أحكام الاستعاذة [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الرحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أخواتي الكريمات! انتهينا من مقدمة تفسير سورة الفاتحة، وقد دارت تلك المقدمة على ستة أمور مر الكلام عليها مفصلاً موضحاً بأدلته، وشرعنا في آخر الموعظة الماضية في أحكام الاستعاذة، وبينت أن الاستعاذة ليست من القرآن بإجماع علمائنا الكرام، وبينت بعد ذلك حكم الإتيان بها قبل قراءة القرآن، سواء كانت تلك القراءة في الصلاة أو في غير الصلاة، ثم انتهينا من ذلك، ثم تدارسنا بعد ذلك المبحث الثالث، ثم نتدارس الآن ما يتعلق بصيغة الاستعاذة، وذكرت في أول المبحث أن الصيغة المختارة عند القراء الكرام: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وهذه الصيغة تقدم معنا أن الإنسان يأتي بها إذا قرأ القرآن في أول قراءته، سواء كانت قراءته لأول السورة أو في وسطها، وسواء كانت تلك القراءة لسورة التوبة أو غيرها أيضاً، فإذا قرأ القرآن ينبغي أن يستعيذ بالله من الشيطان كما قال ذو الجلال والإكرام: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98].

وصيغة الاستعاذة المختارة كما قلت: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، ولو زاد أو نقص في هذه الصيغة فلا بأس، فالمقصود أن يستعيذ بالله من الشيطان، فلو قال: أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم، أو قال غير ذلك من الصيغ كل هذا يجزئه إن شاء الله بأنه أتى بالمطلوب، ألا وهو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ولذلك قال أئمتنا: كيفما استعاذ فهو حسن، وهذا كله وارد، فلو زاد في صفة الله جل وعلا: (أعوذ بالله المجيد)، (أعوذ بالله الكريم)، (أعوذ بالله القوي).. وهكذا لو جاء إلى الشيطان: (من الشيطان المريد)، (من الشيطان الغوي)، (من الشيطان الحقير).. كل هذا يجزئه، ولو أتى بالصيغة المتقدمة فهذا أحسن، وقد ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام أيضاً صيغ متعددة للاستعاذة، فلو أتى بها القارئ أيضاً لكان أكمل وأحسن، ولو كما قلت غيَّر أو بدل في الصيغة بزيادة في وصف الله، أو في وصف الشيطان الرجيم فذلك يجزئه، ولا حرج عليه إن شاء الله.

وسأذكر في بداية هذه الموعظة بعض الأحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام في استعاذته قبل قراءة القرآن، مما يدل على أن الأمر فيه سعة، وأن نبينا عليه صلوات الله وسلامه كان ينوع الاستعاذة ولا يقتصر على صيغة واحدة، والأمر كما قلت فيه سعة، وكيفما استعاذ فهو حسن.

الصيغة الأولى: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه

الصيغة الأولى التي كان نبينا عليه الصلاة والسلام يأتي بها عند قراءة القرآن كما ورد في مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة، ورواه الإمام ابن خزيمة في صحيحه، والإمام الدارمي في سننه، والبيهقي أيضاً في السنن الكبرى، والإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار، ورواها الإمام الدارقطني في السنن، وابن أبي شيبة في المصنف، من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر )، أي: قال تكبيرة الإحرام وأتى بها: (الله أكبر) ( ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول: (الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً)، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، ثم يقرأ القرآن بعد ذلك: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:1-2] ).

إذاً: كان يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يقول: الله أكبر كبيراً، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.

وفي رواية أبي داود : ( كان النبي عليه الصلاة والسلام يكبر -يعني: تكبيرة الإحرام- ثم يقول: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله -ثلاثاً- ثم يقول: الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً -أيضاً ثلاثاً- ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ).

إذاً: هذه صيغة ثابتة عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ولو استعاذ بها الإنسان قبل قراءة القرآن في الصلاة أو في غيرها يجزئه، وذلك حسن، ويكون قد أتى بالمطلوب، واقتدى بنينا عليه الصلاة والسلام في صيغة الاستعاذة: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه).

أما همز الشيطان ونفثه فقد روي تفسير ذلك عن نبينا عليه الصلاة والسلام في مسند الإمام أحمد (6/156) بسند مرسل من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن رحمه الله ورضي عنه، قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة من الليل يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ).

انتهبن أخواتي هنا في رواية الإمام أحمد تغيير في الصيغة عن الصيغة الماضية، هناك: (أعوذ بالله السميع العليم)، وهنا: (اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( تعوذوا بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه فقال الصحابة الكرام -كما في رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن وكما قلت: إسنادها مرسل- وما همزه ونفخه ونفثه يا رسول الله؟ قال: أما همزه فهذه المُوتة التي تأخذ بني آدم )، ويراد من المُوتة -بضم الميم وإسكان الواو- ضرب ونوع من الجنون يعتري الإنسان، نسأل الله العافية والسلامة من غضبه وعقابه بفضله ورحمته.

(همزه) يعني الموتة، وهو صرع الشيطان للإنسان، وأن يتسلط على ذهنه وعقله، بحيث يصبح في عقله مس، فيصبح كالذي يتخبطه الشيطان من المس.

وأما (نفخه) فالكبر، أي: يزين للإنسان أن يتكبر وأن يتعاظم وأن يتعالى على عباد الله جل وعلا.

وعلام يتكبر الإنسان وهو يعلم ممَ خلق وإلى أي شيء يصير؟ وما يعلم هل سيدخل الجنة أو النار؟

والكبر لا يليق إلا بالعزيز الجبار، ومن كان في قلبه مثقال ذرة من كبر لا يدخل الجنة، وهنا: ونفخه.

إذاً: (ومن نفخه) نفخهُ: الكبر، أي: أن يزين للإنسان الكبر.

وأما (نفثه) فالشعر، والشعر هو الكلام الموزون المقفى الذي يشتمل على منكرات، يدخل في ذلك دخولاً أولياً الغناء وقلة الحياء، ولذلك قرآن الشيطان الشعر والغناء، كما أن قرآن الرحمن القرآن الذي أنزله على نبينا عليه الصلاة والسلام، فذاك قرآن الشيطان، وهذا قرآن الرحمن، ولذلك لا يجتمعان في قلب إنسان، إما غناء وقلة حياء، وإما كلام الله جل وعلا، وحياء يتصف به الإنسان في هذه الحياة.

الشاهد أخواتي الكريمات أن هذا التفسير وارد عن نبينا عليه الصلاة والسلام، لكن بطريق مرسل، وهو في المسند (6/156) هذه الصيغة الأولى.

الصيغة الثانية: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه

والمسند أيضاً فيه صيغة أخرى من صيغ الاستعاذة وكذا السنن الأربع وصحيح ابن خزيمة وغير ذلك.

الرواية الأولى من رواية أبي سعيد الخدري : ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه )، ورواية المسند الثانية من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن مرسلة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام: ( اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه )، وقد رويت روايات متعددة في استعاذة نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام قبل قراءة القرآن الكريم.

من هذه الروايات: ما رواه الإمام أحمد في المسند أيضاً وأبو داود في السنن، ابن ماجه في سننه أيضاً، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والبيهقي في سننه، وأبو داود الطيالسي في مسنده، والإمام ابن الجارود في كتابه المنتقى، ورواه أيضاً الإمام ابن أبي شيبة في المصنف، وإسناد الحديث حسن صحيح كما أن الحديث الأول حديث أبي سعيد الخدري أيضاً صحيح، ولفظ الحديث الثاني من رواية جبير بن مطعم رضي الله عنه وأرضاه: ( أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة فقال فيها بعد أن كبر -يعني: تكبيرة الإحرام-: الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً ثلاثاً، ثم قال: الحمد لله كثيراً، الحمد لله كثيراً، الحمد لله كثيراً ثلاثاً، ثم قال: سبحان الله بكرة وأصيلاً، سبحان الله بكرة وأصيلاً، سبحان الله بكرة وأصيلاً ثلاثاً، ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه )، وعليه هنا الصيغة تختلف عن الصيغة المتقدمة، فهناك: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وأما هنا: ( أعوذ بالله من الشيطان )، وفي بعض الروايات: ( من الشيطان الرجيم )، وفي بعضها دون وصف الشيطان بأنه رجيم، وعليه تكون الصيغة: أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه.

قال: نفثه: الشعر، ونفخه: الكبر، وهمزه: المُوتة.

إذاً: هذه صيغة ثانية: (أعوذ بالله من الشيطان)، ما ذكر نعت الرحمن هنا ولا نعت الشيطان، فما قال: (أعوذ بالله السميع العليم)، ولا قال: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، إنما قال: ( أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه ) وفي بعض روايات ابن أبي شيبة التي رواها في مصنفه من رواية جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه )، وعليه تكون رواية ابن أبي شيبة في المصنف بهذه الصيغة كرواية الإمام أحمد في المسند التي تقدمت معنا من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن رحمة الله ورضوان الله عليهم أجمعين.

هذه صيغة ثانية، مما يدل على أن الأمر في الاستعاذة واسع، وأن الإنسان كيفما استعاذ فهو حسن، وقد أتى بالمطلوب، وامتثل أمر علام الغيوب: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98].

الصيغة الثالثة: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه

صيغة أخرى كان نبينا عليه الصلاة والسلام أيضاً يذكرها قبل قراءة القرآن، رواها الإمام أحمد في المسند أيضاً والإمام ابن ماجه في السنن، وابن خزيمة في صحيحه (1/240)، وأيضاً الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى، وبوب عليها الإمام ابن خزيمة في صحيحه باباً فقال: (باب: الاستعاذة في الصلاة قبل القراءة) ورواية الحديث هنا من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه )، وهذه تختلف عن الصيغتين المتقدمتين، والأمر كما قلت واسع.

الصيغة الرابعة: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه وشركه وشركه

رواية رابعة أيضاً: رواها الإمام أحمد في المسند (5/253)، وهي في مجمع الزائد (2/265)، وفي إسنادها رجل شامي لم يسم فهي من طريق يعلى بن عطاء عن شيخ من أهل دمشق، وفي بعض الروايات: عن رجل حدثه من أهل دمشق، عن أبي أمامة رضي الله عنه وأرضاه.

إذاً: الراوي عن أبي أمامة شيخ من أهل دمشق، رجل دمشقي لم يسم.

يعلى بن عطاء يقول: حدثني شيخ من أهل دمشق عن أبي أمامة الباهلي ، وأبو أمامة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة من الليل كبر ثلاثاً )، أي: قال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أو الصيغة المتقدمة: ( (الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً)، وسبح ثلاثاً، وهلل ثلاثاً )، أو الصيغة المتقدمة: ( سبحان الله بكرة وأصيلاً، سبحان الله بكرة وأصيلاً ).. وهلل ثلاثاً كما تقدم معنا أيضاً في رواية أبي داود : ( لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله ).

إذاً: إذا دخل في الصلاة يكبر ثلاثاً ويسبح ثلاثاً ويهلل ثلاثاً، وهذا كله من أذكار دعاء الاستفتاح يقوله الإنسان قبل القراءة، وقد نقل عن نبينا عليه الصلاة والسلام أدعية كثيرة من أدعية استفتاح الصلاة، كما في كتاب الأذكار للإمام النووي عليه رحمة الله، ثم يقول في رواية أبي أمامة هذه التي معنا في المسند: ( اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه وشركه وشَرَكه )، شِرْكِهِ بكسر الشين وإسكان الراء، وبفتح الشين والراء: وشَرَكه، وفي بعض الروايات أيضاً: ( اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه )، كالروايات التي تقدمت معنا.

إذاً: رواية (شِركه وشَرَكه)، ورواية: (ونفثه)، أما (شركه) أي: تزيينه للإنسان الشرك بالرحمن، أن يوقعه في الشرك.

(وشركه) من المصائب التي ينصبها، والحبال التي يربط بها الناس، والوساوس التي يصطاد بها الناس، (من شركه)، جمع شرك، وهو المصيدة والفخ.

إذاً: (همزه) الموتة، وهي نوع من الجنون والمس.

(نفخه): الكبر.

(شركه): تزيينه الشرك للإنسان.

(شَرَكه) أي: من مصائبه التي ينصبها للناس وسواوسه التي يوسوس بها للناس فيصطادهم بها.

إذاً: كان يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه وشِرِكه )، ( من همزه ونفخه وشَرَكه )، ( من همزه ونفخه ونفثه ).. كل هذا في هذه الرواية التي هي في مسند الإمام أحمد من طريق أبي أمامة رضي الله عنه وأرضاه، وكما قلت: في الإسناد رجل لم يسم، تابعي لم يذكر اسمه، إنما نعت بأنه شيخ من أهل دمشق كما يقول يعلى بن عطاء الذي روى عنه عن أبي أمامة رضي الله عنهم أجمعين.

الصيغة الخامسة: أعوذ بالله من همز الشيطان ونفخه ونفثه

أيضاً: ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام صيغ مثل هذا فيها شيء من التغيير عما تقدم، فقد ثبت في سنن الإمام الدارقطني (1/299)، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وإذا تعوذ قال: أعوذ بالله من همز الشيطان ونفخه ونفثه )، فهنا لم يذكر الشيطان إنما ذكرت طرقه ووساوسه ومضاره، واستعاذ نبينا عليه الصلاة والسلام بالله منها: (أعوذ بالله من همز الشيطان)، وتقدم معنا الموتة، وهي المس بالعقل ونوع من الجنون، ونفخه هو الكبر، ونفثه هو الشعر والغناء.

قال الإمام الدارقطني : المحفوظ عن عمر من قوله وهو الصواب. يعني: هذا الأثر محفوظ من كلام عمر وهو موقوف عليه رضي الله عنه وأرضاه وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فكان عمر رضي الله عنه إذا كبر للصلاة يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، أعوذ بالله من همز الشيطان ونفخه ونفثه، بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:1-2].

إذاً: هو من كلام عمر رضي الله عنه وأرضاه، ووهم بعض الرواة فرفعه إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، وإن كان مرفوعاً من كلام النبي عليه الصلاة والسلام فالأمر واضح، وهذه صيغة أخرى من صيغ التعوذ كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقولها، وإن كان الحديث موقوفاً على عمر رضي الله عنه -وهو من كلامه كما رجح ذلك الإمام الدارقطني - فهذا يدل أيضاً على أن الأمر فيه سعة، وأن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يقولون هذه الصيغ المتنوعة التي يشملها قول الله: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98].

وقد ورد في مصنف ابن أبي شيبة (1/237) عن الأسود بن يزيد رحمه الله، وهو من أئمة التابعين، قال: افتتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصلاة، ثم كبر، ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم تعوذ.

وفي بعض روايات المصنف: ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].

إذاً: ذكر الصيغة المختارة التي ذكرتها في أول البحث، وقلت: اختارها القراء الكرام، ثم تعوذ، وفي رواية في المصنف ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، الحمد لله رب العالمين، مما يدل كما تقدم معنا أن الأمر فيه سعة، وكيفما استعاذ فقد أحسن وأتى بالمطلوب.

الصيغة السادسة: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ثم يقرأ الثلاث الآيات الأخيرة من سورة الحشر

رواية سادسة في الاستعاذة منقولة عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وحديثها في درجة الحسن، وهذه الاستعاذة متعلقة بقراءة ثلاث آيات من القرآن ندبنا إلى قراءتها في الصباح وفي المساء مع صيغة الاستعاذة بالكيفية الواردة، فانتبهن إليها أخواتي الكريمات واحفظنها وحافظن عليها، وحديثها في درجة الحسن إن شاء الله، رواه الإمام أحمد في المسند، والإمام الترمذي والدارمي في السنن والبيهقي في شعب الإيمان، والإمام ابن السني في كتاب: عمل اليوم الليلة، وابن الظريف في فضائل القرآن، والإمام الطبراني في معجمه الكبير، وقد نص الإمام ابن الجزري في النشر في القراءات العشر في (1/250)، على أن إسناد رواية هذا الحديث في مسند الإمام أحمد إسناد صحيح، وقال الإمام ابن الجزري : قال الترمذي عن هذا الحديث: حسن غريب.

وكذلك قال السيوطي في الدر المنثور (6/202)، وهكذا قال الإمام الألوسي في روح المعاني (28/64)، لكن في نسخ الترمذي المطبوعة بين أيدينا في جميع نسخه، سواء في الطبعة المصرية أو في الطبعة الحمصية الشامية، أو في الطبعة الهندية، قال الإمام الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وليس فيه تحسين الحديث، وكذلك نقل الإمام ابن كثير في تفسيره هذا الحكم عن الترمذي بأنه غريب (4/344).

وكذلك فعل الإمام الذهبي في الميزان (1/632)، فقال: إن الترمذي لم يحسن الحديث، والحديث في إسناده خالد بن طهمان انفرد الترمذي بالرواية عنه، وهو من أهل الكوفة صدوق إن شاء الله، وقال الذهبي أيضاً في الميزان: وقد وثق، وقال ابن عدي كما في تهذيب التهذيب: لم أر له في مقدار ما يرويه حديثاً منكراً.

وغاية ما نقد عليه وتُكلم فيه: أنه اختلط في آخر حياته، وإلا فهو في نفسه ثقة، والعلم عند الله.

وقد نص أئمتنا على أن نسخ الترمذي تختلف أحياناً في تحسين الحديث وتضعيفه، فهنا الآن في بعض النسخ تحسين الحديث، وهي التي نقل عنها الإمام ابن الجزري والسيوطي والألوسي ، وفي بعض النسخ تضعيف الحديث والإشارة إليه بأنه غريب، وهي التي نقل منها ابن كثير والإمام الذهبي وغيرهم رحمهم الله، وهي التي بين أيدينا، لكن كما قلت: قال الإمام ابن الجزري : إسناد المسند حسن، والرواية لها شواهد -وكما قلت- إن شاء الله الحديث في درجة الحسن.

ولفظ الحديث: عن معقل بن يسار رضي الله عنه وأرضاه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر، وكل الله به سبعين ألف ملكٍ يصلون عليه حتى يمسي، وإن مات في يومه ذلك مات شهيداً، ومن قرأها حين يمسي فكذلك )، أي: وكل الله به سبعين ألف ملكٍ يصلون عليه حتى يصبح، وإن مات في ليلته تلك مات شهيداً، والآيات الثلاث من آخر سورة الحشر تبتدئ من قول الله جل وعلا: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:22-24]، هذه الآيات الثلاث إذا قرأها الإنسان وأتى قبلها بصيغة الاستعاذة: أعوذ بالله من السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر، وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي، وإن مات في يومه ذلك مات شهيداً، وهكذا إذا قرأها في المساء فله مثل ذلك الأجر والعلم عند الله جل وعلا.

إذاً: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، صيغة أخرى واردة عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام تشبه ما تقدم.

الصيغة السابعة: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

وآخر الصيغ التي سأذكرها عن النبي عليه الصلاة والسلام من صيغ الاستعاذة: رواها الإمام أبو داود في سننه عن عروة بن الزبير عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: وذكر عندها حديث الإفك، وحديث الإفك وهو ما اتهمت به رضي الله عنها وأرضاها، وهي الحصان الطاهرة المطهرة الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله على نبينا وآله صلوات الله وسلامه، ذكر عند أمنا عائشة رضي الله عنها حديث الإفك فقالت: ( جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف عن وجهه وقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:11] ).

إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ [النور:11]، أي: بالقول المأفوك، والكذب البين الواضح، والافتراء المكشوف، وهو قذف أمنا عائشة الطاهرة المطهرة رضي الله عنها وأرضاها: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11]، فهي تقول: كان النبي عليه الصلاة والسلام مضطجعاً وقد ستر نفسه، والغطاء واللحاف عليه عليه صلوات الله وسلامه، فلما نزل عليه الوحي كشف عن وجهه وقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور:11].

والحديث في سنن أبي داود : ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم... ) قال الإمام أبو داود عقيب إخراج هذا الحديث: إنه حديث منكر، وقد روى هذا الحديث جماعة عن الزهري لم يذكروا هذا الكلام على هذا الشرح، وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة من كلام حميد .

والحديث صحيح، وتعوذ نبينا عليه الصلاة والسلام قبل القراءة وارد، وتلاوته لآيات تبرئة أمنا عائشة رضي الله عنها ثابتة متواترة، لكن الإمام أبا داود يقول: أخشى أن تكون هذه الصيغة من كلام حميد ، وهو حميد بن قيس أحد الثقات من الرواة، حديثه مخرج في الكتب الستة، توفي سنة: (130 هـ)، لكن أئمتنا قالوا: لا داعي للحط على حميد بن قيس واتهامه بأنه ربما وهم، وأن لفظ الاستعاذة منه وليست من النبي عليه الصلاة والسلام، قال أئمتنا: لا داعي لذلك، فالذي روى عنه في الأصل قطن بن نسير عن جعفر بن سليمان عن حميد بن قيس ، وإذا كان هناك كلام حول إسناد الحديث، فالكلام على قطن وعلى جعفر بن سليمان أولى من أن يكون في حميد بن قيس ، ذكر ذلك الإمام ابن القيم في تهذيب السنن (1/379)، فقال: قال ابن القطان : حميد بن قيس أحد الثقات، وكما قلت: حديثه مخرج في الكتب الستة، وإنما علته أنه من رواية قطن بن نسير عن جعفر بن سليمان ، وقطن بن نسير وإن روى له مسلم فقد كان أبو زرعة يحمل عليه ويقول: روى عن جعفر عن ثابت عن أنس أحاديث مما أنكر عليه.

وقطن بن نسير المعتمد في أمره أنه صدوق أيضاً، وحديثه في درجة الحسن، وهو من رجال مسلم وأحمد والسنن الأربعة، ورواه الإمام ابن خزيمة في صحيحه، والإمام الدارمي في سننه، والبيهقي أيضاً في السنن الكبرى، والإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار، ورواها الإمام الدارقطني في السنن، وابن أبي شيبة في المصنف، من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر )، أي: قال تكبيرة الإحرام وأتى بها: (الله أكبر) ( ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول: (الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً)، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، ثم يقرأ القرآن بعد ذلك: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:1-2] ).

إذاً: كان يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يقول: الله أكبر كبيراً، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.

وفي رواية أبي داود : ( كان النبي عليه الصلاة والسلام يكبر -يعني: تكبيرة الإحرام- ثم يقول: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله -ثلاثاً- ثم يقول: الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً -أيضاً ثلاثاً- ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ).

إذاً: هذه صيغة ثابتة عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ولو استعاذ بها الإنسان قبل قراءة القرآن في الصلاة أو في غيرها يجزئه، وذلك حسن، ويكون قد أتى بالمطلوب، واقتدى بنينا عليه الصلاة والسلام في صيغة الاستعاذة: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه).

أما همز الشيطان ونفثه فقد روي تفسير ذلك عن نبينا عليه الصلاة والسلام في مسند الإمام أحمد (6/156) بسند مرسل من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن رحمه الله ورضي عنه، قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة من الليل يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ).

انتهبن أخواتي هنا في رواية الإمام أحمد تغيير في الصيغة عن الصيغة الماضية، هناك: (أعوذ بالله السميع العليم)، وهنا: (اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( تعوذوا بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه فقال الصحابة الكرام -كما في رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن وكما قلت: إسنادها مرسل- وما همزه ونفخه ونفثه يا رسول الله؟ قال: أما همزه فهذه المُوتة التي تأخذ بني آدم )، ويراد من المُوتة -بضم الميم وإسكان الواو- ضرب ونوع من الجنون يعتري الإنسان، نسأل الله العافية والسلامة من غضبه وعقابه بفضله ورحمته.

(همزه) يعني الموتة، وهو صرع الشيطان للإنسان، وأن يتسلط على ذهنه وعقله، بحيث يصبح في عقله مس، فيصبح كالذي يتخبطه الشيطان من المس.

وأما (نفخه) فالكبر، أي: يزين للإنسان أن يتكبر وأن يتعاظم وأن يتعالى على عباد الله جل وعلا.

وعلام يتكبر الإنسان وهو يعلم ممَ خلق وإلى أي شيء يصير؟ وما يعلم هل سيدخل الجنة أو النار؟

والكبر لا يليق إلا بالعزيز الجبار، ومن كان في قلبه مثقال ذرة من كبر لا يدخل الجنة، وهنا: ونفخه.

إذاً: (ومن نفخه) نفخهُ: الكبر، أي: أن يزين للإنسان الكبر.

وأما (نفثه) فالشعر، والشعر هو الكلام الموزون المقفى الذي يشتمل على منكرات، يدخل في ذلك دخولاً أولياً الغناء وقلة الحياء، ولذلك قرآن الشيطان الشعر والغناء، كما أن قرآن الرحمن القرآن الذي أنزله على نبينا عليه الصلاة والسلام، فذاك قرآن الشيطان، وهذا قرآن الرحمن، ولذلك لا يجتمعان في قلب إنسان، إما غناء وقلة حياء، وإما كلام الله جل وعلا، وحياء يتصف به الإنسان في هذه الحياة.

الشاهد أخواتي الكريمات أن هذا التفسير وارد عن نبينا عليه الصلاة والسلام، لكن بطريق مرسل، وهو في المسند (6/156) هذه الصيغة الأولى.

والمسند أيضاً فيه صيغة أخرى من صيغ الاستعاذة وكذا السنن الأربع وصحيح ابن خزيمة وغير ذلك.

الرواية الأولى من رواية أبي سعيد الخدري : ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه )، ورواية المسند الثانية من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن مرسلة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام: ( اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه )، وقد رويت روايات متعددة في استعاذة نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام قبل قراءة القرآن الكريم.

من هذه الروايات: ما رواه الإمام أحمد في المسند أيضاً وأبو داود في السنن، ابن ماجه في سننه أيضاً، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والبيهقي في سننه، وأبو داود الطيالسي في مسنده، والإمام ابن الجارود في كتابه المنتقى، ورواه أيضاً الإمام ابن أبي شيبة في المصنف، وإسناد الحديث حسن صحيح كما أن الحديث الأول حديث أبي سعيد الخدري أيضاً صحيح، ولفظ الحديث الثاني من رواية جبير بن مطعم رضي الله عنه وأرضاه: ( أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة فقال فيها بعد أن كبر -يعني: تكبيرة الإحرام-: الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً ثلاثاً، ثم قال: الحمد لله كثيراً، الحمد لله كثيراً، الحمد لله كثيراً ثلاثاً، ثم قال: سبحان الله بكرة وأصيلاً، سبحان الله بكرة وأصيلاً، سبحان الله بكرة وأصيلاً ثلاثاً، ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه )، وعليه هنا الصيغة تختلف عن الصيغة المتقدمة، فهناك: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وأما هنا: ( أعوذ بالله من الشيطان )، وفي بعض الروايات: ( من الشيطان الرجيم )، وفي بعضها دون وصف الشيطان بأنه رجيم، وعليه تكون الصيغة: أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه.

قال: نفثه: الشعر، ونفخه: الكبر، وهمزه: المُوتة.

إذاً: هذه صيغة ثانية: (أعوذ بالله من الشيطان)، ما ذكر نعت الرحمن هنا ولا نعت الشيطان، فما قال: (أعوذ بالله السميع العليم)، ولا قال: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، إنما قال: ( أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه ) وفي بعض روايات ابن أبي شيبة التي رواها في مصنفه من رواية جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه )، وعليه تكون رواية ابن أبي شيبة في المصنف بهذه الصيغة كرواية الإمام أحمد في المسند التي تقدمت معنا من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن رحمة الله ورضوان الله عليهم أجمعين.

هذه صيغة ثانية، مما يدل على أن الأمر في الاستعاذة واسع، وأن الإنسان كيفما استعاذ فهو حسن، وقد أتى بالمطلوب، وامتثل أمر علام الغيوب: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98].

صيغة أخرى كان نبينا عليه الصلاة والسلام أيضاً يذكرها قبل قراءة القرآن، رواها الإمام أحمد في المسند أيضاً والإمام ابن ماجه في السنن، وابن خزيمة في صحيحه (1/240)، وأيضاً الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى، وبوب عليها الإمام ابن خزيمة في صحيحه باباً فقال: (باب: الاستعاذة في الصلاة قبل القراءة) ورواية الحديث هنا من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه )، وهذه تختلف عن الصيغتين المتقدمتين، والأمر كما قلت واسع.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
حكم الغناء والموسيقى [1] 4006 استماع
حكم صلاة التسابيح [2] 3071 استماع
حكم ما يدور في القلوب 3012 استماع
أحكام الاستعاذة [2] 2787 استماع
حكم الغناء والموسيقى [2] 2647 استماع
حكم الغناء والموسيقى [3] 2313 استماع
حكم صلاة التسابيح [1] 2031 استماع