فتاوى نور على الدرب [222]


الحلقة مفرغة

السؤال: سبق أن حججت قبل سبع سنوات وكان حج تمتع، وصمت ثلاثة أيام في مكة حيث لم أستطع حينذاك أن أضحي، ورجعت لمقر عملي لكن مضت سنتان ولم أستطع أن أكمل صيام سبعة أيام باقية علي، وفي السنة الثالثة راسلت أحد معارفي في مكة وطلبت منه أن يضحي عني وقد قام بذلك مشكوراً ودفعت له قيمتها، وهذه الأضحية كانت بنية الأضحية التي فاتتني سابقاً ولم أستطع الصيام عنها أيضاً، والآن أريد أن أستفسر هل أجزأت تلك الأضحية المتأخرة؟ أم يلزمني أن أكمل صيام سبعة أيام؟ أم يلزمني شيء آخر غير ذلك؟

الجواب: هذا السؤال الذي ساقه السائل ظهر لي أنه كان متمتعاً ولم يجد الهدي وأنه صام ثلاثة أيام في الحج وبقي عليه سبعة أيام، ثم إنه تشاغل عن هذه السبعة أو تثاقلها وأراد أن يذبح الهدي، والجواب على ذلك: أنه لو كان هذا في وقت الهدي قبل مضي أيام التشريق لكان تصرفه صحيحاً، أي: لو أنه بعد أن صام ثلاثة أيام أراد أن يذبح الهدي الذي هو الأصل وكان ذلك في وقت ذبحه لكان هذا التصرف صحيحاً، أما بعد أن فات وقت الذبح بانتهاء أيام التشريق، فإنه ليس عليه إلا الصيام، وحينئذٍ فيلزمه أن يصوم بقية الأيام العشرة وهي سبعة أيام نسأل الله له العفو.

السؤال: لقد أديت فريضة الحج في عام مضى مع كفيلي، ولقد كان اسمي الصحيح صالح جابر، وقد اشتريت عقداً للعمل بدولة الكويت باسم عبد الله الشيخ نافع، وقد استخرجت جواز سفر بهذا الاسم، ومن ثم أديت به فريضة الحج من ذلك العام، فهل يصح حجي أم ماذا أفعل؟

الجواب: حجك صحيح؛ لأن تغيير اسمك لا يؤثر في صحة الحج، لكن عليك الإثم بتزوير اسمك، وعليك الآن أن تتوب إلى الله عز وجل، وأن تعدل اسمك إلى الاسم الصحيح الذي كنت مسمى به من قبل حتى لا يحصل التلاعب لدى المسئولين؛ ولئلا تسقط الحقوق التي وجبت عليك باسمك الأول لاختلاف اسمك الثاني عن الاسم الأول، فتكون بذلك آكلاً للمال بالباطل مع الكذب الذي اشتريته بتغيير اسمك.

وبهذه المناسبة أود أن أنصح كل من سمع كلامي هذا، بأن الأمر ليس بالهين بالنسبة لأولئك الذين يزورون الأسماء ويستعيرون أسماء لغيرهم، من أجل أن يستفيدوا من إعانات الحكومة أو من أمور أخرى أو من أجل أن يصلوا إلى أغراض لهم بأسماء غيرهم من هذه الأسماء المزورة، فإن ذلك تلاعب في المعاملات وكذب وغش وخداع للمسئولين والحكام، وليعلموا أن من اتقى الله عز وجل جعل له مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب، وأن من اتقى الله جعل له من أمره يسراً، وأن من اتقى الله وقال قولاً سديداً أصلح الله له عمله وغفر له ذنبه، كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [الأحزاب:71].

السؤال: ما هو الوقت المخصص لرمي الجمرات بداية ونهاية، فقد رميت الجمرة الأخيرة في الساعة التاسعة صباحاً، وكنت مع كفيلي وهو الذي أصر على الرمي في هذا الوقت بالرغم من إلحاحي عليه لتأخيرها حتى بعد الظهر، فهل أجزأ عنا ذلك الرمي أم أن علينا شيئاً نفعله؟

الجواب: وقت الرمي بالنسبة لرمي جمرة العقبة يوم العيد يكون لأهل القدرة والنشاط من طلوع الشمس يوم العيد، ولغيرهم من الضعفاء ومن لا يستطيع مزاحمة الناس من الصغار والنساء يكون وقت الرمي في حقهم آخر الليل، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ترتقب غروب القمر ليلة العيد، فإذا غاب دفعت من مزدلفة إلى منى ورمت الجمرة.

أما آخره فإنه إلى غروب الشمس من يوم العيد، وإذا كان الإنسان في زحام أو كان بعيداً وأحب أن يؤخره إلى الليل فلا حرج عليه في ذلك، ولكن لا يؤخره إلى طلوع الفجر من يوم الحادي عشر، وأما بالنسبة لرمي الجمار في أيام التشريق: وهي اليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر، فإن ابتداء الرمي يكون من زوال الشمس، أي: من انتصاف النهار عند دخول وقت الظهر ويستمر إلى الليل، وإذا كان هناك مشقة لزحام أو غيره فلا بأس أن يرمي بالليل إلى طلوع الفجر، ولا يحل الرمي في اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر، قبل الزوال؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال، وقال للناس: ( خذوا عني مناسككم )، وكون الرسول عليه الصلاة والسلام يؤخر الرمي إلى هذا الوقت مع أنه في شدة الحر، ويدع أول النهار مع أنه أبرد وأيسر دليل على أنه لا يحل الرمي قبل هذا الوقت، ويدل لذلك أيضاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرمي من حين أن تزول الشمس قبل أن يصلي الظهر، وهذا دليل على أنه لا يحل أن يُرمى قبل الزوال، وإلا لكان الرمي قبل الزوال أفضل؛ لأجل أن يصلي صلاة الظهر في أول وقتها؛ ولأن الصلاة في أول وقتها أفضل.

والحاصل أن الأدلة تدل على أن الرمي في يوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، ولا يجوز قبل الزوال والله الموفق.

السؤال: في أثناء السير نهاراً وأنا محرم وضعت طرف الإحرام على رأسي، وحينما انتهيت لذلك رفعته من على رأسي ولم أعد لذلك مرة أخرى فهل علي شيء؟

الجواب: ليس عليك شيء؛ لأنك وضعته ناسياً، والإنسان إذا فعل شيئاً من محظورات الإحرام ناسياً، فإنه لا شيء عليه، ولكنه يجب عليه إذا ذكر أن يتخلى عن ذلك المحظور، والدليل على أنه لا شيء عليه قول الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، ( فقال الله تعالى: قد فعلت )، وقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5].

السؤال: قمت برمي الجمرات أول أيام العيد وثاني يوم، وانصرفت معتقداً أن رمي التعجيل يومين: أول أيام العيد وثاني الأيام، وبعد عودتي إلى الرياض عرفني أحد الإخوان بأن الرمي المعجل يومين بعد أول أيام العيد لا يوماً واحداً مثلما فعلت، فما الذي يجب عليّ فيما سبق مع أني لم أطف طواف الوداع، وهل حجي صحيح بذلك الشكل؟

الجواب: حجك صحيح لأنك لم تترك فيه ركناً من أركان الحج، ولكنك تركت فيه ثلاثة واجبات:

الواجب الأول: المبيت بمنى ليلة الثاني عشر.

الواجب الثاني: رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر.

الواجب الثالث: طواف الوداع، ويجب عليك على كل واحد منها دم تذبحه في مكة وتوزعه على الفقراء؛ لأن الواجب عند أهل العلم إذا تركه الإنسان -أعني: الواجب في الحج- وجب عليه دم يذبحه في مكة ويفرقه على الفقراء، وبهذه المناسبة أود أن أنبه إخواننا الحجاج على هذا الخطأ الذي ارتكبه أخونا السائل، فإن كثيراً من الحجاج يفهمون مثلما فهم، يفهمون أن معنى قوله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ [البقرة:203]، أي: خرج في اليوم الحادي عشر، فيعتبرون اليومين: يوم العيد، واليوم الحادي عشر، والأمر ليس كذلك بل هذا خطأ في الفهم؛ لأن الله تعالى قال: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203]، والأيام المعدودات: هي أيام التشريق، وأيام التشريق أولها اليوم الحادي عشر، وعلى هذا فيكون قوله: (فمن تعجل في يومين) أي: من أيام التشريق وهو اليوم الثاني عشر، فينبغي أن يصحح الإنسان مفهومه نحو هذه المسألة حتى لا يخطئ، والله الموفق.

السؤال: رجل وقف في عرفة وفي ذلك اليوم مرض حتى خرج وقت الرمي وأيام التشريق، فماذا يفعل هذا الحاج وقد ذهب وقت الرمي وتعدى وقت طواف الإفاضة؟

الجواب: الحقيقة أن السؤال لم يفصل فيه، هو يقول: إنه مرض من يوم عرفة، ولا ندري هل بقي في عرفة حتى غربت الشمس؟ وهل بات بمزدلفة؟ وهل بات بمنى؟ فهذا السؤال فيه إشكال واضح، فنقول: إذا كان هذا الرجل الذي مرض في يوم عرفة، مرضاً لا يتمكن معه من إتمام النسك، وقد اشترط في ابتداء إحرامه: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، فإنه يحل ولا شيء عليه، ولكن إن كان هذا الحج فريضته فإنه يؤديه في سنة أخرى، وإن كان لم يشترط فإنه على القول الراجح: إذا لم يتمكن من إكمال حجه له أن يتحلل، ولكن يجب عليه هدي، لقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] فقوله: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) الصحيح أنه يشمل حصر العدو وحصر غيره، ومعنى الإحصار: أن يمنع الإنسان مانع من إتمام نسكه، وعلى هذا فيتحلل ويذبح هدياً ولا شيء عليه سوى ذلك، إلا إذا كان لم يؤد فريضة الحج فإنه يحج من العام القادم.

أما إذا كان الرجل واصل المسير في حجه ووقف بمزدلفة، ولكنه في منى لم يبت ولم يرم الجمرات، فإنه في هذه الحال يكون حجه صحيحاً ومجزئاً، ولكن عليه دم لكل واجب ترك، ويلزمه على هذا دمان:

أحدهما: للمبيت بمنى.

والثاني: لرمي الجمرات.

وأما طواف الوداع فيطوفه إذا أراد أن يخرج، وأما طواف الإفاضة فيبقى حتى يعافيه الله فيطوف؛ لأنه -أي: طواف الإفاضة- ليس عليه حد، وحده على القول الراجح إلى منتهى شهر ذي الحجة فإن كان لعذر حتى ينتهي عذره.

السؤال: رجل سافر إلى أرضه ولم يطف طواف الإفاضة، فما حكم هذا مع العلم أنه قد أتى أهله في تلك الفترة؟

الجواب: يجب على هذا الرجل أن يمتنع عن أهله؛ لأنه قد حلّ التحلل الأول دون الثاني، ومن تحلل التحلل الأول دون الثاني أبيح له كل شيء إلا النساء، ويلزمه أن يذهب إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة لإنهاء نسكه، أما إتيانه أهله في هذه المدة فإن كان جاهلاً فلا شيء عليه؛ لأن جميع المحظورات لا شيء فيها مع الجهل، وإن كان عالماً فإن عليه شاة على ما قاله أهل العلم، يذبحها ويوزعها على الفقراء، وعليه أيضاً أن يحرم ويطوف طواف الإفاضة محرماً؛ لأنه فسد إحرامه بجماعه بعد التحلل.

السؤال: كنت أعمل سائقاً وفي شهر الحج اتفق جماعة على الحج وكلموني على ذلك بما أني سائق سيارة ولكي أتنقل بهم بسيارتي بين المشاعر ونويت الحج معهم، وعندما وصلنا مكة ودخلنا المسجد الحرام وطفنا طواف القدوم، خرجنا بعد ذلك وإذا بهم قد غيروا رأيهم، وقالوا لي: أوقف السيارة في مكة وأنت اذهب وحج لوحدك، وكنت قد اتفقت معهم على مبلغ معين من المال وأعطوني أقل منه بكثير، وعندها غضبت ونزلت إلى جدة وقطعت حجي، ومن يومها وأنا لا أعرف ماذا يترتب عليّ من جراء ذلك، فهل لهم الحق أولاً في نقض هذا الاتفاق على الأجرة؟ وثانياً: ماذا عليّ في العدول عن الحج مع العلم أنهم أيضاً قد عدلوا عن الحج وقطعوه من تلك اللحظة؟

الجواب: أما بالنسبة للأجرة فإن لك الأجرة كاملة مادام الفسخ من قبلهم؛ لأنه لا عذر منك أنت ولا تفريط، وإنما هم الذين قطعوا ذلك على أنفسهم فيلزمهم أن يسلموا الأجرة كاملة، أما بالنسبة للحج فإن كنتم قد تحللتم بعمرة، يعني: طفتم وسعيتم وقصرتم ثم حللتم على نية أن تأتوا بالحج في وقته فإنه لا شيء عليكم حيث انصرفتم من الإحرام قبل أن تحرموا، وأما إن كان ذلك بعد الإحرام، فإنه يجب عليك الآن أن تتحلل بعمرة لفوات الحج، وعليك أن تأتي بالحج الذي تحللت منه بدون عذر، وعليك أيضاً على ما قاله أهل العلم: أن تذبح فدية؛ لأنك أخطأت حينما تحللت بدون عذر.

السؤال: ما هو الدليل على وجوب المبيت بمزدلفة ولا يكتفى بكونه سنة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رخص للنساء والضعفة في الرحيل بعد نصف الليل؟

الجواب: الدليل على وجوبه قوله تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، والأصل في الأمر الوجوب حتى يقوم دليل على صرفه عن الوجوب، وقول عروة بن مضرس وقد اجتمع بالرسول في صلاة الفجر يوم مزدلفة، فقال: ( يا رسول الله! إني أتعبت نفسي وأكللت راحلتي وما تركت جبلاً إلا وقفت عنده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه )، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للضعفة أن يدفعوا من منى في آخر الليل، والترخيص يدل على أن الأصل كان هو العزيمة والوجوب، بل إن بعض أهل العلم ذهب إلى أن الوقوف في مزدلفة ركن من أركان الحج؛ لأن الله تعالى أمر به في قوله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، والنبي عليه الصلاة والسلام حافظ عليه وقال: ( وقفت هاهنا وجمع كلها موقف )، أعني: مزدلفة، ولكن القول الوسط ما قاله أهل العلم: إن المبيت بها واجب وليس بركن ولا سنة.

السؤال: حججت مفرداً وطفت للقدوم وسعيت فهل علي سعي بعد طواف الإفاضة؟

الجواب: ليس عليك سعي بعد طواف الإفاضة، فالمفرد إذا طاف للقدوم وسعى بعد طواف القدوم فإن هذا السعي هو سعي الحج فلا يعيده مرة أخرى بعد طواف الإفاضة.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3647 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3501 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3496 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3478 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3438 استماع
فتاوى نور على الدرب [348] 3419 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3342 استماع