أرشيف المقالات

آيات من سورة المجادلة بتفسير الزركشي

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
آيات من سورة المجادلة
بتفسير الزركشي


﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1]
قال رحمه الله: اعلم أنه ليس من الوجه الابتداء بــ"قد" إلا أن تكون جوابًا لمتوقع، كقوله تعالى: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ﴾؛ لأنها كانت تتوقع إجابة الله تعالى لدعائها[1].

﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [المجادلة: 2]
قال رحمه الله: وكل شيء في القرآن من "زور"، فهو الكذب ويراد به الشرك، غير قول الله تعالى: ﴿ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ﴾ فإنه كذب غير شرك[2].

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 7]
قوله تعالى: ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ ﴾، أي يصيرهم بعلمه وإحاطته أربعة وخمسة.

فإن قيل: كيف بدا بالثلاث، وهلّا جاء: "ما يكون من نجوى واحد إلا هو ثانيه ولا اثنين إلا هو ثالثهم"؟ قيل: لأنه سبحانه لما عَلِم أن بعض عباده كفر بهذا اللفظ، وأدعى أنه ثالث ثلاثة، فلو قال: ما يكون من نجوى واحد إلا هو ثانيه لثارت ضلالة من كفر بالله وجعله ثانيًا، وقال: وهذا قول الله هكذا، ولو قال: ولا اثنين إلا هو ثالثهم، لتمسك به الكفار، فعدل سبحانه عن هذا لأجل ذلك، ثم قال ﴿ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ ﴾، فذكر هذين المعنيين بالتلويح لا بالتصريح، فدخل تحته مالا يتناهى، وهذا من بعض إعجاز القرآن[3].

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [المجادلة: 8]
قوله تعالى: وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ مدت "التاء" في موضعين في سورة المجادلة؛ لأن معناها الفعل، والتقدير: ولا تتناجوا بأن تعصوا الرسول، ونفس هذا النجو الواقع منهم في الوجود هو فعل معصية لوقوع النهي عنه[4].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11]
قوله تعالى: إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ ، إشارة إلى أنه يجلس فيه زمانًا يسيرًا ليس بمقعد، فإذا طُلِب منكم التفسح فافسحوا؛ لأنه لا كلفة فيه لقصره، ولهذا لا يقال: قعيد الملوك، وإنما يقال: جليسهم؛ لأن مجالسة الملوك يستحب فيها التخفيف، والقعيدة للمرأة؛ لأنها تلبث في مكانها[5].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المجادلة: 12]
قوله تعالى: إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ أي أردتم مناجاته[6]، وقد جوز الزمخشري في قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ ﴾، أن يكون خطابًا للمنافقين الذين آمنوا بألسنتهم وأن يكون للمؤمنين[7].

﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [المجادلة: 18]
قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ، وذكر هذا الحلف في قوله: ﴿ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾[8].

﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21]
قوله تعالى: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ﴾، أي الكفار[9].



[1] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - قد 4/ 189.


[2] المصدر السابق: جمع الوجوه والنظائر 1/ 87.


[3] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة – قواعد في العدد 4/ 76


[4] البرهان: علم مرسوم الخط 1/ 285.


[5] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة – ألفاظ يظن بها الترادف وليست منه 4/ 55.



[6] المصدر السابق: بيان حقيقته ومجازه – إطلاق الفعل والمراد مقاربته 2/ 183.


[7] الكشاف 6/ 63.
البرهان: وجوه المخاطبات والخطاب في القرآن – خطاب المدح 2/ 144.


[8] سورة الأنعام: 23.
البرهان: معرفة تفسيره وتأويله – تقسيم القرآن إلى ما هو بين بنفسه وإلى ماليس ببين في نفسه فيحتاج إلى بيان 2/ 124.


[9] البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة – حذف المفعول 3/ 106.

شارك الخبر

المرئيات-١