حكم صلاة التسابيح [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سَهِّل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعُنا، وانفَعنا بما علمتَنا يا أرحم الرحمين، اللهم زدنا علمناً نافعاً، وعملاً صالحاً، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

فصلاة التسبيح وصلاة التسابيح، سميت بذلك لوقوع تسبيحات زائدة فيها على التسبيحات المعروفة في الصلاة، فينبغي للإنسان أن يأتي بثلاثمائة تسبيحة فيها زائدة على ما يأتي به من تسبيحات الركوع والسجود، فيصلي صلاة عادية من أربع ركعات، وإذا كانت الصلاة في الليل فالأحسن أن يفصل ركعتين عن ركعتين، وإذا كانت في النهار فهو مخير والأولى الإتمام كما قال أئمتنا: تكون صلاة النهار أربع ركعات بتسليمة واحدة في آخر جلوسه يسلم عن يمينه وعن شماله، ثم بعد ذلك يقول ثلاثمائة تسبيحة زائدة على ما يأتي به من تسبيحات الركوع والسجود: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله وأكبر، ووردت زيادة في مستدرك الحاكم في بعض أحاديثها: ( ولا حول ولا قوة إلا بالله ).

وعليه؛ فصيغة التسبيح الزائدة: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله وأكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذه يفرقها على ركعات الصلاة الأربع، وتفريقها يكون على كيفيتين اثنتين كل منهما ورد به الحديث، وأفتى بموجب هاتين الكيفيتين أئمة الإسلام:

الكيفية الأولى: ورد بها الحديث في سنن البيهقي كما سيأتينا في سرد روايات الحديث، وأفتى بها شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، أن يقول بعد دعاء الاستفتاح: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك، تقول قبل قراءة الفاتحة خمس عشرة مرة: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يقرأ الفاتحة وسورة، وقبل أن يركع يقول أيضاً عشر مرات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فصار معنا خمساً وعشرين تسبيحة، فإذا ركع يقول تسبيحات الركوع، ويزيد عليها عشر تسبيحات زائدة: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا رفع من الركوع يقول الدعاء: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد إلى آخره، ويقول عشر مرات التسبيحات الزائدة: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإلى هنا خمس وأربعين تسبيحة، فإذا سجد قال في السجدة الأولى عشر مرات أيضاً مع تسبيحات السجود، فإذا رفع من السجود قال عشر مرات بين السجدتين، فإذا سجد السجدة الثانية قال عشر مرات، فأكمل خمساً وسبعين تسبيحة، ويفعل في الركعة الثانية والثالثة والرابعة كما فعل في الأولى، فإذا قام قبل أن يقرأ الفاتحة يأتي بخمسة عشرة تسبيحة، وهكذا.

الكيفية الثانية: أنه إذا ابتدأ صلاته وأتى بدعاء الاستفتاح يقرأ الفاتحة وسورة وقبل الركوع يقول التسبيحات خمس عشرة مرة: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا ركع قالها عشر مرات، فإذا رفع من الركوع قالها عشر مرات، فإذا سجد قالها عشر مرات، فإذا رفع من السجود قالها عشر مرات، فإذا سجد الثانية قالها عشر مرات، فصار معه خمساً وستين تسبيحة، فإذا رفع من السجدة الثانية وقبل أن يقوم يجلس جلسة الاستراحة، يضم إليها عشر تسبيحات أخر، مع جلسة الاستراحة فتصير خمساً وسبعين تسبيحة.

هاتان الكيفيتان واردتان، وكما قلت: أفتى بموجبهما أئمة الإسلام.

لكن ما درجة الحديث الذي ورد بصلاة التسبيح؟ وما حكم صلاة التسبيح؟ وهل هي سنة أو بدعة؟

كثر الكلام في ذلك، وقد أفتى كثير من المشايخ الكرام في هذا العصر ببدعية صلاة التسابيح أو صلاة التسبيح، وهي صلاة أربع ركعات يقول فيها ثلاثمائة تسبيحة كما ذكرت، فقال: هذا بدعة، والحديث الوارد فيها غير صحيح، وامتنع بعض من كانوا يفعلونها عن فعلها بناءً على هذه الفتيا.

عندما كنت في أبها سئلت عنها وكان بعض المشايخ الكرام المعاصرين قد كتب بحثاً ونُشر في الصحف الإسلامية، وبحثه يدور حول اختلاف العلماء، فمال إلى هذا القول أيضاً وهو: أن صلاة التسبيح والتسابيح بدعة، وذكر الخلاف بين العلماء أسبابه وموقفنا منه، يقول في السبب السادس: أن يأخذ العالم بحديث ضعيف ويستدل استدلالاً ضعيفاً، وهو كثير جداً، ومن أمثلته -أي: أمثلة الاستدلال بالحديث الضعيف- ما ذهب إليه بعض العلماء من استحباب صلاة التسبيح، وهي: أن يصلي الإنسان ركعتين يقرأ فيهما بالفاتحة ويسبح خمس عشرة تسبيحة، وكذلك في الركوع والسجود إلى آخر صفتها التي لم أضبطها؛ لأنني لا أعتقدها من حيث الشرع.

ويرى آخرون أن صلاة التسبيح بدعة مكروهة، وأن حديثها لم يصح، وممن يرى ذلك الإمام أحمد رحمه الله -نعم كان يقول بذلك ثم رجع عنه كما سيأتينا تقرير ذلك في هذا المبحث إن شاء الله- وقال: إنها لا تصح عن النبي عليه الصلاة والسلام.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن حديثها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي الحقيقة من تأملها وجد أن فيها شذوذاً حتى بالنسبة للشرع، إذ أن العبادة إما أن تكون نافعة للقلب، ولا بد لصلاح القلب منها، لتكون مشروعة في كل وقت وفي كل مكان، وإما ألا تكون نافعة فلا تكون مشروعة، وهذه -في الحديث الذي جاء عنها- يصليها الإنسان كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر أو في العمر مرة، هذا لا نظير له في الشرع، فدل على شذوذها سنداً ومتناً، وأن من قال: إنها كذب كـشيخ الإسلام ؛ فإنه مصيب؛ ولذا قال شيخ الإسلام : إنه لم يستحبها أحد من الأئمة، وإنما مثلت بها لأن السؤال عنها كثير من الرجال والنساء، فأخشى أن تكون هذه البدعة أمراً مشروعاً، وإنما أقول: بدعة، ولو كانت ثقيلة على بعض الناس؛ لأننا نعتقد أن كل من دان الله سبحانه مما ليس في كتاب الله أو سنة رسوله عليه الصلاة والسلام فإنه بدعة.

والشيخ الكريم كاتب المقال يذهب إلى أن الحديث لا يصح، وأنها بدعة، وقد سبق بذلك ولا شك وهو في ذلك مقلد لغيره، لكن ليس هذا هو طريق البحث، فعندما يقول: لا أضبطها ولا أعرفها ويحكم عليها بالشذوذ سنداً ومتناً، فهذا فيه ما فيه، فنقول: كيف تبحث في شيء وتصدر الحكم عليه دون الوقوف عليه من جميع أحواله؟! والأصل أن تحيط بكيفيتها وبالأدلة الواردة فيها، ثم بعد ذلك تصدر الحكم عليها، وأما تعليله بعد ذلك بشذوذها؛ لأن هذه لا نظير لها في الشرع، فهذا سيأتينا عليه الجواب إن شاء الله.

إذاً: الحكم مثل هذا يقع في هذا الوقت، ويسأل طلبة العلم عن هذه الصلاة بكثرة، فلا بد إذاً من تحقيق الكلام فيها، وإليكم إن شاء الله الخبر عن صلاة التسبيح أو التسابيح.

حديث صلاة التسبيح والتسابيح ورد في السنن، رواه الإمام أبو داود في سننه، وابن ماجه في سننه أيضاً، والحاكم في مستدركه، وأقره عليه الذهبي ، ورواه ابن خزيمة في صحيحه، وقال: في القلب من إسناده شيء، ورواه البغوي في شرح السنة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ورواه الترمذي في السنن، وابن ماجه في السنن، والبيهقي في السنن الكبرى، والدارقطني في السنن، وابن أبي شيبة في المصنف من رواية أبي رافع رضي الله عنهم أجمعين.

وهذان الطريقان مع طريق ثالث سأذكره إن شاء الله عما قريب، وهو طريق عبد الله بن عمر أصح طرق حديث صلاة التسبيح، نعم، رويت من طرق كثيرة زادت عن عشرة من الصحابة كما سيأتينا كلام الحافظ ابن حجر في ذلك، لكن أمثل الطرق وأقواها طريق ابن عباس وأبي رافع وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين.

ولفظ الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه العباس : (يا عباس ! يا عماه! ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أجيزك؟ -أعطيك جائزة- ألا أفعل بك..)، وفي بعض الروايات: (ألا أحبوك؟ ألا أنفعك، عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك)، إذاً كأنه يقول: إذا فعلت ذلك أعطاك الله عشر خصال، والتقدير: إذا فعلت ما سأعلمك إياه، وما سأحبوك به، وما سأعطيك إياه، وما سأنفعك به، تحصل على عشر خصال، هذه العشر خصال هي:

أولها: أن يغفر الله لك ذنبك: أوله، وآخره، يعني: ما تقدم وما يأتي في المستقبل، قديمه، وحديثه، خطأه، وعمده، صغيره، وكبيره، سره، وعلانيته، فذنوبك التي لا تخرج عن كيفية وحالة من هذه الحالات تغفر بفضل رب الأرض والسموات إذا قلت بما سأحبوك وبما سأعلمك إياه: (أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمس عشرة مرة، إلى آخره، ثم تركع)، كما بينت لكم الحديث، والكيفية الثانية أنه يقول قبل القراءة.

وفي آخر الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تفعل ذلك في أربع ركعات، إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي كل عمرك مرة)، فهذه أربع ركعات يسلط عليها ثلاثمائة تسبيحة زائدة بدءاً من القيام إلى السجدة الثانية أو الرفع من السجدة الثانية، ولا بد من التشهد كما قلنا، كما يصلي الصلاة يعني هو إذا صلى الإنسان نافلة فله أن يفصل بينهما بتشهد وله ألا يفصل بينهما بتشهد، والأمر يسير في ذلك، وحكمها حكم الصلاة العادية.

وعليه إذا صليت أربع ركعات ففي الركعة الثانية تجلس، وتأتي بالتشهد فهذا أكمل وأحسن، وإن قمت فلا حرج عليك، وإذا جلس يأتي بعد ذلك بأدعية الصلاة، ويأتي بالتشهد، فيأتي بالصلاة كما هي ويزيد فيها هذه التسبيحات، أما التشهد فيأتي به كما لو كانت الصلاة صلاة نافلة مطلقة، والمقصود أربع ركعات بهذه التسبيحات الزائدة، فيقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذه كلها واحدة، ويعيدها مرة ثانية: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله وهذه واحدة، فالمجموع كما قلت: ثلاثمائة، في كل ركعة خمس وسبعون تسبيحة.

ولا يمسك سبحة ولا شيء، بل يضبطها، والأمر ليس فيه كلفة على الإطلاق.

هذه الكيفية إذا صلاها الإنسان غفر الله له ذنبه، أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته.

والحديث كما قلت مروي في هذه الكتب، وفي رواية الطبراني في معجمه الكبير كما في المجمع زيادة، وفيه: يقول النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث: (ولو كانت ذنوبه كمثل زبد البحر أو مثل رمل عالج)، وهي رمال متراكمة في جانب ومكان من البادية، معروفة عند أهل البادية، فإذا فعلت هذا وكانت ذنوبك مثل زبد البحر أو مثل رمل عالج غفر الله لك.

هذا الحديث الذي ذكرته كما قلت أئمتنا اختلفوا في منزلة هذا الحديث، وبناء على اختلافهم في منزلته ودرجته بنوا حكمهم على صلاة التسبيح؛ فعلها هل هو مستحب أو لا؟

ذهب الجم الغفير من علماء المسلمين من المتقدمين والمتأخرين إلى تصحيح هذا الحديث، وإلى استحباب صلاة التسابيح، من جملة من صحح الحديث الإمام الحاكم في المستدرك، وأقره عليه الذهبي في الجزء الأول صفحة تسع عشرة وثلاثمائة، وبعد أن روى الحديث المتقدم من رواية ابن عباس رضي الله عنهما -وهذه الطريقة الثالثة التي سأذكرها- قال: وقد صحت الرواية أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم علم ابن عمه هذه الصلاة، وهو جعفر بن أبي طالب، كما علمها لعمه العباس رضي الله عنهم أجمعين.

قال الحاكم: إسناد الحديث صحيح لا غبار عليه، وأقره على ذلك الإمام الذهبي ، فهذا إمام من أئمة الإسلام، وبعده الذهبي يقره على هذا الكلام وأن الحديث صحيح، والحاكم كما تعلمون توفي سنة خمس وأربعمائة للهجرة، وجاء بعده شيخ الإسلام الإمام المنذري ، ففي الترغيب والترهيب أيضاً ذهب إلى تصحيح هذا الحديث، ونقله عن جمع غفير من أئمة المسلمين والحفاظ الكرام الراسخين، ففي الجزء الأول صفحة ثمان وستين وأربعمائة، بعد أن روى حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما الذي ذكرته آنفاً، وذكر زيادة الطبراني قال الحافظ : ورواه الطبراني وقال في آخره: (فلو كانت ذنوبك مثل زبد البحر أو رمل عالج غفر الله لك)، قال الحافظ الإمام المنذري عليه رحمة الله: وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة، وعن جماعة من الصحابة، وأمثلها حديث عكرمة هذا، وقد صححه جماعة، منهم الحافظ أبو بكر الآجري ، وشيخه أبو محمد عبد الرحيم المصري ، وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي رحمهما الله تعالى.

وقال أبو بكر بن أبي داود : سمعت أبي يقول: ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا.

وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله: لا يروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا، يعني إسناد حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.

وقال الحاكم : قد صحت الرواية عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ابن عمه هذه الصلاة، ثم بعد ذلك بدأ يسرد بقية الروايات الواردة لصلاة التسبيح.

وممن ذهب أيضاً إلى تصحيح الحديث الإمام ابن عراق في كتابه تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، في الجزء الثاني صفحة سبع ومائة، وابن عراق أورد هذا في الفصل الثاني من كتاب الصلاة، ولكتابه اصطلاح خاص ينبغي أن يعيه طلبة العلم، حيث جعل الكتاب مقسماً على كتب: كتاب الصلاة، كتاب الصيام، كتاب الزكاة.. وكل كتاب مقسم إلى ثلاثة فصول، فالفصل الأول يقصد به ما رواه ابن الجوزي في الموضوعات وحكم عليه بالوضع ولم ينازع فيه، فهو موضوع بالاتفاق، فإذا قلت: أما ذكره ابن عراق في تنزيه الشريعة وكان عليك أن تبين في أي فصل ولا بد، لأنك عندما تقول: في الفصل الأول، تخبر القارئ أن هذا مجمع على وضعه.

والفصل الثاني: ما رواه ابن الجوزي في الموضوعات ونوزع وخولف، فجاء هذا الإمام الحافظ الذي توفي سنة ثلاث وستين وتسعمائة للهجرة، فحقق الكلام، هل الصواب مع ابن الجوزي أو مع المعارض؟

والفصل الثالث: أحاديث ادعي عليها الوضع ولم يذكرها ابن الجوزي في الموضوعات فذكرها وبين قيمتها، فالفصل الأول والثاني لما هو في موضوعات ابن الجوزي : الأول متفق على وضعه، والثاني فيه نزاع فيحقق الكلام.

فأورد هذا كما قلت في كتاب الصلاة في الفصل الثاني، فحكى كما قلت اثنين وعشرين خصلة في هذا الكتاب، وهي الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة، في صفحة سبع وتسعين، روى حديث صلاة التسبيح، يقول ابن عراق : وأورد الحافظ ابن حجر حديث ابن عباس في كتاب الخصال المكفرة وقال: أي ذنوب متقدمة ومتأخرة، وقال: رجال الإسناد لا بأس بهم، وقد أساء ابن الجوزي لذكره في الموضوعات، ثم بدأ الإمام ابن عراق يحقق الكلام إلى أن قال: وممن صحح هذا الحديث أو حسنه غير من تقدم الإمام ابن منده ، ألف فيها كتاباً، أي: في طرق وأحاديث صلاة التسابيح، والآجري والخطيب البغدادي وأبو سعد بن السمعاني وأبو موسى المديني وأبو الحسن بن المفضل والمنذري وابن الصلاح والنووي في تهذيب الأسماء واللغات، والسبكي وآخرون. هؤلاء كلهم صححوا حديث صلاة التسابيح.

ثم بعد أن انتقل إلى الصفحة الثانية ولا زال يقرر تصحيح الحديث ويرد على ابن الجوزي ، قال: وممن صحح حديثها أو حسنه غير من تقدم أيضاً، الحافظ العلائي ، وشيخ الإسلام سراج الدين البلقيني ، والشيخ بدر الدين الزركشي ، فالإمام ابن عراق في هذا الكتاب يرى أن الحديث أيضاً صحيح.

وهكذا الحافظ محمد بن عبد الله بن محمد الدمشقي المعروف بـابن ناصر الدين ، كان شيخ دار الحديث الأشرفية في زمنه في دمشق، وتوفي سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة للهجرة، ألف جزءاً خاصاً في تصحيح أحاديث صلاة التسبيح سماه: الترجيح لحديث صلاة التسبيح، وختم الكتاب بقوله: فينبغي لكل ذي ميز -أي: تمييز- صحيح ألا يغفل عن صلاة التسابيح، وأن يصليها ولو في عمره مرة، ويجعلها ليوم فاقته ذخراً، فلا ينفع امرأً بعد مماته إلا ما قدم من صالح في حياته، والموفق هو الله الجليل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولما انتهى ما أمليناه قلت أبياتاً في معناه من هذه الأبيات:

إن أردت الثواب بالترجيح صل لله سبحة التسبيح

إن فيها رغايباً وأجوراً ودواءاً لكل قلب جريح

فتقرب بفعلها تعطى ذيلاً وثواباً يجل عن تصريح

مع زوال لكل ذنب قديم وحديث جنيته وقبيح

لا تدعها فإن فيها حديثاً من وجوه مقارباً للصحيح

والذي وهن الحديث بوضع قوله ذاهب مع المرجوح

والذي وهن الحديث بوضع: هو ابن الجوزي قال: إنه موضوع، قوله: ذاهب مع المرجوح.

فتمسك بستة كيف جاءت عن ثقات عن الحبيب المليح

فالإمام محمد بن ناصر الدين الدمشقي الذي توفي سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة يرى أن حديث صلاة التسابيح حديث صحيح، وألف في ذلك كتاباً مستقلاً، تتبع طرق هذا الحديث، وبين كما قلت صحته، وختم الكتاب بما سمعتموه.

ومنهم شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله جل وعلا، وقد توفي سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، يعني بعد ابن ناصر الدين بعشر سنوات، في تعليقه على المشكاة مشكاة: المصابيح، ورد الاعتراضات التي وجهت على أحاديث في المشكاة، بيّن أن حديث صلاة التسابيح لا ينزل عن درجة الحسن، ففي الجزء الثالث في آخر المشكاة في رد اعتراضات على أحاديث مشكاة المصابيح، صفحة تسع وسبعين وسبعمائة بعد الألف في آخر الكتاب، يقول: الحديث الثالث، أي: من الأحاديث التي وجه عليها اعتراض في المشكاة حديث صلاة التسابيح.

قول الإمام أحمد في صلاة التسابيح

أما ما نقله عن الإمام أحمد ففيه نظر؛ لأن النقل عنه اختلف، ولم يصرح أحد عنه بإطلاق الوضع على هذا الحديث، وقد نقل الشيخ الموفق ابن قدامة عن أبي بكر الأثرم ، قال: سألت أحمد عن صلاة التسبيح؟ فقال: لا يعجبني، ليس فيها شيء صحيح، ونفض يده كالمنكر، وهذا موجود في كتاب المغني للإمام ابن قدامة في الجزء الأول صفحة ثمان وستين وسبعمائة.

وقد روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنهم أجمعين: (ألا أعطيك؟...)، الحديث الذي ذكرته، رواه أبو داود والترمذي ، ولم يثبت أحمد الحديث المروي فيها، ولم يرها مستحبة، ثم قال ابن قدامة : وإن فعلها إنسان فلا بأس، فإن النوافل والفضائل لا يشترط صحة الحديث فيها، هذا على القول بأن الحديث لم يصح، أي: يقول ابن قدامة : إذا فعلتها، وإن لم يصح الحديث وهو ضعيف، فالفضائل لا يشترط صحة الحديث فيها، هذا في المغني كما ذكر الإمام ابن حجر في آخر الأحاديث المنتقدة على مشكاة المصابيح.

ثم قال الموفق ابن قدامة : قلت: وقد جاء عن أحمد أنه رجع عن ذلك -أي: عن القول بأنها بدعة- والحديث فيها لا يصح.

فقال علي بن سعيد النسائي : سألت أحمد عن صلاة التسابيح؟ فقال: لا يصح فيها عندي شيء، قلت: المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء في الكتاب عندكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، يعني وردت من طريق المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص وسيأتينا هذا من جملة الطرق لحديث صلاة التسابيح، عن أكثر من عشرة من الصحابة، منهم: عبد الله بن عمرو ، قال: من حدثك؟ قلت: مسلم بن إبراهيم ، قال: المستمر ثقة، وكأنه أعجبه، انتهى. يعني: حديث صلاة التسبيح.

كلام ابن حجر والزبيدي في حديث صلاة التسابيح

قال الحافظ ابن حجر : فهذا النقل عن أحمد يقتضي أنه رجع إلى استحبابها، وأما ما نقله عنه غيره فهو معارض بمن قوى الخبر فيها، وعمل بها، وقد اتفقوا على أنه لا يعمل بالموضوع، وإنما يعمل بالضعيف في الفضائل وفي الترغيب والترهيب، وسأذكر كلام الحافظ بالحرف قال: وقد أخرج حديثها أئمة الإسلام وحفاظه أبو داود في السنن، والترمذي في الجامع، وابن خزيمة في صحيحه، لكن قال: إن ثبت الخبر، والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد، والدارقطني أفردها بجميع طرقها في جزء، ثم فعل ذلك الخطيب البغدادي، ثم جمع طرقها الحافظ أبو موسى المديني في جزء سماه: تصحيح صلاة التسابيح، وقد تحصل عندي من مجموع طرقها عن عشرة من الصحابة من طرق موصولة، وعن عدة من التابعين من طرق مرسلة، قال الترمذي في الجامع: باب ما جاء في صلاة التسابيح، فأخرج حديثاً لـأنس في مطلق التسبيح في الصلاة زائداً على أحاديث ذكره في الركوع والسجود، ثم قال: وفي الباب عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو والفضل بن عباس وأبي رافع ، وزاد شيخنا أبو الفضل العراقي الحافظ أنه ورد أيضاً من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب ، هذه خمسة، وزدت عليهما فيما أمليته من تخريج الأحاديث الواردة في الأذكار للشيخ محي الدين النووي عن العباس بن عبد المطلب وعن علي بن أبي طالب وعن أخيه جعفر بن أبي طالب، وعن ابنه عباس بن جعفر وعن أم المؤمنين أم سلمة وعن الأنصاري وهو غير مسمى، وقال الحافظ المزي : إنه جابر ، فهؤلاء عشرة أنفس وزيادة أم سلمة والأنصاري ، وسوى حديث أنس الذي أخرجه الترمذي ، ثم ساق الحافظ هذه الروايات كلها.

قال: وأما من رواه مرسلاً فجاء عن محمد بن كعب القرظي ، وأبي الجوزاء ، ومجاهد ، وإسماعيل بن رافع ، وعروة بن رويم ، ثم روي عنهم مرسلاً كما روي عن بعضهم موصولاً، أما حديث ابن عباس ثم بدأ يبين كل حديث من خرجه من أهل الكتب المصنفة.

ثم بعد أن انتهى من تخريج هذه الروايات ومن روى هذه الأحاديث عن هؤلاء والصحابة الكرام، قال: وقد جمعت طرقه مع بيان عللها، وتفصيل أحوال رواتها، في جزء مفرد، وقد وقع فيه مثال ما تناقض فيه المتأولان، يقصد عالمان تناقضا فيه في التصحيح والتضعيف، وهما: الحاكم وابن الجوزي ، فإن الحاكم مشهور بالتساهل في التصحيح، وابن الجوزي مشهور بالتساهل في دعوى الوضع، كل منهما روى هذا الحديث، فصرح الحاكم بأنه صحيح، وصرح ابن الجوزي بأنه موضوع، والحق أنه في درجة الحسن لكثرة طرقه التي يقوّى بها، والعلم عند الله جل وعلا.

هذا كلامه في آخر مشكاة المصابيح، فالحافظ ابن حجر ممن يذهب إلى تصحيح الحديث، والتحسين والتصحيح في درجة واحدة ولا يضر، والمقصود أن الحديث ثابت يعمل به، وهو حجة بلا نزاع.

وممن ذهب إلى تصحيح الحديث واعتباره وقبوله الإمام الزبيدي الذي توفي سنة خمس ومائتين وألف للهجرة، في شرح الإحياء، وأطال الكلام في ذلك في الجزء الثالث صفحة خمس وسبعين وأربعمائة، أطال الكلام في ذلك جداً بحيث أخذ قرابة صفحتين، وسأذكر مختصراً من كلامه شيئاً، يقول بعد أن ذكره: هذا حديث صحيح غريب جيد الإسناد والمتن، ثم عدد من أخرجوه، ثم رد على ابن الجوزي في الحكم عليه بالوضع، وقال: طريق هؤلاء ليست ضعيفة، فضلاً عن أن يقال: موضوعة، ثم بعد أن رد على من طعن في بعض رجال الإسناد بأن طعنه في غير محله قال: وهذا إسناد حسن، ثم بعد ذلك بين أن الأئمة عملوا بهذا واستعملوه وقالوا به، وسيأتينا إن شاء الله موضوع التحقيق في نهاية الأمر في موضوع عمل الأئمة بحديث صلاة التسابيح.

وقد كتب الحفاظ فيه أجزاء مستقلة وصححوها، منهم الدارقطني توفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة للهجرة، والخطيب توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة للهجرة، وأبو سعيد السمعاني توفي سنة اثنتين وستين وخمسمائة للهجرة، وأبو موسى المديني توفي سنة واحدة وثمانين وخمسمائة للهجرة، ألف جزءاً سماه: تصحيح صلاة التسبيح من الحجج الواضحة والكلام الفصيح، ومنهم الحافظ ابن حجر ، والإمام السيوطي ، وألف جزءاً في تصحيح حديث صلاة التسبيح وغيرهم وغيرهم كثير، فهذه نماذج لمن صححها وألف في طرقها جزءاً.

أما ما نقله عن الإمام أحمد ففيه نظر؛ لأن النقل عنه اختلف، ولم يصرح أحد عنه بإطلاق الوضع على هذا الحديث، وقد نقل الشيخ الموفق ابن قدامة عن أبي بكر الأثرم ، قال: سألت أحمد عن صلاة التسبيح؟ فقال: لا يعجبني، ليس فيها شيء صحيح، ونفض يده كالمنكر، وهذا موجود في كتاب المغني للإمام ابن قدامة في الجزء الأول صفحة ثمان وستين وسبعمائة.

وقد روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنهم أجمعين: (ألا أعطيك؟...)، الحديث الذي ذكرته، رواه أبو داود والترمذي ، ولم يثبت أحمد الحديث المروي فيها، ولم يرها مستحبة، ثم قال ابن قدامة : وإن فعلها إنسان فلا بأس، فإن النوافل والفضائل لا يشترط صحة الحديث فيها، هذا على القول بأن الحديث لم يصح، أي: يقول ابن قدامة : إذا فعلتها، وإن لم يصح الحديث وهو ضعيف، فالفضائل لا يشترط صحة الحديث فيها، هذا في المغني كما ذكر الإمام ابن حجر في آخر الأحاديث المنتقدة على مشكاة المصابيح.

ثم قال الموفق ابن قدامة : قلت: وقد جاء عن أحمد أنه رجع عن ذلك -أي: عن القول بأنها بدعة- والحديث فيها لا يصح.

فقال علي بن سعيد النسائي : سألت أحمد عن صلاة التسابيح؟ فقال: لا يصح فيها عندي شيء، قلت: المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء في الكتاب عندكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، يعني وردت من طريق المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص وسيأتينا هذا من جملة الطرق لحديث صلاة التسابيح، عن أكثر من عشرة من الصحابة، منهم: عبد الله بن عمرو ، قال: من حدثك؟ قلت: مسلم بن إبراهيم ، قال: المستمر ثقة، وكأنه أعجبه، انتهى. يعني: حديث صلاة التسبيح.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
حكم الغناء والموسيقى [1] 4006 استماع
حكم صلاة التسابيح [2] 3071 استماع
حكم ما يدور في القلوب 3012 استماع
أحكام الاستعاذة [1] 2970 استماع
أحكام الاستعاذة [2] 2786 استماع
حكم الغناء والموسيقى [2] 2647 استماع
حكم الغناء والموسيقى [3] 2312 استماع