دعاة في البيوت


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...وبعد:

لقد كنت ألاحظ وأنا في كلية الشريعة وأصول الدين في القصيم، نخبة من الطلاب هم من خيرة الطلاب، لا تفارق البسمة شفاههم، والسرور يبدو على محياهم، والحب يغمر قلوبهم، فكنت أجد هؤلاء الشباب حين أسأل عنهم في كثير من الأحيان من هذه المنطقة المباركة، وكنت أظن هؤلاء نخبة قد اختاروا هذا الطريق، فلما أتيت إلى هذه المنطقة هذا العام، وفي العام الماضي ومن قبله، وجدت أن هذا الأمر الذي لاحظته على أولئك النخبة من الشباب البررة الأخيار الأطهار، وجدته وضعاً عاماً لدى السالكين إلى الله، والمستقيمين على صراطه في هذه الأرض، فهنيئاً لهذه المنطقة بأهلها من المؤمنين الصادقين، المحبين للخير، المجتمعين عليه، الفرحين بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].

أحبتي! هذه المحاضرة عنوانها: (دعاة في البيوت) وأعتقد أن موضوع هذه المحاضرة من أخطر الموضوعات التي يجب أن يتحدث عنها الخطباء والمحاضرون، ويجب أن يستمع إليها الناس من كافة الطبقات، وذلك بسبب أن كل أسرة -في الدنيا كلها- لابد أن يكون لها بيت يئويها، وهذا البيت الذي تأوي إليه الأسرة يحوي جميع شرائح المجتمع، ففيه الأبوان، والأولاد، والصغار من الأطفال، وفيه الذكور وفيه الإناث، فهو عبارة عن مؤسسة متكاملة، وهذه المؤسسة في النهاية: هي التي تكِّون المجتمع الأكبر.

ومن جهة أخرى، فإننا نجد أن كثيراً من المجتمعات، قد تفتقد بعض المؤسسات، فهناك مجتمعات -مثلاً- قد لا يوجد فيها مدارس، وهناك مجتمعات أخرى قد لا يوجد فيها أماكن العمل ومؤسسات العمل، وهناك مجتمعات أخرى قد لا تجد فيها الأصدقاء والقرناء، بل هناك مجتمعات كثيرة قد لا يوجد فيها حتى المسجد، وحتى المجتمعات الإسلامية مر عليها وقتٌ من الأوقات لم يكن يوجد فيها مساجد بصورة كافية، ففي مكة -مثلاً- لم يكن يوجد في أول عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة، إلا المسجد الحرام فقط، وكان تحت قبضة قريش وسطوتها، حتى كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً محيطة بها، وكان المسلمون لا يستطيعون أن يؤدوا عباداتهم، ولا أن يقرءوا القرآن في ذلك المكان الطاهر الأمين المبارك.

لكن البيت، هات لي منذ وجدت الدنيا إلى اليوم مجتمعاً لا توجد فيه البيوت التي تأوي إليها الأسر، بغض النظر عن كون هذا المجتمع مسلماً أو كافراً، غنياً أو فقيراً، كبيراً أو صغيراً، فالأسرة تأوي إلى بيت، والبيت موجود في كل مجتمع.

ألا تعتقدون أن مؤسسة بهذا الانتشار، وبهذه السعة، وبهذا الشمول، جديرة وحقيقة منا بأن نخصص لها جزءاً من وقتنا للحديث عنها؟ بلى.

نجد أن الإسلام منذ نـزل كتابه الأول -القرآن الكريم- نجد أن قضية عناية الإسلام بالبيت كمؤسسة مثلاً، خذ على سبيل المثال بعض التشريعات الإسلامية المتعلقة بالبيت -ليس طبعاً هذا موضع الحديث لكن هذه أمثلة فقط لبيان أهمية البيت في الإسلام-:

تحريم دخول البيت إلا بإذن أهله

مثلاً تحريم دخول المنـزل إلا بإذن أهله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27] معنى تستأنسوا: أي تستأذنوا، السلام عليكم، أأدخل؟ السلام عليكم، أأدخل؟ السلام عليكم أأدخل؟ فإن أذن لك وإلا فارجع، فلا يجوز للإنسان أن يدخل بيت أحد إلا بعد الاستئذان، فإن أذن له وإلا رجع، ومن أجل هذا فرض الاستئذان لحماية البيوت، وبيان كرامتها.

تحريم النظر إلى البيوت

بل الأمر أشد من ذلك، حتى مجرد النظر حرمه الإسلام، ففي يوم من الأيام، كما في الصحيح: {كان الرسول عليه الصلاة والسلام في غرفته، وكان معه مشط يمشط به رأسه عليه الصلاة والسلام، فنظر رجل من خلل الباب، نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب عليه النبي عليه الصلاة والسلام، وقال لو علمت أنك تنظر لضربت بها عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر} حتى عندما تجد الباب مفتوحاً، أو النافذة مفتوحة، أو يكون بيتك أرفع من بيت الجيران، يحرم عليك حينئذ أن تنظر في داخل البيت، لأن للبيوت كرامة وحرمه، حتى بمجرد النظر إليها، فإن هذا ممنوع، بل بلغ من عناية الإسلام بهذا الأمر، أنه لو أن إنساناً نظر في بيتك، وتيقنت هذا، ففقأت عينه، فعينه هدر، لا قيمة لها؛ لأنه قد أهدر كرامتها حين استخدمها فيما لا يجوز وما لا يسوغ، وقد سمح لبصره أن يتسلل إلى بيوت الآخرين، لأن بيوت الناس فيها عورات محفوظة مصونة، ومن أجل ذلك وضع الإسلام هذا السياج.

حقوق الجيران

قضية الجيران: التشريعات الإسلامية كثيرة في حقوق الجار، والجار هو جارك في المنـزل الذي إلى جوارك، فله حقوق حتى قال الرسول عليه الصلاة والسلام، كما في الصحيح: {مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه} إلى هذا الحد كثرت الوصايا بالجار، حتى توقع الرسول عليه السلام أن الأمر يؤول إلى أن الجار سيرث مثلما يرث الأخ والابن، ومثلما يرث الزوج وترث الزوجة.

جعل النافلة في البيت

ومن ذلك -أيضاً- تجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يأمر أصحابه ويأمر المؤمنين بأن يصلوا في بيوتهم -أحياناً- صلاة النافلة، ففي الصحيحين عن ابن عمر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً} يعني صلّ في البيت، حتى قال عليه الصلاة والسلام، في الحديث الآخر: {أفضل صلاة الرجل في بيته، إلا المكتوبة} فالنوافل يستحب أن يؤديها الإنسان في المنـزل لأسباب:

أولاً: أنه أبعد عن الرياء.

ثانياً: حتى يراك أهل البيت فيقتدون بك في عملك، وعبادتك، كيف تصلي، وكيف تركع، وكيف تسجد.

ثالثاً: وحتى تطرد الشياطين عن هذه المنازل؛ بذكر الله تعالى فيها، وإقام الصلاة، فإن هذه البيوت إذا أقيمت فيها الصلاة أصبحت تشبه المساجد، لكن إذا تركت الصلاة فيها، فإنها تصبح كالقبور التي لا تجوز الصلاة فيها، فتشبه القبور من هذه الناحية، فما بالك إذا تحولت البيوت إلى أماكن للفساد وللرذيلة وللانحلال وأصبح فيها قنوات كثيرة، ونوافذ كثيرة، توصل إلى البيت ورياح الفساد، رياح الانحلال، فحينئذٍ تصبح ليست كالقبور، فالقبور ليس فيها هذا، بل تصبح أشبه ما تكون بالمواخير، وأماكن الفساد، وبيوت الحرام.

مثلاً تحريم دخول المنـزل إلا بإذن أهله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27] معنى تستأنسوا: أي تستأذنوا، السلام عليكم، أأدخل؟ السلام عليكم، أأدخل؟ السلام عليكم أأدخل؟ فإن أذن لك وإلا فارجع، فلا يجوز للإنسان أن يدخل بيت أحد إلا بعد الاستئذان، فإن أذن له وإلا رجع، ومن أجل هذا فرض الاستئذان لحماية البيوت، وبيان كرامتها.

بل الأمر أشد من ذلك، حتى مجرد النظر حرمه الإسلام، ففي يوم من الأيام، كما في الصحيح: {كان الرسول عليه الصلاة والسلام في غرفته، وكان معه مشط يمشط به رأسه عليه الصلاة والسلام، فنظر رجل من خلل الباب، نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب عليه النبي عليه الصلاة والسلام، وقال لو علمت أنك تنظر لضربت بها عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر} حتى عندما تجد الباب مفتوحاً، أو النافذة مفتوحة، أو يكون بيتك أرفع من بيت الجيران، يحرم عليك حينئذ أن تنظر في داخل البيت، لأن للبيوت كرامة وحرمه، حتى بمجرد النظر إليها، فإن هذا ممنوع، بل بلغ من عناية الإسلام بهذا الأمر، أنه لو أن إنساناً نظر في بيتك، وتيقنت هذا، ففقأت عينه، فعينه هدر، لا قيمة لها؛ لأنه قد أهدر كرامتها حين استخدمها فيما لا يجوز وما لا يسوغ، وقد سمح لبصره أن يتسلل إلى بيوت الآخرين، لأن بيوت الناس فيها عورات محفوظة مصونة، ومن أجل ذلك وضع الإسلام هذا السياج.

قضية الجيران: التشريعات الإسلامية كثيرة في حقوق الجار، والجار هو جارك في المنـزل الذي إلى جوارك، فله حقوق حتى قال الرسول عليه الصلاة والسلام، كما في الصحيح: {مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه} إلى هذا الحد كثرت الوصايا بالجار، حتى توقع الرسول عليه السلام أن الأمر يؤول إلى أن الجار سيرث مثلما يرث الأخ والابن، ومثلما يرث الزوج وترث الزوجة.

ومن ذلك -أيضاً- تجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يأمر أصحابه ويأمر المؤمنين بأن يصلوا في بيوتهم -أحياناً- صلاة النافلة، ففي الصحيحين عن ابن عمر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبوراً} يعني صلّ في البيت، حتى قال عليه الصلاة والسلام، في الحديث الآخر: {أفضل صلاة الرجل في بيته، إلا المكتوبة} فالنوافل يستحب أن يؤديها الإنسان في المنـزل لأسباب:

أولاً: أنه أبعد عن الرياء.

ثانياً: حتى يراك أهل البيت فيقتدون بك في عملك، وعبادتك، كيف تصلي، وكيف تركع، وكيف تسجد.

ثالثاً: وحتى تطرد الشياطين عن هذه المنازل؛ بذكر الله تعالى فيها، وإقام الصلاة، فإن هذه البيوت إذا أقيمت فيها الصلاة أصبحت تشبه المساجد، لكن إذا تركت الصلاة فيها، فإنها تصبح كالقبور التي لا تجوز الصلاة فيها، فتشبه القبور من هذه الناحية، فما بالك إذا تحولت البيوت إلى أماكن للفساد وللرذيلة وللانحلال وأصبح فيها قنوات كثيرة، ونوافذ كثيرة، توصل إلى البيت ورياح الفساد، رياح الانحلال، فحينئذٍ تصبح ليست كالقبور، فالقبور ليس فيها هذا، بل تصبح أشبه ما تكون بالمواخير، وأماكن الفساد، وبيوت الحرام.

إخوتي الكرام: الإسلام جعل للبيوت هذه الكرامة، وهذه المكانة، ومن ذلك وجوب التوجه إلى البيوت بالدعوة إلى الله تعالى، ولو نجحنا في إقناع الناس بالاهتمام ببيوتهم، وتوجيه الدعوة إليها، فإننا سنجد أمراً عجيباً.

إخوتي الكرام: إن أكبر دولة، وأقوى دولة، وأغنى دولة، لو أرادت أن تجند دعاة لأي مذهب أو لمبدأ الإسلام أو أي دين آخر، ولو مبدأ آخر، ممكن أن تجند ألف أو ألفين أو ثلاثة آلاف داعية، خذ على سبيل المثال: هذا البلد الذي نحن فيه الآن: لو أردنا تجنيد دعاة على أحسن الأحوال -وهذا أمر أعتبره ضرباً من الخيال لكن جدلاً- ممكن أن تجند ثلاثمائة داعية في هذا البلد، وهذا أمر كلكم توافقون على أنه ضرب من الوهم، لكن لنفرض هذا جدلاً، لكن ما الذي يحدث لو استطعنا أن نقنع كل شاب، وكل إنسان متدين، بأن يقوم بدور الدعوة في منـزله؟ الذي يحدث أننا جندنا ألوفاً من الشباب، يقوموا بمهمة الدعوة، فهذا أمر، وهو بدون مرتب -أيضاً- بل أجر من الله تعالى.

الأمر الآخر: لو أنك جندت دعاة يستطيعون أن يقتحموا البيوت، فالداعية يخاطب الناس في المسجد، أو في المركز، أو في النادي، لكن لا يستطيع أن يقتحم بيوت الناس ليخاطبهم وهم في قعر بيوتهم، ولو فرض جدلاً أن الداعية استطاع أن يقتحم بيوت الناس، فإنه لا يملك من وسائل التأثير والقوة ما يملكه الشاب، أو تملكه الفتاة في بيتها، ففي البيت أنت عنصر من عناصر تكوين المنـزل، فهذا أبوك، وهذه أمك، وهذا أخوك، وهذه أختك، وهذه زوجتك، وهذا طفلك وولدك، فأنت ترتبط معهم بوشائج وروابط من ارتباط العائلة، والأسرة، والنسب، والمعرفة، والتاريخ، قوية وكبيرة تستطيع من خلالها أن تفعل في هذا البيت مالا يستطيع أن يفعله غيرك بحال من الأحوال.

إخوتي الكرام: ومن يتصور أن أي مسلم في الدنيا، ينتظر أن يأتي داعية يدخل بيته؛ ليصلح أخته، أو زوجته، أو أمه، أو أباه، هذا لا يتصور بحال من الأحوال.

الصحوة الإسلامية

إخوتي الكرام: اليوم -ولله الحمد- نحن نجد إقبال الناس على الإسلام بشكل غريب، منقطع النظير، سرت له قلوب المؤمنين، وفرحت وأشرقت، وأصبح حديثاً على ألسنتهم، كمال قال الأول:

أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره     هو المسك ما كررته يتضوع

فنحن كل ما تحدثنا عن قضية الصحوة، والإقبال على الإسلام نفرح؛ لأننا نتكلم عن واقع شاهدناه، نتكلم ونعلن انتصار الإسلام في هذا الزمان على يد أولئك القوم الذين آمنوا بربهم، وزادهم الله تعالى هدى، أما أعداء هذا الدين، وأعداء هذه الصحوة، فهم يتحدثون حديث المسعور: الذي فوجئ بما لم يكن له في حساب، حتى أصبحت مراكز القوة الغربية، تصدر التقارير بعد التقارير عن أخطار هذه الصحوة، وأهمية وكيفية مواجهتها.

هذه الصحوة المباركة الكبيرة، لا شك أنك تجد لدى نفوس الكثير من شبابها آمال وتطلعات عريضة كبيرة، أي شاب تجده يقول: أطمع في انتصار الإسلام، وأن ترفع راية الإسلام خفاقة في كل الأرض، وأن يطرد اليهود من فلسطين، ومن أفغانستان، وأن تعود بلاد الإسلام المنكوبة المسلوبة، وأن نسر بتحكيم الإسلام في أنفسنا ودمائنا وأموالنا وأعراضنا، وأن يقوم الإسلام من جديد، كما قام أول مرة، ويكتسح الدول الكافرة، كما وعد الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهذه لا شك آمال، وطموحات، وتطلعات، عزيزة في نفس كل إنسان، ومهما كان الأمر لا تجد مسلماً إلا ويخطر في باله هذا الأمر، حتى كان أحد الشعراء يتكلم على لسان الجميع، حين قال، وهو يرى الظلمات تتكاثف من حول المسلمين:

سنصدع هذا الليل يوماً ونلتقي     مع الفجر يمحو كل داج وغاسق

ونمضي على الأيام عزماً مسدداً     ونبلغ ما نرجوه رغم العوائق

ونصنع بالإسلام دنياً كريمة      وننشر نور الله في كل شارق

فهو يتكلم بلسان الجميع.

البيت هو الخطوة الأولى

لكن السؤال المهم: ما هي الخطوة الأولى لهذا الهدف الكبير؟ هدف بناء الإسلام، وإقامة الإسلام، ونشر الإسلام في الدنيا كلها، ما هي الخطوة الأولى؟

وهناك مثل صيني يقول: رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، فما هي الخطوة الواحدة؟

أقول: الخطوة الواحدة، بعد إيجاد الداعية: هي البيت، ومن المؤسف أن تجد بعض الشباب، وبعض الفتيات الذين يطمعون في تغيير الدنيا -كل الدنيا- عاجزين عن تغيير بيوتهم، فمن عجز عن حمل هذه الأمانة القليلة، كيف يستطيع أن يحمل الأمانة العظمى؟ هذا لا يكون.

ولذلك نجد أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانت تنفعل نفوسهم بأحلام، وتطلعات انتصار الإسلام، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وسلمان، وبلال، وعمار، وصهيب، يوم كانوا في مكة تحت التعذيب، والإيذاء، والتكذيب، والسخرية، كانوا يتوقعون ذلك اليوم الذي ترفع فيه كلمة لا إله إلا الله، ولذلك صبروا وصابروا؛ حتى رزقهم الله تعالى النصر، ومكَّن لهم في الأرض.

فكانوا يعرفون أن انتصار الإسلام يمر من خلال بيوتهم، ولذلك خذ أبا بكر -مثلاً- أبو بكر من أولاده؟! أولاد أبي بكر في ضمن قافلة الإسلام، حيث كانوا من المؤمنين بالرسول صلى الله عليه وسلم، والمجاهدين في سبيل الله، وأنتم تعرفون دور أبنائه في قضية الهجرة وبناته أيضاً، وخذ عمر لما أسلم، عمر أولاده من أكبرهم، وأكثرهم شهرة؟ عبد الله بن عمر الذي رُشِّح للخلافة رضي الله عنه بعد عهد الخلفاء الراشدين، وعلي بن أبي طالب أولاده الحسن والحسين، وأمثالهم من المؤمنين الصالحين الذين أراقوا دمائهم طاهرة زكية؛ لترتفع لا إله إلا الله، وخذ الزبير من أولاده؟ عبد الله بن الزبير، وأمثاله من الرجال الصالحين الصادقين الذين تربوا على الإسلام، وضحوا في سبيل الإسلام، وهكذا بقية البيوت -بيوتات الصحابة- كان كل بيت محضن للتربية، كل واحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم خرج لنا مجموعة من الشباب المؤمنين المجاهدين، ومن خلال هذه الأعداد التي تخرجت من البيوت تكون جيش الإسلام، وتحقق انتصار الإسلام، وجاء وعد الله تعالى بالنصر والتمكين.