغيب التي لا نعلم شيئًا عنها إلا من خلال القرآن والسُّنة الصَّحيحة؛ من أجل ذلك أحببت أن أُذكِّر نفسي وطلابَ العلم الكرام ببعض الحقائق عن عالم الجن، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
سبب التسمية:
سُمِّي الجنُّ جنًّا؛ لعدم ظهورهم على طبيعتهم الحقيقيَّة، ولاستتارهم عن الناس.
قال سبحانه: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 27].
الإيمان بوجود الجن:
يجب على كلِّ مسلم الإيمان بوجود عالم الجن؛ لأنَّه ثابتٌ بالقرآن الكريم، والسُّنَّة، وإجماع علماء أهل السُّنَّة.
أولًا: القرآن الكريم:
قال الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
وقال سبحانه: ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الجن: 1، 2].
ثانيًا: السُّنة:
(1) روى مسلمٌ عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن))، قالوا: وإيَّاك يا رسول الله؟ قال: ((وإيَّاي، إلا أنَّ الله أعانني عليه فأسلَمَ، فلا يأمرني إلا بخير))؛ (مسلم حديث: 2814).
(2) روى الشَّيخان عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ عفريتًا من الجنِّ تفلَّت البارحة ليقطع عليَّ صلاتي، فأمكَنَني الله منه فأخذته، فأردت أن أربطه على ساريةٍ من سواري المسجد حتَّى تنظروا إليه كلُّكم، فذكرت دعوة أخي سليمان (رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي)؛ فردَدْته خاسئًا»؛ (البخاري حديث: 3423 / مسلم حديث: 541).
الإجماع: أجمعت الأمَّةُ على وجود الجن.
متى خلق الله الجن؟
خلق الله تعالى الجنَّ قبل أن يخلق الإنسان.
قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ﴾ [الحجر: 26، 27].
صفة خلق الجن:
قال سبحانه: ﴿ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ﴾ [الحجر: 27].
(1) روى مسلمٌ عن عائشة قالت: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((خُلقت الملائكة من نور، وخُلق الجانُّ من مارجٍ من نار، وخُلق آدم ممَّا وُصِف لكم))؛ (مسلم حديث: 2996).
(2) روى الحاكم عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((الجنُّ ثلاثة أصناف: صنفٌ لهم أجنحةٌ يطيرون في الهواء، وصنفٌ حيَّاتٌ وكلاب، وصنفٌ يحلُّون - يقيمون مع الناس - ويظعنون - يسافرون))؛ (حديث صحيح، صحيح الجامع للألباني، حديث: 3114).
أصناف الجن:
الجن نوعان: جنٌّ وشياطين.
فالجنُّ منهم الصالح، ومنهم الفاسد.
قال تعالى حكاية عن الجن: ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا * وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا ﴾ [الجن: 11 - 13].
والشياطين: نوعٌ من الجنِّ لا خير فيهم أبدًا.
ومعنى الشيطان: كلُّ عاصٍ متمرِّدٍ على أوامر الله تعالى.
قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50].
وقال سبحانه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الحج: 3، 4].
كل إنسان له قرين من الجن:
روى مسلمٌ عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول اللهصلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن))، قالوا: وإيَّاك يا رسول الله؟ قال: «وإيَّاي، إلا أنَّ الله أعانني عليه فأسلَمَ، فلا يأمرني إلا بخير))؛ (مسلم حديث: 2814).
الجن يتناسلون:
الجن يتناسلون، ولهم ذُريَّة مثل الإنس تمامًا.
قال سبحانه: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50].
طعام الجنِّ وشرابهم:
(1) روى مسلمٌ عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أتاني داعي الجنِّ، فذهبتُ معه، فقرأتُ عليهم القرآن))، قال: "فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزَّاد"، فقال: ((لكم كلُّ عظمٍ ذُكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحمًا، وكلُّ بعرةٍ علفٌ لدوابِّكم))، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فلا تستنجوا بهما؛ فإنَّهما طعام إخوانكم))؛ (مسلم حديث:450).
(2) روى مسلمٌ عن عبدالله بن عمر بن الخطاب أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإنَّ الشَّيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله))؛ (مسلم حديث: 2020).
مساكن الجن:
الجن يسكنون الأرض، ويكثُر وجودهم في الصحراء والأماكن المهجورة، والحمَّامات، والأسواق، والشَّياطينُ تسكن مع النَّاس في البيوت.
روى أبو داود عن زيد بن أرقم، عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إنَّ هذه الحشوش - أماكن قضاء الحاجة - محتضَرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخُبث والخبائث))؛ (حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني، حديث: 4).
قال الإمام شمس الحقِّ العظيم آبادي رحمه الله: "إنَّ هذه الحشوش: هي الكُنُف ومواضع قضاء الحاجة، واحدها: حشٌّ.
وقوله: "محتضرة": أي تحضرها الجنُّ والشَّياطين، وتنتابها لقصد الأذى"؛ (عون المعبود جـ1صـ13).
"الخُبث والخبائث": أي ذكران الشَّياطين وإناثهم؛ (مسلم بشرح النووي جـ2صـ307).
قدرات الجن:
أعطى الله تعالى الجنَّ قدرات لم يُعطها للإنس.
قال سبحانه: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 12، 13].
وقال تعالى حكاية عن سليمان عليه السلام: ﴿ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾ [النمل: 38، 39].
ويستطيع الجن أن يظهر بصورة إنسان، كما ظهر أحد الجنِّ لأبي هريرة في صورة رجل يسرق من مال الزكاة.
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: وكَّلني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطَّعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنَّك إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: إذا أويتَ إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتَّى تُصبح، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صدَقَك وهو كذوبٌ، ذاك شيطان))؛ (البخاري حديث: 3275).
وقد يظهر الجنُّ في صورة حيَّة، كما ظهر أحد الجنِّ في صورة حيَّة لأحد الصحابة في المدينة، فقتل كلٌّ منهما الآخر.
روى مسلمٌ عن أبي سعيد الخدري، قال - وهو يتحدَّث عن قصَّة الصحابي والحيَّة التي وجدها على فراشه -: فدخل فإذا بحيَّةٍ عظيمةٍ مُنطويةٍ على الفراش، فأهوى إليها بالرُّمح فانتظمها به، ثمَّ خرج، فركزه في الدَّار فاضطربت عليه، فما يُدرى أيُّهما كان أسرع موتًا: الحيَّة أم الفتى؟ قال: فجئنا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فذكرنا ذلك له، وقلنا: ادع الله يُحييه لنا، فقال: ((استغفروا لصاحبكم))، ثمَّ قال: ((إنَّ بالمدينة جنًّا قد أسلَموا، فإذا رأيتم منهم شيئًا، فآذِنوه ثلاثة أيَّام، فإن بدا لكم بعد ذلك، فاقتُلوه؛ فإنَّما هو شيطانٌ))؛ (مسلم حديث: 2236).
صرع الجن للإنس:
صرع الجنِّ للإنس ثابتٌ باتفاق أئمَّة أهل السُّنَّة والجماعة؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ24 صـ276).
قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ [البقرة: 275].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: "أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبُّط الشَّيطان له؛ وذلك أنَّه يقوم قيامًا منكرًا"؛ (تفسير ابن كثير جـ2 صـ483).
روى الشيخان عن صفيَّةَ بنت حيي زوجِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالت: كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في المسجد وعنده أزواجه فرُحْن - انصرفن إلى بيوتهن - فقال لصفيَّة بنت حيي: ((لا تعجلي حتَّى أنصرف معك، وكان بيتها في دار أسامة))، فخرج النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم معها، فلقيَه رجلان من الأنصار، فنظرا إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثمَّ أجازا، وقال لهما النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((تعاليا، إنَّها صفيَّة بنت حيي))، قالا: سبحان الله يا رسول الله! قال: ((إنَّ الشَّيطان يجري من الإنسان مجرى الدَّم، وإنِّي خشيت أن يُلقي في أنفسكما شيئًا))؛ (البخاري حديث: 2038/ مسلم حديث: 2175).
وروى مسلمٌ عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللهصلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا تثاءب أحدكم، فليُمسك بيده على فِيهِ؛ فإنَّ الشَّيطان يدخل))؛ (مسلم حديث: 2995).
الشَّيطان لا يستطيع الظهور في صورة نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم:
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((من رآني في المنام فقد رآني؛ فإنَّ الشَّيطان لا يتمثَّل بي))؛ (مسلم حديث: 2266).
الجنُّ عاجزة عن الإتيان بمعجزات الأنبياء:
قال سبحانه: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].
الشَّياطين ليس لها سلطان على الصالحين:
قال جلَّ شأنه: ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ﴾ [الإسراء: 64، 65].
وقال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [الحجر: 39 - 41].
الشياطين تفرُّ من بعض الصالحين:
روى البخاري عن سعد بن أبي وقَّاص قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إيهًا يابن الخطَّاب، والذي نفسي بيده، ما لقيك الشَّيطان سالكًا فجًّا (طريقًا) قط، إلا سلَكَ فجًّا غير فجِّك))؛ (البخاري حديث: 3683).
موت الجن:
الجنُّ يموتون كما تموت الملائكة والإنس، وجميع المخلوقات.
قال سبحانه: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27].
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: يُخبر الله تعالى أنَّ جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون، وكذلك أهل السَّماوات إلا مَن شاء الله، ولا يبقى أحدٌ سوى وجهه الكريم، فإنَّ الربَّ تعالى وتقدَّس لا يموت؛ بل هو الحيُّ الذي لا يموت أبدًا.
وقد نعت - وصف - تعالى وجهَه الكريم في هذه الآية بأنَّه ذو الجلال والإكرام؛ أي: هو أهلٌ أن يُجلَّ فلا يُعصى، وأن يُطاع فلا يُخالف؛ (تفسير ابن كثير جـ7 صـ456).
روى الشَّيخان عن ابن عبَّاس: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، كان يقول: ((أعوذ بعزَّتك، الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت، والجنُّ والإنس يموتون))؛ (البخاري حديث: 7383/ مسلم حديث: 2717).
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.
وصلَّى الله وسلَّم على سيِّدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، والتَّابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.