فتاوى نور على الدرب [216]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما هي شروط الاعتكاف، وما هي الأشياء التي تفسده، وهل يصح في مسجد لا تقام فيه صلاة الجمعة؟

الجواب: الاعتكاف سنة مشروعة أشار الله إليه في القرآن، وفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأقر عليه، فاعتكف واعتكف أزواجه من بعده صلوات الله وسلامه عليه، قال الله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أنه اعتكف العشر الأول من شهر رمضان، ثم الأوسط يبتغي بذلك ليلة القدر، ثم العشر الأخير واستقر على ذلك؛ لأن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وبهذا علم أن الاعتكاف هو: لزوم المسجد لطاعة الله سبحانه وتعالى؛ ليتفرغ الإنسان فيه لعبادة الله والإنابة إليه والرجوع إليه، وهو سنة في العشر الأواخر من رمضان لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، أما في غير العشر الأواخر من رمضان فإنه من باب الشيء المباح، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: إني نذرت أن أعتكف ليلة أو يوماً في المسجد الحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوف بنذرك).

والاعتكاف يصح من كل مسلم ذكراً كان أو أنثى، وهل يشترط له الصوم أو يصح بدون صوم؟ فيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه يشترط له الصوم، ومنهم من قال: إنه ليس بشرط، وظاهر حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لا يشترط له الصوم، ولكن لابد أن يكون في مسجد تقام فيه الجماعة، فلا يصح أن يعتكف الإنسان في حجرة من بيته أو أن يعتكف في رباط لطلبة العلم أو للقراء أو نحو ذلك، بل لابد أن يكون في مسجد تقام فيه الجماعة، والأفضل أن يكون في مسجد جامع لئلا يتخلله الخروج إلى صلاة الجمعة، ثم إن الذي يفسد الاعتكاف مباشرة المرأة بالجماع والتقبيل بشهوة وما أشبه ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى نهى عن الجماع لقوله: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، ويفسده كذلك إذا خرج من المسجد بدون عذر، ويفسده إذا خرج من المسجد لبيع أو شراء أو نحو ذلك، وقد قسم أهل العلم خروج المعتكف من المسجد إلى ثلاثة أقسام:

قسم جائز بشرط وبدون شرط: وهو أن يخرج الإنسان إلى ما لابد له منه كخروجه إلى قضاء حاجته كالبول أو الغائط، إذا لم يكن في المسجد مكاناً يقضي به ذلك، فإن كان في المسجد حمامات يتمكن من قضاء حاجته فيها، فإنه لا يخرج، وكذلك إذا خرج لإحضار طعامه وشرابه إذا لم يكن عنده من يحضرهما له فإن هذا أمر لابد منه.

والقسم الثاني: ما يجوز بشرط ولا يجوز بدون شرط، مثل: أن يخرج لعيادة مريضٍ قريبٍ له أو صديق له، فيشترط في اعتكافه أن يخرج لعيادة مريض أو لتشييع جنازته إن مات أو ما أشبه ذلك، فهذا يجوز بشرط ولا يجوز بدون شرط. وقسم ثالث: لا يجوز مطلقاً، وهو أن يخرج لما ينافي الاعتكاف من بيع وشراء ونحو ذلك، فإن أهل العلم يقولون: إن هذا لا يصح شرطه، ولو خرج بناءً على شرطه فسد اعتكافه فلا ينبني آخره على أوله.

السؤال: ما هو مقدار زكاة الفطر وعلى من تجب؟ وهل يجوز نقلها من البلد الذي فيه المزكي إلى بلد آخر؟ وما هو آخر وقت لإخراجها وأوله؟

الجواب: زكاة الفطر مقدارها صاع من طعام، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه فيما رواه البخاري عنه: ( كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان طعامنا يومئذ التمر والزبيب والشعير والأقط )، وكونها صاعاً من طعام يشمل أيّ نوع كان من الأطعمة، فإذاً: الرز والبر والتمر والزبيب والأقط كله يجوز إخراج الزكاة منه؛ لأنه طعام، وأما من تجب عليه فإنها تجب على كل واحد من المسلمين ذكراً كان أم أنثى، صغيراً كان أم كبيراً، حراً كان أم عبداً، وأما وقت إخراجها فإن لها وقتين: وقت فضيلة، ووقت جواز.

أما وقت الفضيلة: فأن تؤدى صباح يوم العيد قبل الصلاة.

وأما وقت الجواز فأن تؤدى قبل العيد بيومين.

أما إخراجها بعد الصلاة فإنه محرم ولا يجزئ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، فإذا أخرجت بعد الصلاة فقد فعلت على وجه لم يأمر الله به ولا رسوله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم: ( أن من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات )، إلا إذا كان الإنسان معذوراً، مثل: أن ينسى إخراجها ولا يذكرها إلا بعد الصلاة، أو يكون معتمداً في إخراجها على من كان عادته أن يخرجها عنه ثم يتبين له بعد ذلك أنه لم يخرج فإنه يخرج، ومثل: أن يأتي خبر يوم عيدٍ مباغتاً قبل أن يتمكن من إخراجها ثم يخرجها بعد الصلاة، ففي حال العذر لا بأس من إخراجها بعد الصلاة وتكون في هذه الحال مقبولة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الصلاة: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، وإذا كان هذا في الصلاة وهي من أعظم الواجبات المؤقتة ففيما سواها أولى.

مداخلة: بالنسبة لتأخير الزكاة إلى ما بعد صلاة العيد لو لم يجد من يدفعها إليه حتى انتهى وقت الصلاة وصلى الناس فيكف العمل؟

الشيخ: هو في هذه الحال معذور، مثل: لو كان من عادته أن يعطيها شخصاً معيناً من الفقراء ثم ذهب إليه صباح العيد ولم يجده فهذا يكون معذوراً، وهذا من الأعذار.

مداخلة: بقي الحكم في نقلها إلى بلد آخر؟

الشيخ: أما نقلها إلى بلد آخر فإنه لا بأس به، لكن الأفضل أن يكون في بلده الذي وجبت عليه الزكاة وهو فيه، فإذا كان مثلاً من أهل الرياض وكان في وقت وجوب زكاة الفطر في مكة فإنه يخرجها في مكة، ولكن إذا قُدّر أن من كان خارج بلده أحوج، أو أنهم يتميزون عمن في بلده بالقرابة إليه مع حاجتهم، فإنه لا حرج أن يخرجها إلى هؤلاء؛ لأنه قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل.

مداخلة: في هذه الحالة هل الوقت يبدأ من تسليمها إلى المحتاجين أو من وقت إخراجها من نفس الشخص المزكي؟ يعني لو كنت مثلاً: في الرياض ودفعتها إلى شخص في خارج مدينة الرياض ربما في منتصف شهر رمضان، وقلت له: هذه زكاة الفطر، وعليك أن تدفعها لمستحقيها في وقت الوجوب فهل يصح مثل هذا؟

الشيخ: إذا أعطيتها إلى وكيلك في البلد الثاني، وقلت: هذه زكاة الفطر وأخرجها في وقتها فلا حرج؛ لأن المعتبر وصولها إلى الفقير في أي بلد.

السؤال: ما معنى قوله تعالى: إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص:23-24]؟

الشيخ: هذه الآيات في قصة خصومة وقعت عند داود عليه الصلاة والسلام، وهو أحد أنبياء بني إسرائيل الكرام، ابتدأها الله بقوله: وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ [ص:21-22]، فقوله تعالى: هل أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ [ص:21]، هو استفهام بمعنى التشويق إلى هذه القصة ليعتبر الإنسان بما فيها، هؤلاء الخصم تسوروا المحراب، والمحراب: مكان صلاته عليه الصلاة والسلام، أي: مكان صلاة داود، تسوروه أي: قفزوا من السور حتى دخلوا على داود، ولما كان دخولهم هذا غير معتاد فزع منهم، فقالوا: (لا تخف خصمان) يعني: نحن متخاصمان (بغى بعضنا على بعض) اعتدى عليه فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ [ص:22]، لا تشق علينا واهدنا إلى سواء الصراط، ثم ذكر القصة فقال أحدهما: إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً [ص:23] ، والنعجة: هي الشاة من الضأن وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ [ص:23] أي: غلبني في الخطاب لقوة بيانه وأسلوبه، وأراد منه هذا أن يضم نعجته الواحدة إلى نعاجه التسع والتسعين، فقال له داود عليه الصلاة والسلام دون أن ينظر في قول خصمه: لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ [ص:24]، ثم قال الله تعالى: وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ [ص:24-25]، هذه القصة كان فيها شيء يحتاج إلى استغفار وإنابة إلى الله عز وجل، لأن فيها اختباراً لداود الذي جعله الله نبياً حكماً بين العباد حيث اقتصر في محرابه على العبادة خاصة دون أن يبقى ليحكم بين الناس، ولهذا جاء هؤلاء الخصوم فلم يجدوا داود عليه الصلاة والسلام، وكان مكان صلاته مغلقاً فتسوروا عليه تسوراً، ثم إنه عليه الصلاة والسلام: قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ [ص:24]، فحكم عليه بأنه ظالم له، وظاهر القصة أنه لم يسأل المدعى عليه هل كانت دعوى صاحبه على وجه الصواب أم ليست على وجه الصواب؟ ومِن أجل هذين الأمرين ظن عليه الصلاة والسلام أن الله سبحانه وتعالى اختبره في هذه القصة، فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص:24]، قال الله تعالى: فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ [ص:25]، وقد كان كثير من المفسرين يذكرون في هذه القصة أشياء لا تليق بنبي من أنبياء الله عز وجل، يذكرون قصصاً إسرائيليةً تقتضي القدح في الأنبياء، فيجب على المرء أن يحترز منها وألا يقصها على أحد إلا مبيناً بطلانها.

ذكروا أن لداود عليه الصلاة والسلام تسعاً وتسعين امرأة، وأنه شُغف حباً بامرأة أحد جنوده، وأنه أراد أن تكون هذه المرأة من زوجاته، فطلب من هذا الجندي أن يذهب إلى الغزو، لعله يُقتل فيخلف امرأته ثم يأخذها داود عليه الصلاة والسلام، وهذه القصة كذب بلا شك ولا تليق بأدنى شخص له عقل فضلاً على أن يكون له إيمان، فضلاً على أن يكون نبياً من أنبياء الله، ولكن هذه من أخبار بني إسرائيل الكاذبة، التي لا يجوز لنا نحن المسلمين أن نعتمدها، أو أن نقصها إلا على وجه بيان بطلانها.

السؤال: ما معنى قوله تعالى في سورة الزمر: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:23]؟

الجواب: معناها أن الله تعالى يخبر بأنه نزل أحسن الحديث كتاباً وهو القرآن الكريم الذي نزله على محمد صلى الله عليه وسلم، نزله كتاباً متشابهاً يشبه بعضه بعضاً في الكمال والجودة، ويوافق بعضه بعضاً وليس فيه مناقضة ولا اختلاف، كما قال الله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، مَثَانِي [الحجر:87] تثنى فيه المعاني والأحوال والأحكام، فيذكر الله تبارك وتعالى خبراً يثني فيه على قوم، وخبراً آخر يقدح فيه بقوم، ويخبر الله تعالى خبراً عن الجنة ثم عن النار، ويخبر الله تعالى خبراً عن الصدق ثم عن الكذب، وهكذا مثاني يكون فيه الآيات التي تكون أحكاماً، والآيات التي تكون وعداً ووعيداً، حتى يكون الإنسان متقلباً في هذا الكتاب العظيم بين روضات آياته ومعانيه العظيمة؛ ولهذا قال: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ [الزمر:23]، لعظمته والهيبة منه، وخوفنا فيه من الوعيد، ثم قال بعد ذلك: ثُم تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:23] فيحل فيها الطمأنينة والاستقرار ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:23]، ففيها وصف للقرآن الكريم بأنه متشابه، وفي آيات أخر وصفه الله تعالى له بأنه محكم، وفي آيات أخر وصفه بأن بعضه محكم وبعضه متشابه، وحينئذ نحتاج إلى الفرق بين هذه الأوصاف، فوصف القرآن بأنه محكم كله معناه: أنه في غاية الجودة والإحكام والإتقان، ووصف القرآن بأنه متشابه كله معناه: أنه يشبه بعضه بعضاً في الكمال والجودة والإتقان، ووصف القرآن بأن بعضه محكم وبعضه متشابه، معناه: أن بعض الآيات منه محكمة واضحة معناها لا يظهر فيها شيء من التعارض أو التناقض، وبعضه متشابه يشتبه معناها على كثير من الناس، وربما يظهر لبعضهم فيه التعارض والأمر ليس كذلك، ولا يعرف هذا إلا الراسخون في العلم، الذين يعرفون معاني هذه الآيات الخفية التي قد يفهم منها بعض الناس التعارض وليست كذلك، وينقسم الناس تجاه هذه الآيات إلى قسمين:

قسم منهم يتبعون المتشابه من القرآن ابتغاء الفتنة وصد الناس عن محكم آيات القرآن وعن الدين والإيمان واليقين، وقسم يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وأما الراسخون في العلم المؤمنون بأنه من عند الله فيقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7] فهم يعرفون كيف يجمعون بين هذه الآيات المتشابهة وبين الآيات المحكمات، برد المتشابه إلى المحكم حتى يكون القرآن كله محكماً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [البقرة:269].

السؤال: ما هي الليالي التي تتحرى فيها ليلة القدر؟ وما هو أفضل دعاء يقال فيها؟ وما هي علاماتها؟

الجواب: أحرى الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين، ولكنها ليست هي ليلة القدر جزماً بل هي أرجاها، ومع ذلك فإن القول الراجح عند أهل العلم: أن ليلة القدر تتنقل تارة تكون في ليلة إحدى وعشرين، وتارة تكون في ليلة ثلاث وعشرين، أو في ليلة خمس وعشرين، أو في ليلة سبع وعشرين، أو في ليلة تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع أيضاً، وقد أخفاها الله عز وجل عن عباده لحكمتين عظيمتين:

إحداهما: أن يتبين الجاد في طلبها، الذي يجتهد في كل الليالي لعله يدركها ويصيبها، فإنها لو كانت ليلة معينة لم يجدّ الناس إلا في تلك الليلة فقط.

والحكمة الثانية: أن يزداد الناس عملاً صالحاً يتقربون به إلى ربهم وينتفعوا به.

أما أفضل دعاء يدعى فيها فسؤال العفو كما في حديث عائشة أنها قالت: ( يا رسول الله! أريت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني )، فهذا من أفضل الأدعية التي تقال فيها.

أما علاماتها: فإن من علاماتها أن تخرج الشمس صبيحتها صافية لا شعاع فيها، وهذه علامة متأخرة، وفيها علامات أخرى كزيادة الأنوار فيها، وطمأنينة المؤمن وراحته وانشراح صدره، كل هذه من علامات ليلة القدر.

السؤال: إذا أتت المرأة العادة الشهرية في رمضان، ثم طهرت منها في أثناء النهار فماذا تفعل في صيام ذلك اليوم؟

الجواب: أما اليوم الذي أتتها فيه العادة في أثنائه فإنه صوم فاسد، تفطر بقية ذلك اليوم وتأكل وتشرب وتقضي، وأما اليوم الذي طهرت في أثنائه فإن أهل العلم اختلفوا في ذلك على قولين:

أحدهما: أنه يلزمها الإمساك احتراماً للزمن، وعليها قضاء ذلك اليوم؛ لأنها لم تصمه من أوله.

والثاني: أنه ليس عليها قضاء، وليس عليها إمساك في ذلك اليوم؛ لأنها حين وجب الإمساك ليست من أهل وجوب الإمساك لوجود الحيض عليها؛ ولأنها لا تستفيد من هذا الإمساك شيئاً، وإنما هو مجرد إشعار عليها؛ ولأن اليوم ليس محترماً في حقها، إذ أنها زالت حرمته بكونها تأكل فيه في أول النهار، ولهذا روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: من أكل في أول النهار فليأكل آخره.

وعلى هذا فلا يلزمها أن تمسك بقية هذا اليوم؛ لأنها لا تستفيد منه شيئاً والله أعلم، ولكن يلزمها قضاء هذا اليوم كما هو معلوم وظاهر.