خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/142"> الشيخ ابو بكر الجزائري . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/142?sub=113"> هذا الحبيب يا محب
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
هذا الحبيب يا محب 49
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فها نحن مع غزوة أو معركة بدر الكبرى، وقد مشينا فيها وسايرناها عدة ليال، والآن مع [التقاء الفريقين] أي: فريق التوحيد وفريق الشرك، فريق الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وفريق أبي سفيان والكافرين، وما تقدم كان تمهيدات.
قال: [في صبيحة يوم الجمعة] يوم السابع عشر بالضبط [من شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة] ولا خلاف في هذا التاريخ، فصبيحة يوم الجمعة من شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة [تلاقى فريق التوحيد مع فريق الشرك، وقد قلل الله كلاً من الفريقين في عين الآخر] وكان هذا تدبير ذي العرش جل جلاله وعظم سلطانه؛ فحتى يلتحم المقاتلون قلل الله المشركين في أعين المؤمنين، حتى رأوهم قلة لا قيمة لهم، وقلل الله المؤمنين في أعين المشركين حتى قال قائلهم: أنا أستطيع أن أقضي عليهم [جاء هذا في قول الله تعالى من سورة الأنفال: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ [الأنفال:44]] لماذا؟ [ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا [الأنفال:44]] وهو أن يهزم المشركين ويسقط منهم في الميدان سبعين قتيلاً، ويؤسر سبعين. هذا كله تدبير الله جل جلاله وعظم سلطانه.
قال: [وبدأت المعركة فرمى المشركون مهجعاً مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بسهم فكان أول قتيل من المسلمين في المعركة] أول سهم رمى به المشركون أصاب مهجعاً مولى عمر بن الخطاب أي: خادمه، فكان أول قتيل من المسلمين في معركة بدر [ثم رمي حارثة بن سراقة -أحد بني عدي بن النجار وهو يشرب من ماء الحوض بسهم- فأصاب نحره فقتل] هذا أيضاً الثاني [وهو الذي جاءت أمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاد إلى المدينة] لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بعد المعركة جاءت أمه [وقالت: يا رسول الله! أخبرني عن حارثة فإن كان في الجنة صبرت، وإلا فليرين الله ما أصنع. تريد من البكاء والنياحة عليه].
لما انتهت المعركة وقدم رسول الله -القائد- صلى الله عليه وسلم المدينة كان قلبها يحترق على ولدها وفلذة كبدها، فقالت: يا رسول الله! أخبرني عن حارثة فإن كان في الجنة صبرت، وإلا فليرين الله ما أصنع -تريد من البكاء والنياحة على حارثة [فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ويحك أهبلت؟! إنها جنان ثمان وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى )].
قال: [ وخرج من معسكر المشركين الأسود بن عبد الأسد المخزومي -وكان رجلاً شرساً سيئ الخلق-] الآن عدنا للمعركة فحادثة أم حارثة تمت بعد رجوهم إلى المدينة [فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه] لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ورجاله عملوا حوضهم وخربوا الأحواض الأخرى، وبقي الماء عند المؤمنين دون الكافرين، وهذا من خطط الحرب السليمة.
قال: [فخرج إليه حمزة رضي الله عنه] خرج لهذا المشرك الذي قال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه [فلما التقيا] وجهاً لوجه [ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه -وهو دون الحوض-] كان لم يصل إليه بعد [فوقع على ظهره تشخب رجله دماً، ثم حبا إلى الحوض] لينفذ ما تعهد به [حتى اقتحم فيه، يريد أن يبر يمينه] هذا الكافر المشرك حلف وأبى أن يتقهقر أو ينهزم حتى يبر بيمينه؛ لأنهم كانوا يعظمون الله والأيمان، ونحن الآن نحلف بالله سبعين مرة ولا نبالي فإنا لله وإنا إليه راجعون!
قال: [وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض، فكان أول قتيل من المشركين في بدر].
قال: [المبارزة قبل الالتحام] والمبارزة هي أن يخرج من الجيش الإسلامي وكذلك من الجيش المشرك من يتبارز قبل بدء المعركة، وهذا من أجل تهييج النفوس وإثارتها، وهي سنة من سنن الحرب أيام كان القتال بالسيف والرمح، أما الآن فقتال بالخديعة والنفاق.
قال: [من سنة الحرب عند الأولين أنهم يبدءون المعركة بالمبارزة، بأن يطلب أحد المعسكرين المبارزة من الآخر، من باب إثارة الحمية وتهييج المقاتلين] وأنتم تعرفون هذا في الكُرة فقط، وقد رأيناكم، فالمتفرجون على مقاعدهم يميلون ويتمايلون من هيجانهم!!
إذاً: عندما يلتقي العدوان يبدءون بالمبارزة لإثارة النفوس وتهييج القلوب، فإذا التحموا تقاتلوا في جدّ وصدق.
قال: [وهنا في غزوة بدر خرج عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة وابنه الوليد بن عتبة بن ربيعة فدعا إلى المبارزة] بدأ المشركون [فخرج إليه فتية من الأنصار] شبان من أنصار الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل المدينة [وهم: عوف ومعوذ ابنا عفراء ، وعبد الله بن رواحة ] ثلاثة مقابل ثلاثة [فسألوهم] أي: سأل المشركون المؤمنين [من أنتم؟ فقالوا: رهط من الأنصار، قالوا: ما لنا بكم من حاجة] أي: ما جئنا لقتالكم أنتم، بل نريد أن نقاتل إخواننا الذين خرجوا من ديارنا مهاجرين [ثم نادى مناديهم: يا محمد! أخرج لنا أكفاءنا من قومنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا عبيدة بن الحارث وقم يا حمزة وقم يا علي ، فلما قاموا ودنوا منهم قالوا: من أنتم؟ قال: عبيدة : عبيدة وقال حمزة : حمزة ، وقال علي : علي] أي: أنا علي [قالوا: نعم. أكفاء كرام] كانت أخلاقهم في الملكوت الأعلى، فهل بقي هذا في البشرية اليوم؟ لم يعد ذلك، انتهى، فسبحان الله! لقتلهم وقتالهم يطلبون أكفاء كرام! لأن الساقطين والهابطين لا قيمة لهم، فلم يقاتلونهم؟!
ولعلكم تذكرون ما قلت لكم: إنه كلما مضى عام شاخت البشرية، وأصيبت بالهلاك والعجز والضعف في العقل والفهم، وهي سنة الله في الكبير، وهكذا الحياة كل يوم تزداد هبوطاً في أخلاقها، وفي آدابها، وفي سلوكها، وفي معارفها.
تلك الأخلاق والله لا توجد في الكافرين اليوم، ولا يشمون رائحتها؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يأتي يوم إلا والذي بعده شر منه -إلى يوم القيامة- حتى تلقون ربكم ) وصدق أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.
قال: [فبارز عبيدة : عتبة بن ربيعة ، وبارز حمزة : شيبة بن ربيعة ، وبارز علي : الوليد بن عتبة ، فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله] بسرعة [وكذلك علي لم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين فأثبت كلاهما صاحبه] أوقفه [وكرّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه] أي أسرعا قتله وأنهيا حياته ضرباً بالسيف [واحتملا صاحبهما وحازاه إلى معسكرهم] والآن تشتعل النار، فالمبارزة تمت والنفوس هائجة.
قال: [ثم ظهر النبي صلى الله عليه وسلم للناس فحرضهم على القتال] وظهر لأنه كان في مركز القيادة في العريش، وما زال مكانه إلى الآن في بدر معروف [فقال: ( والذي نفس محمد بيده )] وهذه يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أمنا الصديقة عائشة تحبها، وتقول: هذه يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما بلغنا ولا سمعنا بيننا من يحلف بها الآن، ولا ندري لماذا؟ أما بحق سيدي عبد القادر فحدث ولا حرج.
أتدرون ما سر هذه اليمين؟ عندما يحلف بالذي نفسه بيده، هل يكذب؟ هل يخرج عن طاعته؟ مستحيل! فقد عرف من مالكه ومن هو في سلطانه وتحت يده فقال: ( والذي نفسي بيده )، فصاحب هذه اليمين لا يمكن أن يكذب أبداً.
قال: [( والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة )] طمأنهم بأن الاستشهاد الآن خير ألف مرة خير من الدنيا وأن مآله إلى الجنة.
والمحتسب هو الذي لا يقاتل من أجل السمعة والشهرة والغلبة والانتصار، ولكن لأجل الله تعالى. و(مقبلاً غير مدبر)؛ لأن الهروب من كبائر الذنوب، فالذي يهرب من العدو ويعطيه ظهره ارتكب جريمة مبينة في سورة الأنفال، قال تعالى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:16] فكان المؤمنون لا ينهزمون.
وعندنا لطيفة وهي: أيام كان العثمانيون يفتحون أوروبا الشرقية، كان أحدهم -وهذا الإخبار من قادات أوروبا- يربط نفسه بالسلسلة مع المدفع ويقاتل ويقاتل حتى يصل إلى العدو ويقتله وهو على المدفع فلا يعطيهم ظهره أبداً، ولهذا فتحوا العالم؛ أخذاً بهذه الآية الكريمة، فالمؤمن لا يعطي دبره أبداً للعدو، بل يموت وجهاً لوجه، ولهذا كان الرجل يثبت في وجه ألف، ولا يدبر أبداً؛ لأنه يقاتل باسم الله، ومن أجل الله وقلبه مربوط بالملكوت الأعلى؛ ليحتل الفردوس الأعلى، وينزل مع مواكب النبيين والصديقين والشهداء.
قال: [فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن: بخ بخ أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟ ثم قذف بالتمرات من يده وأخذ سيفه] يعني: استبطأ أكله سبع تمرات أو ثمانية. وهذه حقيقة إيمانه الصادق، ويقينه الكامل التام [فقاتل القوم حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه. ثم تقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عفراء -وهو عوف بن الحارث - فقال: يا رسول الله! ما يضحك الرب من عباده؟ قال: ( غمسه يده في العدو حاسراً )] أي: كاشفاً عن رأسه [فنزع درعاً كانت عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه].
قال: [وهنا قدم الحبيب صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من الحصباء، فاستقبل قريشاً بها وقال: ( شاهت الوجوه ) ثم نفحهم بها، وأمر أصحابه وقال: ( شدوا ) وعاد إلى العريش يدير المعركة، واقتتل الفريقان وكانت الهزيمة للمشركين.
فقتل الله من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر من أشرافهم، فلما وضع القوم أيديهم يأسرون كان الحبيب صلى الله عليه وسلم ساعتئذ في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش متوشح السيف في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفاً عليه من كَرة العدو عليه] ما أطيب هذه الساعة التي نعيشها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في معركة من أشد المعارك!!
قال: [نهاية سعيدة] أي: نهاية المعركة السعيدة [ودارت المعركة وشاركت فيها الملائكة وعلى رأسهم جبريل عليه وعليهم السلام، وكان عددهم ألف ملك في صورة رجال عليهم عمائم بيض أرسلوها على ظهورهم؛ إذ شوهد بعضهم وأخبر بهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن سورة الأنفال قال تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ [الأنفال:9] أي: تطلبون الغوث منه؛ لأنهم رضي الله عنهم ضجوا بالدعاء عند ملاقات المشركين، سائلين الله تعالى أن يمدهم بنصر منه فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9] وفيها أيضاً] أي في هذه السورة [ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال:12] فبعض الملائكة قاتل بالفعل، وبعضهم كان يثبت قلوب المؤمنين حتى تصبر على القتال.
ولقد انتهت المعركة بنصر حاسم للمسلمين؛ إذ قتل من صناديد قريش سبعون وأسر منهم سبعون] بركة النبي صلى الله عليه وسلم، ورحمة الله، وأنوار الإسلام. والآن المسلمون يقتل بعضهم بعضاً بأكثر من ذلك، فمعارك رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت بينه وبين المشركين عشر سنين تقريباً -والله- ما زاد القتلى فيها على ألفين وخمسمائة، والآن يسقط هذا العدد في يوم واحد.
والفرق هو أنهم في الملكوت الأعلى ونحن في الأسفل، لقد هبطنا تماماً، فكل معاركه صلى الله عليه وسلم عدد قتلاها من الجانبين ألفان وخمسمائة بعد عشر سنين، وسبع وعشرين معركة، والآن -كما قلت لكم- القتلى بالآلاف بين المسلمين بعضهم البعض وليس الكافرين. هبطنا يا رب فارفعنا إليك!
قال: [وكان من بين القتلى: الطاغية فرعون هذه الأمة أبو جهل وعتبة بن ربيعة وولده الوليد بن عتبة وأخوه شيبة بن ربيعة وحنظل بن أبي سفيان وعقبة بن أبي معيط وأبو البختري وعبيدة بن سعيد بن العاص ونوفل بن خويلد والنضر بن الحارث بن كلدة والعاص بن هشام وأمية بن خلف وغيرهم إذ كانوا سبعين قتيلاً] من خيار المشركين [ومن بين الأسرى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم] وأخذ أسيراً لأنه كان مع المشركين، ما استطاع أن يتخلف فيتهمونه بأنه ضدهم، فخرج معهم وهو لا يريد قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولهذا أسر [و عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعمرو بن أبي سفيان وأبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير وسهيل بن عمرو أحد ساسة قريش البارزين] وسفير قريش في الحديبية.
قال: [آية محمدية] علامة من علامات النبوة المحمدية [كانت المعركة دائرة والقتال مستمراً وسيف عكاشة بن محصن ينقطع من الضرب في يده، فكيف يقاتل؟ فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في العريش -مركز القيادة- وشكا إليه انقطاع سيفه] وانكساره [فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم جذلاً من حطب] عوداً من حطب [وقال: ( قاتل بهذا يا
قال: [وكان ذلك السيف يسمى (العون)، وما زال مع عكاشة يقاتل به حتى قتل رضي الله عنه في حرب الردة على عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنهم، فكان هذا السيف آية النبوة المحمدية القوية] يعني: ما انتهى فقط بمعركة بدر، بل بقي كما هو سيف يقاتل به حتى استشهد في حرب الردة على عهد أبي بكر ؛ إذ ارتد جماعات من العرب فقاتلهم الصديق رضي الله عنه.
قال: [جيف المشركين] أجسادهم لما ماتوا، ماذا فعل بها رسول صلى الله عليه وسلم؟ [لما خمدت نار المعركة ودفن المسلمون شهداءهم، وكانوا أربعة عشر شهيداً سحبت جيف المشركين إلى قليب] والقليب بئر ليس فيها ماء [كان في ساحة المعركة، فألقوا فيه إلا ما كان من الطاغية أمية بن خلف ، فإنه قد انتفخ في درعه فملأها، فذهبوا ليحركوه فتزايل] أي: تساقط [لحمه فتركوه مكانه، وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة] بعد أن تحلل.
قال: [توبيخ الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم لأعدائه] لنسمع توبيخه صلى الله عليه وسلم للمشركين [وفي جوف الليل] وسط الليل [سُمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على القليب الذي ألقيت فيه جيف المشركين يناديهم موبخاً لهم مقرراً: ( يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً ) فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله! أتنادي قوماً قد جُيفوا؟!] ولعل السائل عمر [فقال لهم: ( ما أنتم بأسمع منهم لما أقول لهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا )].
لما قالوا: كيف تخاطب جيف أموات؟ قال لهم صلى الله عليه وسلم: ( ما أنتم بأسمع منهم لما أقول لهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا ).
قال: [وفي هذا يقول حسان في قصيدة سجل فيها غزوة بدر، منها قوله:
فدع عنك التذكر كل يـوم ورد حرارة الصدر الكئيب
وخبر بالذي لا عيب فيه بصدق غير إخبار الكذوب
بما صنع المليك غداة بدر لنا في المشركين من النصيب
غداة كأن جمعهم حراء .....................] كجبل حراء في كثرتهم.
[.................. بدت أركانه جنح الغروب
فلاقيناهم منا بجمع كأسد الغاب مردان وشيب
أمام محمد قد وازروه على الأعداء في لفح الحروب
بأيديهم صوارم مرهفات وكل مجرب خاطي الكعوب
بنو الأوس الغطارف وازرتهـا بنو النجار في الدين الصليب] أي: المتين.
[فغادرنا أبا جهل صريعاً وعتبة قد تركنا بالجبوب
وشيبة قد تركنا في رجال ذوي حسب إذا نسبوا حسيب
يناديهم رسول الله لما قذفناهم كباكب في القليب
ألم تجدوا كلامي كان حقاً وأمر الله يأخذ بالقلوب
فما نطقوا ولو نطقوا لقالـوا صدقت وكنت ذا رأي مصيب].
قال: [خلاف الأحبة وحسمه] الخلاف مر، وعواقبه سيئة، وحرام على المسلمين أن يختلفوا، وهذه الحادثة علمتهم [وأمر القائد الأعظم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم -بعد انجلاء الموقف بقتل المشركين وأسرهم- أمر بجمع الغنائم فجمعت، واختلف الأصحاب المجاهدون رضوان الله عليهم فيمن هو الأحق بها؟] أي بالغنائم [فقال الجامعون لها] الذين جمعوها من المعركة [هي لنا، وقال المقاتلون الذين شغلوا عن جمع الغنائم بقتال المشركين وطلبهم: والله لولا نحن ما أصبتموها؛ إذ نحن الذين شغلنا العدو عنكم حتى أصبتم الذي أصبتم] من الغنائم [وقال الذين كانوا يحرسون النبي صلى الله عليه وسلم في العريش؛ خشية أن يخالف إليه العدو: والله ما أنتم أحق بها منا، فأنزل الله تعالى قوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال:1] وانتهى الخلاف.
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ يا رسولنا قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [الأنفال:1] اجمعوها الآن ليقضي فيها الله ورسوله كما يريد، فلا حق لأحد فيها، وجمعوها بالفعل بعد عتاب في هذه الآية الكريمة ثم نزل قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنفال:41] فمن ثم قسمت الغنائم بقسمة الله إلى يوم القيامة، وخمسها لإمام المسلمين، يوزعها على الفقراء والمساكين، وأقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل الحاجة، وأربعة أخماس للمجاهدين، فصاحب الفرس له قسمان؛ لأن فرسه ذات أثر وهو ينفق عليها، والراجل على رجليه له قسم واحد.
[وبهذا انتزعها الله من أيديهم حسماً للخلاف، ثم أنزل] بيان [قسمتها في قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنفال:41]] وسمي يوم الفرقان؛ لأن الله فرق فيه بين الحق والباطل، فبعد انتصار المؤمنين في بدر لاحت أنوار النصر إلى يوم القيامة [وبهذا حسم الخلاف وانتهى نهائياً، والحمد لله رب العالمين]. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه..
يا معشر المؤمنين! إخوانكم يطلبون منكم أن تدعو الله لهم، فبعضهم مرضى وبعضهم يعانون من الخلاف والفرقة في بلادهم، وبخاصة ديارنا الجزائرية، فالنار مشتعلة فيها، والقتلى والموت بلا عدد إلا ما شاء الله، فارفعوا أكفكم إلى الله أن يطفئ نار تلك الفتنة، وأن يُحل محلها السلم والسلام.
اللهم يا حي يا قيوم! يا بديع السماوات والأرض! يا مالك الملك! يا ذا الجلال والإكرام! اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد أن تطفئ تلك النار التي تتأجج بين عبادك المؤمنين في الجزائر، وفي غيرها من بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم أبدل الفتنة بالوفاق والاتفاق والحب والولاء، والإقبال عليك وعلى طاعتك وطاعة رسولك يا رب العالمين، واحفظ ربنا هذه الديار من الفتن، وقها كل فتنة يا رب العالمين، اللهم من أراد أن يمسها بسوء فأنزل به نقمتك، اللهم أنزل به نقمتك لتبقي لنا هذه البقية الباقية في العالم الإسلامي، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
ربنا إن يبننا مرضى وفي بيوتنا مرضى وفي مشافينا مرضى، ولا شافي إلا أنت، اللهم إنه لا شافي إلا أنت، فاكشف اللهم ضرنا واشفنا يا ربنا، وارزقنا رضاك ومحبتك.
يا ولي المؤمنين تولنا ولا تتركنا، يا متولي الصالحين تولنا ولا تتركنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك، فاغفر لنا وارحمنا واعف عنا وعافنا، وتوفنا وأنت راض عنا، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.