هذا الحبيب يا محب 81


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

لنقضي ساعة مع حبيبنا صلى الله عليه وسلم، وبين يدي الدرس رأيت رؤيا سارة، وهي تبشر إخوانكم الجزائريين بانتهاء تلك الفتنة التي تدور بينهم، فقولوا: اللهم حقق هذه الرؤيا، وأنه هذه الفتنة بين عبادك المؤمنين في الديار الجزائرية.

رأيت كأني في الروضة الشريفة، وسمعت فيها كلاماً كثيراً، وقال فلان: انتهت الفتنة، اجتمع الشيخ البشير الإبراهيمي -وهذا متوفى- مع فلان وفلان، ثم تقدمت إلى المقصورة وإذا بسماحة الشيخ عبد العزيز بن صالح تغمده الله برحمته -إمام هذا المسجد أكثر من ثلاثين سنة- فاحتضنته أُقبله فقال: انتهت مشكلة الجزائر، والميت لا يخبر إلا بما هو حق، فلهذا سررنا بهذه الرؤيا، فالله نسأل أن يعجل بها؛ إذ هناك رؤى قد تتأخر إلى أربعين سنة، فاللهم عجل بهذه الرؤيا ليبلغنا سريعاً انتهاء تلك الفتنة بين عباد الله المؤمنين.

قال المؤلف غفر الله له ولكم، ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [أحداث السنة السابعة من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم].

لقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو يدعو إلى التوحيد وإقام الصلاة ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر إلى المدينة، فأقام بها عشر سنين، ثم توفاه الله، وها نحن مع أحداث السنة السابعة من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، نقضي ساعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لنتعلم الهدى والحكمة، وكيف نصبر على طاعة الله، وكيف نثبت على عبادته حتى نلقاه طاهرين طيبين.

قال: [ودخلت السنة السابعة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وكان أول أحداثها:

غزوة خيبر] وخيبر على مائة وخمسة وخمسين كيلو متر من المدينة، وهي مقر اليهود، وفوقها فدك، وأسباب زحف اليهود من الشام وفلسطين إلى الديار الحجازية هو:

الأول: اضطهاد الروم لهم، أي: المسيحيين الصليبيين؛ إذ كان -قبل أن يسحر اليهود النصارى- الصليبي لا يفتح عينيه في اليهودي بغضاً له، لا يرضى أن ينظر إليه، فلهذا عذبوهم، وأحرقوهم كالسمك في الزيت، واستطاع اليهود بحقدهم ودهائهم أن يقلبوا الآن ثلاثة أرباع المسيحيين لتقديسهم وإجلالهم، بل أصبحوا يديرون دفة العالم بمكرهم ودهائهم، فلما اضطهدوا على أيدي الرومان زحفوا إلى هذه الديار ليأمنوا، ولأنها ديار أهلها جهال مشركون، واليهود علماء بصراء متدينون فسيسودون بين العوام.

والسبب الثاني والرئيسي: هو أنهم عرفوا من التوراة والإنجيل أن نبي آخر الزمان -وهو محمد صلى الله عليه وسلم- يخرج من بين جبال فاران، وهي جبال مكة، ومهاجره يثرب، قرية ذات نخيل وسبخة، فقالوا: نخرج من هذا العذاب والاضطهاد وننزل في ديار الحجاز حتى يبعث هذا النبي فنؤمن به ونقاتل معه الأبيض والأسود، لكن ما إن جاء الرسول إلى المدينة حتى كشروا عن أنيابهم، وعرفوا أن دخولهم في الإسلام يقضي على فكرة وجود مملكة بني إسرائيل إلى يوم القيامة، فعرفوا الحق وأعرضوا عنه على علم، حفاظاً على كيانهم اليهودي.

قال: [خيبر مركز تجمع كبير لأعداء الإسلام والمسلمين] في ذلك الوقت [إذ عصابات الشر اليهودية كانت قد تجمعت فيها] أي: في خيبر [إن حرب الأحزاب] عشناها وعرفناها مع جبل سلع [كانت خيبر هي الرأس المفكر فيها، والطاقة الدافعة لها] فلما انهزم بنو النضير على كذا كيلو من المدينة وأجلاهم الرسول بأمر الله، قال تعالى: وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا [الحشر:3] تآمروا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان إلا أن حاصرهم الحبيب برجاله، ثم فسح لهم المجال بأن يخرجوا من المدينة، فخرجوا بأموالهم أيضاً، حتى الأخشاب والأبواب أخذوها.

فلما خرجوا من المدينة اتجهوا شاماً إلى خيبر وما وراءها، ومن ثَمَّ كونوا حرب الأحزاب للقضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وكان الذي حزبهم وجاء بهم من الشرق والغرب حيي بن أخطب النضري ، استطاع أن يأتي بقريش كالبهائم يسوقها لحرب محمد صلى الله عليه وسلم، وجاء كذلك برجال غطفان من الشرق.

قال: [ولذا تعين غزوها وتطهيرها من عصابات الشر بها] من سيغزوها؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[ففي السنة السابعة -في أواخر المحرم منها- غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فاستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغطفاني ] استخلفه والياً عاماً في المدينة يقيم حدود الله ويحمي عباده وأولياءه ويدير البلاد [وقيل: نميلة بن عبد الله الليثي ] اختلف أهل التاريخ هل هو سباع أو نميلة ، المهم أنه واحد منهم.

[وخرج في ألف وأربعمائة مقاتل] خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة في ألف وأربعمائة مقاتل أي: في ألف ونصف تقريباً، وهم جند الله المؤمنون من الأنصار والمهاجرين [من بينهم مائتا فارس] من بينهم مائتا مقاتل على فرس، في حين أن حرب بدر الأولى كان فيها فرس واحد، أما الآن والحمد لله مائتا فارس.

[وسار بجيشه المظفر ماراً على عِصْر (جبل)] والإسكان فيه أولى وهو جبل [حيث بني له فيها مسجداً، ثم على الصهباء حتى نزل بالرجيع، وهو واد كبير يقال له: الرجيع] إلى الآن [فنزل بينهم وبين غطفان] بين اليهود وبين غطفان ليفصل بينهما.

هذه هي السياسة الرشيدة العسكرية الجهادية! أين تعلم رسول الله؟ إنه يتلقى معارفه من رب العالمين، من خالق القلوب والأفكار وموجه البشر، وهو يعلمنا الفصل بين العدوين، بدلاً من أن ينزل على خيبر نزل بينها وبين غطفان؛ ليرد أولئك الذين قد يساعدون ويعاونون إخوانهم من الكفار على حربه، [ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر] بالسلاح أو المال أو الرجال [إذ كانوا على وفاق معهم في حرب الرسول صلى الله عليه وسلم] غطفان ويهود خيبر كانوا متفقين على حرب النبي صلى الله عليه وسلم.

من آيات النبوة المحمدية (استشهاد عامر بن الأكوع)

قال: [ومن آيات النبوة المحمدية] وآيات بمعنى: علامات، إذا رأيت العلامة قلت: هذا نبي الله! والآيات جمع آية، والآية في لسان العرب والقرآن: العلامة البارزة الدالة على الشيء [أنه صلى الله عليه وسلم في مسيره] في طريقه وهو سائر [قال لـعامر بن الأكوع - عم سلمة بن عمرو بن الأكوع - (خذ لنا من هناتك، احد لنا)] الحبيب صلى الله عليه وسلم قال لهذا الصاحب الجليل عامر بن الأكوع : خذ لنا من هناتك، والهنات جمع هنة، وهي الكلمات التي تنعش النفوس وتحرك القلوب بغير باطل ولا فساد، ولفظ الهنة يطلق على شيء ما ليس له اسم، أو الشيء الذي لا يعرف باسم خاص، يعني بهذا: حتى تدفع رجالنا إلى السير ومواصلته، وبلغتنا: غنّ لنا، أو شجعنا وأنشد.

[فنزل وحدَاهُم يقول:

والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينـا وثبت الأقدام إن لاقينا] هذه هي القصيدة التي حركهم بها.

[فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحمك الله) فقال عمر رضي الله عنه: هلا أمتعتنا به يا رسول الله] يعني: هلا أمتعتنا به أياماً أو أعواماً يا رسول الله! لأن كلمة (رحمك) معناها: رثاء، فقد حان أوان موته [وكان] صلى الله عليه وسلم [إذا قالها لرجل مات، فكانت نعياً منه صلى الله عليه وسلم لـعامر رضي الله عنه، وكانت آية نبوته.

وفعلاً، فقد خاض] عامر [المعارك ورجع عليه سيفه فكلمه] أي: جرحه [كلماً شديداً، فمات متأثراً -بذلك- فقال البعض: إنما قتله سلاحه] وتعرفون بعض الطائشين الموجودين! يعنون: لم يستشهد؛ لأنه لم يمت على أيدي اليهود، وإنما قتله سلاحه.

[فعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك] أي: بالحادثة أو بقول القائل، وقد يكون منافقاً [فقال: (إنه لشهيد)].

وهنا أقول لإخواننا المستمعين الذين تدور الفتن في ديارهم أو الذين يتوقع لهم فتنة: أنصح كل مؤمن ومؤمنة ألا ينتمي إلى حامل رايات الفتنة، وليقل: أنا مسلم فقط، لا يزد على هذه الكلمة، ولا يتعاون بكلمة ولا بدينار أو درهم مع أصحاب الفتنة، عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( يا عبد الله ! كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل ).

فأيما فتنة تقع في بلد على من وُفقوا وهيأهم الله لرضاه وكماله عليهم ألا يشاركوا فيها لا بكلمة ولا بدرهم، فإن نجوا فهنيئاً لهم، لأنهم لم يشاركوا في الدماء التي أريقت والأرواح التي أزهقت، وإن قتلوا مظلومين فهم شهداء، فازوا بها.

هل عرف إخواننا هذا؟ ما عرفوا، والله لو عرفوا كما عرفنا ما كانت هذه الفتنة ولا وجدت، ولكن ما عرفوا، والذين لهم أغراض سافلة إذا سمعوا هذا الكلام يقولون: هذا كلام عميل! هذا عالم سلطة -كما تقول لهم المجوسية- وهذا كذا ..؛ ليصرفوا قلوب المؤمنين، وهذه حال البشر في دنياهم الهابطة.

إذاً: قالوا ما قالوا [وصلى عليه، فصلى عليه المسلمون] وهذه ميزة أخرى.

وصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وبدء المعركة

[وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجيش حتى أشرف على خيبر] كأنها منخفضة وهو فوقها؛ لأنها بساتين ونخيل [وقال لأصحابه: قفوا فوقفوا ودعا] أي: سأل ربه [قائلاً: ( اللهم رب السماوات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أظللن، ورب الرياح وما أذرين، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من هذه القرية، وشر أهلها، وشر ما فيها، ثم قال: أقدموا باسم الله )].

هل يعرف قادة المسلمين هذا؟ لا، ما سمعوا به! هذا الدعاء مستحب لكل من دخل بلداً من البلاد، سواء كان زائراً أو تاجراً أو عاملاً، فإذا دخلت بلداً غير بلدك افزع إلى ربك بهذا الدعاء، وقل: ( اللهم رب السماوات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أظللن، ورب الرياح وما أذرين، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من هذه القرية، وشر أهلها، وشر ما فيها ) ثم قال صلى الله عليه وسلم: ( أقدموا باسم الله )، لم يقل: أقدموا باسم الوطن! ولكن باسم الله.

[ونزل صلى الله عليه وسلم بأصحابه خيبر ليلاً] لا نهاراً [ولم يعلم أهلها بنزوله، فلما أصبحوا وخرجوا بمساحيهم إلى أعمالهم الفلاحية] والمسحاة يعرفها الفلاح مثلنا، أما أنتم فقد ترقيتم [ورأوا الرسول صلى الله عليه وسلم وجيشه قالوا: محمد والخميس، محمد والخميس، وعادوا إلى حصونهم فدخلوها] والخميس هو: الجيش الكبير، المكون من أربعة أركان ومقدمة، أي: خمس فرق، ويسمى الخميس؛ لأنه مكون من خمس فئات، والحصون كانت شائعة في العالم بأسره، فلا يوجد بلد بدون حصون، فقد كانت تنفع قبل أن تكون الطائرات والمدافع.

[فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الله أكبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين )] وهذا بعض آية من سورة الصافات، ومعنى هذا: أن الرسول كان يتمثل القرآن الكريم [وأخذ يحاصرهم في حصونهم ويأخذ أموالهم خارجها] أي: خارج الحصون [ثم أخذ يفتح الحصون حصناً بعد حصن، وكان أول حصن افتتحه حصن ناعم، وعنده قتل محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة رضي الله عنهما] الذي قتل كعب بن الأشرف بطل وأخوه بطل [إذ ألقي عليه رحىً فقتلته] ألقوا عليه مطحنة فقتلته، والرحى هي التي يطحن عليها الحب، مكونة من جزئين: جزء فوق، وجزء تحت.

وهكذا أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم في بني النضير، لما أجلسوه في ظل جدار وقالوا له: انتظر الآن نجمع لك المطلوب، وكانت دية -كما علمتم- ثم فكروا وقالوا: الفرصة سانحة، الآن نتخلص منه ومن الإسلام، فجاءوا برحى -جزء من المطحنة- وأرادوا أن يلقوها على رأسه صلى الله عليه وسلم، ولكن الله أوحى إليه ما دبروه فأخذ رداءه ومشى.

قال: [ثم افتتح القموص حصن بني أبي الحقيق، وأصاب منهم سبايا من بينهم صفية بنت حيي بن أخطب النضري ] وصفية هذه أصبحت أمنا، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أعتقها، بينما أبوها شيطان مارد، هو الذي دبر حرب الأحزاب [وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه] من جملة الأسرى اختارها [ولم يعلم بذلك دحية ] ابن خليفة الكلبي [فسأله إياها] قال: أعطني هذه [فأعلمه أنه اصطفاها لنفسه، وأعطاه ابنتي عمها، وكثر السبي في أيدي المسلمين].

خطبة تشريع حكيم

قال: [خطبة تشريع حكيم] أين الساسة والسياسيون؟

[ولما كثر السبي بأيدي المسلمين مع جواز التسري بالسبايا] وأكثر العوام اليوم لا يعرفون السبي ولا التسري، السبي هو: ما يسبى ويؤخذ من الحرب، والتسري هو أن يطأ الرجل المسبية لفائدتها وفائدته [وكانوا قد أكلوا لحوم الحمر الأهلية لتوفرها في خيبر، وعدم الحاجة إليها] الحمر كانت كثيرة؛ لأنهم يستخدمونها في الفلاحة، فالأصحاب -أي: جيش الرسول صلى الله عليه وسلم- أكلوا من تلك الحمر، ذبحوا وأكلوا قبل أن يحرّمها الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

قال: [خطب فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمن خطبته قواعد تشريعية -هامة- تتعلق بالسبي وغيره] والخطبة هذا أوان قولها.

[قال ابن إسحاق بن حنش الصنعاني : غزونا مع رويفع بن ثابت الأنصاري المغرب] وهذا من التابعين يحدث عمن غزوا المغرب العربي ليُدخلوه في رحمة الله [فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها: جرْبَة] وهي مدينة من مدن تونس [فقام فينا خطيباً] ذاك الصاحب المجاهد لما افتتحوا القرية قام يخطب ائتساء برسول الله وخطبته في خيبر [فقال: يا أيها الناس! لا أقول فيكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فينا يوم خيبر] لما افتتحوا هذه المدينة وفيها -قطعاً- السبي والمال قام هذا القائد المظفر وقال: لا أقول فيكم إلا ما قاله فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر.

[فقال: ( لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره -يعني إتيان الحبالى من السبايا- )] وهذا كناية عن الجماع، فإذا كانت المرأة حبلى لا يحل لك أن تطأها فتسقي بمائك ذاك الزرع الذي زرعه غيرك، فلهذا من تزوج حبلى لا يحل له أن يطأها حتى تلد وتطهر، وعلى فرض أن شخصاً كان مسافراً ثم رجع ووجد امرأته حبلى وسفره منذ سنة أو سنتين فهذا الولد ليس له، وعليه أن لا يجامعها.

قال: [( ولا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتى يستبرئها )] حتى التي ما هي بحبلى لا يطأها وقد أصبحت ملكه حتى يستبرئها، أي: يستبرئ رحمها بأنه خالٍ ليس فيه جنين، أو ليس فيه حمل وذلك بحيضة، فإذا حاضت المسبية معناها أنه ليس عندها حمل، ويكفي حيضة واحدة، أما العدة فهي ثلاث حيضات، وذاك شيء آخر.

[( ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم )] لا يجوز لأحد أن يأخذ من الغنيمة شيئاً ويبيعه في الأسواق قبل أن تقسم الغنيمة على أصحابها، فالمال يبقى محترماً حتى يجري القائد تقسميه على المجاهدين، ولا يحل لأحد أن يأخذ ولو قطعة من ذهب أو سيفاً ثم يبيعه.

[( ولا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه )] لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب حماراً أو بغلاً أو فرساً يستخدمه وهو من السبي قبل القسمة، حتى إذا أتعبها وهزلت ردها.

[( ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه -مزقه- رده فيه )] هذه خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر، خطبها الصحابي في المغرب في مدينة جربة بالحرف الواحد، وطبقت كما هي.

قال: [ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية؛ فإنها رجس] لما أكلوا منها وشبعوا لكثرتها في خيبر نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال؟ أيها الناس! إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية؛ فإنها رجس، أي: وسخ ونجس، لا يحل أكلها أبداً، كالجيفة أو الخنزير أو الدم وسائر المحرمات، والحمر الأهلية هي التي تعيش بين الناس يربونها ويستخدمونها ويطعمونها، أما الحمر البرية الوحشية فهذه تؤكل، وتوجد بين الجبال.

وبعد هذا الإعلان! ماذا تقولون في هذا المجاهد الذي لما سقطت مدينة جربة وبين أيديهم السبايا والأموال ذكرهم بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم بالحرف الواحد؟! هل المسلمون يعرفون هذا وخاصة قادة الجيوش؟

وهم الذين لا يجتمعون على دراسة الكتاب والحكمة طوال العمر فأنى لهم أن يعلموا، وكيف يعلمون؟ أيوحى إليهم؟!

دعوة نبوية مستجابة

قال: [دعوة نبوية مستجابة] قبلها الله واستجاب جل جلاله وعظم سلطانه.

[أثناء قتال الرسول صلى الله عليه وسلم ليهود خيبر وفتح حصونهم، أتاه بنو سهم من أسلم] أثناء القتال والمعركة دائرة أتى بنو سهم من أسلم وهم جماعة [وقالوا: يا رسول الله! لقد جهدنا] أي: تعبنا [وما بأيدينا من شيء، فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعطيهم إياه] شكوا إليه الفقر والحاجة وما عنده ما يعطيهم [فقال داعياً] فزع صلى الله عليه وسلم إلى الملك الذي بيده خزائن السماوات والأرض وقال: [( اللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه؛ فافتح عليهم أعظم حصونها غناءً وأكثرها طعاماً وودكاً )].

قال: [فغدا الناس للقتال، ففتح الله حصن الصعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن أكثر طعاماً وودكاً منه] كانوا سألوه ما سألوه في المساء، ثم خرجوا مجاهدين في الصباح ففتح الله عليهم أكبر حصن في خيبر، وأكثر الحصون أكلاً وطعاماً وودكاً.

إذاً: هذه دعوة مستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم من الله جل جلاله وعظم سلطانه، ولكن كيف دعا؟ هل قال: اللهم إني أسألك بحق خليلك إبراهيم، أم: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بسيدي فلان بن فلان؟ أين دعوات الغالطين والهابطين؟ إنهم لا يسألون الله وحده أبداً، إلا: أسألك بجاه فلان وبحق فلان، وهل الرسول سأل بحق إبراهيم أو بجاه داود أو سليمان أو بجاه إسماعيل أو زكريا؟ والله ما ثبت شيء من هذا.

من علمنا نحن إذاً اللهم إنا نسألك بحق نبيك، أو بجاه فلان وفلان؟! إنه الثالوث الأسود! هو الذي علمنا وسائل لا يعطى بها، ودعوات لا يستجاب لها، حتى نبقى دائماً رهن أيديهم.

إذاً: لا يحل لمؤمن أن يتوسل إلى الله بوسيلة باطلة، لم تضيع وقتك قائلاً: يا ألله! إني أسألك بحق نبيك، أو بجاه إبراهيم، أو بحق الصالحين، أو بجاه سيدي فلان؟! هذا كله باطل وليس بوسيلة أبداً، لماذا علمنا العدو هذه الوسيلة؟ حتى لا يستجاب لنا أبداً؛ لأن الوسيلة النافعة أن تتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، تتوسل إليه بصلاة تصليها، أو بصيام تصومه، لا أنك تتوسل إليه بحق فلان، ومن هو هذا الذي له حق على الله؟ الإمام الأعظم أبو حنيفة يرى أن قول: اللهم إني أسألك بحق فلان كفر! كيف؟

يعني: أيّ إنسان له حق على الله؟ أيوجد من له حق على الله؟ كيف تقول: أسألك بحق فلان؟ معناه: إن لم تعطني أنت من فضلك وإحسانك أعطني بحق فلان عليك، هذا كفر! وهذه الوسيلة سائدة في العالم الإسلامي عربه وعجمه.

هذا والله تعالى أسأل أن يعلمنا، ويزيل عنا هذه الجهالات ويبعد عنا هذه الظلمات، وأن يجمعنا دائماً على كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..