شرح ألفية ابن مالك [10]


الحلقة مفرغة

امتناع مجيء الضمير المنفصل إذا أمكن الإتيان بالمتصل

انتقل المؤلف إلى حكم التبادل بين الضمائر المتصلة والضمائر المنفصلة، وهل يحل أحدها محل الآخر أو لا في قوله:

[ وفي اختيار لا يجيء المنفصل إذا تأتى أن يجيء المتصل ]

في اختيار: جار ومجرور متعلق بقوله: يجيء، يعني: ولا يجيء الضمير المنفصل في الاختيار إذا أمكن أن يجيء المتصل.

فقوله في (اختيار): ضده الاضطرار، والاضطرار هو ضرورة الشعر، وعلى هذا يكون معنى قوله: (وفي اختيار) أي في حال النثر لا يجيء المنفصل إذا أمكن أن يجيء المتصل:

أولاً: لأن المتصل أخصر.

وثانياً: لأنه أبين في المعنى، فإذا قلت: ضربتك، فهو أبين من قولك: ضربت إياك؛ لأنه أخص، والأخص أدل على المقصود من الأعم.

فلا يجوز أن أقول: أكرمت إياك؛ لأنه يمكن أن نأتي بالمتصل، وإذا أمكن أن نأتي بالمتصل وجب.

وفهم من كلامه أنه إذا لم يمكن أن نأتي بالمتصل أتينا بالمنفصل، وهذا يرجع إلى قواعد النحو.

فمثلاً: في الابتداء لا يمكن أن نأتي بالمتصل؛ لأن الضمير المتصل لا يأتي إلا بعد عامل.

ومثاله قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] .

ومن قولهم: إياك أعني واسمعي يا جارة!

فإذا قال القائل: يمكن أن نأتي بالمتصل فنقول: أعنيك، ويستقيم الكلام!

نقول: هذا صحيح، لكن إذا أتينا بالمتصل على هذه الصيغة فاتنا المقصود بالتقديم وهو الحصر.

ولو قلت: نبعدك يا ربنا، استقام الكلام، لكن يفوت ما أراده المتكلم وهو الحصر.

إذاً: ليس معنى الضرورة أنه لا يمكن النطق إلا كذلك، وإنما هي التي إذا ارتكبناها فات مقصود المتكلم، وليست كضرورة أكل الميتة.

فنقدم مقصود المتكلم ونرتكب الانفصال محل الاتصال، ومن ذلك قوله تعالى: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ [الممتحنة:1]، إياكم: ضمير منفصل، ولو كان في غير القرآن لقلنا: يخرجونكم والرسول، واستقام الكلام، لكن قال: (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) من أجل تقديم الرسول؛ لأن إخراج الرسول أعظم منكراً من إخراجهم، فبدأ بالأعظم نكارة.

لو قال القائل: لماذا لا يقال: يخرجون الرسول وكم؟

قلنا: الضمير المتصل لا بد أن يتصل بعامله، وهنا واو عطف، والعطف يقتضي انفصال المعطوف عن المعطوف عليه، ولا يمكن أن يلي الضمير المتصل حرفاً من حروف العطف؛ لأن حرف العطف يقتضي الفصل.

خلاصة البيت: متى أمكن أن يؤتى بضمير المتصل فإنه لا يجوز أن يؤتى بالضمير المنفصل.

حالات جواز مجيء الضمير المنفصل مع إمكان مجيء المتصل

ثم استثنى من هذه القاعدة ثلاث مسائل، فقال:

[ وصل أو افصل هاء سلنيه وما أشبهه في كنته الخلف انتمى

كذلك خلتنيه واتصالا أختار غيري اختار الانفصالا ]..

(أو) في قوله: (صل أو افصل) للتخيير، يعني: يجوز الوصل والفصل في الهاء من سلنيه، وما أشبه الهاء في سلنيه.

ولنعد إلى (سلنيه) حتى نعرف ما أشبهها:

سلني بمعنى: اسألني عطاءً، وليس المعنى سلني عن خبر، بل السؤال هنا من سؤال العطية، وفعلها الماضي سأل، فإذا قلت: سألنيه، يجوز في الهاء الوصل والفصل؛ لأنه قال: (صل أو افصل هاء سلنيه وما أشبهه)، فتقول: سلنيه، وتقول: سلني إياه، ويجوز أن أقول: سألنيه، ويجوز أن أقول: سألني إياه.

والذي يشبه سلنيه: كل فعل ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر.

تقول: الثوب كسانيه، الثوب كساني إياه؛ لأن (كسا) من باب سأل، تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر.

وتقول: الدرهم أعطانيه، الدرهم أعطاني إياه.

والوصل أفضل، وأخذنا هذا من وجهين:

الوجه الأول لفظي: وهو أن المؤلف قدم (صل) على (افصل) والتقديم يشعر بأنه أولى.

والثاني معنوي: وهو أن الأصل هو الاتصال.

وقوله: (في كنته الخلف انتمى كذاك خلتنيه).

انتمى: أي انتسب للنحويين.

والخلف: هو الخلاف.

في كنته: يعني في كان وأخواتها.

كذاك خلتنيه: أي خال وأخواتها.

فكان ترفع الاسم وتنصب الخبر، واسم كان الضمير (التاء) مبنياً على الضم في محل رفع، والهاء في محل نصب خبر.

الخلف: مبتدأ. انتمى: الجملة خبر الخلف.

يقول: (كذاك خلتنيه):

كذاك: الجار والمجرور خبر مقدم.

وخلتنيه: مبتدأ مؤخر، وهي جملة مكونة من فعل وفاعل ومفعوليه؛ لكن المراد اللفظ ولهذا قال المعربون للألفية: إن مقول القول في قول ابن مالك ( قال محمد هو ابن مالك ) كل الألفية كما تقدم.

واتصالا: مفعول به مقدم لـ (أختار). ورجح الاتصال لأنه الأصل ولأنه أخصر، فاختياره وجيه، لكنه قال: (غيري اختار الانفصالا).

وغيره هم كل الناس، لكن هذا عموم يقصد به الخصوص، قالوا: إنه يريد سيبويه ، ويجوز أن يراد بالعام فرد من أفراده، وفي القرآن: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل عمران:173]، والمقصود بالناس أبو سفيان بن حرب

فعلى رأي ابن مالك تقول: المجتهد كنته.

وعلى رأي سيبويه تقول: المجتهد كنت إياه.

وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام لما استأذنه عمر في قتل ابن صياد قال: (إن يكنه فلن تسلط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في قتله)، وابن مالك تابع لهذا الحديث.

حكم تقديم الأخص من الضمائر على غيره

يقول رحمه الله:

[ وقدم الأخص في اتصال وقدمن ما شئت في انفصال ]

عرفنا الضمير المتصل والضمير المنفصل، فإذا اجتمع ضميران فأيهما يقدم؟

يقول المؤلف: في حال الاتصال قدم الأخص، وفي حال الانفصال قدم ما شئت.

وحينئذ نحتاج إلى معرفة الأخص من غير الأخص:

فأخص الضمائر ضمير المتكلم، لأنه لا يحتمل غيره، ومن بعده ضمير المخاطب؛ لأن المخاطب قد يكون واحداً وقد يكون متعدداً فهو أوسع من ضمير المتكلم، ثم ضمير الغائب.

فإذا اجتمعت ضمائر من جنس واحد -في رتبة واحدة- فإنه سيأتينا كلام المؤلف عليها، لكن إذا كانت مختلفة الرتب فإنه يجب أن نقدم الأخص في الاتصال.

مثال ذلك: إذا قلت: الدرهم أعطيتنيه.. ففيها ضميران كلاهما مفعول وهما الياء والهاء، فلا يجوز أن تقول: أعطيتهوي لأن ياء المتكلم أخص من ضمير الغائب.

فيجب أن تقدم الأخص في الاتصال ووجه الوجوب أن قولك: أعطيتهوي كلام ثقيل، وأعطيتنيه كلام خفيف، وكلما كان الكلام أخف على اللسان فهو أولى.

وكذلك: أعطيتكه؛ فالكاف ضمير المخاطب وهو أخص من الهاء التي هي ضمير الغائب، فيجب أن تقول: أعطيتكه، ولا يجوز أن تقول: أعطيتهوك؛ لأنك لو قلت: أعطيتهوك، لقدمت غير الأخص على الأخص في حال الاتصال.

أما في حال الانفصال فيقول: (وقدمن ما شئت في انفصال):

أي: إذا كان الضمير منفصلاً فقدم الأخص أو غير الأخص، فأعطيتنيه إذا فصلت الضمير الأخص، وقلت: (أعطيته إياي) جاز، لأن الأخص كان ضميراً منفصلاً فيخف على اللسان، ولا شك أن قولك: أعطيته إياي خفيفة على اللسان.

وجوب الفصل عند اتحاد الرتبة

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا وقد يبيح الغيب فيه وصلا ]

يعني إذا كان الضميران في رتبة واحدة فإنه يجب الفصل لئلا يجتمع ضميران متصلان في كلمة واحدة، مثال ذلك: إذا قال العبد لسيده: ملكتني إياي، كلاهما ضمير المتكلم فيجب أن يفصل ويقول: ملكتني إياي، فلو قال: ملكتنيي، قلنا: هذا ممنوع، حتى لا يجتمع ضميران متصلان مع اتحاد الرتبة.

وكذلك أيضاً لو كانا لمخاطب، مثل أن يقول السيد لعبده: ملكتك إياك، أي ملكتك نفسك، فهنا لا يجوز أن يقول: ملكتكك؛ لأنه ثقيل.

وكذلك في الغائب، مثل: أعطيته إياه، ولا يجوز أن نقول: أعطيتهوه إلا على قوله: (وقد يبيح الغيب فيه وصلا) يعني قد يجتمع ضميران للغائب في رتبة واحدة ويكونان متصلين.

وخلاصة كلام المؤلف أنه إذا اجتمع ضميران متصلان في رتبتين مختلفتين فيجب تقديم الأخص، وإن كانا منفصلين جاز تأخير الأخص، وإذا كانا في رتبة واحدة وجب الفصل، ولم يجز الاتصال، إلا إذا كانا للغائب فقد يبيح الغيب فيه وصلا، فيقول أعطيته إياه وأعطيتهوه.

انتقل المؤلف إلى حكم التبادل بين الضمائر المتصلة والضمائر المنفصلة، وهل يحل أحدها محل الآخر أو لا في قوله:

[ وفي اختيار لا يجيء المنفصل إذا تأتى أن يجيء المتصل ]

في اختيار: جار ومجرور متعلق بقوله: يجيء، يعني: ولا يجيء الضمير المنفصل في الاختيار إذا أمكن أن يجيء المتصل.

فقوله في (اختيار): ضده الاضطرار، والاضطرار هو ضرورة الشعر، وعلى هذا يكون معنى قوله: (وفي اختيار) أي في حال النثر لا يجيء المنفصل إذا أمكن أن يجيء المتصل:

أولاً: لأن المتصل أخصر.

وثانياً: لأنه أبين في المعنى، فإذا قلت: ضربتك، فهو أبين من قولك: ضربت إياك؛ لأنه أخص، والأخص أدل على المقصود من الأعم.

فلا يجوز أن أقول: أكرمت إياك؛ لأنه يمكن أن نأتي بالمتصل، وإذا أمكن أن نأتي بالمتصل وجب.

وفهم من كلامه أنه إذا لم يمكن أن نأتي بالمتصل أتينا بالمنفصل، وهذا يرجع إلى قواعد النحو.

فمثلاً: في الابتداء لا يمكن أن نأتي بالمتصل؛ لأن الضمير المتصل لا يأتي إلا بعد عامل.

ومثاله قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] .

ومن قولهم: إياك أعني واسمعي يا جارة!

فإذا قال القائل: يمكن أن نأتي بالمتصل فنقول: أعنيك، ويستقيم الكلام!

نقول: هذا صحيح، لكن إذا أتينا بالمتصل على هذه الصيغة فاتنا المقصود بالتقديم وهو الحصر.

ولو قلت: نبعدك يا ربنا، استقام الكلام، لكن يفوت ما أراده المتكلم وهو الحصر.

إذاً: ليس معنى الضرورة أنه لا يمكن النطق إلا كذلك، وإنما هي التي إذا ارتكبناها فات مقصود المتكلم، وليست كضرورة أكل الميتة.

فنقدم مقصود المتكلم ونرتكب الانفصال محل الاتصال، ومن ذلك قوله تعالى: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ [الممتحنة:1]، إياكم: ضمير منفصل، ولو كان في غير القرآن لقلنا: يخرجونكم والرسول، واستقام الكلام، لكن قال: (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) من أجل تقديم الرسول؛ لأن إخراج الرسول أعظم منكراً من إخراجهم، فبدأ بالأعظم نكارة.

لو قال القائل: لماذا لا يقال: يخرجون الرسول وكم؟

قلنا: الضمير المتصل لا بد أن يتصل بعامله، وهنا واو عطف، والعطف يقتضي انفصال المعطوف عن المعطوف عليه، ولا يمكن أن يلي الضمير المتصل حرفاً من حروف العطف؛ لأن حرف العطف يقتضي الفصل.

خلاصة البيت: متى أمكن أن يؤتى بضمير المتصل فإنه لا يجوز أن يؤتى بالضمير المنفصل.