وقفات مع مناسك الحج


الحلقة مفرغة

مناسك الحج الثلاثة وكيفية المفاضلة بينها

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد:

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! معنا الآن دقائق لمناسك الحج.

أولاً: عرفنا أن المناسك ثلاثة: الإفراد، والتمتع، والقران، وعرفنا الأفضل، ولا تقل: أنا حنفي فالقران أفضل، أنا مالكي فالإفراد أفضل، والشافعي يقول: الإفراد أفضل، والحنبلي يقول: التمتع أفضل! فعيب هذا الكلام، وهو من مظاهر الضعف والجهل، فمن أين تأتيك الأفضلية؟ لا تأتيك حتى يعلن عنها رسول الله ويخبر بها.

فنحن الآن جماعة المسلمين ما فينا حنفي ولا شافعي ولا حنبلي ولا مالكي، ولا إباضي ولا زيدي، بل كلنا مؤمن مستعد أن يطيع الله ورسوله.

فعرفنا أن الإفراد يكون أفضل إذا كنت تأتي بعمرة في شعبان، في رمضان، في رجب من عامك، وتأتي إلى الحج فتحج مفرداً، فهنا بالإجماع الإفراد أفضل؛ لأنك اعتمرت وعدت إلى بلادك، وهذا كلفك نفقتين وزمانين، والأجر على قدر التعب والنصب، فإذ لم تعتمر قبل الحج ولا بعده فالإفراد ليس بأفضل، بل جائز، وهو أحد المناسك الثلاثة.

والقران أفضل إذا كنت تستطيع أن تأتي ببعيرك أو بقرتك أو ثورك أو كبشك من بلادك، وهو معك، فتصل إلى الميقات تلبي: لبيك اللهم حجاً وعمرة، فالقران في هذه الحال أفضل بالإجماع، وإذا ما كنت تستطيع أن تأتي بالكبش ولا بالبعير ولا بالبقرة، بلادك بعيدة أو أنت عاجز؛ فالذي ما يستطيع أن يأتي بالهدي يسوقه كما ساقه أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فالقران هنا ما هو بأفضل أبداً، بل هو أفضل إذا سقت معك الكبش أو الثور وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة:196]، هذه حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الله أمره بذلك، أن يقرن، وقد ساق الهدي من المدينة، وجاء علي أيضاً من اليمن بهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإن لم تستطع الإفراد مع عمرة قبله أو بعده ولم تستطع القران فتسوق كبشك أو بقرتك فالتمتع أفضل؛ لأن فيه هدياً، فهو أفضل من هذه الناحية، فيه هدي أحببت أم كرهت، فإن عجزت فالصيام عشرة أيام فيها خير عظيم، وتعتمر وتتحلل من عمرتك وتبقى في مكة يومين أو ثلاثة أو أسبوعاً حتى يأتي الحج يوم الثامن فتحرم بحجك وتخرج إلى منى.

هذه هي المناسك ليس فيها هذا حنفي وهذا مالكي، كلهم أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان الرسول وأصحابه، ( هم الذين يكونون على ما أنا عليه اليوم وأصحابي )، الآن نحن كأننا الصحابة، أبداً لا تعصب ولا مذهبية ولا طريقة، بل قال الله وقال رسوله، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

أركان الحج

ونقول: أركان الحج الأربعة: الإحرام، الطواف، السعي، الوقوف بعرفة، والمراد من الطواف ليس طواف القدوم، بل طواف الإفاضة، فإذا أفضتم من عرفات وذكرتم الله عند المشعر الحرام ورميتم الجمرة يوم العيد فبعد ذلك طواف الإفاضة، هذا ركن، وأركان الحج أربعة، لو سقط ركن بطل الحج، فلو قال: أنا لا أحرم وانطلق رأساً إلى عرفة فقد ترك ركناً، وحجه باطل، أو قال: أنا لا أسعى بين الصفا والمروة، أنا عاجز وهناك ازدحام رجع إلى بلاده، فقد ترك ركناً وحجه فاسد.

أركان العمرة وأعمالها

والعمرة أركانها ثلاثة: الإحرام والطواف والسعي فقط، فهيا نعتمر، فباسم الله اغتسل يا عبد الله، الاغتسال كغسل الجنابة إن وجدت الماء وقدرت على استعماله، فإن لم تجد ماء إلا قليلاً أو أنت عاجز عن استعماله فلا حرج، الغسل ليس بواجب، بل من سنن الإحرام، فإذا اغتسلت فتجرد وانزع السروال والعمامة والقميص والثوب وتلفف في إزار ورداء أبيضين نظيفين، لا أحمرين ولا أسودين، وهذا سنة.

فإن وصلت إلى الميقات فلا تعقد النية إلا بعد أن تصلي فريضة أو تصلي نافلة؛ فإذا وصلت إلى الميقات فصل فريضة إن أدركتها أو نافلة وهذا الأولى، وليس هذا بواجب، ولكن أولى لك وأفضل.

فإذا فرغت من الصلاة فقل: لبيك اللهم لبيك عمرة لا رياء فيها ولا سمعة، وأنت ناو العمرة فقط؛ أنت الآن متمتع، لبيك اللهم لبيك عمرة لا رياء فيها ولا سمعة، ثم يسن لك أن تواصل التلبية إلى أن تصل المسجد الحرام إن استطعت، ولا تتكلم بباطل، بل مشغول بذكر الله.

ثم إذا وصلت المسجد الحرام اضطبعت، والاضطباع: هو أن يجعل طرف الرداء تحت إبطه الإيمن، والعوام يفعلون هذا في المدينة، وهو خطأ، هذا لا يفعل إلا عند الدخول إلى المسجد وإرادة الطواف فقط، وهذه لها حكمتها السياسية العسكرية المحمدية، فإنه لما كانت عمرة القضاء قال المشركون: هيا نتجمع وننظر: فإذا رأينا ضعفاً في رجال محمد انقضضنا عليهم، المدينة فيها وباء وحمى وفيها الفقر وكذا، فإذا شاهدنا ضعفهم انقضضنا عليهم، وأعلم أبو القاسم بطريق الوحي، فقال: ( رحم الله امرأً أراهم اليوم من نفسه قوة ) فاضطبعوا، والمضطبع ما هو بمكتف، وذلك ليستطيع أن يبطش ويخطف، فالعوام إذا أراد أحدهم أن يتضارب مع آخر يفعل هذا، إذاً: ( رحم الله امرأً أراهم اليوم من نفسه قوة ).

ثم الهرولة، تعرفون هرولة العسكر، هذه أخذتموها عن أوروبا، ولكنها هي عن محمد صلى الله عليه وسلم، في ثلاثة أشواط هرولة؛ ليفهم المتربصون على البيوت أن هذه الأمة لا تقاوم، هذا مظهر من مظاهر القوة، الهرولة والرمل، مشية العسكري، فانهزم المشركون.

ثم بعد ذلك في حجة الوداع فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قال الصحابة: الآن انتهت المعركة وفتحت مكة فلم لا نبطل الهرولة والاضطباع، بل تأدبوا، أنتم أعداء الإنس والجن إلى يوم القيامة، لا بد أن تبقوا على قوتكم ومظاهرها، ويعفى عن ذلك إذا كان ازدحام؛ لأن الضغط كائن، وهذا ليس بواجب، مستحب من المستحبات.

فإذا طفت سبعة أشواط فاختمها بالصلاة ركعتين خلف المقام، كأنما هو السلام من الصلاة، لأن الله علمنا هذا، وأخبر عنه: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، فإذا صليت الركعتين فاقصد المسعى إن كنت متوضئاً أو غير متوضئ، إذا انتقض وضوؤك بعد صلاة ركعتين، وكان ازدحام لا تستطيع أن تتوضأ فامش إلى المسعى بدون وضوء، ولا حرج.

وعلى الصفا اتجه إلى القبلة وكبر وهلل كما كان الرسول يفعل، ثم انزل إلى المروة، فقف عليها وكبر وهلل سبعة أشواط بأربع وقفات على هذه وأربع على هذه، وقصر من شعرك أيها الحاج ولا تحلق، اترك الحلق إلى الحج، وقد تمت عمرتك، وأحذرك إن مسست طيباً وأنت محرم، إن حلقت من شعرك وأنت محرم، إن لبست ثيابك وأنت محرم، ولا بد من فدية بينها الله تعالى في قوله: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196]، والصيام ثلاثة أيام، بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، والصدقة إطعام ستة مساكين، توزيع ثلاثة آصع من أرز أو تمر أو دقيق بحسب بلادك، أو النسك شاة تذبحها كشياه العيد، ما هي صغيرة ولا مريضة ولا عرجاء، كالتي تذبح يوم العيد.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.