هذا الحبيب يا محب 52


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

لنقضي ساعة مع حبيبنا صلى الله عليه وسلم نصلي عليه ونكرر الصلاة ونترضى عن آله وأصحابه، مع ما نكتسب من معرفة هي سبيل سعادتنا وكمالنا في الدارين إن شاء الله رب العالمين.

ما زلنا مع وقعة أو غزوة بدر التي غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ثلاثمائة وأربعة عشر صحابياً رضوان الله عليهم أجمعين، وكانت في رمضان، بل في اليوم السابع عشر منه، واليوم نختمها إن شاء الله.

قال: [مثل رائع يضربه أبو العاص ] وأبو العاص هو زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإليكم هذا المثل الرائع الذي يضربه هذا البطل، هذا المؤمن، هذا البصير، هذا الشريف، هذا الكريم ..

قال: [إنه لما قدم أبو العاص من الشام ومعه أموال التجارة واعترضته السرية قال له رجالها: هل لك أن تسلم وتأخذ هذه الأموال؛ فإنها أموال المشركين؟] وأبو العاص كان قد خرج من مكة إلى بلاد الشام بأموال تجارية لأغنياء قريش، فلما خرجت سرية من سرايا النبي صلى الله عليه وسلم تتطلع وتتطلب بعض التجارات التي تأتي إلى قريش ليعترضوها ويأخذوها -مقابل أن قريشاً سلبتهم أموالهم وأخرجتهم من ديارهم- اعترضت أبا العاص ومعه أموال كثيرة، فلما حاصروه ووقف بين أيديهم عرضوا عليه أن يسلم فإذا أسلم حل له هذا المال كله، ويصبح بعد ذلك أغنى أغنياء تلك الديار [فقال: بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي] يعني: أي إسلام هذا إذا بدأت فيه بخيانة أمانتي؟ هذا وهو -والله- جاهل وكافر، ما درس في كلية ولا جامعة [فرفض المقترح] ورده على أصحابه، وهرب. وجروا وراءه فما استطاعوا أن يلقوا القبض عليه.

ولما جن الظلام ونام الناس دخل المدينة -وهذا سبق أن عرفناه- ونزل على بنت الرسول وزوجه زينب رضي الله عنها، وقال لها: أجيريني يا زينب ! فماذا تفعل بنت رسول الله؟ وقفت موقفاً لو أتيت بكل خريجات الجامعات اليوم والله ما وقفنه ولا عرفنه، فماذا فعلت؟ لما أذن المؤذن لصلاة الصبح والرجل محبوس عندها، بعد أن أمنته وأجارته -والإسلام يجيز إجارة المرأة كإجارة الرجل؛ لأن المسلمين سواسية كأسنان المشط يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد واحدة على من سواهم- وكبر الناس تكبيرة الإحرام ودخلوا في الصلاة قامت هي ورفعت صوتها وقالت: إني أجرت ابن فلان وسكتت.

فما إن سلم الحبيب صلى الله عليه وسلم والمؤمنون من صلاة الصبح حتى استقبلهم وقال: سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم. فقال: ( أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم ). الله أكبر! أين نساء أولئك الأقوام بالنسبة إلى نسائنا وقد هبطنا وهبطن معنا.

قال: [وكان الذي كان ...] أي: هذا الذي قصصناه [ووصل مكة وأدى أموال الناس وهي أمانات في ذمته، ثم أعلن إسلامه] في وسط المشركين لا يخاف إلا الله رب العالمين [فكان هذا مثلاً رائعاً في الوفاء يضربه ختن الحبيب صلى الله عليه وسلم أبو العاص بن الربيع ، فرضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة مأوانا ومأواه، آمين].

قال: [إسلام شيطان] من هذا الشيطان؟ وهل الشيطان يسلم؟ هيا نتعرف إلى هذه الحقيقة.

قال: [كان بمكة رجل يدعى عمير بن وهب يمثل الشيطان في كيده وخبثه، آذى المؤمنين في مكة أذى كبيراً وكثيراً]، هذا الرجل يقال له عمير بن وهب يمثل الشيطان في كيده وخبثه [وُصف بأنه شيطان من شياطين قريش] معروف عندهم بأنه شيطان من شياطينهم، ونحن الآن لا نفهم معنى شيطان، وهم يفهمون، فما معنى شيطان؟ الشيطان معناه: الذي ينصر وينشر الخبث والظلم والشر والفساد بلسانه وأعماله. هذا هو الشيطان، أليس الشيطان هو الذي يوجد العداوات بين الناس ويعلن الحروب بينهم لتسيل الدماء؟!

قال: [جلس] هذا الشيطان [يوماً يتحدث مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر] بعد نكبة المشركين وهزيمتهم في بدر جلس عمير مع صفوان بن أمية وهو من كبار طغاة قريش [فذكر أصحاب القليب] والقليب هي بئر عميقة ليس فيها ماء، وأصحابها هم صناديد قريش، لما قتلوا في بدر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإلقائهم فيها [فقال صفوان : والله ما في العيش بعدهم خير] لما ذكّره برجالاته الذين قتلوا قال: والله ما في العيش بعدهم خير، أي: لا قيمة للحياة اليوم بعدهم [فقال عمير : صدقت والله] قال الشيطان: صدقت والله! ما في العيش خير بعد أولئك الرجال الذين ماتوا. وتلاحظون أنه حلف بالله فلم يحلف بسيدي إبراهيم، وما حلف بإسماعيل، فقد كانوا أعرف منا بالإسلام تقريباً لولا العناد والمكابرة.

[ثم قال: أما والله لولا دين علي ليس له عندي قضاء] هذا الشيطان يقول [وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله] يقول: لولا دين علي .. ونحن نستدين ونأكل الدين ثم نلعن صاحبه ونقول: هذا عميل! فالمسلمون من أقصى الشرق إلى الغرب -إلا أفراداً- لا يعتبرون الدَّين شيئاً أبداً، المهم أنه حصل عليه، فيأكل ويغني. وهذا شيطان في الكفر يقول: لولا دين علي قضاؤه لفعلت كذا وكذا .. لكن لا أستطيع وعلي دين الناس!!

ومن شك فيما أقول فليذكر كيف وجد الربا وبنيت بنوكه وفتحت أبوابها في ديار المسلمين؟ هل فتحت بالحديد والنار؟ هل قهرتنا أوروبا عليه؟ هل ألزم حكام المسلمين الشعوب أن يفعلوا هذا؟ الجواب: لا والله، لا والله، وإنما المسلمون أقبلوا على هذا الباطل وتقحموا هذه الفتنة ليتأهلوا للبلاء والشقاء.

وسؤالي: كيف وقع هذا؟ والجواب: وقع لأننا ما أصبحنا نسلف ولا نقرض إخواننا، وأصبح إخواننا لا يردون قرضاً ولا سلماً ولا سلفاً، وقد كان المسلمون في صدر هذه الأمة الصالح يجيء الرجل لأخيه فيقول: تستطيع أن تجعل عندنا مالاً نتجر به من الشرق إلى الغرب، أو ننشئ مزرعة، أو نفتح دكاناً أو متجراً، فيأخذ أخوه -وكله أمل في الله عز وجل أن يستفيد ويفيد أخاه- ويحفظ له أمانته وماله، ويتجر أو يصنع أو ينشئ ما ينشئ ومال فلان محفوظ وهو مطمئن تمام الاطمئنان، وقد يكسبه فائدة اتفقا عليها كالنصف أو الربع أو الثلث.

ووجه آخر: وهو أن يقول شخص: عندي فلوس في جيبي أو في بيتي فماذا أصنع بها وقد زادت عن قوتي؟ فيبحث عمن يقرضه من المؤمنين؛ لينتفع بذلك ثم يرده عليه، وهو خير من أن تبقى عنده، فما الفائدة من بقائها وهو ليس في حاجة إليها، فيقرضها إخوانه، وإذا حل الأجل يأتون بين يديه ويقدمونها شاكرين داعين.

لكن انتكسنا وهبطنا وعبدنا الدينار والدرهم وأصبح هو الأمل، وحينئذ ما بقي من يقعد ويسلف ولا من يرد ويرجع، ولا من يضارب ويتجر ويربح، وأعطينا هذا لليهود والنصارى، فالأموال تُجمع في بنوك بلاد الإسلام ثم تباع لأمريكا واليابان والصين بأرباح.

معاشر المستمعين! عرفتم كيف سقطنا؟ وإن قلتم: يا شيخ! ما عوامل هذا؟ الجواب: إنه الثالوث الأسود، المكون من الأعداء الثلاثة: المجوس، واليهود، والنصارى، لما فشلوا في حربنا ومواجهتنا كادوا لنا ومكروا بنا، فأفسدوا قلوبنا بتمزيقنا وتشتيتنا، وإثارة العداوات والبغضاء بيننا، بعد أن أخذوا مادة الحياة من قلوبنا ألا وهي: القرآن العظيم، فأبعدونا عن مصدر حياتنا -القرآن الكريم- وحولونا إلى المقابر والمآتم ودور الموت، فلا يجتمع عليه اثنان يتدبرانه أو يتفكران في كلام الله أبداً. وهكذا علة تتولد عنها علة حتى وصلنا إلى ما نحن عليه.

حجة عمير بن وهب لدخول المدينة دون أن يشك فيه

قال: [فإن لي قبلهم علة: ابني وهيب أسير في أيديهم، فاغتنمها صفوان وقال: علي دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم] قال: صفوان : علي قضاء ديونك وعيالك عيالي فهيا امش، نفذ فقط مهمتك بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل صفوان يصدق أو يكذب؟ والله لا يكذب. فقد عرفنا عنهم أنهم لا يعرفون الكذب، فسوف يسدد عنه ديونه لو مات، وعياله من ثم هو ينفق عليهم كما ينفق على عياله.

[فقال له عمير : فاكتم شأني وشأنك] أي: لا تحدث أحداً؛ خشية أن ينتقل الخبر إلى المدينة ولا نتمكن من قتل محمد [قال صفوان : أفعل] أي: لن يسمع أحد بهذه القضية وامش. ولكن سبق الوحي ..! [فأمر عمير بسيفه فشحذ له وسم] وشحاذ السيوف صانع خاص، وسممه: أي دهنه بالسم فإذا ضرب به جسم لا يعيش صاحبه، وهذا ذاهب ليقتل الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة [ثم انطلق حتى أتى المدينة، فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر] كما يتحدثون في مكة كانوا يتحدثون في المدينة، فالحدث جلل في أيامه الأولى [إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف].

وهل تعرفون عمر يا زوار؟ يقول عنه ولده عبد الله : "والله ما قال أبي في شيء: أظنه كذا إلا كان كما ظن" لقد أعطي رضي الله عنه فراسة نورانية، فسبحان العظيم! كيف حصل عليها؟ حصل عليها بيقينه وبإقباله على ربه، وبإعراضه عن أوساخ الدنيا وقاذوراتها، وهذا الفرقان الإلهي بين أيدينا لو كنا أهلاً له، إذ أعلن تعالى ذلك إعلاناً رسمياً، ومن يرغب في هذا فليتفضل، وأحق بهذا رجالات الحكم والدولة، رجالات الأمن والسياسة؛ حتى يكونوا كـعمر بصراء يعرفون الحق من الباطل والنافع من الضار، يقول تعالى في سورة الأنفال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، فقط اتقي الله ويجعل الله لك الفرقان. وكيف هذا؟!

إن تقوى الله هي عبارة عن خوف من الله وحب فيه يحملك على أن تطيعه في أمره ونهيه، ففعل الأمر يزكي النفس ويطهرها فتشرق وتلألأ بأنوارها، وترك المعاصي يقعدها عن التلوث والتخبث والعفن والنتن، فتبقى كلها أنوار، وصاحب هذا النور إذا نظر وقال كذا .. كان كما قال. فيا من يقود ويسود أنت أحق بهذا النور، وإذا لاحظنا وجدنا أن هذا النور عند المسلمين نادر، فباب الله مفتوح، من أراد أن يدخل قرع الباب ودخل، ولا يرد الله أحداً أبداً.

ونعود فنقول: إن هذا الشيطان قبله الله، ونحن نترضى عنه الآن، رغم أنه أقبل على أكبر جريمة وهي قتل نبي من الأنبياء.

[فقال] عمر [هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب والله ما جاء إلا لشر] ما إن شاهد عمر الرجل ينيخ ناقته متوشحاً سيفه حتى قال ما قال، ووالله ما أخطأ [ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم] حارس أمين عمر [فقال: يا نبي الله! هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحاً سيفه] يعني: انتبه! [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أدخله علي )] إذاً: عمر كان بواباً، ومن لا يرغب في أن يكون بواباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يا ليتنا كنا كناسين [فأخذ عمر بحمالة سيفه في عنقه ولببه بها] جعل حمالة السيف في عنقه ولببه بها وجره، قال: تعال لا تدخل متعنتراً، ولكن ادخل ذليلاً يا عدو الله!

[وقال لرجال من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من الخبيث؛ فإنه غير مأمون] لما قدمه قال لبعض الأنصار: ادخلوا أنتم واجلسوا وانتبهوا لهذا الخبيث فإنه غير مأمون، فقد عرف أنه جاء لمهمة [ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: ( أرسله يا عمر ! ادن يا عمير ! )] وعمير تصغير لعمر، فـعمر أفخم، وعمير صغير [فدنا وقال: انعموا صباحاً] وهي تحية من تحايا أهل الجاهلية، فما كانوا يعرفون السلام عليكم. [وكانت هذه تحية أهل الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قد أُكرمنا بتحية خير من تحيتك يا عمير ! )] أي: أعطانا الله تحية خيراً من تحيتك أنت يا عمير ! فما نحن في حاجة إلى أنعم صباحاً [( بالسلام تحية أهل الجنة )] فالسلام عليكم هي تحية أهل الجنة، أما سمعتم الله يقول: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58]، وهذا سلام الله على أهل الجنة، ويقول تعالى: تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ [إبراهيم:23] وأيضاً: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24].

[فقال عمير : أما والله يا محمد! إن كنت بها لحديث عهد] يعني: أنعم صباحاً [قال: ( فما جاء بك يا عمير ؟! )، قال: جئت لهذا الأسير الذي بين أيديكم -يعني: ولده وهيباً -] ليستخلصه [فأحسنوا به] طلب من الرسول أن يحسن إلى ولده [قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: ( فما بال السيف في عنقك؟ )] يعني: أخبرني عن السيف الذي في عنقك، فالذي جاء يطلب أسيراً لا يأتي بالسيف، بل يأتي بالمال ليفاديه أو يأتي طالباً الإحسان، فما بال هذا السيف في عنقك؟ [قال: قبحها الله من سيوف] ما نفعت [وهل أغنت عنا شيئاً] يعني هل أغنت عنا في يوم بدر شيئاً؟

تقرير النبي لعمير بن وهب بما حصل بينه وبين صفوان من حوار وإسلامه إثر ذلك

[قال: (اصدقني الذي جئت له؟!)] يعني: وأخبرني بالصدق، ما المهمة التي جئت لها؟ فأنت ما جئت لابنك أبداً [قال: ما جئت إلا لذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بل قعدت مع صفوان بن أمية في الحجر -حجر البيت- فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً فتحمل لك صفوان دينك وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك ). قال عمير : أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله! نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ] يعني: ما حضر أحد معنا أبداً ونحن في الحجر وقلت له: لا تحدث بهذا أحد [فوالله إني لأعلم أنه ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق ثم شهد شهادة الحق، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فقهوا أخاكم في دينه وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره )].

تجلت الأنوار المحمدية! قال: ( فقهوا أخاكم في الدين ) هذا أولاً، ثم ( أقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره ) [ففعلوا وعاد عمير إلى مكة وقام بالدعوة إلى الإسلام بنفس القوة التي كان يدعو بها ضد الإسلام وأوذي كثيراً في ذلك، وقد دخل بدعوته في الإسلام خلق كثير] وهل نحن قائمون بهذا الواجب؟!

وهناك رسالة عنوانها: (اعلم يا أخي تنجو وتسعد) أي: اعلم يا أخي! البريطاني والصيني والروسي والياباني أنك تنجو من عذاب النار والخلود فيها وتسعد بدخول الجنة، هذه الرسالة بفضل الله أعاننا على تأليفها وكتابتها ونشرها -ولا يقول لكم أبو مرة إنما هو شيخ يعمل في دعاية لكتبه، احذروا والعنوه فإنه كاذب- قلت فيها:

ليعلم وزراء الأوقاف وأغنياء العالم الإسلامي أن ترجمة هذه الرسالة إلى اللغات الحية للناطقين بها كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية والفارسية والأوردية واليابانية والصينية ونشرها بين أفراد تلك الدول من أوجب الواجبات على المسلمين، ألا فلنذكر هذا ولنعمل على تحقيقه، والله المستعان! وقد ذكرني بها موقف الحبيب الآن، فما إن أعلن عمير عن إسلامه حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فقهوه في الدين وأقرئوه القرآن )، فمن يقوم بهذا الواجب الآن؟ إن هذه الرسالة تكشف عوارنا الآن، فقد طبعنا منها ووزعنا عشرة آلاف نسخة، وكانت كأنما توضع على القبور، لم يتحرك لها عالم ولا غني ولا حاكم أبداً، وهي تمضي كما مضت عشرات الرسائل من قبل، تماماً كأننا نوزعها على القبور، فهل الميت يقرأ أو يعمل؟ ولو أراد الله حياتنا والعودة بنا إلى سماء كمالاتنا -والله- لاختطفت وأصبحت حديث العلماء والمسئولين والأغنياء في العالم الإسلامي، وفجأة ما تمضي ثلاثة أشهر إلا وهي توزع في العالم بلغاته، ولا يكلف ذلك شيئاً، فقط يرفعنا إلى مستوى أهلنا الله له كهداة للبشرية ودعاتها للخير والهدى. وتحسسوا بعد شهرين أو ثلاثة أو سنة هل حدث شيء؟ ولا شيء. إذاً: كأنما وزعناها على القبور، فلا عالم يتكلم ولا غني يقول: أنا أولى بهذا، ولا حاكم يقول: أوزعها على السفراء والقناصل، أبداً، وإذا أراد الله الحياة فإننا في خلال أربعين يوماً سنسمع أنها ترجمت إلى لغة كذا وأنها توزع في كذا.

ولا يقول قائل: هذا كلام لا معنى له في الدرس! فإذا قال قائل هذا الكلام فإن معناه: أننا ما زلنا أمواتاً، فهذه دعوة الله، وهذه مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

قال: [وهكذا بعدما كان عمير بن وهب شيطاناً أسلم فأصبح داعية إسلامياً وهدى الله على يديه خلقاً كثير] فرضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثوانا ومثواه، [وهنا تتجلى آية النبوة المحمدية، والحقيقة الإيمانية، وهي أن من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له] وآية النبوة المحمدية هنا أنه كيف تم الكلام في مكة سرياً لا يعرفه إلا صفوان وعمير ثم يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحرف الواحد، هل هناك لا سلكي؟ كيف تم هذا؟ تم بالوحي الإلهي، إذاً: والله إنه لرسول الله.

قال: [فإن لي قبلهم علة: ابني وهيب أسير في أيديهم، فاغتنمها صفوان وقال: علي دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم] قال: صفوان : علي قضاء ديونك وعيالك عيالي فهيا امش، نفذ فقط مهمتك بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل صفوان يصدق أو يكذب؟ والله لا يكذب. فقد عرفنا عنهم أنهم لا يعرفون الكذب، فسوف يسدد عنه ديونه لو مات، وعياله من ثم هو ينفق عليهم كما ينفق على عياله.

[فقال له عمير : فاكتم شأني وشأنك] أي: لا تحدث أحداً؛ خشية أن ينتقل الخبر إلى المدينة ولا نتمكن من قتل محمد [قال صفوان : أفعل] أي: لن يسمع أحد بهذه القضية وامش. ولكن سبق الوحي ..! [فأمر عمير بسيفه فشحذ له وسم] وشحاذ السيوف صانع خاص، وسممه: أي دهنه بالسم فإذا ضرب به جسم لا يعيش صاحبه، وهذا ذاهب ليقتل الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة [ثم انطلق حتى أتى المدينة، فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر] كما يتحدثون في مكة كانوا يتحدثون في المدينة، فالحدث جلل في أيامه الأولى [إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف].

وهل تعرفون عمر يا زوار؟ يقول عنه ولده عبد الله : "والله ما قال أبي في شيء: أظنه كذا إلا كان كما ظن" لقد أعطي رضي الله عنه فراسة نورانية، فسبحان العظيم! كيف حصل عليها؟ حصل عليها بيقينه وبإقباله على ربه، وبإعراضه عن أوساخ الدنيا وقاذوراتها، وهذا الفرقان الإلهي بين أيدينا لو كنا أهلاً له، إذ أعلن تعالى ذلك إعلاناً رسمياً، ومن يرغب في هذا فليتفضل، وأحق بهذا رجالات الحكم والدولة، رجالات الأمن والسياسة؛ حتى يكونوا كـعمر بصراء يعرفون الحق من الباطل والنافع من الضار، يقول تعالى في سورة الأنفال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، فقط اتقي الله ويجعل الله لك الفرقان. وكيف هذا؟!

إن تقوى الله هي عبارة عن خوف من الله وحب فيه يحملك على أن تطيعه في أمره ونهيه، ففعل الأمر يزكي النفس ويطهرها فتشرق وتلألأ بأنوارها، وترك المعاصي يقعدها عن التلوث والتخبث والعفن والنتن، فتبقى كلها أنوار، وصاحب هذا النور إذا نظر وقال كذا .. كان كما قال. فيا من يقود ويسود أنت أحق بهذا النور، وإذا لاحظنا وجدنا أن هذا النور عند المسلمين نادر، فباب الله مفتوح، من أراد أن يدخل قرع الباب ودخل، ولا يرد الله أحداً أبداً.

ونعود فنقول: إن هذا الشيطان قبله الله، ونحن نترضى عنه الآن، رغم أنه أقبل على أكبر جريمة وهي قتل نبي من الأنبياء.

[فقال] عمر [هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب والله ما جاء إلا لشر] ما إن شاهد عمر الرجل ينيخ ناقته متوشحاً سيفه حتى قال ما قال، ووالله ما أخطأ [ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم] حارس أمين عمر [فقال: يا نبي الله! هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحاً سيفه] يعني: انتبه! [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أدخله علي )] إذاً: عمر كان بواباً، ومن لا يرغب في أن يكون بواباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يا ليتنا كنا كناسين [فأخذ عمر بحمالة سيفه في عنقه ولببه بها] جعل حمالة السيف في عنقه ولببه بها وجره، قال: تعال لا تدخل متعنتراً، ولكن ادخل ذليلاً يا عدو الله!

[وقال لرجال من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من الخبيث؛ فإنه غير مأمون] لما قدمه قال لبعض الأنصار: ادخلوا أنتم واجلسوا وانتبهوا لهذا الخبيث فإنه غير مأمون، فقد عرف أنه جاء لمهمة [ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: ( أرسله يا عمر ! ادن يا عمير ! )] وعمير تصغير لعمر، فـعمر أفخم، وعمير صغير [فدنا وقال: انعموا صباحاً] وهي تحية من تحايا أهل الجاهلية، فما كانوا يعرفون السلام عليكم. [وكانت هذه تحية أهل الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قد أُكرمنا بتحية خير من تحيتك يا عمير ! )] أي: أعطانا الله تحية خيراً من تحيتك أنت يا عمير ! فما نحن في حاجة إلى أنعم صباحاً [( بالسلام تحية أهل الجنة )] فالسلام عليكم هي تحية أهل الجنة، أما سمعتم الله يقول: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58]، وهذا سلام الله على أهل الجنة، ويقول تعالى: تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ [إبراهيم:23] وأيضاً: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24].

[فقال عمير : أما والله يا محمد! إن كنت بها لحديث عهد] يعني: أنعم صباحاً [قال: ( فما جاء بك يا عمير ؟! )، قال: جئت لهذا الأسير الذي بين أيديكم -يعني: ولده وهيباً -] ليستخلصه [فأحسنوا به] طلب من الرسول أن يحسن إلى ولده [قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: ( فما بال السيف في عنقك؟ )] يعني: أخبرني عن السيف الذي في عنقك، فالذي جاء يطلب أسيراً لا يأتي بالسيف، بل يأتي بالمال ليفاديه أو يأتي طالباً الإحسان، فما بال هذا السيف في عنقك؟ [قال: قبحها الله من سيوف] ما نفعت [وهل أغنت عنا شيئاً] يعني هل أغنت عنا في يوم بدر شيئاً؟

[قال: (اصدقني الذي جئت له؟!)] يعني: وأخبرني بالصدق، ما المهمة التي جئت لها؟ فأنت ما جئت لابنك أبداً [قال: ما جئت إلا لذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بل قعدت مع صفوان بن أمية في الحجر -حجر البيت- فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً فتحمل لك صفوان دينك وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك ). قال عمير : أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله! نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ] يعني: ما حضر أحد معنا أبداً ونحن في الحجر وقلت له: لا تحدث بهذا أحد [فوالله إني لأعلم أنه ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق ثم شهد شهادة الحق، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فقهوا أخاكم في دينه وأقرئوه القرآن وأطلقوا له أسيره )].

تجلت الأنوار المحمدية! قال: ( فقهوا أخاكم في الدين ) هذا أولاً، ثم ( أقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره ) [ففعلوا وعاد عمير إلى مكة وقام بالدعوة إلى الإسلام بنفس القوة التي كان يدعو بها ضد الإسلام وأوذي كثيراً في ذلك، وقد دخل بدعوته في الإسلام خلق كثير] وهل نحن قائمون بهذا الواجب؟!

وهناك رسالة عنوانها: (اعلم يا أخي تنجو وتسعد) أي: اعلم يا أخي! البريطاني والصيني والروسي والياباني أنك تنجو من عذاب النار والخلود فيها وتسعد بدخول الجنة، هذه الرسالة بفضل الله أعاننا على تأليفها وكتابتها ونشرها -ولا يقول لكم أبو مرة إنما هو شيخ يعمل في دعاية لكتبه، احذروا والعنوه فإنه كاذب- قلت فيها:

ليعلم وزراء الأوقاف وأغنياء العالم الإسلامي أن ترجمة هذه الرسالة إلى اللغات الحية للناطقين بها كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية والفارسية والأوردية واليابانية والصينية ونشرها بين أفراد تلك الدول من أوجب الواجبات على المسلمين، ألا فلنذكر هذا ولنعمل على تحقيقه، والله المستعان! وقد ذكرني بها موقف الحبيب الآن، فما إن أعلن عمير عن إسلامه حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فقهوه في الدين وأقرئوه القرآن )، فمن يقوم بهذا الواجب الآن؟ إن هذه الرسالة تكشف عوارنا الآن، فقد طبعنا منها ووزعنا عشرة آلاف نسخة، وكانت كأنما توضع على القبور، لم يتحرك لها عالم ولا غني ولا حاكم أبداً، وهي تمضي كما مضت عشرات الرسائل من قبل، تماماً كأننا نوزعها على القبور، فهل الميت يقرأ أو يعمل؟ ولو أراد الله حياتنا والعودة بنا إلى سماء كمالاتنا -والله- لاختطفت وأصبحت حديث العلماء والمسئولين والأغنياء في العالم الإسلامي، وفجأة ما تمضي ثلاثة أشهر إلا وهي توزع في العالم بلغاته، ولا يكلف ذلك شيئاً، فقط يرفعنا إلى مستوى أهلنا الله له كهداة للبشرية ودعاتها للخير والهدى. وتحسسوا بعد شهرين أو ثلاثة أو سنة هل حدث شيء؟ ولا شيء. إذاً: كأنما وزعناها على القبور، فلا عالم يتكلم ولا غني يقول: أنا أولى بهذا، ولا حاكم يقول: أوزعها على السفراء والقناصل، أبداً، وإذا أراد الله الحياة فإننا في خلال أربعين يوماً سنسمع أنها ترجمت إلى لغة كذا وأنها توزع في كذا.

ولا يقول قائل: هذا كلام لا معنى له في الدرس! فإذا قال قائل هذا الكلام فإن معناه: أننا ما زلنا أمواتاً، فهذه دعوة الله، وهذه مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

قال: [وهكذا بعدما كان عمير بن وهب شيطاناً أسلم فأصبح داعية إسلامياً وهدى الله على يديه خلقاً كثير] فرضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثوانا ومثواه، [وهنا تتجلى آية النبوة المحمدية، والحقيقة الإيمانية، وهي أن من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له] وآية النبوة المحمدية هنا أنه كيف تم الكلام في مكة سرياً لا يعرفه إلا صفوان وعمير ثم يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحرف الواحد، هل هناك لا سلكي؟ كيف تم هذا؟ تم بالوحي الإلهي، إذاً: والله إنه لرسول الله.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
هذا الحبيب يا محب 115 4084 استماع
هذا الحبيب يا محب 111 4081 استماع
هذا الحبيب يا محب 7 3832 استماع
هذا الحبيب يا محب 47 3819 استماع
هذا الحبيب يا محب 126 3694 استماع
هذا الحبيب يا محب 102 3682 استماع
هذا الحبيب يا محب 9 3651 استماع
هذا الحبيب يا محب 32 3574 استماع
هذا الحبيب يا محب 99 3491 استماع
هذا الحبيب يا محب 48 3474 استماع