حكم الغناء والموسيقى [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، سبحانك ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

وأما أنواع الشعر المحرمة المذمومة فهي خمسة أيضاً:

وقد ذكرنا أن ضابط الشعر الجائز المباح ألا يكون فيه فحش ولا بذاءة ولا خنا ولا منكر، وعليه فالشعر المحرم ضابطه: ما كان في موضوعه بذاءة وفحش وقبح وخنا ودعوة إلى الفجور وإلى الأمور المرذولة، هذا الشعر الذي هذا موضوعه له خمسة أنواع، كل نوع له صيغة خاصة، إذا سمعها الإنسان يعلم أن هذا الشعر من أحد الأنواع الخمسة:

أشعار النياحة والتسخط والجزع

أول نوع منها: أشعار النياحة على الأموات، والتسخط على رب الأرض والسموات, ينظمون قصائد يتسخطون فيها على قدر الله، وتقال: لهجة خاصة، فيها تحزين وبكاء وأسف وألم، وإذا سمع الإنسان أشعار النوح يعلم أن هذه أشعار نياحة.

أشعار الهجاء والسب

النوع الثاني: أشعار الهجاء والسب، ما لم تكن بحق ولمصلحة، يهجو أناساً ويسبهم بشعره، فالموضوع صار فيه بذاءة، أما إذا كان بحق ولمصلحة شرعية فلا بأس، كما ثبت في الصحيحين عن البراء بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـحسان بن ثابت يوم قريظة: (اهجهم وجبريل معك)، فإن كان يهجو الكفار ويذم المشركين فلا حرج في ذلك لأنه بحق ولمصلحة الإسلام.

أشعار المدح والفخر

النوع الثالث: أشعار المدح والفخر، أيضاً هذا محرم، ما لم يكن بحق ولمصلحة شرعية، فمدح الإسلام وأهله بما يتصفون به، فهذا لا حرج فيه، وأما إذا جاء ليمدح نفسه، أو ليمدح قبيلته، أو ليُطري الناس وليمدحهم بكلام فيه شيء من المبالغة والبهتان أو بحق ولا يترتب عليه مصلحة، فأشعار المدح والفخر محرمة إذا لم تكن بحق ولمصلحة شرعية.

الأشعار الشركية

النوع الرابع من الأشعار المحرمة: الأشعار الشركية، التي يقول الإنسان أبياتاً يشبه فيها المخلوق بالخالق، في أسمائه أو صفاته أو أفعاله، كما قال اللعين أحد الشعراء يمدح الذليل المسمى بـالمعز لدين الله الفاطمي الخليفة المتخلف الباطني، عليه وعلى أمثاله سخط الله وغضبه، يقول له:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار

سبحان ربي العظيم! صعلوك يقال له هذا!

يا عباد الله! من عدا الله لا يملك لنفسه فضلاً عن غيره نفعاً ولا ضراً، المعز وغيره لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه، لو أن الذباب وقع على أنفه وتغوط لا يستطيع أن ينتقم لنفسه من هذا الذباب، ضعف الطالب والمطلوب.

ولما قال هارون الرشيد لبعض العلماء: لمَ خلق الله الذباب؟ قال: ليذل به الملوك، هؤلاء الذين يتجبرون ويتكبرون على الناس، أضعف خلق الله يقف على منخره ولا يستطيع أن ينتقم منه.

أين المعز ؟ تحت التراب دفيناً، هذا الذي قيل له إنه الواحد القهار، هو مقهور وليس بقهار، القهار هو الله سبحانه وتعالى، الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، هذا هو القهار، لا الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، فهذه الأشعار الشركية محرمة.

أشعار الغناء والفحش

الأمر الخامس: أشعار الغناء وهي موضوع بحثنا, أشعار الغناء موضوعها فيه فحش وبذاءة وخنا، وكما هناك لأشعار النوح صيغة خاصة بتحزين، فللغناء صيغة خاصة، فالموضوع فيه فحش وبذاءة، وصيغة الغناء معروفة، فكل من سمع صيغة الغناء يقول هذا غناء وليس بهجاء، وليس بنياحة، وليس بأشعار زهد، ونحو ذلك.

أشعار الغناء تقال بتطريب، وتمطيط، وترقيق، وتكسر، وتخنث، وميوعة، ولذلك يستحسن الغناء من المرأة أكثر مما يستحسن من الرجل؛ لأن طبيعة الرقة والميوعة في المرأة أكثر من الرجل، هذا هو الغناء: كلام موزون مقفى فيه فحش ونكارة وبذاءة، يقال بتمطيط وترقيق وتكسر وتخنث، يقوله الماجنون والماجنات، كما يقول بعض الشعراء عليه غضب رب الأرض والسماء:

أنا عاشق يا بنات النيل وبغنيلكم مواويل

هذا أين يقال إخوتي الكرام؟ يقال في إذاعات الدنيا، ويأخذ المغنون عليه أجراً، سبحان ربي العظيم!

ويقول هذا بآلات وعزف وتلحين.. أنت عاشق؟ أنت فاجر فاسق يا عدو الله، ولكن ليس العتب عليك العتب على من جعلك تعربد في أرجاء الدنيا، تشبب بأخواتنا، ببنات المسلمين! يا لك من مجرم!

النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح عندما دخل مكة أهدر وأراق دم عبد الله بن خطل ، فقال: (إن وجدتموه متعلقاً بأستار الكعبة فاقتلوه) لمَ؟ لأنه كان يشبب ببنات المسلمين، وقد قتله الصحابة وهو متعلق بأستار الكعبة في بيت الله الحرام، وهذا الخبيث صوته يجعجع في إذاعات العالم: (أنا عاشق يا بنات النيل)، أنت عاشق!! أنت فاسق، أنت عدو الله، عليك لعنة رب العالمين.

هذا الغناء من سمعه يستطيع أن يميز لهجته، وهكذا الغناء الذي يقال في إذاعة أخرى:

يا محلا العيشة تحت العريشة سكرة وتحشيشة نرقص ونغني

أي والله! مادام الغناء موجوداً في الناس سيسكرون ويحششون، هذا يقال في إذاعات الدنيا، وأنت إذا سمعته تعلم أن هذا غناء، والحمد لله الذي صانني من ذلك ولا أستطيع أن ألحن هذا:

هذا هو الغناء، يسكر ويحشش ويغني، يا عبد الله! عيشتك عيشة الكلاب أحسن منها، هذه عيشة حلوة!! والله لو شعرت ببلائك لضججت إلى ربك في ليلك ونهارك، تجلس تحت العريشة تسكر وتحشش وتغني، هل هذه عيشة حلوة يا سفيه؟! وأكثر منك من جعلك تعربد وتجعجع في أرجاء الدنيا.

هذا هو الغناء -إخوتي الكرام- من سمعه يعلم أنه غناء، موضوع فاحش بذيء منكر قبيح، يدعو للفجور، ويغري النساء بالرجال والرجال بالنساء، ويغري الناس بما حرم الله عليهم، هذا موضوعه، ثم صيغته فيها تكسر، وتخنث، وترقيق، وتمطيط، وتطريب، فالموضوع واضح واللهجة واضحة، والله الذي لا إله إلا هو لا يقول بحل هذا الغناء إلا من طبع الله على قلبه وغضب عليه، فحققوا معنى الغناء ولا تصطادوا في الماء العكر، لا تقولون: سمع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر، نعم سمع الشعر الذي يقرب إلى الله:

خلوا بني الكفار عن سبيله وإلا نقاتلكم على تنزيله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله

هذا الذي سمعه، ما سمع:

يا محلا العيشة تحت العريشة سكرة وتحشيشة نرقص ونغني

هذا ما سمعه النبي عليه الصلاة والسلام، وما أظن أنه كان يخطر ببال أحد من المسلمين أنه سيصل حالنا إلى ما يندى له الجبين، في إذاعاتنا يقال هذا الفحش، وهذا البلاء، ونحارب رب الأرض والسماء.

إذاً: الغناء نوع من الشعر والشعر، والشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، كما ثبت هذا عن نبينا صلى الله عليه وسلم في معجم الطبراني الأوسط بسند حسن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ورواه أبو يعلى في مسنده، عن أمنا عائشة رضي الله عنها بسند لا بأس به، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشعر كالكلام، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح), لكن لما كان الشعر في الغالب يستعمل في النوع الثاني، فيما فيه بذاءة ونكارة وقبح وفجور، نزه الله كتابه عن الشعر فقال سبحانه وتعالى: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ [يس:69]، ونزه الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن الشعر فقال جل وعلا: وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الحاقة:41-42].

وذلك لأن أعذب الشعر أكذبه، والشعر قائم على التخييلات والمجازفات الباردة، وأغراض القرآن لا تتناسب مع أغراض الشعر، فليس في القرآن شعر، وما علم الله نبينا صلى الله عليه وسلم الشعر.

ورود النهي والتحذير من الشعر المذموم

وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من الشعر المذموم المحرم، فينبغي أن ينصرف التحذير إلى هذا النوع، فقد أخبرنا أنه إذا امتلأ جوف أحدنا قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً وصديداً حتى يرِيه، خير له من أن يمتلئ شعراً)، حتى يريه من الوَرْي، أي: حتى يصيبه بداء الوري، وهو داء يعتري الإنسان في جوفه، فلأن يمتلئ جوف أحدنا قيحاً وصديداً، حتى يصاب بداء في جوفه، خير له من أن يمتلئ شعراً، أي: الشعر المحرم من غناء وغيره.

وهذا الحديث متواتر عن نبينا صلى الله عليه وسلم، رُوي عما يزيد عن أحد عشر صحابياً رضي الله عنهم.

وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا قال بيتاً من الشعر المنكر المذموم بعد صلاة العشاء، لا يقبل الله منه صلاة تلك الليلة، كما روى هذا الإمام أحمد في مسنده، والبزار في مسنده، والطبراني في معجمه الكبير، عن شداد بن أوس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرض بيتاً من الشعر بعد صلاة العشاء الآخرة، لم تُقبل له صلاة تلك الليلة)، أي: من الشعر المحرم من شعر النوح والهجاء والمدح والشرك والغناء، فإذا استمعت أغنية بعد صلاة العشاء لن يقبل الله منك صلاة تلك الليلة, هذا إذا تيسر لك القيام، (إن اللئيم عن المكارم يُشغل).

فلما حاربنا الله في أول الليل كره انبعاثنا في آخر الليل، فثبطنا وقال: اقعدوا مع القاعدين، ناموا مع النائمين.

والحديث زعم ابن الجوزي أنه موضوع، وكلامه ممنوع، والحديث فيه قزعة بن سويد وغاية ما قيل فيه إنه ضعيف، وقد اختلف كلام الحافظ في هذا الرجل، فحكم عليه في التقريب بأنه ضعيف، وحكم عليه في القول المسدد في الذب عن المسند أن حاصل كلام الأئمة في هذا الرجل: أن حديثه في درجة الحسن، والإمام الذهبي أورده في الكاشف، فقال: مختلف فيه، والحديث ذكره الإمام ابن أبي حاتم في كتاب العلل، وقال: سألت أبي عن حديث شداد بن أوس عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من قرض بيتاً من الشعر بعد صلاة العشاء الآخرة، لم تقبل له صلاة تلك الليلة)، فقال أبي -أي أبو حاتم -: هذا من كلام عبد الله بن عمرو ، أي موقوف عليه، وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رُوي -كما قلت- مرفوعاً، وليس فيه غرابة، وما تقدم يشهد له، فإذا قال الإنسان بيتاً من الشعر بعد صلاة العشاء الآخرة من الشعر المحرم لم تقبل له صلاة تلك الليلة.

إخوتي الكرام! ولأجل كون الشعر يستعمل أكثر ما يستعمل في النوع الثاني المحرم, نص أئمتنا على أنه لا يُكتب في بداية دواوين الشعر (بسم الله الرحمن الرحيم)، بعد أن اتفقوا على أن البسملة تُكتب في بداية كل كتاب، لكن في دواوين الشعر لا تُكتب، لما في الشعر من مجازفات ومبالغات وكذب وتخرصات.

قال الإمام الشعبي : أجمعوا أنه لا تُكتب البسملة في دواوين الشعر.

وقال الإمام الزهري : مضت السنة ألا تكتب البسملة أمام الشعر.

لكنني أقول: هذا لعله محمول على الشعر المحرم المذموم، وقد ذهب سعيد بن جبير إلى جواز كتابة البسملة أمام الشعر الجائز، قال الإمام الخطيب البغدادي : وهو الذي نختاره ونستحبه.

أقول: وإذا كان الشعر كالكلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح، وثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وقال هذا الإمام الشافعي وغيره، فينبغي أن نعطي للشعر حكم الكلام الآخر، فإذا كان موضوع الشعر مباحاً فلا مانع من كتابة البسملة في بدايته، وإذا كان موضوعه مذموماً قبيحاً فيحرم أن نكتب بسم الله الرحمن الرحيم في بدايته؛ لأن هذا فيه استهانة باسم الله سبحانه وتعالى.

أول نوع منها: أشعار النياحة على الأموات، والتسخط على رب الأرض والسموات, ينظمون قصائد يتسخطون فيها على قدر الله، وتقال: لهجة خاصة، فيها تحزين وبكاء وأسف وألم، وإذا سمع الإنسان أشعار النوح يعلم أن هذه أشعار نياحة.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
حكم الغناء والموسيقى [1] 4006 استماع
حكم صلاة التسابيح [2] 3071 استماع
حكم ما يدور في القلوب 3011 استماع
أحكام الاستعاذة [1] 2970 استماع
أحكام الاستعاذة [2] 2786 استماع
حكم الغناء والموسيقى [3] 2312 استماع
حكم صلاة التسابيح [1] 2030 استماع