خطب ومحاضرات
مكائد الشيطان
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إنني في بداية هذه الكلمة المتواضعة، أحب أن أشكر أشياخي وأساتذتي، الذين حرصوا على تشجيع تلميذٍ صغير من تلاميذهم، فحضروا في هذه الليلة، وأحب أن أقول: إنني كنتُ أعتقد أنها لا تعدو أن تكون كلمة في إحدى أُسَرْ هذا المعهد وعلى كل حال، فإنني أشكر لهم تكرمهم بهذه الجلسة، التي أرجو أن يكون من ورائها إن شاء الله الخير الكثير، وحول هذا الموضوع، بل وحول كل موضوع أحب أن أقول: إننا دائماً لسنا بحاجة إلى المعلومات المجردة، بقدر ما نكون بحاجة إلى الاستفادة من هذه المعلومات، فكم وكم من الناس من تجد لديه العلم والمعرفة في كثير من الأمور، وقد يبرز في هذا أهل الاختصاص وأهل الفن، ولكن تجد استفادته وانتفاعه بهذه المعلومات قليلاً أو معدوماً، وهذا ممن كتب عليه الشقاء، كما قال الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].
فالقضية -أيها الإخوة- ليست في كوننا نعرف فقط، بل القضية في كوننا نستفيد مما نعرف، والإنسان يشاهد في واقعه العملي أحياناً أشياء مادية ملموسة يستغربها، وأضرب لذلك مثلاً: لو افترضنا أن رجلاً من الناس يعاني من مرض من الأمراض، ويخاف من هذا المرض أشد الخوف، ثم ذهب إلى الأطباء، فقالوا له: إن علاجك يكون في الحمية، أي: أن تمتنع عن تناول أطعمة بعينها، وأعطوه قائمة بألوان وأنواع الطعام التي يجب أن يمتنع منها، فأخذ هذه القائمة، وحفظ هذه الأسماء وأتقنها، وظل لا يحتمي منها، ولا يمتنع عنها، هنا نقول: هذا الإنسان عرف السبيل إلى العلاج، لكنه لم يستفد، لأنه لم يمتنع، ولماذا لم يمتنع؟
قد يكون عدم امتناعه في الغالب ناتجاً عن ضعف إرادته، فهو يعلم أن هذا فيه ضرر عليه، لكنه لا يستطيع أن يمنع ويقهر نفسه عن تناول هذه الأطعمة، ويكون في هذه الأشياء حتفه.
كذلك الحال بالنسبة لمكائِد الشيطان، من منا يجهل العداوة التي قدرها الله سبحانه وتعالى وقضاها بين الإنسان وبين الشيطان؟
وكيف يجهلها المسلم، وهو يقرأ القرآن الكريم الذي يشير دائماً وأبداً أن الشيطان كان خلف جميع النكبات التي أصابت هذا الإنسان؟!
وخروج أبينا آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة كان بحيلة من هذا العدو اللعين، وقد حكاها الله سبحانه وتعالى لنا في القرآن الكريم، وبين كيف وسوس إليه الشيطان، وأغراه بمخاطبة غريزة موجودة ومفطورة في قلب الإنسان، وهي حب الخلود وحب البقاء، فقال: هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى [طه:120] وأيضاً أغراه بقضية حب التملك، حتى أخرجه من الجنة.
وما من مصيبة نـزلت بالإنسان إلا ومصدرها الشيطان، وسببها الشيطان، ومع ذلك كله تجد كثيراً من الناس على رغم معرفتهم القوية بهذه الألاعيب وهذه الأحاديث قد يقعون فيها، ولذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى يقول لنا: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ [فاطر:6] ثم يقول: فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً [فاطر:6].
الفقرة الأولى من الآية تؤكد العداوة، وأنها موجودة: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ [فاطر:6] وهذه القضية نظرية، وهي معرفة عقلية مجردة، كل الناس يؤمنون بها، ولذلك عقب الله سبحانه بقوله: فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً [فاطر:6] أي: عاملوا هذا الشيطان كما تعاملون عدوكم، واعتبروا كل ما يأمركم به الشيطان أو يدعوكم إليه الشيطان كيد العدو لعدوه، ومن ينتظر من عدوه خيراً أو أمراً بخير؟!
وهذا التحذير الإلهي يأتي أيضاً في سورة أخرى، فبعد أن يذكر الله تبارك وتعالى لنا قصة الشيطان مع أبينا آدم ورفضه للسجود له، كما في قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف:50] هذه هي قصة العداوة التاريخية بين الإنسان وبين الشيطان، يعقب الله تبارك وتعالى عليه بقوله: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً [الكهف:50].
وقد يكون غريباً أن هذا المخلوق الذي يعلن الله سبحانه وتعالى في كتابه في غير موضع أنه عدوٌ لنا، قد يكون من الغريب أن كثيراً من الناس يتبعون هذا العدو، ويتخذونه ولياً من دون الله: وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً [النساء:119].
إلى ماذا يدعوك الشيطان أيها الإنسان؟ كل ما في الأمر أن الشيطان -بكلمة مختصرة- يدعوك إلى عبادته، كما أن الله خلقك وأمرك بعبادته فقط، ولم يكلفنا الله بأمرٍ آخر إلا عبادته، فقال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] أي: أن الآية فيها حصر نفي وإثبات، نفي أن يكون الله خلق الناس لغرض آخر إلا لغرض واحد وهو العبادة، فالله يدعوك إلى عبادته، والشيطان يقف في الطرف الآخر، أيضاً يدعوك إلى عبادته، وقد يكون من القليل أن يعبد الشيطان عبادة حقيقية، وإن كان هذا ليس معدوماً، فهناك طوائف موجودة في البلاد الإسلامية، وطوائف حديثة ظهرت في البلاد الأوروبية، يقيمون معابد يسمونها معابد الشيطان، ويصلون فيها للشيطان ويسجدون له!!
لكن هذه الصورة ساذجة، صورة بدائية من صور عبادة الشيطان، إنما مفهوم عبادة الشيطان أوسع من هذا كله، فإذا كان الله عز وجل، يدعوك إلى أمر، والشيطان يدعوك إلى أمر يخالفه، فعصيت الله وأطعت الشيطان، فهذه شعبة من العبادة، وكم وكم تجد الإنسان يستجيب لداعي الشيطان حين يضعف فيه وازع العقيدة والإيمان.
صور من عبادة الشيطان
ولم يكن والد إبراهيم ممن أقاموا المعابد والهياكل وصلوا فيها وسجدوا فيها لإبليس، بل كانوا يعبدون الأصنام والأوثان والنجوم والكواكب وغيرها، وإنما إعراض الإنسان عن عبادة الله إلى عبادة الصنم، هي في الحقيقة عبادة الشيطان، حتى ولو برزت في بعض الأحيان أنها عبادة لملكٍ مقرب أو لنبيٍ مرسل، فالذين يعبدون الملائكة هم في الحقيقة يعبدون الشياطين، والذين يعبدون الأنبياء هم في الحقيقة يعبدون الشياطين، والذين يعبدون الأولياء والصالحين هم في الحقيقة يعبدون الشياطين، ولذلك إذا كان يوم القيامة يحضر الله سبحانه وتعالى الناس في صعيدٍ واحد، ويحضر آلهتهم المدعاة، فمن كان يعبد شيئاً تبعه؛ فيأتي هؤلاء الناس الذين كانوا يعبدون الملائكة في الدنيا، يحضرهم الله تبارك وتعالى، ويحضر الملائكة، الذين ادعوا أنهم كانوا يعبدونهم، ويسأل الله سبحانه الملائكة، فيقول: أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ [سبأ:40] هؤلاء الذين كانوا في الدنيا يتظاهرون بعبادة الملائكة.. هل كانوا يعبدونكم فعلاً وحقاً أيها الملائكة؟
فماذا تقول الملائكة؟
تقول كما قال عنها: قَالُوا سُبْحَانَكَ [البقرة:32] فبدءوا بتنـزيه الله سبحانه وتعالى: أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ [سبأ:41] أي: وإن ادعوا عبادة الملائكة، فالملائكة تبرأ من هذه العبادة وتنكرها، وتقول: نحن عبيدٌ مربوبون نتوجه بالدعاء والعبادة لله رب العالمين، فلا ينبغي أن نُعبد: سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ:41].
إذاً: أنكر الملائكة أن يكون هؤلاء يعبدونهم، وقالوا: بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ [سبأ:41] وما المقصود هاهنا بالجن؟
المقصود بالجن: الشياطين، لأن إبليس هو أبو الجن كما تعلمون، إذاً: فالإنسان حتى وهو يخيل إليه أنه يعبد ملكاً من الملائكة، حقيقة الأمر أنه يعبدُ الشيطان، وكيف يعبد الشيطان؟
لو قيل له: إنك تعبد الشيطان؟
لأبى ونفر وتخلى عن هذه العبادة، لكن نقول: يعبد الشيطان، لأن الذي دعاه إلى هذه العبادة وزينها له، وأغراه بها هو الشيطان، فقد سلك طريق الشيطان وأعرض وأبى عن طريق الله سبحانه وتعالى، هذه صورة من صور عبادة الإنسان للشيطان.
وخلاصة القول فيها: أن الشيطان يدعو الإنسان إلى أمرٍ واحد فقط، هو أن يعبده!!
وما المعاصي إلا دليل إلى عبادة الشيطان، فهي صورة مصغرة من صور العبادة، فأنا وأنت حين نعبد الله تعالى، نصلي ونسجد وندعو ونقرأ القرآن ونتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته، وهذه هي العبادة، أو هذه هي بعض صور ومظاهر العبادة، كذلك نفس الشيء إذا صرفت هذه الأشياء لغير الله، أو انحرف الإنسان عن الطاعات إلى المعاصي، يكون وقع في شيءٍ من عبادة الشيطان، فالذي يرتكب معصية، نقول هذه المعصية انحراف، وفيها نوع من عبادة الشيطان أو طاعة الشيطان، لأن الذي أمرك بهذه المعصية هو الشيطان.
أصل العبادة
فأصل العبادة: هي الطاعة والاتباع، فما دام الإنسان أطاع الشيطان بهذه المعصية، نقول: إن هذه شعبة من العبادة، لكن حذار أن نقول: إن وقوع الإنسان في هذه المعصية أنه عبد الشيطان! هو أخطأ لا شك، واتبع الشيطان في هذه المسألة، وهذه شعبة من شعب العبادة، لكن يبقى الإنسان مسلماً، ما دام لم يصدر منه سوى هذه المعصية، يبقى مسلماً لأنه يعبد الله أكثر أحيانه، ويؤدي المفروضات الواجبات عليه، وإنما زل ووقع في هذه معصية، فهذه المعصية تبقى إثماً يحاسب عليه، وقد يعذبه الله سبحانه وتعالى إن لم تتداركه رحمته، لكن يبقى مسلماً، إنما إذا خلع ربقة العبودية لله، وتوجه بكليته إلى عبادة الشيطان، فترك الصلاة، وترك الدعاء، وترك الإيمان بالله، وصار يتبع الشيطان، ولا يرد له أمراً، هنا نقول: إن هذا الإنسان قد انخلع تماماً من العبودية والإيمان بالله سبحانه وتعالى، وصار عابداً للشيطان بكل ما تحمله كلمة العبودية من معنى.
ونجد في القرآن الكريم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين وقف أمام والده المشرك المكابر يذكره ويقول له: يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً [مريم:44].
ولم يكن والد إبراهيم ممن أقاموا المعابد والهياكل وصلوا فيها وسجدوا فيها لإبليس، بل كانوا يعبدون الأصنام والأوثان والنجوم والكواكب وغيرها، وإنما إعراض الإنسان عن عبادة الله إلى عبادة الصنم، هي في الحقيقة عبادة الشيطان، حتى ولو برزت في بعض الأحيان أنها عبادة لملكٍ مقرب أو لنبيٍ مرسل، فالذين يعبدون الملائكة هم في الحقيقة يعبدون الشياطين، والذين يعبدون الأنبياء هم في الحقيقة يعبدون الشياطين، والذين يعبدون الأولياء والصالحين هم في الحقيقة يعبدون الشياطين، ولذلك إذا كان يوم القيامة يحضر الله سبحانه وتعالى الناس في صعيدٍ واحد، ويحضر آلهتهم المدعاة، فمن كان يعبد شيئاً تبعه؛ فيأتي هؤلاء الناس الذين كانوا يعبدون الملائكة في الدنيا، يحضرهم الله تبارك وتعالى، ويحضر الملائكة، الذين ادعوا أنهم كانوا يعبدونهم، ويسأل الله سبحانه الملائكة، فيقول: أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ [سبأ:40] هؤلاء الذين كانوا في الدنيا يتظاهرون بعبادة الملائكة.. هل كانوا يعبدونكم فعلاً وحقاً أيها الملائكة؟
فماذا تقول الملائكة؟
تقول كما قال عنها: قَالُوا سُبْحَانَكَ [البقرة:32] فبدءوا بتنـزيه الله سبحانه وتعالى: أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ [سبأ:41] أي: وإن ادعوا عبادة الملائكة، فالملائكة تبرأ من هذه العبادة وتنكرها، وتقول: نحن عبيدٌ مربوبون نتوجه بالدعاء والعبادة لله رب العالمين، فلا ينبغي أن نُعبد: سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ:41].
إذاً: أنكر الملائكة أن يكون هؤلاء يعبدونهم، وقالوا: بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ [سبأ:41] وما المقصود هاهنا بالجن؟
المقصود بالجن: الشياطين، لأن إبليس هو أبو الجن كما تعلمون، إذاً: فالإنسان حتى وهو يخيل إليه أنه يعبد ملكاً من الملائكة، حقيقة الأمر أنه يعبدُ الشيطان، وكيف يعبد الشيطان؟
لو قيل له: إنك تعبد الشيطان؟
لأبى ونفر وتخلى عن هذه العبادة، لكن نقول: يعبد الشيطان، لأن الذي دعاه إلى هذه العبادة وزينها له، وأغراه بها هو الشيطان، فقد سلك طريق الشيطان وأعرض وأبى عن طريق الله سبحانه وتعالى، هذه صورة من صور عبادة الإنسان للشيطان.
وخلاصة القول فيها: أن الشيطان يدعو الإنسان إلى أمرٍ واحد فقط، هو أن يعبده!!
وما المعاصي إلا دليل إلى عبادة الشيطان، فهي صورة مصغرة من صور العبادة، فأنا وأنت حين نعبد الله تعالى، نصلي ونسجد وندعو ونقرأ القرآن ونتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته، وهذه هي العبادة، أو هذه هي بعض صور ومظاهر العبادة، كذلك نفس الشيء إذا صرفت هذه الأشياء لغير الله، أو انحرف الإنسان عن الطاعات إلى المعاصي، يكون وقع في شيءٍ من عبادة الشيطان، فالذي يرتكب معصية، نقول هذه المعصية انحراف، وفيها نوع من عبادة الشيطان أو طاعة الشيطان، لأن الذي أمرك بهذه المعصية هو الشيطان.
أصل العبادة في الحقيقة: هي الطاعة، ولذلك يقال: طريق معبد، أي: أنه مطروق، وكذلك بعير معبد، وغير ذلك.
فأصل العبادة: هي الطاعة والاتباع، فما دام الإنسان أطاع الشيطان بهذه المعصية، نقول: إن هذه شعبة من العبادة، لكن حذار أن نقول: إن وقوع الإنسان في هذه المعصية أنه عبد الشيطان! هو أخطأ لا شك، واتبع الشيطان في هذه المسألة، وهذه شعبة من شعب العبادة، لكن يبقى الإنسان مسلماً، ما دام لم يصدر منه سوى هذه المعصية، يبقى مسلماً لأنه يعبد الله أكثر أحيانه، ويؤدي المفروضات الواجبات عليه، وإنما زل ووقع في هذه معصية، فهذه المعصية تبقى إثماً يحاسب عليه، وقد يعذبه الله سبحانه وتعالى إن لم تتداركه رحمته، لكن يبقى مسلماً، إنما إذا خلع ربقة العبودية لله، وتوجه بكليته إلى عبادة الشيطان، فترك الصلاة، وترك الدعاء، وترك الإيمان بالله، وصار يتبع الشيطان، ولا يرد له أمراً، هنا نقول: إن هذا الإنسان قد انخلع تماماً من العبودية والإيمان بالله سبحانه وتعالى، وصار عابداً للشيطان بكل ما تحمله كلمة العبودية من معنى.
هذه -أيها الإخوة- هي أمنية الشيطان، لكن كيف يتوصل الشيطان إلى هذه الأمنية؟ لو جاء الشيطان إلى إنسان مسلم، حتى ولو كان هذا المسلم عاصياً لله، أو واقعاً في بعض الأمور، ثم قال له: إني أريد منك أن تعبدني، أو وسوس إليه بعبادة ملك مقرب، أو نبيٍ مرسل أو صالح من الصالحين، أو بالكفر بالله والعياذ بالله، لنفر هذا الإنسان واشمأز من هذا الطلب، لأنه يوجد شيء من حرارة الإيمان في قلبه.
والشيطان أولاً: وهبه الله سبحانه وتعالى أسلحة قوية وفتاكة، لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى. وثانياً: اكتسب خبرة طويلة جداً تصل إلى آلاف السنين أو أكثر من ذلك، الله أعلم، منذ عاش تجربته مع آدم عليه السلام، وإلى أن يموت وينتهي، والشيطان يكتسب تجارب يوماً بعد يوم، وقد يقع في مزلق مع إنسان، فيستفيد منه للمرات القادمة، فالشيطان ذكي، ولا يمكن أن يبارئ الإنسان، أو يطلب منه أمراً يعرف منذ البداية أن نفسه تنفر منه، كما يفعل أولياء الشيطان من الناس، فجنود الشيطان الذين جتدهم في هذه المهمة، عندما يريدون أن يضلوا الإنسان أو يصرفوه عن طريق الحق، يبدءون معه بصغار الأمور قبل كبارها، أمرٌ أو درسٌ تلقوه على يد شيخهم وأستاذهم، فالشيطان يبدأ بالإنسان أولاً: بالكفر، فإذا كان ذلك ممكناً بوسيلة أو بأخرى، أن يدعو الشيطان الإنسان إلى الكفر، فهو أغلى ما يريد، لأنه بذلك يضمن أن هذا الإنسان سوف يكون مرافقاً له في النار، والعياذ بالله..!
فإذا استطاع الشيطان أن يدخل الإنسان إلى الكفر فعل، وذلك بأحد طريقين:
طريق الشبهات
ولكن قبل أن نغادر هذه النقطة، أقول: يجب أن نفرق بين الوساوس التي قد تعرض لكل إنسان، وبين العقيدة المستقرة في القلب، فما من إنسان إلا والشيطان يحاول أن يغريه، ويحاول أن يثير عليه الشكوك والوساوس، وخاصة في فترة الشباب وفترة التفكير، فيبدأ الإنسان يضرب يمنةً ويسرةً ويفكر، وقد يحاول الشيطان أن يلقي إليه بقدر ما يستطيع بعض الشبهات، فتجد هذا الإنسان -وكم رأينا من بعض الشباب، حتى الذين فيهم خيرٌ وصلاحٌ واستقامة- تجده يعيش حياته في قلق، لا يهدأ له بال، ولا يستقر له ضمير، ولو فتشت لوجدت أن الشيطان قد ألقى في قلبه شبهة من الشبهات، أو وسوس له بشيءٍ ما نغص عليه حياته.
ثم بدأ يقول له: أنت الآن على حال من الكفر، أو شك في الدين، ومن الممكن أن الموت يداهمك اليوم أو غداً، فتموت كافراً، وهذا الشعور يقلق الإنسان كثيراً، يقلقه كثيراً أن يشعر أنه لم يستقر الإيمان في قلبه، وأن الموت يهدده في كل لحظة، فهو حريص على أن يمتلئ قلبه إيماناً، لكن ليس بإمكانه ذلك بين عشية وضحاها.
فأقول: هنا يجب ألا ننخدع بهذه القضية، لأن هذه ألعوبة محبوكة من الشيطان، لكن يجب أن نكون منتبهين لها، ربما يكون قصد الشيطان هنا، إضافة إلى أنه يحرص بطبيعة الحال على أن يضل الإنسان، قد يكون قصده من جانبٍ آخر، وهو أنه ينغص على المؤمن عيشه، ولا تظن أن الشيطان لا يفكر في هذه الأمور، حتى الحزن، يحرص الشيطان على أن يكون الإنسان حزيناً، وقد ذكر الله تعالى هذا في كتابه، فقال: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة:10] والشيطان حريص على أن يكون الإنسان فقيراً: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] فربما يكون قصد الشيطان هنا أن ينغص عليك الحياة، ويجعلك في حال من التوتر والهم والحزن شديد، على الأقل ربما يكون من نتائج هذا أن الإنسان قد يكون عنده رغبة في الخير وحرص على الطاعات، فيضعف ويصبح إنساناً عادياً، يؤدي الفرائض، ولا يهتم بأمرٍ آخر.
فإذا قيل له: اتق الله وفكر في أمور دينك، وفكر في الآخرة، قال: يا أخي أنا لا أحب أن أفكر في هذه القضايا، لماذا لا تحب أن تفكر فيها؟
قال: لأني إذا فكرت فيها، تبدأ الوساوس، والشكوك، والهواجس تتسرب إلى قلبي، ثم إني أحب أن أبقى إنساناً لا أفكر في هذه الأمور، ولا تخطر لي على بال، يكفيني أن أكون كعوام المسلمين، أصلي وأصوم وأزكي وأحج، ولا أحب أن أدخل في نفسي مثل هذه المتاهات، وهذا لأن الشيطان يحرص على اصطياده، ولاحظوا كيف وصل الشيطان إلى ما يريد، بطريقة قد تخفى على الإنسان، فإذا وجد إنسان شيئاً من ذلك في قلبه، فأقول:
أولاً: يجب أن يقنع نفسه بأن الحالة التي يعيشها، ليست حالة شك، وإنما هي حالة وسوسة تدل على صريح الإيمان في قلبه، وفي الصحيح أن الصحابة جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله، إن أحدنا يجد في قلبه ما يتعاظم أن يتكلم به} وفي بعض الروايات قالوا: {إن أحدنا يجد في قلبه ما لأن يحترق حتى يصير حمماً، أحب إليه من أن يتكلم به} نفس الشعور الذي عندك جاء إلى الصحابة، وأخبروا سيد الدعاة صلى الله عليه وسلم، فقال لهم : {أوجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة} وفي أحاديث أخرى صحيحة قال: {ذاك صريح الإيمان } وقوله: ذاك اسم إشارة قد يكون راجعاً إلى الوسوسة التي ألقاها الشيطان، لأنهم قالوا: {إن أحدنا يجد } ثم قال: {أوجدتموه؟ قالوا: نعم، قال ذاك صريح الإيمان}.
فيكون ما وجدوه هو صريح الإيمان، وقد يكون الضمير راجعاً إلى شعورهم الذي عبروا عنه بقولهم: ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به} أو {ما لأن يحترق أحدنا حتى يصير حمماً أحب إليه من أن يتكلم به} والمقصود أنك أيها الإنسان الذي قد تشعر بنفسك أحياناً بهذا الشعور، لو سألناك أنت الآن فإننا نجدك متأثراً وخائفاً، تخاف من ماذا؟
تقول: والله أخاف أن أموت على هذه الحالة، هذا نفسه دليل على أنك مؤمن، لأنه لو لم يكن عندك إيمان لما كان يهمك أن تموت على هذه الحالة، أو أن تموت على أي حال، لكن خشيتك أن تموت على هذه الحال، لأنك تعلم في قرارة قلبك أن موتك على حالٍ من الشك في نظرك يكون نتيجته أن تكون من أهل النار، وهذا الشعور يجعلك تخاف، فهو دليل على أنك مؤمن وعندك صريح الإيمان، فلا يجب أن تقلق لكن لا أقول لك لا تأبه ولا تهتم بهذا الشعور، لا.
بل ينبغي للإنسان أن يكافح هذا الأمر، يكافحه بقراءته القرآن الكريم، بالذكر، بالعبادة، بصرف التفكير عن هذه الأمور، بقراءة الكتب التي تصرف هذه الهواجس والوساوس، وأهم من ذلك، لا أقول أهم من العبادة، لكن أهم من قراءة الكتب، أن تتصل ببعض الشيوخ الذين تثق فيهم، وتعرض عليهم ما تجد، حتى لا تبقى وحدك في المعركة، بل تستعين بمن قد يكون خاض هذه الأمور أو عاشها، أو جربها، أو عرف عنها أكثر مما تعرف.
طريق الشهوة
الطريق الأول: طريق إثارة الشبهات في قلبه، يشككه في الله، أو في الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في القرآن، أو في الجنة، أو النار، أو في البعث، فإذا استقرت هذه الشكوك في قلب الإنسان، وامتلأ بها ضميره، فإنه حينئذٍ يكون قد سلم قياده للشيطان، وانتهى منه الشيطان.
ولكن قبل أن نغادر هذه النقطة، أقول: يجب أن نفرق بين الوساوس التي قد تعرض لكل إنسان، وبين العقيدة المستقرة في القلب، فما من إنسان إلا والشيطان يحاول أن يغريه، ويحاول أن يثير عليه الشكوك والوساوس، وخاصة في فترة الشباب وفترة التفكير، فيبدأ الإنسان يضرب يمنةً ويسرةً ويفكر، وقد يحاول الشيطان أن يلقي إليه بقدر ما يستطيع بعض الشبهات، فتجد هذا الإنسان -وكم رأينا من بعض الشباب، حتى الذين فيهم خيرٌ وصلاحٌ واستقامة- تجده يعيش حياته في قلق، لا يهدأ له بال، ولا يستقر له ضمير، ولو فتشت لوجدت أن الشيطان قد ألقى في قلبه شبهة من الشبهات، أو وسوس له بشيءٍ ما نغص عليه حياته.
ثم بدأ يقول له: أنت الآن على حال من الكفر، أو شك في الدين، ومن الممكن أن الموت يداهمك اليوم أو غداً، فتموت كافراً، وهذا الشعور يقلق الإنسان كثيراً، يقلقه كثيراً أن يشعر أنه لم يستقر الإيمان في قلبه، وأن الموت يهدده في كل لحظة، فهو حريص على أن يمتلئ قلبه إيماناً، لكن ليس بإمكانه ذلك بين عشية وضحاها.
فأقول: هنا يجب ألا ننخدع بهذه القضية، لأن هذه ألعوبة محبوكة من الشيطان، لكن يجب أن نكون منتبهين لها، ربما يكون قصد الشيطان هنا، إضافة إلى أنه يحرص بطبيعة الحال على أن يضل الإنسان، قد يكون قصده من جانبٍ آخر، وهو أنه ينغص على المؤمن عيشه، ولا تظن أن الشيطان لا يفكر في هذه الأمور، حتى الحزن، يحرص الشيطان على أن يكون الإنسان حزيناً، وقد ذكر الله تعالى هذا في كتابه، فقال: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة:10] والشيطان حريص على أن يكون الإنسان فقيراً: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] فربما يكون قصد الشيطان هنا أن ينغص عليك الحياة، ويجعلك في حال من التوتر والهم والحزن شديد، على الأقل ربما يكون من نتائج هذا أن الإنسان قد يكون عنده رغبة في الخير وحرص على الطاعات، فيضعف ويصبح إنساناً عادياً، يؤدي الفرائض، ولا يهتم بأمرٍ آخر.
فإذا قيل له: اتق الله وفكر في أمور دينك، وفكر في الآخرة، قال: يا أخي أنا لا أحب أن أفكر في هذه القضايا، لماذا لا تحب أن تفكر فيها؟
قال: لأني إذا فكرت فيها، تبدأ الوساوس، والشكوك، والهواجس تتسرب إلى قلبي، ثم إني أحب أن أبقى إنساناً لا أفكر في هذه الأمور، ولا تخطر لي على بال، يكفيني أن أكون كعوام المسلمين، أصلي وأصوم وأزكي وأحج، ولا أحب أن أدخل في نفسي مثل هذه المتاهات، وهذا لأن الشيطان يحرص على اصطياده، ولاحظوا كيف وصل الشيطان إلى ما يريد، بطريقة قد تخفى على الإنسان، فإذا وجد إنسان شيئاً من ذلك في قلبه، فأقول:
أولاً: يجب أن يقنع نفسه بأن الحالة التي يعيشها، ليست حالة شك، وإنما هي حالة وسوسة تدل على صريح الإيمان في قلبه، وفي الصحيح أن الصحابة جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله، إن أحدنا يجد في قلبه ما يتعاظم أن يتكلم به} وفي بعض الروايات قالوا: {إن أحدنا يجد في قلبه ما لأن يحترق حتى يصير حمماً، أحب إليه من أن يتكلم به} نفس الشعور الذي عندك جاء إلى الصحابة، وأخبروا سيد الدعاة صلى الله عليه وسلم، فقال لهم : {أوجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة} وفي أحاديث أخرى صحيحة قال: {ذاك صريح الإيمان } وقوله: ذاك اسم إشارة قد يكون راجعاً إلى الوسوسة التي ألقاها الشيطان، لأنهم قالوا: {إن أحدنا يجد } ثم قال: {أوجدتموه؟ قالوا: نعم، قال ذاك صريح الإيمان}.
فيكون ما وجدوه هو صريح الإيمان، وقد يكون الضمير راجعاً إلى شعورهم الذي عبروا عنه بقولهم: ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به} أو {ما لأن يحترق أحدنا حتى يصير حمماً أحب إليه من أن يتكلم به} والمقصود أنك أيها الإنسان الذي قد تشعر بنفسك أحياناً بهذا الشعور، لو سألناك أنت الآن فإننا نجدك متأثراً وخائفاً، تخاف من ماذا؟
تقول: والله أخاف أن أموت على هذه الحالة، هذا نفسه دليل على أنك مؤمن، لأنه لو لم يكن عندك إيمان لما كان يهمك أن تموت على هذه الحالة، أو أن تموت على أي حال، لكن خشيتك أن تموت على هذه الحال، لأنك تعلم في قرارة قلبك أن موتك على حالٍ من الشك في نظرك يكون نتيجته أن تكون من أهل النار، وهذا الشعور يجعلك تخاف، فهو دليل على أنك مؤمن وعندك صريح الإيمان، فلا يجب أن تقلق لكن لا أقول لك لا تأبه ولا تهتم بهذا الشعور، لا.
بل ينبغي للإنسان أن يكافح هذا الأمر، يكافحه بقراءته القرآن الكريم، بالذكر، بالعبادة، بصرف التفكير عن هذه الأمور، بقراءة الكتب التي تصرف هذه الهواجس والوساوس، وأهم من ذلك، لا أقول أهم من العبادة، لكن أهم من قراءة الكتب، أن تتصل ببعض الشيوخ الذين تثق فيهم، وتعرض عليهم ما تجد، حتى لا تبقى وحدك في المعركة، بل تستعين بمن قد يكون خاض هذه الأمور أو عاشها، أو جربها، أو عرف عنها أكثر مما تعرف.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5155 استماع |
حديث الهجرة | 5026 استماع |
تلك الرسل | 4157 استماع |
الصومال الجريح | 4148 استماع |
مصير المترفين | 4126 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4054 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3979 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3932 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3874 استماع |
العالم الشرعي بين الواقع والمثال | 3836 استماع |