فتاوى نور على الدرب [209]


الحلقة مفرغة

السؤال: في بلدنا عادة إذا أراد أحد الناس أن يبيع نوعاً من بهيمة الأنعام الإناث ذات اللبن، وهي أنهم يحبسون اللبن في ضرع هذه البهيمة لمدة يومين أو ثلاثة قبل الذهاب بها إلى السوق لبيعها، حتى ينخدع المشتري لمنظرها ذلك فيشتريها بثمن زائد، فهل هذا جائز أم لا؟

الجواب: هذا العمل ليس بجائز، أعني: كون الإنسان إذا أراد أن يبيع بهيمة ذات لبن، منع حلبها لمدة يومين أو ثلاثة حتى يمتلئ ضرعها، فينخدع المشتري بذلك، هذا عمل محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه بقوله: ( لا تصروا الإبل والغنم)، والتصرية حبس اللبن في ضرع البهيمة حتى يظن أنها ذات لبن كثير، فهذا وقوع فيما نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو أيضاً من الغش لأن هذا خداع لأخيك المسلم، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من غش فليس منا)، وهو أيضاً مناف لكمال الإيمان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، ومن المعلوم أنك لا تحب لنفسك أن يخدعك أحد بمثل هذه الخديعة، فإذا كنت لا تحب ذلك لنفسك، فكيف تحبه لأخيك المؤمن؟! إذا أحببت لأخيك ما لا تحب لنفسك، انتفى عنك كمال الإيمان.

ففي هذه العملية ثلاث مفاسد؛ وقوع فيما نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، ووقوع فيما تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم منه، ونقص في الإيمان، فعلى المؤمن المتقي لربه أن يكون بيعه وشراءه صريحاً واضحاً حتى يبارك له فيه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( البيعان بالخيار؛ فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)، ثم إن المشتري الذي اشترى هذه البهيمة المصراة له الخيار بعد أن يحلبها ثلاثة أيام، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر.

السؤال: اقترضت مبلغاً من المال من أحد الناس إلى أجل محدود، وقد حان وقت السداد ولم يكن عندي ما أوفي دينه، فرفع علي شكوى في المحكمة، وحين سألني القاضي أنكرت أن يكون له في ذمتي شيء؛ خوفاً من الحكم علي بالسجن إذا لم أدفع، وحلفت على ذلك أنني لم أقترض منه شيئاً، وكانت نيتي أنني إذا وجدت مالاً أقضيه دينه الذي له علي، فماذا علي في هذه اليمين التي حلفتها كاذباً متعمداً لأنجو بها من السجن؟ وهل لها كفارة أم لا؟

الجواب: هذه اليمين التي حلفتها كاذباً في جحد حق أخيك المسلم هي يمين الغموس، ومن كذب على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان، ففعلك هذا من كبائر الذنوب، وهو إن أنجاك من السجن في الدنيا، لم ينجك من العذاب يوم القيامة إلا أن يشاء الله، ثم إن نجاتك من السجن في الدنيا تحصل بإقرارك أن في ذمتك لهذا الرجل كذا وكذا من المال، ثم إقامة البينة على أنك معسر، فإذا قامت عند القاضي بينة بأنك معسر، فإن القاضي سوف يصرف خصمك عنك، ويمنعه من مطالبتك، لأنه إذا ثبت إعسار المدين، فإن طلبه بالدين ومطالبته به أمر محرم؛ لقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280] ، وكثير من الناس إذا حلت عليهم الديون وهم لا يستطيعون وفاءها، يلجئون إلى طريقة أخرى غير هذه الطريقة التي ذكرت أو التي ذكر السائل، وهي أنهم يذهبون إلى أناس فيستدينون منهم، ثم إذا حل الدين الثاني استدانوا له، وهكذا حتى تتراكم عليهم الديون، فيعجزون بالتالي عن وفائها، وهذه طريقة من طريقة السفهاء، والإنسان إذا ثبت أنه فقير فإنه لن يطالب بسداد الدين، فعليه نقول: أثبت عند القاضي فقرك، وحينئذ تنتفي عنك المطالبة، وتسلم من الاستدانة مرة أخرى وأخرى وأخرى، وتسلم من تحمل الديون الكثيرة الثقيلة التي قد تعجز عنها في المستقبل.

وهاهنا أمر يجب أن نوجهه أيضاً إلى المطلوب وهو المدين، وهو أن بعض المدينين المطلوبين لا يخافون الله سبحانه وتعالى، ولا يرحمون الخلق، تجده يلعب بالمال ويبذره ويفسده، ثم يأتي في آخر الأمر ويقول: عجزت عن الوفاء، وهذا أيضاً من السفه، وكذلك أناس يكون عندهم القدرة على الوفاء عند حلول الديون، ومطالبة صاحب الدين، ومع ذلك يماطلون ويؤخرون الوفاء، يأتيه فيقول: غداً، ثم يأتي فيقول: غداً وهكذا، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( مطل الغني ظلم).

السؤال: ما هو الأفضل في الدعاء الإسرار به أم الجهر؟ وهل هو المراد بقوله تعالى: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ [الملك:13]؟

الجواب: إذا كان الإنسان يدعو لنفسه ولغيره فإنه يجهر بالدعاء، كدعاء الإمام في القنوت، فإنه يجهر به، لأنه يدعو لنفسه ولغيره، وكذلك يأتي به بصيغة الجمع، فيقول مثلاً: اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، ولا يقول: اللهم اهدني فيمن هديت؛ لأنه إذا خص نفسه بالدعاء، وهم يستمعون ويؤمنون، فإن هذا نوع من الخيانة، ذلك لأن الدعاء إذا كان لنفسك ولغيرك دعاء مشترك، فتخصيص نفسك به نوع من الخيانة، فعلى هذا نقول: إذا كان الدعاء مما هو مشترك للداعي ولغيره، فإنه يجهر به، ولكن الدعاء المشترك الذي للداعي ولغيره، موقوف على ما ورد به الشرع، فلا يجوز إحداث أدعية جماعية بدون ورود الشرع بها، لأن إحداث مثل هذه الأمور من البدع التي ينهى عنها.

أما إذا كان الإنسان يدعو لنفسه فهذا محل تفصيل، فإن كان في صلاة الجماعة فإنه لا يجهر به، لأن ذلك يشوش على من حوله، ولهذا تجد بعض المأمومين يجهرون بما يدعون الله به، إما بين السجدتين، وإما في السجود، وإما في التشهد، وهذا لا ينبغي منهم، فقد خرج النبي عليه الصلاة والسلام على أصحابه يوماً وهم يصلون ويجهرون بالقرآن، فنهاهم أن يجهر بعضهم على بعض، أما إذا كان الإنسان يدعو لنفسه وليس حوله أحد، فإنه ينظر ما هو أصلح لقلبه، إن كان الأصلح أن يسر أسر، وإن كان أصلح أن يجهر جهر، لكن في حال جهره لا ينبغي أن يشق على نفسه، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه وقد رفعوا أصواتهم بالذكر: ( أيها الناس! أربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصماً ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً قريباً وهو معكم، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)، والله سبحانه وتعالى قريب مجيب، وهو سبحانه تعالى فوق عرشه على جميع خلقه.

السؤال: المطر الذي ينزل من السماء من أين مصدره، أهو كما يقال من بخار البحر أم هو من السماء؟ وكيف ينشأ البرق والرعد إن كان في القرآن ما يشير إلى ذلك؟

الجواب: قال الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ [الروم:48] ، فهذا المطر ينزل من السحاب، والسحاب قد أثارته الرياح بأمر الله عز وجل، وليس لديّ علم بأكثر من ذلك، لكن إذا علم أن هنالك أسباباً طبيعية، فإنه لا حرج في قبولها إذا صحت، فإن الله تعالى قد يجعل الشيء له سببان: سبب شرعي وسبب كوني قدري، مثل: الكسوف، كسوف الشمس أو القمر، له سبب شرعي، وهو ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: ( يخوف الله بهما عباده)، وهذا هو الذي ينبغي للمرء أن يعلمه، وجهله نقص، وأما السبب الكوني للكسوف فهو حيلولة القمر بين الشمس والأرض في كسوف الشمس، ولهذا لا يكون كسوف الشمس إلا في الاستسرار في آخر الشهر لإمكان ذلك، وسبب خسوف القمر هو حيلولة الأرض بين الشمس والقمر، وهذا لا يكون إلا في ليالي الأبدار لإمكان ذلك، والمهم أن السبب الشرعي هو النافع الذي يكون سبباً لصلاح القلوب، وعلى هذا فنقول: إن سبب نزول المطر هو ما ذكره الله تعالى في القرآن.

وأما الرعد والبرق، فإنه ورد في الحديث: ( أن الرعد صوت ملك موكل بالسحاب، وأن البرق سوطه )، ولكني لا يحضرني الآن صحة هذا الحديث، فإن صح وجب القول بموجبه، وإن لم يصح فالله أعلم.

السؤال: يسأل عن معنى قوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] ، يقول: ما المقصود بالصلاة والوسطى هنا؟

الجواب: المراد بالصلاة الوسطى هنا صلاة العصر، وقد ثبت تفسيرها عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال في غزوة الخندق: ( شغلونا -يعني: الأحزاب -عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)، وإذا فسّر النبي عليه الصلاة والسلام القرآن بشيء فإن تفسيره هو الواجب قبوله، ولا قول لأحد بعد قول الرسول صلى الله عليه وسلم، والعلماء مختلفون في هذه المسألة، ولكن الراجح هو ما ذكرنا؛ لدلالة السنة عليه.

السؤال: في قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164] هل يفهم من هذا على ما في ظاهر الآية أم أن هناك معنى آخر؟

الجواب: تفهم هذه الآية وغيرها من الآيات على ظاهرها اللائق بالله عز وجل، فمن هذه الآية نفهم أن الله سبحانه وتعالى كلم موسى، وقد بين في آية أخرى أنه كلمه بصوت مسموع، فقال: وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مريم:52] فالنداء يكون بالصوت العالي للبعيد، والمناجاة بالصوت الخفي للقريب ومن هنا نعلم أن الله سبحانه وتعالى يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء، وأن كلامه بحروف وأصوات مسموعة، ولكن يجب أن نعلم بأن كلام الله سبحانه وتعالى لا يشبه كلام الآدميين بأصواتهم، لأن الله يقول في محكم كتابه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] ، ويقول بصيغة الاستفهام المشعر بالتحدي والنفي: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65] ، يعني: ليس له شبيه ولا نظير ولا أحد يساويه في جميع صفات الكمال، وهذه القاعدة -أعني: الأخذ بظاهر القرآن- هي الواجبة، لأن الله تعالى خاطبنا بالقرآن، وقال: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:2-3]، آيتان من كتاب الله بين الله سبحانه وتعالى أنه أنزل القرآن وجعله باللسان العربي من أجل أن نفهمه ونعقل معناه، وعلى هذا فيجب علينا الإيمان بظاهره حسب ما يقتضيه اللسان العربي، إلا أن يكون هناك دليل شرعي يوجب صرفه عن مقتضى اللغة إلى مقتضى الشرع، فإنه يجب اتباع ما دل عليه الشرع في ذلك.

وما حصل الضلال بالتأويلات البعيدة إلا بسبب تحكيم الناس عقولهم فيما يجب لله، وما يجوز عليه، وما يمتنع عليه، فحصل بذلك من تأويل نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته ما هو معلوم، وما هو متضمن للخروج عما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم في إجراء كلام الله سبحانه وتعالى على ظاهره وحقيقته على الوجه الذي يليق به، من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف.

السؤال: كنت ضالاً فهداني الله سواء السبيل، وشرح صدري بالإسلام له الحمد والشكر، ولقد وقع بيدي كتاب لإحدى المؤلفات العربيات اسمه المرأة والصراع النفسي لطريقة علاج المصابات بمرض نفسي، ولكنها تدعو للأسف إلى الانحراف والانزلاق وراء الشهوة الجنسية باتخاذ الأخدان وممارسة كل شيء معهم، كعلاج ناجح لحالتها النفسية المستعصية، فهل مثل هذا يعتبر علاجاً كما تزعم هذه المؤلفة، وما هو ردكم من وجهة النظر الإسلامية عليها؟

الجواب: هذا ليس علاجاً، وردنا عليها أن هذا منكر، ودعوة إلى ما نهى الله عنه، والداعي إلى الشيء لا شك أنه يحبذه ويستسيغه ويحله، وتحليل الزنا كفر مخرج عن الملة، لأن أهل العلم يقولون: من أنكر تحريم الزنا ونحوه من المحرمات الظاهرة المجمع عليها -وهو لا يجهل بذلك- فإنه يحكم بكفره، الكفر المخرج عن الملة، وقد بين الله عز وجل أن الزنا يشتمل على مفسدتين عظيمتين؛ إحداهما: أنه فاحشة، والفاحشة كل ما تستفحشه العقول السليمة وتنكره وتبغضه وتنفر منه، والثانية: أنه ساء سبيلاً، أي: القدح والتنفير من هذا السبيل والطريق الذي يكون عليه صاحب الزنا، وإذا أثنى الله عليه بهذه الصفة القبيحة ساء سبيلاً، فإنه لا يمكن أن يكون سبيلاً إلى الإصلاح أبداً، ولا إلى زوال المرض النفسي أبداً، بل هو بالعكس، يكون سبباً للعقد النفسية والبلاء والشر، كما أنه يكون سبباً لأمراض جسدية قد لا يمكن التخلص منها إلا بالموت، ومثل هذا الكتاب لا يجوز أن يبقى في الأسواق، ولا يجوز أن ينشر أو يشترى، بل الواجب إتلافه لما فيه من الدعوة إلى هذه الطريق المحرمة.

السؤال: ما حكم الختان بالنسبة للفتاة؟ وهل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنه؟ وأن له أضراراً في مستقبل الفتاة؟

الجواب: الختان بالنسبة للفتاة ذهب بعض أهل العلم إلى أنه واجب، كما أنه واجب في حق الفتى، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، أن الختان واجب على الذكر والأنثى، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه سنة في حق الأنثى واجب في حق الذكر، وهذا هو الذي عليه عمل الناس في بلادنا هذه، أنهم يرونه واجباً في حق الفتى غير واجب في حق الفتاة، وفيه قول ثالث لأهل العلم أنه سنة في حقهما جميعاً، في حق الفتى والفتاة، وأقرب الأقوال عندي أنه سنة في حق الفتاة، واجب في حق الذكر، ومن طرق أدلة وجوبه ما قاله بعض أهل العلم، وهو أن قطع شيء من البدن محرم، ولا يستباح المحرم إلا بشيء واجب، لأن المستحب لا يستباح به محرم، وهذه طريقة لا بأس بها، إلا أنها قد تنتقض علينا في مسألة المرأة.

السؤال: ما هو مفهوم المساواة بين المرأة والرجل في الإسلام؟ وهل عمل الفتاة إلى جانب الرجل في جو مشحون بالفساد يعتبر داخلاً تحت هذا المفهوم؟ إذا كان كذلك فما معنى قوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ [الأحزاب:33] ؟ وهل هذا الأمر خاص بنساء الرسول صلى الله عليه وسلم، أم هو عام لكل نساء المسلمين إلى قيام الساعة؟

الجواب: ما دمنا في السؤال عن المساواة، فإني أحب أن أقول: إن المساواة لم تأت في القرآن ولا في السنة مأموراً بها أبداً، وإنما الأمر في الكتاب والسنة بالعدل، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل:90] ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، وقال: ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل)، ولا يرتاب أحد يفهم دلالات الألفاظ أن بين قولنا: عدل وقولنا: مساواة فرقاً عظيماً، فإن المساواة ظاهرها التسوية بين الأمور المختلفة، وهذا خلاف المعقول والمنقول، بخلاف قولنا: عدل، فإن العدل إعطاء كل ذي حق ما يستحقه، وتنزيل كل ذي منزلة منزلته، وهذا هو الموافق للمعقول والمنقول، وعلى هذا فليس في القرآن ولا في السنة الأمر بمساواة المرأة مع الرجل أبداً، بل فيهما الأمر بالعدل كما سمعت.

والذي أحبه من كتابنا ومثقفينا أن يكون التعبير بكلمة العدل بدل كلمة المساواة، لما في المساواة من الإجمال والاشتراك واللبس، بخلاف العدل، فإنها كلمة واضحة بينة صريحة في أن المراد أن يعطى كل ذي حق حقه، ولو تدبرت القرآن لوجدت أكثر ما فيه نفي المساواة: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ [الحديد:10] لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ [النساء:95] ، قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ [الرعد:16] ، وما أشبه ذلك من الآيات المتعددة التي فيها نفي المساواة وليس إثباتها، ولا أعلم دليلاً في الكتاب والسنة يأمر بالمساواة أبداً، وإذا كان كذلك فإن العدل أن تعطى المرأة ما يليق بها من الأعمال والخصائص، وأن يعطى الرجل ما يليق به من الأعمال والخصائص.

وأما اشتراك الرجل والمرأة في عمل يقتضى الاختلاط والكلام والنظر وما أشبه ذلك، فإنه لا شك أنه عمل مخالف لما تقتضيه الشريعة الإسلامية في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي كتاب الله يقول الله تعالى ما ذكره السائل: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33] ، ويقول تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] ، فإذا كان الرجل مع الحاجة إلى مخاطبة المرأة ومكالمتها لا يكلمها إلا من وراء حجاب، فكيف إذا لم يكن هناك حاجة، وقوله تعالى: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] ، يدل على أنه إذا حصل ما يخالف ذلك كان فيه تلويث للقلب، وزوال للطهارة، ومن المعلوم أنه إذا كان هذا أطهر لقلوب أمهات المؤمنين، فإن غيرهن أولى بالتطهير والبعد عما يلوث القلب.

وعلى هذا فنقول: إن القرآن دل على أن المرأة تبتعد عن الرجل، وإذا دعت الحاجة إلى أن يكلمها فإنه يكلمها من وراء حجاب، أما في السنة فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة: ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)، كل هذا من أجل أن تبتعد المرأة عن الرجل حتى في أماكن العبادة.