شرح ألفية ابن مالك [16]


الحلقة مفرغة

قال ابن مالك رحمه الله في الألفية: [ الابتداء.

متبدأ زيد وعادر خبر إن قلت زيد عاذر من اعتذر ].

بدأ المؤلف في الكلام على تركيب الجملة، ومن هذا الباب تبدأ التراكيب، وفائدة النحو لأن ما سبق كله فهو كالمفردات من الآن فصاعداً في التراكيب.

قال المؤلف: [الابتداء].

ولم يقل: المبتدأ والخبر، كما قاله غيره اختصاراً؛ ولأن الابتداء يستلزم المبتدأ، والمبتدأ يستلزم الخبر فاستغنى بذكر الابتداء عن ذكر المبتدأ والخبر للتلازم.

ومع ذلك فهو لم يعرف المبتدأ، وصاحب الآجرومية عرف المبتدأ، فصارت الآجرومية في هذا أوسع من الألفية. يقول صاحب الآجرومية: المبتدأ هو الاسم المرفوع العاري عن العوامل اللفظية.

فأخرج بقوله: (العاري عن العوامل اللفظية) الفاعل، ونائب الفاعل، واسم كان، وخبر إن؛ لأن العوامل في هذه المرفوعات لفظية.

لكن عامل المبتدأ معنوي، وهو الابتداء؛ ولهذا قال ابن مالك في الكافية:

(المبتدأ مرفوع معنى ذو خبر أو وصف استغنى بمرفوع ظهر)

إذاً العامل في المبتدأ معنوي؛ لأنه لم يسبقه فعل حتى يكون عاملاً فيه، لكن للابتداء به صار مرفوعاً.

قال:

[مبتدأ زيد وعاذر خبر إن قلت زيد عاذر من اعتذر]

فزيد: مبتدأ مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره.

وعاذر: خبر مبتدأ مرفوع بالمبتدأ وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره.

ومن: اسم موصول مفعول به.

واعتذر: جملة صلة الموصول.

فكأن المؤلف رحمه الله استغنى بذكر المثال عن التعريف.

وهنا بحث فقهي: هل يحمد زيد، حيث عذر من اعتذر؟

الجواب: فيه تفصيل:

إن كان الذي اعتذر إليه قدم عذراً صحيحاً فكونه يعذره محمود، وإن قدم عذراً غير صحيح فهو غير محمود.

والخلاصة: المبتدأ: كل اسم مرفوع عار عن العوامل اللفظية؛ إذاً فهو مرفوع بأمر معنوي وهو الابتداء.

قال ابن مالك رحمه الله في الألفية: [ الابتداء.

متبدأ زيد وعادر خبر إن قلت زيد عاذر من اعتذر ].

بدأ المؤلف في الكلام على تركيب الجملة، ومن هذا الباب تبدأ التراكيب، وفائدة النحو لأن ما سبق كله فهو كالمفردات من الآن فصاعداً في التراكيب.

قال المؤلف: [الابتداء].

ولم يقل: المبتدأ والخبر، كما قاله غيره اختصاراً؛ ولأن الابتداء يستلزم المبتدأ، والمبتدأ يستلزم الخبر فاستغنى بذكر الابتداء عن ذكر المبتدأ والخبر للتلازم.

ومع ذلك فهو لم يعرف المبتدأ، وصاحب الآجرومية عرف المبتدأ، فصارت الآجرومية في هذا أوسع من الألفية. يقول صاحب الآجرومية: المبتدأ هو الاسم المرفوع العاري عن العوامل اللفظية.

فأخرج بقوله: (العاري عن العوامل اللفظية) الفاعل، ونائب الفاعل، واسم كان، وخبر إن؛ لأن العوامل في هذه المرفوعات لفظية.

لكن عامل المبتدأ معنوي، وهو الابتداء؛ ولهذا قال ابن مالك في الكافية:

(المبتدأ مرفوع معنى ذو خبر أو وصف استغنى بمرفوع ظهر)

إذاً العامل في المبتدأ معنوي؛ لأنه لم يسبقه فعل حتى يكون عاملاً فيه، لكن للابتداء به صار مرفوعاً.

قال:

[مبتدأ زيد وعاذر خبر إن قلت زيد عاذر من اعتذر]

فزيد: مبتدأ مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره.

وعاذر: خبر مبتدأ مرفوع بالمبتدأ وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره.

ومن: اسم موصول مفعول به.

واعتذر: جملة صلة الموصول.

فكأن المؤلف رحمه الله استغنى بذكر المثال عن التعريف.

وهنا بحث فقهي: هل يحمد زيد، حيث عذر من اعتذر؟

الجواب: فيه تفصيل:

إن كان الذي اعتذر إليه قدم عذراً صحيحاً فكونه يعذره محمود، وإن قدم عذراً غير صحيح فهو غير محمود.

والخلاصة: المبتدأ: كل اسم مرفوع عار عن العوامل اللفظية؛ إذاً فهو مرفوع بأمر معنوي وهو الابتداء.

الاستغناء بالفاعل عن الخبر إذا اعتمد المبتدأ على الاستفهام

ثم قال:

[وأول المبتدأ والثاني فاعل اغنى في أسار ذان]

هذا معنى قوله في الكافية: (أو وصف استغنى بمرفوع ظهر).

قوله: (والثاني فاعل أغنى) أي: أغنى عن الخبر.

(في أسار ذان) أي في قولك: أسار ذان؟

(أسار): الهمزة في (أسار) للاستفهام.

و(سار) مبتدأ وهو اسم فاعل.

(ذان): لا نقول: خبر المبتدأ، بل نقول: فاعل سار مبني على الألف في محل رفع؛ لأنه اسم إشارة مثنى، والفاعل سد مسد الخبر. أو إن شئت فقل: الفاعل أغنى عن الخبر، ومثله: أقائم الرجلان:

(قائم): اسم فاعل، و(الرجلان): فاعل فهي تساوي: أسار ذان.

وكذلك: أمضروب الرجلان، فمن المعلوم أن مضروب اسم مفعول يعمل عمل الفعل، مثل اسم الفاعل، وعلى هذا فيكون مثله، ومن ثم قلنا: إن الكافية في هذا المكان أحسن من الخلاصة لأنه قال: أو وصف استغنى بمرفوع ظهر.

وكلمة (وصف) تشمل: اسم الفاعل، واسم المفعول إذا استغنى بمرفوعه. فإذا قلت: أمضروب الرجلان، فالهمزة للاستفهام، و(مضروب) مبتدأ، والرجلان نائب فاعل أغنى عن الخبر.

والخلاصة أن المبتدأ له خبر، وقد يكون المبتدأ وصفاً فيستغنى بمرفوعه عن الخبر.

الاستغناء بالفاعل عن الخبر إذا اعتمد المبتدأ على النفي

يقول:

[وقس وكاستفهام النفي وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد]

كلمة (وقس) ربما نقول: إنه أراد أن نقيس على هذا المثال ما يوازيه، فنقول: أسار ذان، أداع ذان، أقائم الرجلان.

ويحتمل أن نقول: يريد أن نقيس على اسم الفاعل اسم المفعول فيشمل: أمضروب الرجلان، والثاني أولى؛ لأنه يشمل الأول.

قوله: (وقس) يعني: قس على هذا الوصف ما أشبهه.

(وكاستفهام النفي) يعني: إذا اعتمد الوصف على نفي استغنى بمرفوعه عن الخبر كما لو اعتمد على استفهام.

فلو جعلت بدل الهمزة (ما) فقلت: ما سار ذان، صح، ونقول:

ما نافية.

وسار: مبتدأ.

وذان: فاعل أغنى عن الخبر.

ولو قلت: غير سار ذان، صح؛ لأن (غير) تأتي للنفي.

ولو قلت: ليس سار ذان، صح؛ لأن ليس نفي، و(سار) اسم ليس، و(ذان) فاعل أغنى عن الخبر.

فصار النفي: إما بما، أو بغير، أو بليس.

ومعنى قوله: (وكاستفهام النفي) يعني: أن النفي يقوم مقام الاستفهام، وبناء عليه يصح حذف الهمزة، ونأتي بدلها بما يدل على النفي.

الاستغناء بالفاعل عن الخبر من غير اعتماد على نفي ولا غيره

قال: (وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد) المقصود أن الوصف هنا وهو (فائز) لم يعتمد على استفهام ولا نفي، ومع ذلك نقول في إعرابه: (فائز) مبتدأ، و(أولو) فاعل أغنى عن الخبر. مع أنه لم يعتمد على استفهام ولا نفي، وهذا قد يجوز، و(قد) تفيد التقليل كما يقولون: قد يجود البخيل، وقد يكون الجبان شجاعاً.

ولهذا شاهد من كلام العرب، وهو قول الشاعر:

خبير بنو لهب فلا تك ملغياً مقالة لهبي إذا الطير من مرت

وبنو لهب مشهورون بالتطير، والشاهد: قوله: خبير بنو لهب، فـ(خبير) مبتدأ، و(بنو) فاعل سد مسد الخبر مع أن (خبير) لم يعتمد على استفهام ولا نفي.

إذاً يجوز في اللسان العربي أن يستغنى بمرفوع الخبر وإن لم يعتمد على نفي أو استفهام.

وكلام ابن مالك يدل على أن الأصل أنه لا يستغنى بمرفوع مبتدأ عن الخبر إلا إذا اعتمد على استفهام أو نفي، لكن قد يجوز على وجه قليل.

وهذا القول وسط بين قول الكوفيين السمحين الذين يقولون: يجوز أن يستغنى بمرفوع المبتدأ عن الخبر وإن لم يعتمد مطلقاً.

وبين المتشددين من البصريين الذين يقولون: لا يجوز أبداً.

وقالوا في قوله: (خبير بنو لهب):

(خبير): خبر مقدم.

فقيل لهم: (خبير) مفرد و(بنو لهب) جمع، فكيف يخبر بالمفرد عن الجمع؟

قالوا: إن (فعيل) قد يخبر به عن الجمع، ومنه قوله تعالى: وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ [التحريم:4]، ولم يقل: ظهيرون.

لكن الصواب ما ذهب إليه الكوفيون بناء على القاعدة العريضة عندنا: أنه إذا اختلف النحاة على قولين أخذنا بالأسهل، ولا إثم علينا، فمن يسر يسر الله عليه.

والخلاصة: أن كل مبتدأ لا بد له من خبر، وقد يستغنى بمرفوع المبتدأ عن الخبر إذا كان وصفاً معتمداً على استفهام أو نفي.

وقد يجوز أن يستغني المبتدأ بمرفوعه وإن لم يتقدم استفهام ولا نفي.

حكم تطابق الوصف مع فاعله المغني عن الخبر

ثم قال المؤلف:

[والثان مبتدا وذا الوصف خبر إن في سوى الإفراد طبقا استقر]

الوصف: إما أن يكون مفرداً، وما بعده مفرد، أو مثنى وما بعده مثنى، أو جمعاً وما بعده جمع.

فقولنا: أقائم زيد، الوصف مفرد وما بعده مفرد.

وقولنا: أقائمان الزيدان، الوصف مثنى وما بعده مثنى.

وأقائمون الزيدون، الوصف جمع وما بعده جمع.

فإذا كان الوصف جمعاً وما بعده جمع، أو الوصف مثنى وما بعده مثنى؛ تعين أن يكون الوصف خبراً مقدماً.

وإذا كان الوصف مفرداً وما بعده مفرد؛ جاز الوجهان: أن يكون الوصف خبراً مقدماً وما بعده مبتدأ مؤخراً، أو يكون الوصف مبتدأً وما بعده فاعلاً أغنى عن الخبر.

مثل: أقائم زيد، لك أن تقول: الهمزة للاستفهام، و(قائم) خبر مقدم، و(زيد) مبتدأ مؤخر، والأصل: أزيد قائم.

ولك أن تقول: الهمزة للاستفهام، و(قائم) مبتدأ، و(زيد) فاعل أغنى عن الخبر.

وإذا قلت: أقائمان الرجلان؛ فقل: الهمزة للاستفهام، و(قائمان) خبر مقدم، و(الرجلان) مبتدأ مؤخر.

وكذلك إذا كان الوصف جمعاً وما بعده جمع مثل: أقائمون المسلمون، تقول: الهمزة للاستفهام، و(قائمون) خبر مقدم، و(المسلمون) مبتدأ مؤخر، والأصل إذا رددته للترتيب أن تقول: ألمسلمون قائمون.

وإذا كان الوصف مفرداً، وما بعده مثنى تعين أن يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعلاً أغنى عن الخبر، مثاله: أقائم الرجلان، (قائم) مبتدأ، و(الرجلان) فاعل أغنى عن الخبر. ولكن لا نقول: قائم: خبر مقدم؛ لأنك لو قلت ذلك لأخبرت بمفرد عن مثنى، والإخبار بالمفرد عن المثنى لا يجوز.

وكذلك إذا كان الوصف مفرداً وما بعده جمع؛ فإنه يتعين أن يكون الوصف مبتدأً، وما بعده فاعلاً أغنى عن الخبر، مثاله: أقائم الرجال. فنقول: (قائم) مبتدأ، و(الرجال) فاعل أغنى عن الخبر، ولا يجوز أن تقول: (قائم) خبر مقدم، و(الرجال) مبتدأ مؤخر؛ لأنك لو قلت ذلك لأخبرت بالمفرد عن الجمع، وهذا لا يجوز في اللغة العربية.

وإذا كان الوصف مما يستوي فيه المفرد والجمع جاز الوجهان، مثاله: أجُنُب الرجلان، يجوز أن تجعل (جنب) خبراً مقدماً، و(الرجلان) مبتدأ مؤخراً، أو تقول: (جنب) مبتدأ، و(الرجلان) فاعل أغنى عن الخبر.

وكذلك قولنا: أجنب الرجال، يجوز الوجهان: أن تجعل (جنب) مبتدأً، و(الرجال) فاعلاً أغنى عن الخبر، أو (جنب) خبراً مقدماً، و(الرجال) مبتدأً مؤخراً، قال الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، فأخبر بجنب وهي مفرد عن الجماعة؛ لأن (جنب) مما يستوي فيه المفرد وغيره.

يقول: (والثان مبتدا وذا الوصف خبر) يعني: وهذا الوصف، فـذا: اسم إشارة، والوصف: نعت أو بدل أو عطف بيان، و(خبر) خبر ذا، يعني: يكون الثاني مبتدأ، ويكون هذا الوصف خبراً.

قال: (إن في سوى الإفراد طبقاً استقر) الذي سوى الإفراد هو التثنية والجمع، يعني: إن استقر مطابقاً في سوى الإفراد، فإن الثاني يكون مبتدأ، ويكون الوصف خبراً، إلا على لغة أكلوني البراغيث.

أما على لغة أكلوني البراغيث فيجوز إذا تطابق في غير الإفراد أن تجعل الوصف مبتدأ، وما بعده فاعلاً أغنى عن الخبر.

أما على لغة سائر العرب فيقولون هنا: يجب أن يكون الوصف خبراً مقدماً كما قال: (والثان مبتدا وذا الوصف خبر).

فإذا قيل: أقائمون الرجال؟

فيجعل الرجال فاعل على لغة أكلوني البراغيث، وأما بقية العرب فيقولون: قائمون: خبر مقدم، والرجال: مبتدأ مؤخر، والفرق أن علامة التثنية والجمع تلحق العامل على لغة أكلوني البراغيث، ولا تلحقه على اللغة الكثيرة المشهورة عند العرب.

ويقولون: قاموا الرجال، كما تلحق تاء التأنيث بالفعل إذا كان الفاعل مؤنثاً، تلحق واو الجماعة إذا كان جماعة.

ويقولون: ضربن النساء، فضربن: فعل ماض، والنون علامة للنسوة فقط، والنساء: فاعل.

وقاموا الرجال، (قاموا) فعل، والواو علامة الجمع فقط، والرجال: فاعل، مثلما تقول: ضربت هند، وتقول: ضربن النساء، فالتاء للتأنيث، والنون أيضاً للتأنيث، لكنها علامة الجمع والتاء علامة الإفراد، هذا مأخذ لغة البراغيث.

ثم قال:

[وأول المبتدأ والثاني فاعل اغنى في أسار ذان]

هذا معنى قوله في الكافية: (أو وصف استغنى بمرفوع ظهر).

قوله: (والثاني فاعل أغنى) أي: أغنى عن الخبر.

(في أسار ذان) أي في قولك: أسار ذان؟

(أسار): الهمزة في (أسار) للاستفهام.

و(سار) مبتدأ وهو اسم فاعل.

(ذان): لا نقول: خبر المبتدأ، بل نقول: فاعل سار مبني على الألف في محل رفع؛ لأنه اسم إشارة مثنى، والفاعل سد مسد الخبر. أو إن شئت فقل: الفاعل أغنى عن الخبر، ومثله: أقائم الرجلان:

(قائم): اسم فاعل، و(الرجلان): فاعل فهي تساوي: أسار ذان.

وكذلك: أمضروب الرجلان، فمن المعلوم أن مضروب اسم مفعول يعمل عمل الفعل، مثل اسم الفاعل، وعلى هذا فيكون مثله، ومن ثم قلنا: إن الكافية في هذا المكان أحسن من الخلاصة لأنه قال: أو وصف استغنى بمرفوع ظهر.

وكلمة (وصف) تشمل: اسم الفاعل، واسم المفعول إذا استغنى بمرفوعه. فإذا قلت: أمضروب الرجلان، فالهمزة للاستفهام، و(مضروب) مبتدأ، والرجلان نائب فاعل أغنى عن الخبر.

والخلاصة أن المبتدأ له خبر، وقد يكون المبتدأ وصفاً فيستغنى بمرفوعه عن الخبر.

يقول:

[وقس وكاستفهام النفي وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد]

كلمة (وقس) ربما نقول: إنه أراد أن نقيس على هذا المثال ما يوازيه، فنقول: أسار ذان، أداع ذان، أقائم الرجلان.

ويحتمل أن نقول: يريد أن نقيس على اسم الفاعل اسم المفعول فيشمل: أمضروب الرجلان، والثاني أولى؛ لأنه يشمل الأول.

قوله: (وقس) يعني: قس على هذا الوصف ما أشبهه.

(وكاستفهام النفي) يعني: إذا اعتمد الوصف على نفي استغنى بمرفوعه عن الخبر كما لو اعتمد على استفهام.

فلو جعلت بدل الهمزة (ما) فقلت: ما سار ذان، صح، ونقول:

ما نافية.

وسار: مبتدأ.

وذان: فاعل أغنى عن الخبر.

ولو قلت: غير سار ذان، صح؛ لأن (غير) تأتي للنفي.

ولو قلت: ليس سار ذان، صح؛ لأن ليس نفي، و(سار) اسم ليس، و(ذان) فاعل أغنى عن الخبر.

فصار النفي: إما بما، أو بغير، أو بليس.

ومعنى قوله: (وكاستفهام النفي) يعني: أن النفي يقوم مقام الاستفهام، وبناء عليه يصح حذف الهمزة، ونأتي بدلها بما يدل على النفي.

قال: (وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد) المقصود أن الوصف هنا وهو (فائز) لم يعتمد على استفهام ولا نفي، ومع ذلك نقول في إعرابه: (فائز) مبتدأ، و(أولو) فاعل أغنى عن الخبر. مع أنه لم يعتمد على استفهام ولا نفي، وهذا قد يجوز، و(قد) تفيد التقليل كما يقولون: قد يجود البخيل، وقد يكون الجبان شجاعاً.

ولهذا شاهد من كلام العرب، وهو قول الشاعر:

خبير بنو لهب فلا تك ملغياً مقالة لهبي إذا الطير من مرت

وبنو لهب مشهورون بالتطير، والشاهد: قوله: خبير بنو لهب، فـ(خبير) مبتدأ، و(بنو) فاعل سد مسد الخبر مع أن (خبير) لم يعتمد على استفهام ولا نفي.

إذاً يجوز في اللسان العربي أن يستغنى بمرفوع الخبر وإن لم يعتمد على نفي أو استفهام.

وكلام ابن مالك يدل على أن الأصل أنه لا يستغنى بمرفوع مبتدأ عن الخبر إلا إذا اعتمد على استفهام أو نفي، لكن قد يجوز على وجه قليل.

وهذا القول وسط بين قول الكوفيين السمحين الذين يقولون: يجوز أن يستغنى بمرفوع المبتدأ عن الخبر وإن لم يعتمد مطلقاً.

وبين المتشددين من البصريين الذين يقولون: لا يجوز أبداً.

وقالوا في قوله: (خبير بنو لهب):

(خبير): خبر مقدم.

فقيل لهم: (خبير) مفرد و(بنو لهب) جمع، فكيف يخبر بالمفرد عن الجمع؟

قالوا: إن (فعيل) قد يخبر به عن الجمع، ومنه قوله تعالى: وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ [التحريم:4]، ولم يقل: ظهيرون.

لكن الصواب ما ذهب إليه الكوفيون بناء على القاعدة العريضة عندنا: أنه إذا اختلف النحاة على قولين أخذنا بالأسهل، ولا إثم علينا، فمن يسر يسر الله عليه.

والخلاصة: أن كل مبتدأ لا بد له من خبر، وقد يستغنى بمرفوع المبتدأ عن الخبر إذا كان وصفاً معتمداً على استفهام أو نفي.

وقد يجوز أن يستغني المبتدأ بمرفوعه وإن لم يتقدم استفهام ولا نفي.