فتاوى نور على الدرب [413]


الحلقة مفرغة

السؤال: زوجنا أختنا الكبيرة من شخص ونحن لا نعلم أنه لا يصلي وله ثلاثة أطفال، ماذا نفعل، أفيدونا بهذا؟

الجواب: إذا كنتم قد زوجتم هذا الرجل بأختكم وهو لا يصلي ولكنكم تجهلون هذا الأمر فإنكم معذورون، والأولاد الذين جاءوا بهذا العقد أولاد شرعيون، ينسبون إلى أبيهم كما هم منسوبون إلى أمهم، ولكن حلُّ هذه المشكلة الآن أن يقال لهذا الرجل، بل حلُّ هذه المشكلة الآن أن يفرَّق بين هذا الرجل وبين المرأة التي عقد له عليها حتى يسلم، ويرجع إلى الإسلام بإقامة الصلاة، فإذا أقام الصلاة فحينئذٍ نعقد له عقداً جديداً، ولا يجوز أن تبقى هذه الزوجة معه بناءً على هذا العقد؛ لأن هذا العقد باطل لمخالفته لقول الله تعالى في المهاجرات: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10]، وما أيسر الأمر عليه، إذا كان يريد أهله ويريد أولاده، فإنه ليس بينه وبين هذا إلا أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن شر نفسه، ويقيم الصلاة.

وإني أنصح هذا الرجل بأن يتقي الله سبحانه وتعالى، وأن يعلم أنه إنما خلق في هذه الدنيا لعبادة الله، وأن يعلم أن الخسارة فادحة إذا مات على هذه الحال، فإنه إذا مات على هذه الحال فسوف يخلد في نار جهنم مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف ، كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني أنصحه بأن يصدق النية، ويعقد العزم على الصلاة، ولينظر هل يضره ذلك شيئاً؟ هل يمنعه ذلك من حوائجه الدنيوية؟ هل يحول ذلك بينه وبين متعه التي أباحها الله له؟ كل ذلك لم يكن، بل إنه يعينه على مهامه وأموره، كما قال الله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45]، وأسأل الله تعالى أن تبلغه هذه النصيحة، وأن يوفق لقبولها.

فخلاصة الجواب: أنه يجب أن يفرق بين هذا الرجل وبين زوجته، وبين من عقد له عليها، وإن كان له منها أولاد هذه واحدة.

الثانية: أن أولاده هؤلاء أولاد شرعيون يلحقون به، وينسبون إليه كما هم منسوبون إلى أمه، وذلك لأنهم حصلوا من وطء شبهة، حيث لم يُعلم أن تزويج من لا يصلي تزويج باطل.

ثالثاً: أنه إذا عاد إلى الإسلام وأقام الصلاة فإنه يعقد له من جديد.

رابعاً: النصيحة الأكيدة التي أرجو الله سبحانه وتعالى أن تبلغ منه مبلغ النفع، حتى يصلح له أمر دينه ودنياه.

السؤال: التحري عن الشخص الخاطب ما رأيكم فيه؟

الجواب: التحري عن الشخص الخاطب واجب وجوباً مؤكداً، لاسيما في هذا الوقت الذي التبس فيه الطيب بالخبيث، وكثر فيه التزوير، والوصف الكاذب، وكثر فيه شهادة الزور، فإنه قد يوجد من الخطّاب من يتظاهر بالصلاح والاستقامة وحسن الخلق وهو على خلاف ذلك، وزيادة على مظهره قد يزور على المخطوبة وأهلها بأنه مستقيم وذو خلق، وقد يؤيد من أهله على ما زوّر، وقد يأتي شاهد آخر من غير الأهل فيشهد له بالصلاح والاستقامة، فإذا حصل العقد تبين أن الأمر على خلاف ذلك في دينه وخلقه، ولهذا أرى أنه يجب التحري وجوباً مؤكداً، وأن يكون التحري بدقة، ولا يضر إذا تأخرت الإجابة عشرة أيام أو عشرين يوماً أو شهراً، ليكون الإنسان على بصيرة، فإذا تبين أن الخاطب على الوصف المرغوب فيه، وأنه ممن يرضى دينه وخلقه فليزوج، ولا يجوز لأحد أن يعترض رغبة المخطوبة في مثل هذا الرجل بأي حجة كانت؛ لأننا نسمع أن بعض الأولياء يمنع تزويج موليته لمن يرضى دينه وخلقه، وهي قد رضت به بحجج واهية، مثل أن يقول: إنه ليس من قبيلتنا، أو يقول: إنه ليس معه شهادة والمرأة معها شهادة، أو يقول: إنه ليس في وظيفة مع أن أمره قائم، إلى غير ذلك من التعليلات الباردة الباطلة.

ومن الناس من يمنع تزويج موليته لأنها تدرِّس، وتدر عليه من راتبها، فيجعلها مغّلاً له ويمنع من تزويجها لهذا الغرض، المهم أنني أنصح مثل هؤلاء الأولياء وأقول لهم: اتقوا الله فيمن ولاكم الله إياه، لا تمنعوا النساء من التزوج بمن يرضين دينه وخلقه، من أجل أغراضكم الشخصية أو عاداتكم المخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك، كما أني أيضاً أنصحهم مرة أخرى في عكس هذا الأمر، وهو أن يزوجوها من لا ترغب فإن ذلك حرام عليهم، والنكاح لا يصح على القول الراجح، حتى ولو كان المكره الأب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تنكح البكر حتى تستأذن )، وقال في الأيم: ( لا تنكح حتى تستأمر )، بل في صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( والبكر يستأمرها أبوها )، فنص على البكر ونص على الأب، فلا يجوز إجبار المرأة على تزوج من لا تريد زواجه مهما كانت الأسباب، ولا حرج على الأب فيما لو قدر أنها لم ترد الزواج مطلقاً، لا حرج على الأب ولا غيره من الأولياء إذا لم يزوجوها في هذه الحال، حتى لو بقيت طول حياتها، وذلك لأن هذا باختيارها فهم لم يمنعوها.

السؤال: يقول: لي أخ تعرض لحادث توفي بعده، فهل يجوز لنا أن نضحي له أو نحج عنه إلى بيت الله الحرام نرجو الإفادة؟

الجواب: القول الراجح من أقوال أهل العلم أنه يجوز للإنسان أن يتعبد لله عز وجل بطاعة، بنية أنها لميت من أموات المسلمين، سواء كان هذا الميت من أقاربه أم ممن ليس من أقاربه، هذا هو القول الراجح، سواء في الصدقة أو في الحج أو في الصوم أو في الصلاة أو في غير ذلك، فيجوز للإنسان أن يتبرع بالعمل الصالح لشخص ميت من المسلمين، ولكنَّ هذا ليس من الأمور المطلوبة الفاضلة، بل الأفضل أن يدعو له بدلاً من أن يتصدق عنه أو أن يضحي عنه أو أن يحج عنه؛ لأن الدعاء له هو الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه ثبت عنه أنه قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له )، فذكر الولد الصالح الذي يدعو له، ولم يقل أو ولد صالح يتصدق له، أو يصلي له، أو يحج له، أو ما أشبه ذلك من الأعمال الصالحة، مع أن الحديث في سياق العمل، فلما عدل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذكر العمل للميت بذلك عُلِم أن الدعاء هو المختار وهو الأفضل، ولهذا فإني أنصح إخواني المسلمين أن يحرصوا على الدعاء لأمواتهم بدلاً من إهداء القرب لهم، وأن يجعلوا القرب لأنفسهم؛ لأن الحي محتاج إلى العمل الصالح، فإنه ما من ميت يموت إلا ندم إن كان محسناً ألا يكون ازداد، وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون استعتب، قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100]، وقال الله عز وجل: وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:10-11]، فأنت أيها الحي محتاج إلى العمل الصالح، فاجعل العمل لنفسك وادع لأمواتك من الآباء والأمهات والأخوان والأخوات وغيرهم من المسلمين، هذا هو الذي تدل عليه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن مع هذا لو أن الإنسان تصدق عن ميت أو صام عنه أو صلى وقصد بأن يكون الثواب للميت فلا بأس بذلك إذا تبرع به.

السؤال: هل تجوز صلاة الجمعة في مكان شبه صحراء، أي: بدون مسجد؟

الجواب: إذا كان هؤلاء المقيمون في هذا المكان يقيمون فيه صيفاً وشتاءً، ويعتبرونه بمنزلة القرية أو المدينة، فإنه يجب عليهم إقامة الصلوات جماعة وإقامة الجمعة ما داموا مقيمين في هذا المكان، وفيه مساكن لهم بما جرت به العادة، أما إذا كانوا غير مقيمين، وإنما نزلوا في ذلك أياماً من أجل موسم المطر أو لغير ذلك، فإنه لا يجوز لهم إقامة الجمعة؛ لأن الجمعة لا تقام في السفر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسافر وتصادفه جمعة ولم يكن يقيمها، ولو كانت مشروعة لأقامها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على الخير؛ ولأنه مشرِّع للأمة، فلا يمكن أن يدع شيئاً مشروعاً؛ لأن ذلك خلاف ما كُلِّف به، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67]، وعلى هذا فإقامة الجمعة في السفر تعتبر من البدع ولا تصح، وعلى من أقامها في السفر أن يعيدها ركعتين بنية الظهر، أما من كان مسافراً ولكنه في قرية تقام فيها الجمعة، فإنه يجب عليه أن يصلي الجمعة مع الناس، لعموم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:9-10]، ومن المعلوم أن الآية عامة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الجمعة:9]، فكل من صدق عليه وصف الإيمان فإنه مطالب بحضور الجمعة إذا سمع النداء، وكذلك على القول الراجح يجب على المسافر الذي في قرية أو مدينة أن يحضر صلاة الجماعة؛ لأنه إذا نودي للجماعة وجب على كل من سمع النداء أن يجيب، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً استأذنه في ترك الجماعة فرخص له، فلما ولّى ناداه، فقال: ( هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب ).

والحاصل أن من كان في بلد فإنه يجب عليه حضور الجمعة والجماعة ولو كان مسافراً، وأما من كان في البر وهو مسافر فإن الجماعة تجب عليه ولكن الجمعة لا تجب عليه بل ولا تصح منه، فلو أقام المسافرون جمعة وهم في البر في السفر فإن هذا حرام عليهم، وصلاتهم غير صحيحة، ويجب عليهم إعادة تلك الصلاة ظهراً، لكنها لا تجب عليهم إلا مقصورة؛ لأن صلاة المسافر تكون قصراً، حتى لو نسي أن يصلي في السفر وذكرها وهو مقيم في الحضر، فإنه يصليها ركعتين فقط، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، فإن قوله فليصلها الضمير فيه عائد على الصلاة المتروكة، فيشمل قضاءها على صفتها عدداً وهيئة، ولهذا إذا نسي الإنسان صلاة الليل أي: صلاة يُجهر فيها ثم قضاها بالنهار، فإنه يقرأ فيها جهراً، ومن القواعد المقررة عند الفقهاء قولهم: إن القضاء يحكي الأداء.

السؤال: هل يجوز استخدام التجويد في اللغة غير القرآن كقراءة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها؟

الجواب: ذكر بعض المتأخرين في تفسير قوله تعالى: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ [آل عمران:78]، ذكر أن من ذلك أن يتلو الإنسان غير القرآن على صفة تلاوة القرآن، مثل أن نقرأ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كقراءة القرآن، أو يقرأ كلام أهل العلم كقراءة القرآن، وعلى هذا؛ فلا يجوز للإنسان أن يترنم بكلام غير القرآن على صفة ما يقرأ به القرآن، لاسيما عند العامة الذين لا يفرقون بين القرآن وغيره إلا بالنغمات والتلاوة.

السؤال: في حالة الركوع في الصلاة هل يكون النظر إلى موضع السجود نرجو الإفادة؟

الجواب: النظر إلى موضع السجود هو قول أكثر أهل العلم، ومنهم من قال: ينظر المصلي إذا كان قائماً إلى تلقاء وجهه، وإذا كان راكعاً إلى قدميه، وإذا كان جالساً إلى يده اليمنى، ولكن النظر إلى اليد اليمنى حين الإشارة هو الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنظر إلى موضع السجود هو الذي فسر به كثير من العلماء قول الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2]، فقال: هم الذين ينظرون إلى موضع سجودهم، وهذا أقرب الأقوال: أن الإنسان ينظر إلى موضع سجوده راكعاً وقائماً، وإلى موضع إشارته في حال الجلوس، وقد قال بعض العلماء رحمهم الله: إن الإنسان إذا كان يصلي في المسجد الحرام فإنه ينظر إلى الكعبة، وعللوا ذلك بأن النظر إليها عبادة، ولكن هذا فيه نظر من وجهين:

الوجه الأول: أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النظر إلى الكعبة عبادة، ولا يجوز إثبات حكم شرعي إلا بدليل من الشارع، أو إلا بدليل عن الشارع.

والثاني: أنه لو ثبت أن النظر إليها عبادة فإنها عبادة مستقلة لا تتعلق بالصلاة، فالصلاة لها عبادة خاصة بها، فلا يمكن أن نثبت أن النظر إلى الكعبة عبادة كالصلاة، إلا إذا ورد ذلك بخصوصه، ثم إن نظر المصلي إلى الكعبة وهو في المسجد الحرام يؤدي إلى انشغال قلبه؛ لأن الكعبة غالباً لا تخلو من الطائفين، ومن المعلوم أن حركة الطائفين وتنقلهم واختلاف أجناسهم وألوانهم يؤدي إلى انشغال القلب، فلهذا نرى أن النظر إلى الكعبة حال الصلاة في المسجد الحرام ليس بمشروع، وأنه لا ينبغي للإنسان أن ينظر إليها في حال صلاته؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولأنه كما أشرنا إليه آنفاً يوجب أن ينشغل المصلي عن صلاته.