هذا الحبيب يا محب 92


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

ها نحن مع فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة، ومع غزوة الفتح المباركة؛ إذ كانت مكة تحت سلطة الكفر والشرك والمشركين، وتقدم لنا معرفة أسباب هذه الغزوة، وكذلك شاهدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجهز ويعد لفتح مكة، والآن معه في المسير إلى مكة.

معشر المستمعين! أذكركم بأن من صحت نيته وجلس ليتعلم الهدى فليبشر بأن الملائكة تصلي عليه وتستغفر له، وأن له أجراً مثل أجر المجاهد، وأذكركم بقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله )، وقد خرّج هذا المسجد آلاف الأصحاب، الواحد منهم يزن ما على دنيانا اليوم من الرجال والنساء، تخرّج رجال من ذوي البصيرة والنهى والعلم والمعرفة والسياسة، لا تحلم الدنيا بمثلهم، والله ما تعلموا إلا كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.

قال: [المسير إلى مكة:

واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة] ومعنى استخلف عليها: وضع رجلاً يخلفه في إدارة الحكم في هذه المدينة، عاصمة الإسلام الأولى [أبا رهم كلثوم بن حصن الغفاري ] من قبيلة بني غفار، وهي قبيلة أبي ذر الغفاري رضي الله عنه [وخرج في عشرة آلاف مقاتل، وذلك لعشر مضين من رمضان] أي: في يوم الحادي عشر خرج برجاله ومضى وهم صائمون؛ لأن الصيام فرض في السنة الثانية من الهجرة، ونحن الآن في السنة الثامنة، فخرجوا صائمين -وهم عشرة آلاف رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- إمامهم وقائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويكفيكم يا إخواني! أن تحبوهم وتحبوا نبيهم، فما نحن بأهل لأن نوازيهم أو نماثلهم، ولكن يكفينا أن نحبهم حب الصدق، ( والمرء مع من أحب )، وهذه الكلمة قالها أستاذ الحكمة ومعلمها، رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يتطرق إليها نقض أو فساد؟ والله ما كان، ووالله لو نحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما هي إلا أربعين يوماً ونحن في زيهم، في أفكارنا وصلاتنا وعباداتنا وكل حالنا..؛ لأن من أحب شيئاً جعلته المحبة يقتدي به، ويتصوره، ويتمثله.

ومن أحب فاسقاً أو ماجناً أو ساحراً أو دجالاً حباً صادقاً فلن يلبث إلا أن يكون مثله، يتعاطى ما يتعطاه، فهذه سنة الله في خلقه: ( المرء مع من أحب ) و( من تشبه بقوم فهو منهم )، كيف يا رسول الله؟! بمجرد التشبه يكون منهم؟! إي نعم؛ لأنه أراد وتكلف أن يكون مثلهم في المنطق والذوق والطعام والاكتساب والحياة، فما هي إلا فترة وهو مثلهم. وهذا واضح مشاهد!

قال: [وأثناء مسيره] والمسير من المدينة إلى مكة عشرة أيام، يمشون على أرجلهم أو على الإبل والخيول [أدركه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس ] وهاتان الشخصيتان أذاقتا رسول الله صلى الله عليه وسلم المرارة لقساوتهما وشدتهما، ولكن كما قال صلى الله عليه وسلم ولعلكم تذكرون ( رحم الله أخي موسى أوذي بأكثر من هذا فصبر )، فهيا نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي تلقى معارفه من الله على ثلاث وعشرين سنة حتى أصبح أكمل الخلق على الإطلاق، ونحن ما تلقينا من هذه المعارف ولا عشرة أيام في العام، فكيف نكمل ونسعد؟ لقد هجرنا بيوت الله وكتاب الله وسنة رسول الله، واشتغلنا بالأباطيل والتراهات واللهو واللعب! فوا حسرتاه!

قال: [كما لقيه العباس بن عبد المطلب بذي الحليفة مهاجراً] والعباس هو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخرت هجرته إلى السنة الثامنة، بينما أسلم وكان يخفي إسلامه؛ لشخصيته البارزة في مكة، وما استطاع أن يهاجر حتى يسر الله فجاء مهاجراً بأهله، فشاء الله أن يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة -على ثلاثة عشر كيلو متر من المدينة- أيفرح الرسول بهذا أو لا؟ وكيف لا فهذا عمه!

قال: [فأمره أن يرسل رحله إلى المدينة ويعود معه] قال له: أرسل بأهلك ومالك وما عندك إلى المدينة وامش معنا لغزو المشركين وفتح مكة [ففعل] ولم يتردد [وقال له] كلمة يطيّب بها خاطره ويطمئن بها نفسه -أي: تاج يساويها يوضع على الرءوس!- فهنيئاً لك يا عباس [(أنت آخر المهاجرين وأنا آخر الأنبياء)] يعني: لا تحزن يا عباس ولا تكرب أبداً، فأنا آخر الأنبياء وما تأسفت، وأنت آخر المهاجرين فلا تأسف؛ لأنه عرف أنه متألم في نفسه، فقد تأخر عن الهجرة، وتقدم رجال قبله بالمئات، فطيب نفسه وطمأنها، وأعده لأن يحمد الله ويشكره.

لقيا أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية بالنبي صلى الله عليه وسلم

قال: [وصام صلى الله عليه وسلم وصام أصحابه حتى بلغ ما بين عسفان وأمج فأفطروا] مكان بين مكة والمدينة عند عسفان قريب من أمج. ولا شك أنهم قضوا على الأقل خمسة أيام في الطريق وهم صائمون [ولقيه في الطريق وهو نازل بنبق العقاب] مكان آخر [أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ] ابن عمه [و عبد الله بن أبي أمية ، فالتمسا الدخول عليه صلى الله عليه وسلم] في خيمته؛ لأنهم لا يظلون سائرين بل يبيتون في الطريق، فلابد وأن ينزلوا ويخيموا، وخاصة في الليل.

قال: [فكلمته أم سلمة في شأنهما] وأم سلمة أمنا رضي الله تعالى عنها وأرضاها، إحدى زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قضت سنة كاملة تبكي طول النهار بالأبطح وتعود في الليل إلى بيتها، بعد أن منعها المشركون من الالتحاق بزوجها في المدينة وأخذوا منها ابنها، وعندما مات زوجها أبو سلمة رضي الله عنه علمها رسول الله أن تقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها )، فقالت: ومن يكون خيراً من أبي سلمة؟ فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرفت أن من صدق في هذه الجملة وقال عند المصيبة: (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها ) عوضه الله خيراً منها، وأصبحت أم سلمة أماً لملايين البشر.

قال: [(لا حاجة لي بهما)] أي: ما أنا في حاجة إليهما [(أما ابن عمي فقد هتك عرضي، وأما ابن عمتي فهو الذي قال بمكة ما قال )] من الكلام الباطل، وكان هو الذي قال: لن نؤمن لك حتى ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه [فلما سمعا ذلك -وكان مع أبي سفيان ولد له صغير يقال له: جعفر - قال أبو سفيان : والله ليأذنن لي أو لآخذن بيدي ابني هذا، ثم لنذهب في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً] ووالله إنه لصادق! فقد عرف أنه إذا غضب الرسول عنه فمن يرضى، وكيف يسعد؟!

قال: [فرقّ لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم] أي: لان، كما يرق الشيء القاسي الصلب المتين [فأدخلهما إليه فأسلما] قلوبهما ووجوههما لله [وأنشد أبو سفيان في إسلامه واعتذاره قوله] وهي أبيات كثيرة ذكرنا منها ثلاثة أبيات فقط.

[لعمرك إني يوم أحمل راية لتغلب خيل اللات خيل محمد] هذا أيام الكفر.

[لكالمدلج الحيران أظلم ليله فهذا أواني حين أُهدي فأهتدي

وهادٍ هداني غير نفسٍ ودلـني على الله من طرّدته كل مطرد].

قال: [وصام صلى الله عليه وسلم وصام أصحابه حتى بلغ ما بين عسفان وأمج فأفطروا] مكان بين مكة والمدينة عند عسفان قريب من أمج. ولا شك أنهم قضوا على الأقل خمسة أيام في الطريق وهم صائمون [ولقيه في الطريق وهو نازل بنبق العقاب] مكان آخر [أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ] ابن عمه [و عبد الله بن أبي أمية ، فالتمسا الدخول عليه صلى الله عليه وسلم] في خيمته؛ لأنهم لا يظلون سائرين بل يبيتون في الطريق، فلابد وأن ينزلوا ويخيموا، وخاصة في الليل.

قال: [فكلمته أم سلمة في شأنهما] وأم سلمة أمنا رضي الله تعالى عنها وأرضاها، إحدى زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قضت سنة كاملة تبكي طول النهار بالأبطح وتعود في الليل إلى بيتها، بعد أن منعها المشركون من الالتحاق بزوجها في المدينة وأخذوا منها ابنها، وعندما مات زوجها أبو سلمة رضي الله عنه علمها رسول الله أن تقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها )، فقالت: ومن يكون خيراً من أبي سلمة؟ فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرفت أن من صدق في هذه الجملة وقال عند المصيبة: (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها ) عوضه الله خيراً منها، وأصبحت أم سلمة أماً لملايين البشر.

قال: [(لا حاجة لي بهما)] أي: ما أنا في حاجة إليهما [(أما ابن عمي فقد هتك عرضي، وأما ابن عمتي فهو الذي قال بمكة ما قال )] من الكلام الباطل، وكان هو الذي قال: لن نؤمن لك حتى ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه [فلما سمعا ذلك -وكان مع أبي سفيان ولد له صغير يقال له: جعفر - قال أبو سفيان : والله ليأذنن لي أو لآخذن بيدي ابني هذا، ثم لنذهب في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً] ووالله إنه لصادق! فقد عرف أنه إذا غضب الرسول عنه فمن يرضى، وكيف يسعد؟!

قال: [فرقّ لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم] أي: لان، كما يرق الشيء القاسي الصلب المتين [فأدخلهما إليه فأسلما] قلوبهما ووجوههما لله [وأنشد أبو سفيان في إسلامه واعتذاره قوله] وهي أبيات كثيرة ذكرنا منها ثلاثة أبيات فقط.

[لعمرك إني يوم أحمل راية لتغلب خيل اللات خيل محمد] هذا أيام الكفر.

[لكالمدلج الحيران أظلم ليله فهذا أواني حين أُهدي فأهتدي

وهادٍ هداني غير نفسٍ ودلـني على الله من طرّدته كل مطرد].




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
هذا الحبيب يا محب 115 4082 استماع
هذا الحبيب يا محب 111 4079 استماع
هذا الحبيب يا محب 47 3818 استماع
هذا الحبيب يا محب 7 3811 استماع
هذا الحبيب يا محب 126 3692 استماع
هذا الحبيب يا محب 102 3680 استماع
هذا الحبيب يا محب 9 3648 استماع
هذا الحبيب يا محب 32 3572 استماع
هذا الحبيب يا محب 99 3487 استماع
هذا الحبيب يا محب 48 3469 استماع