شرح ألفية ابن مالك [35]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [المفعول المطلق.

المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن]

المفاعيل إما مقيدة وإما مطلقة، فالمقيدة تكون مقيدة بالباء، وباللام وبـ(في) وبالواو، والمفاعيل خمسة مجموعة في هذا البيت:

ضربت ضرباً أبا عمرو غداة أتى وجئت والنيل خوفاً من عقابك لي

هنا يقول المؤلف: المفعول المطلق، أي: الذي لم يقيد، فما قيل: به، أو فيه، أو له. والعنوان أعم من الأبيات من وجه وأخص من وجه؛ لأنه تكلم عن المصدر، فعندنا مصدر مفعول مطلق.

والمصدر أعم من المفعول المطلق من وجه، والمفعول المطلق أعم من المصدر من وجه آخر:

فإذا قلت: وقوفك طويل، (وقوف) هذه مصدر، لكنها ليست مفعولاً مطلقاً، وكذلك: يعجبني قيامك، (قيام) مصدر، ولكنها فاعل.

أما: فرحت كل الفرح، فـ(كل) مفعول مطلق وليست بمصدر.

إذاً: المفعول المطلق والمصدر بينهما عموم وخصوص: فالمصدر أعم من وجه، والمفعول المطلق أعم من وجه.

والمفعول المطلق لا يكون إلا منصوباً، ولكن قد يكون مصدراً، وقد يكون نائباً لهذا المصدر، والمصدر قد يكون منصوباً، وقد يكون غير منصوب.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن]

فإذا قلت: يجلس، فهذه لها مدلولان:

فقد دلت على الحدث الذي هو الجلوس، وعلى زمن المستقبل، وعلى هذا فقس.

وقوله: (اسم ما سوى الزمان) ما سوى الزمان هو الحدث.

مثاله: (كأمن من أمن)، أمْن: هو المصدر، قال تعالى: أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ [الأنعام:82] فـ (الأمن) مصدر: أَمِن، لكنه هنا مرفوع؛ لأنا مبتدأ مؤخر.

والحاصل: أن المصدر هو الحدث الذي دل عليه الفعل، فهو اسم لأحد مدلولي الفعل وهو الحدث، هذا تفسير ابن مالك.

وبتفسير أوضح نقول: المصدر -كما قال صاحب الآجرومية- هو الذي يجيء ثالثاً في تصريف الفعل، تقول: قام يقوم قياماً، جلس يجلس جلوساً، صعد يصعد صعوداً، ونحو ذلك.

العامل في المصدر

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[بمثله أو فعل او وصف نصب

وكونه أصلاً لهذين انتخب]

أي: ينصب المصدر بمثله، أي: أنه قد يكون الناصب له مصدراً مثله، وينصب بالفعل، وينصب بالوصف.

إذاً: ناصب المصدر ثلاثة: إما مصدر مثله، وإما فعل، وإما وصف، فإذا قلت: عجبت من ضربك العبد ضرباً شديداً، فالناصب له مصدر مثله وهو (ضرب) و(ضرباً) منصوب على المصدرية.

(أو فعل) مثل: ضربت ضرباً، أضرب ضرباً، اضرِبْ ضرباً، فالعامل هنا هو الفعل.

(أو وصف) مثل: أنا الضارب المجرم ضرباً أليماً، المصدر (ضرباً)، وناصبه (الضارب) وهو وصف، ومثله: هذا هو العبد المضروب ضرباً شديداً، فالمصدر (ضرباً) منصوب بالوصف، وهو اسم المفعول (المضروب).

المصدر أصل للفعل والوصف

قوله: (وكونه أصلاً لهذين انتخب):

كونه: مبتدأ، وهو من متصرفات كان، فيعمل عمل كان، واسمه الهاء في قوله: (كونه).

أصلاً: خبر (كون) باعتبارها من النواصب.

انتخب: جملة خبر المبتدأ وهو (كون).

يقول: إن الذي اختير أن المصدر أصل لهذين، أي: الفعل والوصف، فأصلهما المصدر؛ لأنك تقول: ضَربَ مشتق من الضرب، إذاً (الضرب) سابق على ضَربَ، فيكون أصلاً له، والضارب مشتق من الضرب.

إذاً: فأصل الأفعال المصادر، وأصل الأسماء والأوصاف المصادر، وهذا الذي يذكر المؤلف أنه انتخب هو الصحيح.

وقال بعضهم: إن الفعل هو الأصل، وأن الصواب أن الضرب مشتق من ضَربَ، وهكذا.. ولكن يقول المؤلف: إن الأفعال مبنية على المصادر، وكذلك الأوصاف مبنية على المصادر؛ لأنك تقول: ضَربَ من الضرب، وأَكلَ من الأكل، وشَرِبَ من الشرب، وقائم من القيام، وليس من قام، وتقول مثلاً: الآكل من الأكل، والشارب من الشرب، والمصلي من الصلاة.. وهكذا.

أنواع المفعول المطلق

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[توكيداً او نوعاً يبين أو عدد

كسرت سيرتين سير ذي رشد]

قوله: (توكيداً): مفعول مقدم لقوله: (يبين)، يعني: يوضح.

أو نوعاً: معطوف على (توكيداً).

أو عدد: أو: حرف عطف، عدد: معطوف على توكيداً، أي: أو يبين عدداً.

وهنا قال المؤلف: عدد، والمعروف أنه إذا وقف على المنصوب يوقف عليه بالألف، فإما أن نقول: إنه سكن لأجل الروي، وإما أن نقول: إنه على لغة ربيعة الذين يقفون على المنصوب بالسكون.

إذاً: القاعدة العامة من هذا الشطر: أن المصدر يأتي لأغراض منها: التوكيد، ومنها: بيان النوع، ومنها: بيان العدد، وقد ضرب لذلك المؤلف فقال: (كسرت سيرتين) فهنا المصدر مبين للعدد، (سير ذي رشد) مبين للنوع؛ لأنه بين لنا أن سيره سير ذي رشد، ومعناه: حسن التصرف. وتقول أيضاً: واجهته مواجهة المقصر، (مواجهة) مصدر مبين للنوع.

وثب وثوب الأسد، هذا أيضاً مبين للنوع.

والتوكيد مثل قولك: ضربت ضرباً، ومثل قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164].

وفائدة المبين للعدد أنه يبين العدد، والمبين للنوع فائدته وأنه يبين نوع المصدر، لكن ما فائدة المؤكد؟ إذا قلت: كلمته تكليماً، فما الفائدة من كلمة (تكليماً)؟

يقولون: فائدته: انتفاء احتمال المجاز، فقولك كلمته تكليماً، مثل ما لو قلت: كلمته أنا، أي: لا ريب.

إذاً: نستطيع من هذا أن نقول: من يقول: إن الله كلم موسى تكليماً، أي: جرحه بمخالب الحكمة، فكلامه ساقط؛ لأنه أكد الكلام بقوله: (تكليماً)، وهذا لا يكون إلا في الكلام المسموع حقيقة.

ما ينوب عن المصدر

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[وقد ينوب عنه ما عليه دل كجد كل الجد وافرح الجذل]

قوله: (وقد ينوب عنه) أي: عن المصدر، وكلمة (قد) للتحقيق.

إذاً: قد ينوب عن المصدر ما دل عليه، مثل: جد كل الجد، أي: اجتهد كلّ الاجتهاد، كل: مفعول مطلق، والجد هو المصدر، لكن (كل) دلت عليه، فعلى هذا إذا أردنا أن نعرب نقول:

جد: فعل أمر، وفاعله مستتر فيه وجوباً تقديره أنت.

كل: مفعول مطلق -ولا نقول: مصدر؛ لأن المصدر هو الجد- فكل مفعول مطلق منصوب على المفعولية المطلقة، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره، وكل مضاف والجد مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره.

قال الله تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ [الحاقة:44]، (بعض) هنا يصلح أن تكون مفعولاً مطلقاً وأن تكون مفعولاً به؛ لأن الفعل واقع عليها، فإذا قلت: أكرمه بعض الإكرام، فإنها مفعول مطلق؛ لأنها أضيفت إلى المصدر.

وكذلك: تجلده أشد الجلد، أيضاً مفعول مطلق.

إذاً: كل ما كان منصوباً مضافاً إلى مصدر الفعل فهو مفعول مطلق.

قال: (وافرح الجذل) افرح: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت.

الجذل: مصدر، لكنه ليس من لفظ الفعل، بل هو من معناه؛ لأن الجذل هو الفرح، ولو قال: افرح الفرح، لصار مصدراً، لكنه قال: افرح الجذل، فالجذل إذاً مصدر من معنى الفعل وليس من لفظه، فنعربها بأنها: مفعول مطلق، ولا نقول إنها مصدر.

ومثله أيضاً: قم وقوفاً، قم: فعل أمر، وقوفاً: مفعول مطلق، ولا نقول: مصدر؛ لأن (وقوفاً) ليست مصدراً لقم من لفظه، لكن هذا مصدر له من معناه.

ومثله: اجلس قعوداً، تقول: اجلس: فعل أمر، قعوداً: مفعول مطلق منصوب بالفتحة الظاهرة في آخره.

إذاً: القاعدة: أن ما أضيف إلى المصدر فهو نائب عنه، ويسمى مفعولاً مطلقاً، وما جاء بمعنى الفعل لا بلفظه فهو نائب عن المصدر، ويعرب بأنه مفعول مطلق.

إفراد المصدر وتثنيته وجمعه

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[وما لتوكيد فوحد أبدا وثن واجمع غيره وأفردا]

قوله: (وما لتوكيد) أي: المصدر الذي يراد به توكيد عامله يكون مفرداً، لا مثنى ولا جمعاً، مثل قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164] (تكليماً) هذه يقصد بها التوكيد.

فالذي يراد للتوكيد لا يجوز أن تثنيه ولا يجوز أن تجمعه؛ لأنك لو ثنيته أو جمعته فمعناه: أنك أردت أن تدل به على معنى آخر غير التوكيد، وهو العدد، إذا قلت: حضرت حضوراً، فالمقصود بالمصدر هنا التوكيد، فلا يمكن أن تثنيه ولا تجمعه؛ لأنك إن ثنيته أو جمعته صار دالاً على غير التوكيد، بل على العدد، ولهذا قال: (وثن واجمع غيره وأفردا) أي: غير الذي للتوكيد يجوز تثنيته وجمعه وإفراده، والذي لغير التوكيد هو المبين للعدد والنوع.

وكلام المؤلف يشمل أن ما أريد به العدد وما أريد به النوع فإنه يجوز أن يثنى ويجمع ويفرد، فتقول فيما يراد به النوع: سرت سيري زيد السريع والبطيء، وتقول مثلاً: نظرت إليه نظرتي غضب وسرور، فهذا مثنى وهو مبين للنوع، فواحدة من النظرات غضب، والأخرى سرور، وكذلك: سرت سيري زيد البطيء والسريع، واحد نوعه بطيء، والآخر نوعه السرعة.

وكذلك أيضاً ما قصد به العدد، مثل: ضربته ضربة، أي: واحدة، وضربتين، وثلاث ضربات، ومائة ضربة.

قوله: (وما لتوكيد فوحد أبداً):

ما: مفعول مقدم لوحد، والفاء: هنا إما أن تكون عاطفة أو مزينة؛ لأنها أحياناً تدخل على الكلمة لتزيين اللفظ مثل قول: (فقط).

أبداً: يعني في جميع الأحوال.

(وثن واجمع غيره وأفردا) أي: غير ما للتوكيد وهو ما كان لبيان النوع وبيان العدد فإنه يجوز تثنيته وجمعه وإفراده.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[بمثله أو فعل او وصف نصب

وكونه أصلاً لهذين انتخب]

أي: ينصب المصدر بمثله، أي: أنه قد يكون الناصب له مصدراً مثله، وينصب بالفعل، وينصب بالوصف.

إذاً: ناصب المصدر ثلاثة: إما مصدر مثله، وإما فعل، وإما وصف، فإذا قلت: عجبت من ضربك العبد ضرباً شديداً، فالناصب له مصدر مثله وهو (ضرب) و(ضرباً) منصوب على المصدرية.

(أو فعل) مثل: ضربت ضرباً، أضرب ضرباً، اضرِبْ ضرباً، فالعامل هنا هو الفعل.

(أو وصف) مثل: أنا الضارب المجرم ضرباً أليماً، المصدر (ضرباً)، وناصبه (الضارب) وهو وصف، ومثله: هذا هو العبد المضروب ضرباً شديداً، فالمصدر (ضرباً) منصوب بالوصف، وهو اسم المفعول (المضروب).

قوله: (وكونه أصلاً لهذين انتخب):

كونه: مبتدأ، وهو من متصرفات كان، فيعمل عمل كان، واسمه الهاء في قوله: (كونه).

أصلاً: خبر (كون) باعتبارها من النواصب.

انتخب: جملة خبر المبتدأ وهو (كون).

يقول: إن الذي اختير أن المصدر أصل لهذين، أي: الفعل والوصف، فأصلهما المصدر؛ لأنك تقول: ضَربَ مشتق من الضرب، إذاً (الضرب) سابق على ضَربَ، فيكون أصلاً له، والضارب مشتق من الضرب.

إذاً: فأصل الأفعال المصادر، وأصل الأسماء والأوصاف المصادر، وهذا الذي يذكر المؤلف أنه انتخب هو الصحيح.

وقال بعضهم: إن الفعل هو الأصل، وأن الصواب أن الضرب مشتق من ضَربَ، وهكذا.. ولكن يقول المؤلف: إن الأفعال مبنية على المصادر، وكذلك الأوصاف مبنية على المصادر؛ لأنك تقول: ضَربَ من الضرب، وأَكلَ من الأكل، وشَرِبَ من الشرب، وقائم من القيام، وليس من قام، وتقول مثلاً: الآكل من الأكل، والشارب من الشرب، والمصلي من الصلاة.. وهكذا.